(الكاتبة)
في إحدى مراكز الرعاية بكبار السن دخلت الصحفية ميادة ذات الشعر الاشقر الطويل تغطي عيونها الواسعة بنظارة شمسية قاتمة رغم دخولها الى المركز وحجب السقف عنها شمس الظهيرة الحارقة ألا مصرة على ابقائهما فوق وجهها.. تمسك بيدها دفتر ملاحظات صغير وقلم وتضع على كتفها حقيبتها السوداء المتناسبة تماماً مع ذاك الحذاء اللامع وكأنها ابتاعته للتو مع بنطال من الجينز ازرق اللون وكأنها مصنوع فوق جسدها من شدة الضيق وقميص ابيض انساب بأريحية عليها..
قصدت طاولة معينة كان يجلس عليها رجل بلغ السبعين من عمره خط الزمن بصمته فوق وجهه وغزا الابيض ذلك الشعر الذي كان كالليل الحالك في يومٍ ما..جلست امامه بعد ان صافحته وقالت بحماس يمكننا ملاحظة مدى السعادة في نبرتها وهي تقول:
- انا حقاً سعيدة بلقائك سيد رشيد..وممتنة جداً لًأنك وافقت على اجراء المقابلة معي..
منحها ابتسامة فخر واعتزاز وهو يقول لها:
- وكيف عساي ان لااقبل شيء كهذا ياانسة ميادة..بل انا ممتن لأني سأجري مقابلة كهذه اذكر فيها امجاد دولتي وايامي المنصرمة في جيشها الباسل..
فتحت دفترها على الصفحة الاولى وهي تقول بمرح:
- يُقال ان القائد القوي يقضي ايام شبابه في الجيش ثم يقضي شيخوخته بالتكلم عن تلك الايام...
- من قال لكِ هذا الشيء فهو حكيم جداً..فهذه هي حياتنا بالضبط..مليئة بالفخر والحماس لخدمة دولتنا العظيمة ولانشغل وقتنا بأمور تافهة كما يفعل هذا الجيل..
- إذاً سيد رشيد نبدأ بالسؤال الاول..في اثناء خدمتك العظيمة بالجيش ونيلك اوسمة عديدة وترقيك لأعلى الرتب.. أهناك شيء نادم عليه؟!..
نفخ صدره بغرور وقال بثقة:
- لا شيء نندم عليه مادام في سبيل بلادنا..وان كنت سأندم فأني سأندم على ايامي هذه وانا متقاعد..
- لو اتيح الخيار لك الان بالعودة لتخدم في الجيش.. هل ستفعل؟
- ومن دون ان افكر مرتين سأفعل..
- ما هي التجارب المميزة التي حصلت معك اثناء خدمتك؟..
وهنا بدأ العجوز رشيد بسرد تاريخ بطولاته بغرور وتكبر ويعظم من شأن الدولة بشكل مبالغ فيه..وميادة تستمع اليه تارة بتركيز وتارة بعدم اهتمام وتارة تنزل ابصارها لتدون شيئاً ما..وفي الحقيقة هي كانت تعبث في الورقة دون تدوين شيء مهم..
واخيراً كف العجوز عن ثرثرته فرفعت بصرها اليه وهي لاتزال تخفي عينيها تحت النظارة وقالت بنبرة باردة تختلف تماماً عن النبرة التي كانت تحدثه بها منذ دخولها:
- مثير للأهتمام حقاً!...ولكن سيكون مشوقاً اكثر ان تحدثنا عن عملية 6001...
وهنا شحب وجه رشيد فوراً وتغيرت ملامحه وهو يحدق فيها وهي تجلس امامه بابتسامة باردة تحتل زاوية ثغرها من منظره هذا فقال بتلعثم:
- انت ..ك.. كيف؟!.. ان.. انها عملية سرية لا يفترض ان..
قاطعته بنبرة حادة وقد ابعدت تلك الابتسامة عن شفتيها:
- لا يفترض ان يعلم بها احد.. أليس كذلك؟!..
ثم ارتكزت بمرفقيها فوق الطاولة تقرب وجهها ناحيته وتقول بهمس بارد يعكس القسوة التي تحملها هذه الشابة بداخلها:
- سوى من ينفذها.. ومن يعيشها!..
وعادت لتريح ظهرها على الكرسي وقالت وهي تنقر بأصبعها فوق الطاولة بينما رشيد كان عبارة عن تمثال متصلب من الصدمة:
- ولا اظن بعمري هذا ممن نفذها....بل ممن عاشها.. والان حان الوقت لنفتح السجلات القديمة سيدي..
فقام فوراً بوجه مقتضب وعيون قاسية وهو يقول:
- اظنه حان الوقت لتنتهي المقابلة..
ثم دفع بجسده الضعيف الكرسي واستدار يريد ان يرحل بينما هي تجلس بكل هدوء ودون ان تنفعل او تقف لتعيده بالقوة..
فلا داعي ان نستخدم القوة مادامت الاوراق الرابحة بيدينا.. أول ما وقف قالت بهدوء:- قل لي...كيف حال حفيدتك العزيزة لورا؟!..
عند هذه الجملة شاهدت رعشة خفيفة تسري في جسده قبل ان يلتفت اليها بتوتر وارتباك فتبسمت بثقة وهي تقول:
- لقد قابلتها هذا الصباح.. انها بالفعل لطيفة !..
قطب حاجبيه بغضب وعاد ليجلس على الكرسي مرة اخرى وهو يقول من بين اسنانه:
- أياكِ ان تلمسِ شعرة منها وألا فأني..
قاطعته مدعية التأثر:- كيف عساي ان أؤذي طفلة بريئة لا علاقة لها بأعمال جدها القذرة!!..
ثم اكملت بهمس بارد:
- ولكن ان رفضت التعاون معنا...عندها سأبدأ اللعب بقذارة مثلكم...وصدقني...لن اكتفي بأيذاء الطفلة فحسب..بل سأقتل كل من تحب..وحينها فقط سأقتلك..
- ماذا تريدين؟..
تبسمت قبل تجيبه:
- ممتاز...الان اصبحت الفتى المطيع..
عادت لترتكز بمرفقيها فوق الطاولة وهي تقول:
- اريد اسماء!..
قطب حاجبيه بعدم فهم فأكملت هي:
- في تلك الليلة كان عددهم سبعة... اريد الاسماء جميعها....وامر مقابلتنا هذه لن يعلم بها احد..هل فهمت يا رشيد؟..لأنك ان قلت شيئاً عندها حفيدتك العزيزة ستودعك لعالم اخر..ولااظن انك تريد المجازفة بحياتها..
- وماذا تفعلين بالأسماء؟!..
- ماذا برأيك سأفعل؟!..
ازدرد ريقه بتوتر قبل ان يقول متلعثماً:
- ت.. تقتليهم؟!..
- بالضبط..
- أن..أنا كنت قائد تلك المجموعة..ف..فهل..
قاطعته فوراً:
- لا..انا امنحك فرصة لتعيش اخر ايامك بجوار عائلتك..
- ولما قد تفعلين هذا؟!..
سكتت للحظات وهي تحدق فيه ثم قالت بهدوء:
- لأنك فعلت الشيء ذاته معي...لذلك انا ارد لك الدين الان..
ثم دفعت اليه الدفتر والقلم وقالت بحدة:
- والان اكتب!..
أنت تقرأ
عذابي الصامت (مكتملة)
Romanceسؤال واحد سيطرح نفسه... هل سيكون الحُب كافي لنسامح من نحب رُغمَ تمرد ماضيهُ على حاضرهِ ليُظلم له روحهُ؟!... مرتبة ثانية في مسابقة (#افضل_كاتب _ عربي#) المرحلة الاولى مكتملة