عندما شهدتُ مقتل أبي

جزء ثاني - سؤال

دخل الطبيب الى غرفتي برفقة بعض الممرضات غير الممرضة تاليا. جلس الطبيب امامي وابتسم ابتسامة صفراء مزيفة.
"كيف حالك اليوم؟" سأل بنبرة محايدة، كيف يمكن لانسان ان يمتلك عينان بلا روح كعينيه؟ ونبرة خالية من المشاعر كنبرته؟.

صمت للحظات ودون احد الممرضين ملاحظة ما في دفتره الصغير ناظراً الي كما لو كنت قرد شمبانزي غريب وعليه دراستي.

"بخير" قلتها وانا انظر الى الممرض الذي يكمل تدوينه ولكن يتراجع خطوة، هل خاف مني؟.

-"كم شربتي من الماء اليوم؟"
تعجبت من سؤال الطبيب.
-"لا اعرف.... كوبين"

دون الممرض وتدوينه لملاحظاته اثار قلقي، نظر الطبيب الي ثم الى الممرض وابتسم.

-"نحن نهتم كثيراً بكم...ونرغب في حفظ كل تفصيل يخصكم"
-"شكراً..يا لحسن اخلاقكم"
شعر الطبيب بنبرة السخرية.

-"اخبريني عنك اكثر يا جوهرة".

-"احب المشي على الشاطئ واعشق كعك الشوكولا وانا رومانسية نوعاً ما وانت؟"

ضحك الطبيب ضحكة غريبة جداً، يا للهول هل تعلم الضحك من جديد؟ كانت ضحكته متقطعة ذات نبرة واحدة وكأن آلة ما تحاول الضحك كالبشر.

-"اخبريني عنك اكثر يا جوهرة"
اعاد الطبيب جملته بابتسامة غريبة.

التمست في نظره رغبة وفضول واضح، قررت استغلال هذا الأمر لصالحي.
"قيس..بدر..لينا...عدنان..لن اتحدث الا معهم"

نظرت اليه بنظرة ثاقبة صارمة، تراجع الطبيب متعجباً من طلبي، نعم فلينا وعدنان كانا جزءاً هاماً من اسري واعدام والدي امام عيني، لم يكونا في صفي ابداً  وبدر خان ثقتي ولكن رغم كل شيء، احتجت الى وجوه مألوفة، اشخاص ادرك تماماً انهم يمتلكون الاجوبة.
"ووالدتك؟"
سأل الطبيب واطلقت عيناي نظرة جعل الطبيب نفسه ينظر الى الممرض الذي يدوّن بسرعة وكأن الكلمات ستهرب منه.

لم اجب ووقف الطبيب ثم اتجه خارجاً ليتبعه البقية، احد الممرضين يخرج من حقيبته مرآة صغيرة وعلقها على الجدار ثم خرج. 
-------------------------------
بعد نصف يوم، سمعت طرق باب ايقظني من قيلولتي، في هذه الغرفة المملة لا اجد التسلية الا من احلامي في منامي ومكعب الروبيك، رفضت النظر في المرآة التي لم اعرف المغزى وراء تعليقها، هل هو اختبار؟ تجربة علمية؟
وبعد عدة طرقات دخل عدنان، كان يبدو مختلفاً، قد حلق شعره ليكشف عن الوحمة على الجانب الايمن من جبهته، عيناه الرماديتان تلمعان فضولاً، ابتسامته الجذابة التي لطالما جذبت الفتيات لا زالت ترتسم على وجهه.

"جوهرة..طلبتني؟"
اقترب وجلس على حافة السرير، واخرج من جيبه قطعة شوكولا ليقدمها لي.
"سمعت ايضاً انكِ تحبين الشوكولا"
غمز عدنان وشعرت بغضب عارم يجتاحني.

ها هو قاتل ابي يجلس امامي، ها هو الذي دمر حياتي.
"ماذا حدث؟ لم لم تقتلني كما تفعل مع الآخرين؟"
ضحك عدنان بصوت عال.

"كم انتي مثيرة للمتاعب ومثيرة للاهتمام...الهذا طلبتني؟ لكي تسألي لم رئفنا بك؟ وسامحناكِ؟"
"الكتاب الكوني لا يحث على ذلك" قلتها بنبرة جعلته يتوقف عن الابتسامة.
"الكتب تتغير"
"لم تتغير عندما قتلت والدي"
"انا لم اقتل والدك..انا قتلت خائناً، العدالة لا تعرف اباً ولا اخاً ولا ابناً..الجميع سواء"

"اذاً لماذا لم الق نفس العقاب؟"

"مثل ما قلت لكِ ..الكتب تتغير...وقد قررت الحكومة ان نختار عدة افراد لاعفائهم"
"دون مقابل؟"
"جوهرة..اعفائهم لا تحريرهم...اصبحت من ممتلكات الحكومة...لا تنتمين لعائلتك...ولا لحزبك...ولا ل..قيس..اصبحتِ ملكاً للحكومة"
اردف عدنان من بعد صمت.
"الاديان كانت سبباً للكثير من الفتن وهذا ما نعتقده الى اليوم...ولكن نظن بأن الخلل لا زال موجوداً في داخل البشر لذا علينا اكتشافه"
ضحكت من بعد ما قاله.

"الاديان ليست السبب يا غبي..نحن البشر السبب..ان لم نتقاتل بسبب الدين...سنتقاتل بسبب المال وان لم يكن المال..سنتقاتل بسبب بقعة ارض..نحن دوماً نتقاتل بسبب استسلامنا الى الجشع والحقد والطموح بداخلنا...انظر الى حالنا الآن اصبحتم تملكون البشر...تبيدون كل من رغب بفكر آخر بحجة عدم رغبتكم بالفتن..ابدتم الاديان لانه الاديان كانت تمنع الحريات بنظركم...اذاً لماذا تبيدون من يؤمن اليوم؟ لماذا لا يحق لي ان أؤمن بالجنة والنار؟ ان أؤمن بالارواح؟ ابدتم الاديان بسبب التطرف والفتن...ولكن الستم الآن متطرفين في مبدأ "العلم والحرية؟" اليس التطرف معناه منع الآخر من الايمان بفكر مختلف وارغام افكاركم؟ الا ترى يا عدنان ان المشكلة ليست في العوامل الخارجية..بل في نفس البشر ؟..البشر هم من حوّلوا الاديان الى وسيلة حرب لاطماعهم الخاصة...وانتم اليوم تحوّلون الحفاظ على الحرية الى وسيلة للحرب والكبت والقتل ايضاً...هذه الدوامة لن تنتهي ابداً يا عدنان...بعد مئة سنة سيعود الاسلام وستعود المسيحية ومن بعد ذلك سنعيش في سلام لقرن ولكن بعد ذلك سيتحول الدين الى وسيلة للقتال والارغام والكبت واستقطاب الناس لارتكاب الجرائم ثم يتم قتل الملحدين والمتحررين وايضاً المؤمنين المسالمين ومن بعد ذلك ستم التخلص من الاديان بحجة اثارتها للفتن لتصبح العلمانية الوسيلة الوحيدة ثم العلم ثم الابادة الكاملة لمبدأ الدين فنعيش بسلام لقرن ...ولكن سيظهر بشر ليستغلوا مبدأ الحرية لاستقطاب الناس وكبت وقتل المؤمنين وقتل الملحدين المسالمين...الا ترا ما يحدث يا عدنان؟ الا يمكن لكل فرد منا ان يعيش بمعتقداته بسلام؟ الا يمكن ان اصبح مسلمة وانت تبقى كما انت وان نعيش بأمان؟ لا يمكن..اتعرف لماذا؟ لان هنالك دوماً من سيستغل معتقداتي او معتقداتك لمصالحه.."
صفعني عدنان صفعة اسقطتني عن السرير
...............

ملاحظة: عدنان ولينا من الحرس، وعدنان هو االي ذبح ابو جوهرة بعد اكتشافهم لكتب ممنوعة فيها بعض المعلومات الدينية وبعض المعتقدات، واسرار حول تكوين العالم الجديد.

رايكم؟ شرايكم بافكار جوهرة؟ ضد او مع؟ 🌸🌸🌸🌸