2 العد التنازلي للنهاية

33 1 0
                                        

من أقسى المشاعر التي يمكن أن يعيشها الإنسان، أن يكتشف مع مرور الأيام أن الشخص الذي ظنّه يعرفه أكثر من نفسه لم يكن هو قطّ، بل كان مجرّد صورة مخادعة تخبّئ خلفها حقيقة مختلفة تمامًا. أيُعقل أن تقبل هذه الصدمة؟ هل تنكرها؟ هل ترضخ لها؟ أم تصاب بالذهول الذي ينهشك من الداخل حتى تصل أخيرًا إلى الاستسلام، إلى لحظة تقبّل الحقيقة الموجعة: أن ذلك الشخص قد مات في اللحظة ذاتها التي تكشّفت فيها حقيقته.

تنظر إلى النهر وصدرها يعتصر بشدة كأنّه يرفض التنفس، الهواء يصفع وجهها بعنف، لكنه يعجز عن التسلل إلى رئتيها. تمد يدها إلى عنقها تبحث عن متنفس، عن ثغرة صغيرة تسمح بمرور الحياة إليها، لكن لا جدوى… كل ثانية تمضي تزيدها اختناقًا، كأن الزمن ذاته يتحالف ضدها.

ينظر إليها تاي، ليراها تصارع حتى نفسها كي تلتقط أنفاسها. يتقدم نحوها بخوفٍ يختبئ خلفه ذعر خفيف تسلّل إلى قلبه حين رأى حالة أخته.
"هانا… هانا، اهدئي. تنفسي بانتظام، افعلي مثلي… شهيق… ثم زفير."
أدى الحركة أمامها لتجاريه هانا بها، محاولةً استعادة أنفاسها المضطربة. ومع كل نفس يتخلله ألم، بدأت دموعها تهطل بلا توقف، دموع ثقيلة تحمل كل ما عجز قلبها عن احتماله.

قالت بصوت متقطع وسط شهقاتها:
"هذا لا ينفع يا تاي… لا ينفع! الألم في قلبي لا يُحتمل… أشعر وكأن الهواء نفسه يرفض الاقتراب من صدري، كأن كل شيء يتآمر عليّ. كيف يمكن لشخصٍ عشت معه عمري كله، أن يكون في النهاية مجرد قناع… شخص يتلاعب بي طوال هذا الوقت دون أن أشعر؟"

ثم ارتجف صوتها أكثر وهي تضيف:
"كيف يكون كل هذا من تدبير جدّنا؟! الرجل الذي كنّا نظنّه بالأمس مستعدًا ليضحي بنفسه لأجلنا… كيف اليوم يتكشف أنه مجرد كاذب… مخادع؟! قاسٍ… قاسٍ جدًا!"

كان تاي يصغي لها بكل جوارحه، ومع كل كلمة تنطقها كان قلبه ينكمش أكثر فأكثر. كلماتها لم تكن مجرد بوحٍ، بل حقائق جارحة طعنت صدره بعمق.
أيعقل أن يكون هذا الرجل… جدّهم؟!
لا، لم يعد يعترف به كذلك. لقد تبرّأ منه في داخله، وقطع آخر خيوط القرابة التي كانت تربطه به. أدرك فجأة أن جده لم يحبه يومًا، لا هو ولا كاي… وربما لم يحب أحدًا من العائلة حقًا. ومع ذلك، كان في صدره جرح نازف: كيف استطاع أن يمثل كل هذه السنين؟ أكان حبه للجميع مجرد مسرحية باردة؟ إلى هذه الدرجة كان خداعه متقنًا؟!

رفعت هانا عينيها المبللتين بالدموع، بين شهقاتها المتقطعة همست بصوت متهالك:
"تاي… أعدني إلى القصر الآن."

أمال رأسه جانبًا، يتفحصها بحذر وصوت مرتجف:
"هل أنتِ متأكدة؟"

هزّت رأسها بحزم، رغم الانكسار الذي يكسو ملامحها:
"أجل… عدني إلى القصر."

«في عرين المافيا» حيث تعيش القصص. اكتشف الآن