لم يكن يتخيل الرعيل الأول من خريجى مدرسة النبوة، أن رمضان سيصبح يوماً ما شهراً للفتاوى المكررة والمملة كما هو الآن, حيث كان فى زمان السمو النبوى شهراً خالصاً رائقاً للتعبد والسكينة, لكن الميراث الثقيل الذى توارثناه من الفقهاء والفراغ القاتل الذى يملأ عقولنا، جعلنا نعتقد أن الله سبحانه ينتظر منا الهفوة والغفوة والخطأ والنسيان، ليحاسبنا عليه حساباً عسيراً، وإن كان غالبية المسلمين قد يكاثرون التساؤل، خوفاً منهم على ضياع فريضة كهذه، وظناً منهم أن فى ذلك مرضاة لله, فما بال السادة الفقهاء الذين تفتح لهم الساعات الطوال ليفتوا ويستفتوا بما لا طائل من ورائه إلا ملء جيوبهم الواسعة، حتى إنى لأظن أن الدعوة المستجابة لمشايخ الفضائيات فى شعبان تكون "اللهم بلغنا بيزنس الشهر الكريم ولا تحرمنا منه طرفة عين".
أما عن الفتوى الأولى التى يُستقبل بها دائماً الشهر الفضيل، وهى الفتوى الكلاسيكية الشهيرة، لماذا نصوم؟، والإجابة الجاهزة التى أوهم بها الفقهاء قديماً وحديثاً المسلمين، هى الرد الشائع الغريب والمريب، ألا وهو أن حكمة الصوم ومراده أن نشعر بالفقير ولطالما سألت نفسى: من أين أتوا بهذه الإجابة الأعجوبة؟! فلو أننا نصوم لنشعر بالفقير لكان أولى بالفقير الجائع فى أحد عشر شهراً من العام أن يأكل هو فى الشهر الثانى عشر من العام ولا يصوم، ونصوم نحن لنشعر به, مما يؤدى إلى أن تكون العبادة ذات معنى عند الشبعى طوال العام وغير ذات معنى عند الجوعى، لأن شعور الجوع بالنسبة إليهم إنما هو شعور ممل ومكرر, أما أن يكون جائعاً طوال العام ونزيده جوعاً فهذا لعمرى فى القياس عجيب, كما أنه من قال للسادة الفقهاء إن هذه هى حكمة الله من الصيام، فكيف عرفوا، فهل كان أحدهم هو المتحدث الرسمى باسم الذات الإلهية - حاشا لله - أم أن الله سبحانه قد أخبرهم سراً أن هذه حكمته؟!
ثم من قال أصلاً، إن الفرائض فى الإسلام شرعت لحكمة طبقية أو مادية, ثم السؤال الأعجب والأغرب: من حسم وجزم أن عموم المسلمين أصلاً من الأغنياء كى يشعروا بالفقراء؟، وبماذا يشعر الفقير عندما يسمع هذا الكلام؟، ولو أخذنا بهذا المنطق، فلماذا لا نمرض شهراً فى العام مراعاة للمرضى, ونجن شهراً فى العام مشاركة للمجانين؟!, ولماذا لا تُشل أطرافنا الأربعة شهراً فى العام مودة للمقعدين؟, ولأن الإسلام الحقيقى دين غير طبقى، فالفقراء والمقعدون والمرضى هم تاج رؤوسنا بدون أن نصطنع خرافات وترهات، لنقول لهم نحن نشعر بكم, والغريب أن القارئ البسيط لكتاب الله يجد ببساطة ويسر وحكمة بالغة، أن الله قد أجاب فى القرآن بنفسه عن السؤال السهل: لماذا نصوم؟، فعقَّب سبحانه ختاماً لآية الصيام بقوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ".
لعلنا نفهم.إسلام بحيري الإثنين، 01 سبتمبر 2008 02:39 م
أنت تقرأ
الإسلام الآخر _ إسلام حر
Historical Fictionإسلام حر _ يعني إسلام بعيد عن أي شئ علق به إلا نص الدين _ إسلام بحيري