◄المسلمون استقطعوا الآيات من سياقها واستخدموها لتكفير بعضهم بعضاً
◄الآيات القرآنية المنزوعة من سياقها شكلت أساس الفكر الوهابى المتطرف وخلقت نظرية الفرقة الناجية التى دمرت المجتمع الإسلامى
◄المفسرون والفقهاء انتزعوا آيات الربا من سياقها القرآنى لينزلوا اللعنات على المقترض المحتاج وينذرونه بحرب من الله ورسوله
عندما حدثت واقعة التحكيم الشهيرة بين فريقى الصحابة، احتج الخوارج على الصحابى الجليل على بن أبى طالب وحكموا بتكفيره لمجرد قبوله مبدأ تحكيم غير شرع الله، ورفعوا فى وجهه الآيات التى تكفر من يحكم بغير ما أنزل الله, فلما بلغه ذلك قال:« شرار القوم أنزلوا آيات الكافرين على المؤمنين«, لمعرفته اليقينية أن سياق التوجيه فى الآية لا يحتمل المعنى الذى أراده الخوارج, وهذه المقولة العبقرية كانت هى القاعدة الأولى لكيفية التعامل مع النص القرآنى, ما يؤكد أن التطبيق العملى الأول لخريجى مدرسة النبوة كان تطبيقا يتعامل بسياقات محددة ومعروفة مع الآيات الحكيمة, لذا فإن هذه القاعدة التى وردت عن غير واحد من الصحابة فى مواقف مختلفة كانت تشى بالاحتكام إلى السياق الدلالى للآيات لمعرفة المخاطب به, بل ومعرفة مناط الأحكام، كذلك معرفة المقاصد العليا للشريعة الإسلامية المبنية بالضرورة على النص, ورغم وضوح الرؤية منذ عصر كبار الصحابة على التوقف الشديد والتثبت من استدلالات الآيات الكريمة كوحدة واحدة تمثل مجموعات متصاحبة المعنى والدلالة والحكم, إلا أنه ومن عجب أن نظرية السياق التى أصَّلها كبار الصحابة اندثرت مع انقراض عصرهم وتبقت قاعدة إهدار السياق التى ابتدعها الخوارج، فاستمرت وأنضجت وأثمرت فى الوعى المسلم عبر أربعة عشر قرنا، وكان ذلك إيذانا ببدء ابتسار واجتزاء الآيات من معناها الكلى المتناسق وحكمتها العليا، فضلا عن إعجازها البنائى فى ذاتها, إلى متاهات الاقتطاع والاجتزاء الذى كانت عواقبه كارثية ليس فقط فى تكفير الفرق، وإن كان ذلك أبين العواقب ولكن ذلك تعدى وانسحب على جميع الاتجاهات فى الفكر والخطاب الإسلامى. ونستطيع حصر هذه الاتجاهات فى ثلاثة اتجاهات محددة.
أولا: الاتجاه التنظيرى العقدى:
وهو الذى اختص بتبيين العقيدة على مر عصور التاريخ الإسلامى, وكما انقسم الإسلام سياسيا بعد الفتنة وبعد كربلاء انقسم أيضا طائفيا وعقديا فى الأصول والفروع ولم تلبث الفرق إلا أن عادت لاستخدام قاعدة إهدار السياق التى أبدعها الخوارج، فبدأت كل الفرق فى تنزيل آيات المؤمنين على الكافرين فى خطابهم العقدى، وظهرت الخلافات الكلامية-علم العقيدة- وما تبعها من الخلاف حول ذات الله وصفاته وأسمائه وتجسيمه وتشبيهه وظهرت أفكار خلق القرآن وما تبعها, وكل ذلك لم يكن إلا بخطابات تكفيرية فى أغلبها بين الفرق المتناحرة, مع دخول عصر تكفير الفرق الإسلامية بعضها البعض، وتبلورت من خلال استخدام الآيات القرآنية بخلاف سياقها الداخلى فى النص ما أدى لتبلور وظهور نظرية الفرقة الناجية التى قصمت ظهر المجتمع الإسلامى والبنيان المرصوص فى بواكيره, حيث استدلت كل الفرق الإسلامية المتنابذة فى الأصول والفروع بآيات الذكر الحكيم مبتورة من سياقها الدلالى, ما مهد بشكل تلقائى لاستحلال ذلك واستحضاره على مر التاريخ الإسلامى, حتى إننا كثيرا ما نجد فى أدبيات الوهابيين وكتب التأريخ لظهورهم وتغلبهم وصفا متكررا لأعدائهم بالكفار والكافرين والمشركين, رغم أنه من المفترض أنهم مسلمون موحدون بالله يصلون للقبلة ويتخذون محمدا نبيا, ثم ما لبثت ذات الآيات لتكوِّن وتشكل العصب الرئيس للفكر الوهابى فى سبعينيات القرن الماضى حيث استخدمت آيات مثل: «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ» المائدة 44, فى سياق مبتور ومجتزأ ليُحكم من خلالها على دول إسلامية كاملة بالكفر والخروج من الملة لأنهم يتعاملون بالقانون الوضعى, واقتطعت كذلك آيات مثل: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ» المائدة 33, ليحكم بها كحد للحرابة على مسلمين موحدين بالله بعد انتزاعها من السياق عنوة، لتمثل سيفا مسلطا على رقاب المؤمنين, لتصبح الآيات هكذا مشاعا لمن يريد إسقاطها على من شاء وقتما شاء.
أنت تقرأ
الإسلام الآخر _ إسلام حر
Historical Fictionإسلام حر _ يعني إسلام بعيد عن أي شئ علق به إلا نص الدين _ إسلام بحيري