~ الخرساء والوحوش ~

57.3K 2.4K 632
                                    

(يوسف)

على بعد 60كم من المدينة تكمن مزرعتنا التي تحوي منذ سنين طويلة افراد اسرة ياسين مجتمعين معاً.

انا يوسف خالد بالمناسبة؛ اليوم بلغت العاشرة دون ان ينتبه احد افراد اسرتي البالغ عددهم 17 فرد الى ذلك. اجل لا تستغربوا، اخبرتكم اننا ومنذ سنين طويلة نعيش معاً وهذا يشمل الجد وابنائه وزوجاتهم وبناته وازواجهم وبالتالي احفاده. نحن ذلك النوع من الاسر الكلاسيكية الذي يبقى فيه افراد الاسرة معاً.

انشغل الجميع عن تهنئتي بموضوع اكبر من مجرد عيد ميلاد سخيف؛ انه موضوع العمة سلوى الذي اعيد فتحه بعد سنين من ارشفته بطي النسيان.

العمة سلوى كانت تلك الطفلة تعيسة الحظ التي ماتت جدتي وهي تلدها فحظيت بمعاملة خاصة من جدي وباقي الابناء فأصبحت تلك المدللة التي لا يقال لطلباتها "لا"؛ افرطوا في دلالها لدرجة أصبحت تنفذ ما تقرره دون ان يتمكن احد من صدها؛ حتى حين وقعت بغرام سائق العائلة مازن. ذلك الشاب الطموح الذي تتخطى احلامه سنه الخامسة والعشرين؛ وتتخطى طموحاته مجرد كونه سائق؛ لقد كان يطالب بحرية في مجتمع تمت ولادته مقيد؛ مجتمع يسير افراده على مبدأ ( لا اسمع_ لا ارى_ لا اتكلم) كي يتمكنوا من العيش سالمين. كان جدي يراه نكرة للمجتمع بأفكاره الساذجة عن التحرر والتعبير عن الرأي؛ بينما عمتي سلوى شاركته سذاجته هذه وامنت بأفكاره ليكلل هذا الحب في النهاية بالزواج!

كان قرار ارتباطها بمازن سبب اكثر من كافي لتندلع الانتفاضة في ارجاء المنزل كي تعدل عن رأيها؛ ولكنها لم تفعل... حينها وقع جدي بأكثر خطأ فادح حين طرح امامها الخيار؛ اما ان تختارهم او تختار مازن.
وبالطبع عمتي الساذجة كانت تحت حمى عواطفها المزمنة ففضلت اختيار مازن عليهم؛ وبالتالي كأي اسرة ارستقراطية كانوا يعتبرون ارتباطها بمازن عار يحاولون بشتى الطرق التخلص منه؛ لذلك تم نفيها من الاسرة واصبحت اسم غير معترف به بينهم فعاشت حياتها بعيداً عنهم.

ظننا ان موضوع العمة سلوى صفحة ومزقناها من حياتنا؛ ولكن هذه الصفحة فرضت نفسها علينا وبقوة قبل عدة ايام مع الخبر الصاعق الذي حل علينا؛ لقد ماتت العمة سلوى وزوجها مازن. لقد تم اعدامهم بعد ادانتهم بالتحريض على الثورة. وعار اخر اضيف الى سجل العائلة بسببها.
لم يتوقف الامر عند هذا الحد؛ لقد ماتا تاركين خلفهما ابنتهما الصغيرة علياء ذات الخمس سنوات.

دخل المنزل في حداد مفجع ولكن بدموع مخفية وصرخات مكتومة؛ فبالنسبة للجميع سلوى هي المذنبة التي لم يغفروا لها خطيئتها بعد؛ ولن يحزن عليها احد؛ لقد جلبت العار لأسرتها المعروفة والمحترمة؛ بالنسبة لهم فلا يليق بأسرة ياسين ان تعدم ابنتهم او ان تسجن؛ لذلك لم يجرؤ احد افراد الاسرة ان يظهر حزنه امام الاخر وكلًا بكاها بسرية متواريا عًن الانظار؛ فهي بالنهاية سلوى؛ مدللتهم الصغيرة؛ كيف لا يمكنهم ان يحزنوا؟

عذابي الصامت (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن