الفصل التاسع

17.7K 1.8K 125
                                    

"ألازلتِ تشعرين بالمرض؟" سأل ديڤيد بنبرة قلق وهو يسكبُ لي كأساً من جاك دانيلز (أحد انواع الويسكي).
"قليلاً." قلتُ بهدوء ومن الجيد أني تذكرتُ أمر كذبتي عليه في آخر لحظة.
كنتُ وأخيراً قد خرجتُ مع ديڤيد، بما أني قمتُ بإلغاء خروجنا بالامس.
تناولتُ القليل من طبقي.
"روز، لقد نسيتِ الحبوب." قال لي وهو يتفحصني.
"آه، صحيح." قلتُ متذكرة وقد ادخلتُ يدي قي حقيبتي ابحث عن الحبوب.
بحثتُ عنها جيداً في الحقيبة ولم أجدها.
أفرغتُ محتويات الحقيبة ولازلتُ لا أجد الحبوب.
"ديڤ، لابد أني نسيتها." قلتُ له غير مصدقة.
"لابأس، سأجلبها." قال لي وهو ينهض ويترك طعامه.
"ديڤيد لا تكن سخيفاً، اكمل طعامك سآخذها عندما نعود." قلتُ له وقد تشبثتُ بذراعه ليجلس.
"كلا، هل جُننت؟ِ عليكِ أخذها على معدة فارغة." قال لي بجدية.
"ولكن.." بدأتُ أقول.
"اسمعي، الفندق في الشارع المقابل فقط لن أتأخر، كما أن هذه الحبوب مهمة لنبدأ عائلتنا الصغيرة." قال لي وقد همس الجزء الأخير مبتسماً.
تركتُ ذراعه ليذهب، وبقيتُ انتظره فوق الطاولة.
"روز.." همس أحدهم في أذني من الخلف ليقشعرّ جسدي لأنفاسه الدافئة.
التفتُ بدهشة لأجد هاري.
"هاري؟ ما الذي تفعلهُ هنا؟" سألتُ بدهشة وأنا اتلفتُ حولي لأتأكد بأن ديڤيد لم يعد بعد.
"لا تقلقي، لقد تأكدت بأن زوجكِ قد غادر." قال ببساطة.
"لم تُجبني ما الذي تفعلهُ هنا؟" سألته مجدداً وقلبي لايزال ينبض بفزع.
"لقد كنا نتحدث انا والناشر عن رواياتي على العشاء، وأنتِ؟ لمَ غادر زوجكِ؟" سأل وقد اتكأ بمرفقه على كُرسييّ.
"لقد نسيتُ دوائي في الفندق." اخبرته.
"دواء ماذا؟ هل أنتِ بخير؟" سأل قلقاً.
"أجل.. إنه دواء.. للحمل." اخبرته مترددة، لستُ اعلم لماذا.
"همم." هزّ هاري رأسه متفهماً.
"صحيح، بخصوص اغلفة رواياتي.." بدأ يقول.
"صحيح بخصوصها.. هاري أنا اسفة، اعلم بأني وافقت ولكني لا استطيع، كنتُ سأخبرك بهذا اليوم لو تقابلنا." اخبرته بأسف.
بالأمس فكرتُ في الموضوع جيداً، في البدء أنا وافقت دون تفكير وقد كان هذا خطئاً فادحاً مني.
ولكني لن أبقى في المانيا للأبد، ثم إني لا استطيع الإستمرار بمقابلة هاري دون معرفة ديڤيد بالأمر، هذا قد يسبب المشاكل وخصوصاً بينما نحاول أنا وديڤيد إنجاب طفل.
"لماذا؟" سألني وقد عقد حاجبيه.
"لأني لن أبقى في المانيا للأبد، ولا استطيع الإستمرار في مقابلتك دون معرفة زوجي بالأمر." أجبته وقد تلفتُ حولي لأتأكد بأن ديڤيد لم يعد.
"سآتي حيثُ تعيشين، وبالنسبة لأمر زوجك فنحن لا نقوم بعمل خطيئة." قال بهدوء.
"انا اعيشُ في لندن ياهاري، وأعلم اننا لا نقوم بخطيئة ولكني لا استطيع الكذب على ديڤيد اكثر وخصوصاً ونحن نحاول انجاب طفل." قلت له بجدية.
"سآتي للندن، عائلتي هناك، ولكن ارجوكِ لا تتراجعي عن موافقتك فأنا احتاجُ موهبة كموهبتك." قال وفي صوته نبرة غريبة لم أفهمها.
القيتُ نظرة على الباب الزجاجي خلف هاري لأرى ديڤيد يعبر الشارع.
"هاري ارحل من فضلك، ديڤيد قادم." قلتُ له وقد وضعتُ كلتا يدايّ على كتفيه لأدفعه بخفة.
"لن أرحل حتى توافقي مجدداً." قال بجدية وقد بقي في محله.
"هاري لا تخلق المشاكل الآن، ارحل." قلتُ له ولازلتُ ادفعهُ من كتفيه.
"لن افعل." قال ببساطة وقد جلسَ على الأرض بجانب كُرسييّ.
"ما الذي تفعله؟ هل جُننت؟ انهض!" قلتُ له بإنفعال ولكنه بقي جالساً والجميع ينظر نحونا.
اقترب ديڤيد من المدخل متبسماً وقد لمحتُ علبة الدواء في يده.
"اتعلم ماذا؟ تعال لدورة المياه." قلتُ له ثم سحبتهُ من ذراعهِ لينهض.
نهض هاري خلفي نحو دورة المياه التي كانت فارغة لحسن الحظ.
اقفلتُ الباب والتفت لأجد هاري ينظر لي وهو يحاول إخفاء ابتسامته.
"لا تبتسم أنا جادة، لا أستطيع، لن أسبب مشاكل لنفسي فقط بل حتى لك." قلتُ له بصوتٍ منخفض.
"هل سمعتِني أتذمر بخصوص هذا؟" سأل رافعاً حاجباً.
"كلا، ولكن.." بدأتُ أقول له.
"لوحة واحدة فقط." قاطعني.
"هاري.." عدتُ أقول.
"واحدة فقط." قاطعني مجدداً وقد اقترب مني.
تراجعتُ للخلف وظلّ يقترب، وظللتُ أتراجع حتى اصطدم أسفل ظهري بحوض الغسل.
"إنكَ قريبٌ جداً." قلتُ بهدوء وأنا لا أنظر في وجهه.
"أعلم هذا." ردّ بثقة.
رفعتُ عينيّ في عينه وأخيراً.
لمحتُ عينيه بالبريق نفسه والعواطف نفسها التي رأيتها في حُلمي أول مرة.
وللحظة تذكرتُ كيف جُنِنتُ بعينيه، ورسمتهما بكلّ شغف.
فهي لم تكن خضراء كأيّ لون، بل كانت داكنة كلون الغابة، تستطيع الغرق فيهما دون نجاة.

استفقتُ من أفكاري لأجد هاري ينحني برأسه نحوي وقد وضع كلتا يداه على أطراف الحوض ليحجزني.
صمت، وبقيتُ في مكاني، بينما هو ظلّ يقترب حتى تلامس أنفهُ بأنفي.

"روز، هل أنتِ بالداخل؟" سأل ديڨيد وهو يطرق الباب.
انتفض كلانا على صوته.
ما الذي كنتُ على وشك فعله؟ كان سيقبلني؟ هل كان فعلاً سيفعل؟ كنتُ سأسمح له!! ماخطبي بحق الجحيم؟!

"روز..؟" عاد ديڤيد يسأل.
وكزني هاري في خصري لأُجيب عليه.
"أجل، أنا بخير، اشعر بالغثيان فقط." أجبتهُ بصوتٍ مرتجف.
"هل تريدينني أن أدخل؟" سأل من خلف الباب.
"كلا، سأغسل وجهي وأخرج." قلتُ له محاولة جهدي أن أبدو طبيعية.
"حسناً، سأنتظرك." أجاب ديڨيد وسمعتُ صوت خطواته تخطو بعيداً عن دورة المياه شيئاً فشيئاً.

"ممثلة بارعة." همس هاري مبتسماً.
ضربتهُ بخفة على صدره ولكن كانت ملامحي جدية.
"اخرس، لقد كاد أن يفشل زواجي بسببك." قلت له منفعلة.
"كوني هادئة، قد يسمعك." قال بهدوء.
"ما الذي تنتظره؟ ابعد ذراعيك سأخرج." قلتُ له بجدية ولكن هاري لم يحرّك ذراعيه.
"قولي بأنكِ سترسمين لرواياتي." همس.
"حسناً حسناً، سأرسم لرواياتك." قلتُ مستسلمة وقد أبعد هاري ذراعيه أخيراً.
التفتُ نحو الحوض وقمتُ بغسل وجهي.
"سأخرج اولاً ثم أنت." قلت له.
هزّ هاري رأسه موافقاً، فرتبتُ مظهري وخرجت لأجد ديڤيد ينهض من الطاولة نحوي.
"أأنتِ بخير؟" سألني قلِقاً.
"أجل، شعرتُ بالغثيان فقط." أجبته.
"هل الطعام سيء؟ هل نذهبُ لمطعمٍ آخر؟" سأل مجدداً.
شعرتُ بالذنب لما كاد يحصل في دورة المياه، ولقلق ديڤيد ولطفه معي.
"ديڤ.." همست.
"أجل ياروزي؟" سألني مبتسماً وقد ضمّني نحوه.
"شكراً لوجودك." قلتُ له.

عشق على ورق | h.sحيث تعيش القصص. اكتشف الآن