«انتخبوا الله فى مواجهة العلمانية والعلمانيين».. هكذا ببساطة وبدون تحليلات متفلسفة اكتسح المتأسلمون بهذا الشعار نتائج المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب.. هذه النتائج التى جعلت- وياللعجب- الكافرين بالديمقراطية يؤمنون بها، والمؤمنين بالديمقراطية يكفرون بها ويلحدون فى آياتها، وقد كتبت فى مقال «معضلة الدولة المدنية» بتاريخ «11/6/2011» ما نصه: «يجب أن نعى أن الديمقراطية الحقيقية سيف يحمى به الشعب نفسه من جور الحكام، ولكن هذا الشعب إن لم يتعلم فنون السيف قتل به نفسه بدلا من أن يحمى ذاته»، وها هى الرؤيا تتحقق، فها هو الشعب الذى تم تجهيله وإفقاره ثقافيا وعلميا على مر العقود، ها هو نعطيه السيف بلا تعليم ولا ثقافة ولا وعى ولا إدراك، وها هو- كما بشرت- يقترب أن يقتل به نفسه، لأنه صدق لعبة التجارة بالدين، فذهب وصوت للـ«الناس بتوع ربنا» وفى مخيلته أنه فعل الصواب وأنه انتخب الله بذاته العلية.
فقد نجح الإسلاميون أن يصوروا للبسطاء يقينا أنه اتضح أن لله أسماء حسنى جديدة تزيد على التسعة وتسعين اسما الذين وعيناهم، فصوروا لهم أن «الحرية والعدالة» و«حزب النور» «والجماعة الإسلامية» من أسماء الله الحسنى، وظن البسطاء أن هذا التماهى حقيقة وليس وهما، فهؤلاء هم وكلاء الله وأحباؤه والساعون إلى تنفيذ شريعته فى مواجهة العلمانيين والليبراليين المفسدين فى الأرض، هكذا صور الأمر- كما حذرنا- وهكذا تمضى مصر فى طريق الهاوية طالما لم تستفق القوى المدنية فى مصر وتستأسد دفاعا عن قرنين وأكثر من بناء وتحديث الدولة المدنية المصرية.
فإذا كان هناك أمل قائم فى إنقاذ الدولة المصرية من براثن «الراسبوتين» الوهابى فأمامنا ثلاث معارك لابد بكل سبيل وبأى شكل أن نكسب جولاتها، المعركة الأولى هى المراحل الباقية من انتخابات مجلس الشعب، والثانية معركة الدستور ولجنته التأسيسية ووثيقة مبادئه التى لم تمت بعد مع حكومة شرف وكذلك بقاء النظام الرئاسى للدولة، وأما الأخيرة فهى انتخابات الرئاسة التى يجب أن نحارب لكى لا نرى يوما يترأس فيه مصر عبدا من عبيد الوهابية وغلمانهم.
فبلا مواربات أو موازنات- كما يحلو دوما لأنصاف المثقفين فى مصر- فإن نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات، هى أكبر كارثة حلت على مصر من عصور ما قبل الميلاد، ولو خسرت القوى الليبرالية هذه المعارك القادمة، فإننا لن نستعيد هذا البلد منهم لا بالديمقراطية ولا بالعودة للتحرير ولا بأى سبيل، فكما كتبت من قبل أن الديمقراطية عند هؤلاء إنما هى استعمال مرة واحدة على طريقة من وصل إلى الشاطئ وأحرق مراكبه، فلا يصدقن أحد منكم أنصاف المثقفين الذين يرحبون بوصول الإسلاميين للحكم وفى ظنهم أنها المحرقة التى ستكشف عريهم أمام من انتخبوهم، فذلك وهم يتوهمه من لم يعرف جيدا الإسلاميين- إخوان أو سلف- فهؤلاء لو صعدوا لن ينزلوا مرة أخرى وسيكون التزوير ساعتها من أتباعهم تقربا إلى الله وعملا صالحا يبقى للمزورين بعد مماتهم حيث ستزور الانتخابات لكى لا يعود الليبراليون المفسدون لحكم مصر الإسلامية- هذا فى حال إن بقيت مصر دولة واحدة- وسيكون ساعتها التحرير ساحة للكفار وليس للمعارضين، وها هم الآن وما زالوا لم يمتلكوا الأمر يبصقون بالكفر يمنة ويسرى على كل مخالف ومعارض، ولم لا؟ فهم أرباب النفاق وخالقوه.
وبعيدا عن كل الأسباب المساعدة التى تأدت بهذه النتيجة الكارثية والتى منها بالتأكيد تفتت القوى الليبرالية وضعف اتصالها بالشارع وخطابها النخبوى الصفوى البعيد عن رجل الشارع البسيط، وكذلك الأخطاء التاريخية للمجلس العسكرى الذى أحب أن يعطى شرعية لنفسه باستفتاء مارس فذهبت الشرعية لغيره وأحسن هذا الغير المتاجرة بهذه الشرعية على جثة الجملة الشهيرة «إرادة الشعب» وأراد المجلس العسكرى إجهاض التحرير والتعاون مع قوى الاستقرار فخلق غولا يهدده ويتوعده الآن على الملأ بالمليونيات إذا أخل بأى وعد أو نكث.
ورغم كل تلك الأخطاء وغيرها فإن المعركة الوحيدة والأساسية الآن هى معركة الدين والشارع، المعركة التى يجب أن تحسمها القوى اللبيرالية لصالح مصر، تحسمها فى وعى البسطاء بأن الله ليس له أسماء حسنى جديدة، وأنه ليس له وكلاء حصريون أو معتمدون.
يجب أن تقاوم القوى الليبرالية هذا المد الظلامى المتأسلم مقاومة شرسة، وإلا- وكما أقول دوما للأصدقاء- سنخسر الاثنين الدين والدولة معا، سنخسر الدين الذى عايشه وداخله المصريون- على الأخص- على مر القرون بهدوء الواثق المتيقن وبساطة القابل لكل تغيير إلا فى العقيدة، سنخسر الدين الذى كان عند المصريين سمحا يقبل الكل ولا يزعزعه البعض، وسيخلق لنا عبيد الوهابية فى مصر دينا مختلقا لا يهتم إلا برجس المرأة وفتنتها وأردافها وحاجبيها ونقصان عقلها وضربها زجرا وتأديبا وختنها حماية لها من العهر، دين الوهابية الذى سيطمس معالم مصر الثقافية والفنية والاجتماعية والرياضية والإنسانية، دين سيحول مصر من دولتها المدنية إلى إيران جديدة، هذه الدولة التى كانت فى نهاية السبعينيات مثلا للمدنية والحضارة قبل أن يطمسها حكم الملالى بسلطة النص الدينى إلى يومنا، دين سيخلع على المعارضين لقب الكفار.
أما الدولة فسنخسرها فى أمد قريب ولنا فى العراق والسودان وحماس الأسوة الحسنة، لذا يجب أن يعى البسطاء أن المتاجرة بالدين ما دلفت إلى بلد إلا وجعلت أهله شيعا وضربت أطناب الدولة الحديثة فيه.
لذا أدعو القوى المدنية والليبرالية الوطنية إلى معركة وعى ما زال أمامنا فيها فرص، معركة توعية للشارع البسيط أن الدولة المدنية هى الضامن الوحيد والأخير لحرية من يؤمن بأى اتجاه، وأن الدولة المدنية هى التى ستجعل الصوفى آمنا فى ضريحه، وستجعل المبدع آمنا على قلمه، والرجل آمنا على أسرته، وحتى السلفى آمنا فيما اختار أن يفعل، يجب أن يعى البسطاء أن التيار المتأسلم سيدمر مصر عن بكرة أبيها ويحولها لحرب شوارع لا يأمن فيها إنسان على نفسه، يجب أن يعلم الشارع أن الإسلام ليس هو الحل ليس لقلة حلوله ولكن لأن ذلك ليس دوره، وأن «راسبوتين» الذى ابتدع هذه الجملة أرادها درعا واقية فمن هاجمها هاجم الدين ومن سكت عنها ترك للمتاجرين بها الحسنيين غنيمة «الدولة والدين» يجب أن يعلم الشارع أن الانتخاب ليس على الله ضد أعدائه، ولكن الانتخاب على الوطن فقط، يجب أن يعى هؤلاء أن ورقة التصويت ليس فيها اسم الله، وأنه سبحانه أكبر من المتاجرين باسمه الذين أدخلوه كطرف فى الانتخابات، يجب أن يعلم البسطاء بقلوبهم القريبة للدين دوما أن الله خارج المعادلة، فأرجوكم صوتوا لمصر بعيدا عن طول اللحية ولا السواد المزروع على جبين من يحدثكم عن إقامة شرع الله، أرجوكم انتخبوا من سيظل معهم الوطن وطنا واحدا مسلمين وأقباطا، لأن فى ذلك رضا الله بحق، أرجوكم لا تنتخبوا الله لأنه أكبر من ذلك وأجل من المنافقين بعباءته، لا تنتخبوا الله لأنه معقود عليه الإجماع من المصريين مسلمين وأقباطا بعيدا عن الانتخابات، أرجوكم لا تنتخبوا الله لأنه لم يدخل الانتخابات.
إسلام بحيريالثلاثاء، 13 ديسمبر 2011 01:56 م
أنت تقرأ
الإسلام الآخر _ إسلام حر
Ficción históricaإسلام حر _ يعني إسلام بعيد عن أي شئ علق به إلا نص الدين _ إسلام بحيري