part42

246 14 2
                                    

لم يكن الصباح في القصر كما هو في أي مكان آخر، فالظلام دائم الحضور هنا. السماء فوق القصر محاطة بغيوم كثيفة سوداء لا تتبدد، كأنها درع يصد ضوء الشمس عن اختراق هذه الأرض. الأجواء خافتة، مضاءة فقط بمصابيح الزيت المتدلية من السقف، وألسنة النار الصغيرة المشتعلة في الممرات الطويلة.

لكن حتى هذا الظلام لم يمنع القصر من الحياة. ضجيج القطيع كان يرتفع في كل زاوية؛ صخب الذئاب الصغيرة وهي تركض على الأرضيات الحجرية، أصوات التحام الأنياب في لعبة حماسية، وضحكات مختلطة مع عواء متقطع.

داخل قاعة العرش المظلمة، جلس سايروس على عرشه المصنوع من الذهب، لقد كان رمزاً لهيبته وقوته كألفا لا يقهر. الغرفة كانت باردة بشكل لافت، رغم ألسنة اللهب التي تتراقص في مشاعل الحائط. لم يكن الصمت سيد المكان؛ أصوات خطوات القطيع في الخارج كانت تتسلل عبر الجدران السميكة، لكن هذا لم يزعج سايروس، بل كان يذكره بأن الجميع تحت سلطته.

أمام عرشه، وقفت ثلاث نبيلات، يرتدين أثواباً أنيقة تناقض الأجواء الكئيبة للمكان. كل واحدة منهن تحمل في ملامحها كبرياء واضح، لكن عيونهن لم تخلُ من القلق، فهن يعرفن أن الوقوف أمام سايروس ليس بالأمر السهل.

سايروس، بنظراته الحادة، أشار إليهن بالتقدم خطوة للأمام. بصوته الجاف والآمر قال:

"أنتم الآن مسؤولات عن لورا. لن أكرر هذا الأمر مرتين: أنا بحاجة لأن تكون جاهزة، ملتزمة، ومطيعة. كل واحدة منكن ستؤدي دورها، ولن أقبل بأعذار."

تقدمت إحداهن بخطوة صغيرة، مترددة بعض الشيء، وسألت:
"كيف تريدنا أن نبدأ؟"

أجاب سايروس دون أن يرف له جفن:
"ابدأن بما تحتاجه أكثر... السيطرة على عنادها. سأترك التفاصيل لكن، لكن النتيجة هي كل ما يهمني. إذا فشلتم في كبح تمردها، فلا جدوى من وجودكم هنا."

تبادلن نظرات سريعة قبل أن تقول أخرى:
"وماذا لو قاومت؟"

ابتسم سايروس ابتسامة باردة، وقال بصوت ينضح بالهيمنة:
"لورا ستقاوم. الأمر ليس احتمالاً بل حقيقة. لكن إن لم تستطعن السيطرة على طفلتي ، سيعد هذا فشلا كبيرا و هو ليس في صالحكم "

رفعن رؤوسهن بخفة، قائلين في نفس الوقت و بنفس النبرة
"لن نخذلك."

هز سايروس رأسه بإيماءة صغيرة وقال وهو يعود للجلوس على عرشه:
"هذا ما أريد سماعه. الآن، أغلقن أفواهكن وابدأن العمل."

غادرن القاعة دون مزيد من النقاش، وأعينهن مليئة بالعزم، بينما بقي سايروس جالساً، مراقباً الأبواب تغلق خلفهن، وابتسامة باهتة ترتسم على وجهه

اما عند لورا فلقد كانت تقف في ردهة القصر الكبيرة، محاطة بجدرانها السوداء المظلمة، عندما دخلت النبيلات الثلاث واحدة تلو الأخرى. كانت عيونهن بارزة، وأجسادهن المستقيمة تعكس الاحترام والجدية. وقفت لورا بلا حراك، ملاحظة تعبيرات وجوههن التي كانت تعكس شيئًا بين الجدية و الحزم

بين الصدفة و القدرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن