لو أردنا أن نعدد الأسباب والدواعى التى أدت بالمسلمين إلى الانزواء عن سرب الأمم المتقدمة، لوجدنا أننا أمام تلال من الأسباب والتداعيات التاريخية والمعاصرة التى تضافرت لتنتج ات على هذا النسق الذى نرى عليه المجتمعات الإسلامية, ليس من بين هذه الأسباب البعد عن ممارسة الدين, أو بمعنى مقارب ليس من بينها الابتعاد عن الطقوس والعبادات والشعائر الإسلامية، فالملايين يقومون سنويا بأداء العمرة والحج، والمساجد تعج بالمصلين فى رمضان وفى غير رمضان, وغطاء الرأس أصبح فوق رؤوس بنات الروضة والصفوف الابتدائية, والفتاوى تترى بالآلاف على مسامع شيوخ الفضائيات, وأبواب الفتوى فى كل زاوية ومسجد مشرعة لا تنغلق, أما الإعلام فقد أصبحت فضائيات الوهابيين بقيادة أشباه العلماء وأرباع الرجال، تغطى الوعى المسلم برداء السفاهة والجهل من إخمص قدميه إلى منابع شعره, وغير ذلك من المظاهر الثانوية التى تؤكد الفكرة وتؤيد الاستدلال, إذن فعلى المستوى الشكلى الظاهرى، المسلمون الآن يؤدون الدين شعائر, ولكن الحقيقة المريرة أن كل ذلك زبد على السطح، لا يمثل إلا دليلا ضد نفسه, فلو كان الإسلام كما يروج له الآن دين التفاصيل والقشور والطقوس، لكان المسلمون على ذلك أنجح المجتمعات, غير أن الحقيقة المريرة أننا بفضل ذلك الزبد الذى فرَّغ الدين من معنى إقامته إلى معنى تأديته، والفارق كبير, والذى هبط بالقيم العليا والأصول الكلية والكبرى إلى ركام الفتاوى المؤطرة، وتدين الإنسان الآلى، والتنطع بالولوج إلى التفاصيل التافهة التى جُعِل منها أصولا كبرى وأمهات عليا لدين الفقه التراثى ثم الوهابى، كما بينا بتوسع فى مقالنا «التشدد حماقة يهودية»، بفضل ذلك أصبحنا نتذيل الأمم والمجتمعات فى كل شىء تقريبا.
◄ شعائر وطقوس:-
إذن فالإشكالية الحقيقية أن المسلم ترسخ فى ذهنه ووعيه أن الإسلام دين شعائر وطقوس، ثم هبط بها إلى الخلاف والتنطع حول هذه الشعائر والطقوس، فدخل الوعى المسلم إلى متاهات واهية، أصبح الوصول فيها إلى إجابة شافية محققة، يمثل غاية وأملا فى حد ذاته، رغم أنها كانت فى إسلام المجتمع النبوى لا تمثل إن وجدت- إلا وسيلة لمرمى ومغزى وهدف أكبر، هو إقامة الدين وليس تأديته.
أنت تقرأ
الإسلام الآخر _ إسلام حر
Historical Fictionإسلام حر _ يعني إسلام بعيد عن أي شئ علق به إلا نص الدين _ إسلام بحيري