جزء ثاني - تفاحة آدم

8.3K 523 38
                                    

لامست اصابع قدمي ارضية الغرفة الباردة، وسارعت الممرضة لوضع قدمي في خفين من الصوف، نظرتُ اليها وانا لا افهم هذه المعاملة الخاصة.
ثم احضرت الممرضة معطفاً لارتديه فوق ثوب المشفى الابيض الذي كان شبه ورقي وشديد الخفة. رافقتني الممرضة لأخرج اخيراً من الغرفة وحاولتُ قدر المستطاع ان لا اظهر مشاعري او انفعل، بقيتُ صامتة بليدة ولكن لم استطع التحكم في عيناي اللتان كانت تحومان يميناً ويساراً تبحثان عن مخرج، عن منفذ لكي اخرج منه ليلاً ان استطعت.

"اسمي تاليا" قالتها الممرضة بنبرة لطيفة، بعد كل هذه المدة تحدثت معي ونظرت الي وكأنني حقاً انسان تستطيع التواصل معه، شعرتُ بالارتباك من هذا التغير المفاجئ.
"ان احتجتِ لشيء اضغطي على هذا الزر" ناولتني تاليا كرة صغيرة بيضاء عليها زر احمر.
أومأت واخذت الكرة، وبينما نمشي في الممر في الفارغ، تعجبت من تصميم البناء، لا يبدو بأنه مشفى عادي.

الجدران ناصعة البياض تحوي على الكثير من الازرار المضيئة، الارضية بيضاء ايضاً وايضاً تحوي على خيوط مضيئة متغيرة اللون، شعرتُ بانني في مركبة فضائية من حداثة التصميم.
فتحت الممرضة تاليا باباً لتكشف لي عن قاعة كبيرة.
تفاجأت من عدد الاشخاص في القاعة واصوات الضحك المتناقلة، والاحاديث. كانت القاعة كبيرة وتحوي على العديد من الطاولات، ويمشي الندلاء بين الطاولات وهم يوزعون الاطعمة.
على بعد، في زواية القاعة، جلس شاب ذو شعر بني مموج وطويل يكاد يلامس كتفيه، وعينان ثاقبتين  لم تكفا عن النظر نحوي.
جلستُ على احدى الطاولات ووضع نادل الطعام امامي دون ان يسأل ما أريده، غادرت الممرضة وابتعد النادل، بدأت اتناول طبق السلطة امامي وانا انظر حولي، يبدو بأن هؤلاء مرضى ايضاً، فقد ارتدى الجميع ثياب مشابهة لثيابي، لكن لم يبدون أصحاء ؟ ولا يشكون من ضرر او مرض.

"تفاحة؟" صوت شاب قاطع التساؤلات التي كادت ان تصيب عقلي بالهلع، نظرت نحوه لأرى نفس ذلك الشاب ذو الشعر المموج.

جلس الشاب امامي وابتسم، ونظر إلي بعينين مختلفتين، وقد ادهشني ما رأيته، كان يملك الشاب عيناً خضراء وعيناً زرقاء، عين ثاقبة تحمل من الذكاء ما جعلني اتوجس وعين لطيفة تحمل من الود ما جعلني ابادله الابتسامة.
"لا شكراً" قلتها بصوت جاف هادى.
"اسمي آدم"
"جوهرة"
قضم آدم من تفاحته ونظر حوله ثم إلي مجدداً.
"لماذا انتي هنا ؟"
"اتشافى من جرح..طلقة نار"
أجبت بتردد حيث لم ادرك حقاً لم انا هنا. ولاحظت اندهاش آدم من جوابي.

"طلقة نار؟ الا يجب ان تتعالجي في مشفى قبل ان تأتي الى هنا؟"

مشفى؟ الستُ في المشفى الآن؟ قطبتُ حاجبي وانا انظر اليه متسائلة عما قصد ولاحظ آدم ارتباكي فابتسم ابتسامة عريضة لتلمع عينه المتسمة بالذكاء.
"انتي لا تعرفين اين انتي؟" سأل ونبرة الاستمتاع ظاهرة في صوته ما ازعجني بحق، لم اجبه واكملت تناول الطعام.

"انتي في معسكر اختبار وعلم النور" قالها آدم هامساً ثم ابتسم ابتسامة ساخرة "لا تقولي بأنكِ ظننتِ بأنك ضيفة؟ او مريضة؟" ضحك آدم وقضم قضمة اخرى من تفاحته.
"نحن فئران تجارب هنا...مخلوقات غريبة لا يستطيعون فهمها" أكمل آدم وقد زحلق ليجلس بجانبي وبقربي.
"كنت اعبر من امام غرفتكِ ليلاً...كالأميرة النائمة ليالي طويلة ولم تفتحي عيناكِ...كان هنالك اهتمام غريب حولك..مختلف.."
"منذ متى وانا هنا؟" قاطعته بسؤال جعله يبتسم أكثر، لماذا يشعر بهذا القدر من الاستمتاع؟ وكأنه يحمل سراً يطوق الى ان اكتشفه وان يرى ردة فعلي.

"سنة ونصف...وهذه ليست اول مرة تستفيقين فيها وتتجولين هنا...لكنها اول مرة تتحدثين فيها" اخرج آدم من جيبه مكعب روبيك وقدمها لي.
"اذا شعرتي بأن افكاركِ تصرخ بصوت عال...اذا شعرتي بأنك ستفقدين السيطرة على نفسك...حاولي حل هذا المكعب..واجعلي هذا المكعب مصدر تركيزك الكامل..هذا ما ساعدني وسيساعدكِ" ابتسم ابتسامة صادقة تحمل نوعاً من الشفقة ولم افهم مصدر هذه الشفقة.
"ماذا يحدث؟"

"وهل يعلم احد حقاً ماذا يحدث في هذا العالم الجنوني؟" ضحك آدم ووقف ليبتعد ويعود الى زاويته ولكنه التفت نحوي وغمزني بغمزة تؤكد بأنه في صفي. شعرت بقليل من الراحة رغم غرابة اطواره وكلماته المخيفة، لكنني احتجت الى حليف وان كان هذا ذو العينين المختلفتين هو حليفي فليكن.

--------------------
في آخر الليل، وبعد ان هاجمتني كوابيس نسيت فحواها فور استيقاظي، امسكتُ بمكعب روبيك بيداي اللتان ترجفان من تلك الافكار التي راودتني، اردت الخروج، اردت الصراخ. امسكت بالمكعب وبدأت الف اطرافها واحاول حل اللغز.
مشيت انا ومكعبي في انحاء الغرفة، وكم كان آدم محقاً، شعرت بالهدوء والسكينة بعد لحظات. اتجهت نحو نافذة الغرفة ونظرت الى المساحة الفارغة امامي، خضار وغابات وسماء لا نهاية له، اين انا؟ اين هذا المبنى؟

قررت محاولة الخروج من الغرفة والتجول، ففتحت الباب بهدوء خائفة، قد ينقض علي حارس يمنعني من الخروج، تفاجأت بأن الباب حقاً مفتوح، فتحت الباب ولكن ذعرت برؤية شخص متكئاً على الجدار المقابل لباب غرفتي في الممر.  آدم كان واقفاً امام غرفتي وبيده مكعب روبيك. 
"ماذا تفعل هنا؟" سألت هامسة بخوف.
ابتسم آدم نصف ابتسامة ووضع المكعب في جيبه.
"أردت رؤية اختي"
-----------------

رايكم؟ لا تنسون اللايك والتفاعل 💕 تعليقاتكم تفيدني وتشجعني.

عندما شهدتُ مقتل أبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن