الفصل السابع عشر

15.8K 1.7K 217
                                    


لم أشعر بأصابعي عندما نقرت على أزرار الهاتف واتصلن بهاري.
لم أشعر بهنّ مطلقاً وكأن لهنّ عقلهن الخاص وتفكيرهنّ وإرادتهنّ الخاصة.
اتصلتُ به وردّ عليّ فوراً.

"هـ.. هاري.." حاولتُ القول من بين شهقاتي.
"روز؟ أتبكين؟ ماذا حدث؟" سألني قلِقاً من على الطرف الآخر.
"لوحاتي هاري!" صرختُ باكية في إنفعال وقد ضربتُ بيدي الأخرى على الأرض لتصطدم بحُطام اللوحات وتفتح جُرحاً في يدي.
"ماخطب لوحاتك، روز؟ اتعلمين، ارسلي لي موقعك وسآتي." قال بجدية وأقفل الخط.
أرسلتُ له موقعي دون تفكير وقد تلطخ هاتفي ببعض الدماء الصادرة من يدي.
وبقيتُ أبكي في مكاني، احتضنُ حُطام لوحاتي لصدري لمدة نصف ساعة وقد بدأتُ أشعر بدوار البكاء.
كيف أمكن لديڤيد فعل هذا؟ أعلم بأني مُخطئة في حقه ولا أُمانع لو قام بقتلي ولا أن يُدمّر أعمالي.
لطالما استسخف ديڤيد لوحاتي ورسوماتي ولم يبدِ أي أهتمامٍ تجاهها.

"روز! افتحي الباب! هل أنتِ بخير؟" صرخ هاري وهو يطرق باب المنزل بعنف.
لشدّة بكائي وحنقي لم أعد أرى طريقي جيداً، نهضتُ بصعوبة وحاولتُ فتح الباب ولكن إنتهى بي المطاف واقعة أرضاً مغشياً عليّ.

فتحتُ عينيّ وقد شعرتُ بصُداعٍ شديد وكأن أحدهم ألقى بمرساةٍ فوق رأسي.
كنتُ ممدة فوق الأريكة، وأضواء المنزل خافتة، بدأت الأجواء وكأنهُ حلّ المساء.
ثم لاحظتُ بأن المكان نظيفاً..
سمعتُ صوت ضجة فالتفت لأجد هاري يجلسُ مستديراً ليواجهني بظهره ويقوم بعمل شيءٍ ما.

"ماذا تفعل؟" سألتُ بصوتٍ مبحوح لكثرة البكاء والصراخ.
التفت هاري وقد بدا وجهه شاحباً، وعلامات السهر تحت عينيه، كم الساعة الآن؟ كم مضى على جلوسه هنا؟ ألم يعد ديڤيد ورأى هاري؟
رفع هاري يده ليُريني الشريط اللاصق الشفاف العريض.
ثم التفتُ للناحية الأخرى لأجد لوحاتي المُحطمة قد التصقت، صحيح ليس جيداً وقد تتفكك سريعاً ولكن هذا أفضل من الحطام الذي كانت عليه.

"لا أعرفُ ماذا أقول، هاري.." بدأت أقول له وقد شعرتُ بالخجل منه لكوني طفلة صغيرة تبكي كثيراً وتتذمر كثيراً وتطلب منه المساعدة كثيراً.
"قولي لي شيئاً واحداً فقط.. ماذا حدث؟" سألني بهدوء.
صمت، لا أعرف بما أُجيبه.
"لابد أن الشجار كان كبيراً ليُحطم لوحاتك، وليُغشى عليكِ بهذه الطريقة المُخيفة." قال وقد عقد حاجبيه.
"يظنني أخونه.. معك." صارحته وقد استقمتُ بظهري على الأريكة لأراه جيداً.
"أيعرفني حتى؟" سألني مستغرباً.
"كلا." أجبته.
"ماذا إذاً؟ لستُ أفهم." سألني وقد بدا ضائعاً.

بدأتُ أقوم بفركِ عنقي في حركة توتر، لا أعرف كيف سأشرح له ما أمرّ به مع ديڤيد.

"انتظري لقد فُتِحت ضمادتك." قال وقد نهض سريعاً للمطخ المقابل لغرفة الجلوس.
ثم خرج بعد دقائق بوعاء ماءٍ دافيء وضمادات.
"آسف، ربما أنا قمتُ بتخريب مكان الأشياء حتى اعرف أين تضعين كل هذا." قال ضاحكاً وقد انحنى على ركبتيه وأمسك بيدي نحوه.
لمستهُ ارسلت انتفاضات كهربائية لجسدي بطريقةٍ ما.
"اكملي كلامك." قال بهدوء وهو يقوم بفتح الضمادات.

"أنا لا أتقن رسم الملامح البشرية." أخبرته وأنا أراقبه وهو يقوم بنقع المسحات في الماء الدافيء.
رفع هاري حاجباً.
"لا أتقن رسم الملامح البشرية، بمعنى آخر لا أتقن إلا رسمكَ أنت." قمتُ بتعديل صياغتي.
توقف هاري عن تجفيف المسحات ونظر لي.
"لقد كان يطلبُ مني ديڤيد رسمهُ مراراً وتكراراً وحاولتُ رسمه وبذلتُ جهدي ولكني لا أنجح، ثم رأى لوحات المعرض التي قمتُ برسمها عنك وظنّ أني أعرفُك وأخونه.." أخبرتهُ وأنا أُحدّق في كل مكان إلا عينيه.

"أفعلاً لا تستطيعين رسم سواي؟" سألني وهو يقوم بمسح جرحي بتلك المسحات الدافئة.
تألمتُ قليلاً وسحبتُ يديّ.
"آسف، يداي خشنتان قليلاً." قال بهدوء وعاد يسحبُ يدي الصغيرة بين يداه الصخمتان.
"هاري.." ناديتهُ بهمس وقد رفعَ رأسهُ نحوي وتلألأت خضرة عينيهِ تحت أضواء منزلي الخافتة.
"أين خاتم زواجك؟" سألتهُ أخيراً وأنا لا أعرفُ من أين استجمعتُ هذه الشجاعة.
صمتَ هاري وبقي ينظر لي ثم ابتسم.
"نسيته، لمَ تسألين؟" قال ببساطة ثم سألني.
"فضول." أجبتهُ ببساطة مماثلة لبساطة سؤاله.
"فضول؟" سأل ضاحكاً.
أومأتُ برأسي نعم وقد ابتسمتُ لصوت ضحكهِ.
"سأتظاهر بالغباء لأجلكِ هذه المرة." قال مبتسماً وقد توقف عن الضحك.
حدّقنا ببعضنا لفترة.

"ماذا حصل لـ 'لن أستطيع رؤيتكِ بعد الآن'؟" سألني بنبرة ساخرة وقد اقتبس مقولتي في المانيا عندما اخبرتهُ بأن ننهي مابيننا.
ضحكتُ بخفة وقد أنزلتُ رأسي إحراجاً.
"لقد تقابلنا صدفة في المكتبة." قلتُ بهمس.
"أجل لقد قمتِ بشراء الكتاب صُدفة، ووقفتِ في الطابور صدفة، وانتظرتيني فوق الطاولات صدفة، واتصلتي بي صدفة كذلك." قال ساخراً وهو يقوم بربط الضمادة الجديدة.
"تظاهر بالغباء مرة ثانية لأجلي." قلتُ ضاحكة.
قهقه هاري ضاحكاً وقد أومأ رأسه مجيباً بنعم.

من الغريب كيف أنسى تعاستي بوجوده..

نظرتُ نحو خاتم زواجي، ثم نظرتُ لوجه هاري وهو ينظرُ نحو جرحي بتركيز وإهتمام ليتأكد من أنه قام بالعمل الصحيح.
لقد سئمتُ من الإستماع لعقلي الذي لم يقودني سوى للمتاعب.
مددتُ يدي الأخرى وخلعتُ الخاتم ثم وضعتهُ فوق الطاولة.
تتبعت عينا هاري تحرّكاتي بعينينٍ متسعتين.

"قبّلني." همست.
بدا هاري متفاجئاً، ولكن ملامحه تحولت سريعاً من تفاجؤ لغضب ثم حزن.
في حركة سريعة سحبَ مفاتيح سيارته وخرج ثم أقفل الباب خلفه بقوة.
ما الذي فعلته؟



عشق على ورق | h.sحيث تعيش القصص. اكتشف الآن