~ رحيل ~

27.5K 1.6K 253
                                    

(علياء)

أنا علياء.. الاميرة الصامتة.. عليائي.. اميرتي.. ابنة السائق... المجنونة... غريبة الاطوار...الخرساء...هذه هي المواصفات التي عرفتموني بها...لذلك اختاروا ما يعجبكم لتتخيلوني به.. تخيلوني ابنة اسرة ياسين النبيلة..او تخيلوني ابنة السائق الثورية... فجميعها لا تهمني...فلطالما تمنيت ان لا ينظر الناس لمن انتمي بل يحكموا علي بمن اكون بالفعل عليه.. بشخصيتي.. بتفكيري.. بكياني ..ولكنهم لم يفعلوا!

تجاهلوا شكل علياء ليرسموا بمخيلتهم اما حفيدة ياسين العزيزة...او ابنة السائق الذليلة...ولكن الاهم من بينهم كان يوسف والمهم ان يوسف لا ينظر الى هذين الامتدادين المختلفين لنسبي.. هو الوحيد الذي اهتم بي لكوني انا.. نظر الى اعماقي ليفهمني دون ان اتحدث.. - عفواً...قصدي دون اشير... فكما تعلمون انا الخرساء كما قلت لكم-..الوحيد الذي يتطلع بعيني كما يتطلع بلوحة فنية يحاول التشبع من تفاصيلها التي لا يملها ونقشها في مخيلته...انه الوضوح الوحيد في عالمي الضبابي!...

أنفرج جفاني بتثاقل.. فتحتهما مرة وأغلفتهما ..فتحتهما.. أغلفتهما.. ثم واخيراً أطاعاني وتخلصا من النوم الملتصق بهما فانفصلا عن بعضهما ..كانت الاجواء صامتة لا يخترقها شيء سوى حركة عقارب الساعة فوق المنضدة المجاورة لسريري.. قد تظنون انه هدوء اعتيادي في الصباح.. اجل..انه كذلك بالنسبة لكم..لكن ليس بالنسبة لي.. لاسيما وان الساعة اصبحت العاشرة الان..

انها المرة الاولى منذ سنين التي انام فيها بشكل متواصل الى العاشرة صباحاً.. ففي كل يوم هناك تقاليد مقدسة يتبعها الاحفاد معي.. كل فرد يستيقظ منهم يأتي لرفس الباب بقوة بقدمه قبل ان يتابع سيره نحو الاسفل..ومع كل رفسة استيقظ فزعة ثم اعود بالكاد لأغط بنوم جديد قبل ان استيقظ فزعة مرة اخرى..حفيد اخر قد استيقظ!!.. وهكذا استمر بالاستيقاظ مفزوعة مرات عديدة على عدد الاحفاد ناقص اثنين..بالطبع ديما ويوسف هما الوحيدان من لا يفعلا هذا!.. وقد اكون محظوظة احيانا ويستيقظ يوسف قبلهم فيخرج من غرفته مزمجراً بهم ويوبخهم ان سمعهم يرفسون باب غرفتي فيولون هاربين واحظى بنوم اطول قليلاً قبل ان يستغلو عودته للنوم او نزوله للأسفل ليكملوا طقوسهم الصباحية!...

لذلك هل عرفتم لما استغربت هذا الهدوء الصباحي.. فلا الباب ضُرب..ولاصوت يوسف زمجر..أيعقل ان جميعهم نائمين؟!

نهضت من فراشي بتكاسل ورأسي يرغب بشدة ان يلتصق بالوسادة مجدداً ليغط بنوم عميق اخر بسبب تلك السهرة الطويلة التي قضيتها بالأمس مع يوسف في الصالة.. سهرة رغم متعتها ورغبتي بها ولكن لاانكر انها اثارت استغرابي.. فيوسف يرفض بشدة ان اسهر مطولاً فهو يقول دائماً لي ان السهر مضر بالصحة وعلي ان لااعتاد عليه ابداً..ولكن الأمس كان الوضع مختلف..أصر على اطالة السهرة قدر الامكان وكلما انتهينا من مشاهدة فيلم وانوي القيام نحو غرفتي كان يرفض ذلك ويطلب مني البقاء بحجة ان هناك فيلم اجمل سيعرض وعلينا متابعته..وبالطبع كنت اوافق فوراً رغم نعاسي الشديد.. فهل انا مجنونة لأرفض وقت اضافي برفقة يوسف؟!..لعله يفصح لي عما يقلقه منذ اسبوع؟..عما يحزنه؟..عما يدفع تلك الدموع ان تتجمع بعينيه وهو ينظر لي؟..فبعد تلك الحادثة هناك شيء ما قد حصل لا اعلمه انا..ولكن مااعلمه انه احزن يوسف.. حزن يمكنني قرائته بسهولة وانا اغوص داخل عينيه المحدقتان بي..ولكن كلما سألته انكر واخبرني ان كل شيء على مايرام...ولكني اعلم انه ليس كذلك...

عذابي الصامت (مكتملة)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن