Part 41

66.7K 544 277
                                    




السلام عليكُم و رحمة الله وبركاتهْ.
عساكُم بخير يارب و السعادة ترفرفْ بقلُوبكمْ ()"

سعيدة جدًا بكم وبكل عين تقرأنِي من خلف الشاشَة ممتنة لها وممتنة لوقتْ سمَحْ بِه قارئِي مهما بلغ عُمره أو جنسيته أو كان من يكُون .. ممنونَة جدًا لهذا اللطفْ الكبيرْ الـ تغرقونِي بِه في كل لحظة.
مُتابعتكُم شرف لي وشرف كبير .. أحمد الله وأشكُره على هؤلاء المتابعينْ .. والله ولو تابعنِي شخصُ واحد لـ قُلت : يابختِي .. كيف بـ كل هذه المتابعة الفاتِنة لقلبي وجدًا.

الله لايحرمنِي منكم و اعرفُوا أنكم تحلُون بـ جزء كبير من قلبي ()
شُكرًا كبيرة لهذا الدعمْ و من خلف الكواليس شُكرا على هذا الكم من التقييماتْ.


رواية : لمحتُ في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية , بقلم : طيش !
الجزء ( 41 )




إن قصتنا لاتكتب ،
وسأحتقر نفسي لو حاولت ذات يوم أن أفعل ،
لقد كان شهراً كالإعصار الذي لايُفهم ، كالمطر، كالنار،
كالأرض المحروثة التي أعبدها إلى حد الجنون
وكنت فخورا بك إلى حد لمت نفسي ذات ليلة
حين قلت بيني وبين ذاتي
أنك درعي في وجه الناس والأشياء وضعفي ،
وكنت أعرف في أعماقي أنني لا أستحقك
ليس لأنني لا أستطيع أن أعطيك حبا تعينيّ
ولكن لأنني لن أستطيع الاحتفاظ بك إلى الأبد

*غسان كنفاني.



،

وقفت مُتصنمَة هي الأخرَى و الخوفْ يدبُّ في قلبها و الحُمرَة تكتسِي وجهها وعيناها تكاد تختنق من بياضها المُرتجف ، أمام أشباح أم ماذا ؟ لم نؤمن بوجُود الأشباح يومًا .. من هؤلاء ؟
همست بصوتٍ مُهتز : خلينا نركض
سُمية : شوفيهم ما يشوفونا ؟
أفنان تُغمض عيناها بشدَّة : ماأبغى أشوف تكفييين خلينا نروح .. نادي أحد
سُمية رجعت للخلف وأرتطمت بِرفٍ لتسقط عدة ملفات على الأرض ،
ألتفتُوا الأربعة المُكتسين بالسوَاد من رؤوسهم إلى أقدامِهم و لا يظهرُ البياض إلا من أسنانِهم المُنقطة بالدمَاء ، سارُوا بخطواتٍ موسيقية مُرعبـة ، بلعت ريقها أفنان و لا صوتُ لها ، و سُمية فكوكها ترتطم في بعضها وترتجف لتصرخ ،
بصرختها ركضُوا بإتجاههم ليركضُوا بلا مسَار بين الأرفُف و الممرات الضيِّقة.
جُرَّت قدم أفنان لتسقط على الأرض المُغطاة ببعض الأتربـة ، ألتفتت عليها سُميـة وكادت تعُود إليها لولا آخرًا شدَّها من فمِها و كفِّه ذات رائِحة معجُون الطماطم ، لطَّخ شفتيْها بسائِلٍ لزج ،
أنطفأ النُور لينتشِر الظلام و لا مجال للنُور إلا من نافذةٍ علويـة قريبة من السقف ، أفنان الواقعة على الأرض رفعت عينها لبصيص النُور المُنبعث لتتلاقى عيناها مع عينا هرَّةٍ حمراء كـ مشرُوب التُوتْ القاني ،
أفنان برجفة : سميــة ..
و لاصوتٌ سوى صداها ، قتلوها ؟ لا بُد أن يقتلوها ؟ رُبما عصابـة ، عقلي يتفجَّر و الظلام ينغمسُ بعيني ، لابُد أنه حلم ، يالله حلم !! خيال !! ماذا يحصُل ألم يسمعُوا صُراخنا ؟ كل المكاتِب بجانبنا ! كيف يتجاهلُون أصواتِنا ؟ سيقتلُونِي الآن ،
همست : سُميـــة .. يارب يا رحيم
شعرت بوخزٍ يسار صدرِها و ضبابٌ يلفُّ عيناها ، سيغمى عليّ ولا أحد بجانبِي ، سيقتلوني وأنا هُنا في كَان ؟ يالله و أهلي ؟
قدمِها مُتيَّبِسة غير قابلة للوقوف ، مكسُورة و تشعُر بالضعف والمرض من أن تقُوم.
سمعت صرخة داميـة من حُنجرة سُميـة ، أيقظت عيناها التي تُجاهد أن تفتحها رُغم الدوَار الذي يُصيبها ،
بصوتٍ حاولت أن تُعليه إلا أنَّهُ أتى خافِتًا : سُميــة ..
انفتحت الأضواء لتنتشِر ضحكاتهم و هُم يصرخون : Happy Halloween
نزعُوا الأقنعة ليخرُج شابٌ فرنسِي ذو شعرٍ بُندقِي مُجعَّد وبعضُ النمش يعتلي وجنتيْه و شابٌ كندِي ذو شعرٍ أسوَد قصِير وملامحٌ بيضاء كالثلج و آخرٌ مغربِي ببشرةٍ سمراء وشعرٌ قصير و الأخيرُ سُوري ببشرةٍ بيضاء و عوارضُ خفيفة مُتقاطِعة .
سمية بعصبية : كلاااااااااب ..
الفرنسي بلكنتِه مُتغنجة : نعتذر كُنَّا نُحضر للهالوين في الشهر القادم و رأيناكُم
أفنان و دمُوعها تنساب ، أفكارها حلقَّت لشيءٍ بعيد ، " تُوبة أدخل هنا " ، كل إعتقادي بأنِي كُنت على وشك الموت و أنا لستُ بأرضِي .
سُمية بغضب : هالوين في عينك يالأشهب
أوليفر بإبتسامة نقيَّة : excusez moi ?
سُمية وكأنها تحوَّلت لعجوزٍ صغيرة : أنا مو قايلة لك ديرة الكُفر ماترتجين منها شي
أفنان مدَّت إيدها وبنبرةٍ باكية : طيب وقفيني
قيس السُوري : عم نمزح يا صبايا
سُمية وهي ترفع الملفات عن طريقها : طيب لو فرضًا متنا بسكتة قلبية بتقولون " تُقلد صوته " : عم نمزح ؟
قيس بأدبْ وهو الآخر يُزيل الملفات الساقطة : بنعتزر
أفنان تقِف وقدمِها ملتويَة و دمُوعها مختنقة في محاجرها : وقفوا قلبي
الشاب الكندي الغيرمُبالي : المُسلمات يخافن حتى من ظلِهن
سُمية بلكنة نجديَّة : أنجس من ذَنَبْ التسلب *الكلب*
أفنان وتعرُج قليلا لتهمس : عيب لاتحكين معهم والله يحطونا براسهم ويذبحونا
سُمية : لايهمونك أصلا فيه رقابة دقيقة مايقدرون يسوون شي
أفنان بقهر : أشوف هالرقابة ماجتنا
أوليفر بإحترامٍ شديد : فعلاً أنـا آسف لم أقصُد الإذاء إنما المتعة
أفنان بصوتٍ خافت وبلكنة إنجليز بريطانية الغليظة : العفُو لم يحصل شيء
خرجُوا من المكاتِب الظالِمة ليجلسَا في الطابق الأوَّل حيثُ مكانِهُم.
سُمية تمسح من وجهها السوائِل الحمراء : يالله أقرفوني ... بروح الحمام أغسِّل .. وذهبتْ.
أفنان أنحنت لتُخفض رأسها ، يكفِي يا أفنان لِمَ البُكاء الآن ؟ كان عبارةٍ عن مزحة و لم أعتادها ، لا تكُونِي سخيفة وتبكين .. حدَّثت نفسها لتقاوِم عبراتِها و صُداع يفتُك برأسها.
أتَى وهو يوسِّع ربطة عنقه الضيقة على رقبته : أفنان جيبي لي أوراق الـ ... لم يُكمل و هو ينظِر لملامِحها المخطُوفة بالبياض و الحُمرة تخنق عيناها.
رفع حاجبه بشك : وش فيك ؟
رُبما نحنُ لا نُريد البكاء ولكن السؤال عن حالِنـا يُبكينا و كأنَّنا ننتظِر همسةٍ دافِئة لنبكي ، الغُربة ليست سهلة ، الغُربة تُضعفنا حتى تصبح قلوبنا هشَّة ، أبسطُ الأشياء تُبكيها .. لا حضنٌ يُسمِّي عليك و لا كتفٌ نرتمِي عليه ، الغُربـة صعبة قاتِلة ذات صخبْ لا يُسمَع.
أفنان بصوتٍ جاهدت أن يخرج بإتزان : أيّ أوراق ؟
نواف ترك ماكان بيدِه على طاولتها وهو يجلسُ مُقابلاً لها على طرفِ مكتبها : مضايقك أحد هنا ؟
سُمية عادت و أنظارُها تتفحَّص أفنان : مزحوا معنا ثقيليين الدم
نواف : مين ؟
سُمية : كنا ندوِّر بالأرشيف على محاضرات يوم الإثنين و لقينا أُولِيفر و جاك وقيسْ و عبدالله كانوا يحضرون للهالوين وماأعرف أيش من خرابيطهم وطفُّوا علينا النور وأرعبونا
نواف : إيه الهالوين الشهر الجايْ
سُمية بغضب : وقفوا قلوبنا وأرعبونا
نواف يُخفض صوته لأفنان المُنحنية برأسها : وهذا اللي مبكيك ؟
أفنان شعرت وكأنه يستصغرها ، لم تُجيبه وأكتفت بالصمتْ.
نواف ألتفت على الصخب الذِي يخرُج من المصعد الكهربائِي
سُمية بحقد : جوّ
نواف أبتسم وهو ينظُر لصديقه الحميم أوليفر : أوليي
أتى إليه و بحرج : أقسمُ لك أننا كُنَّا نمزح لم نتوقع أن تغضب
نواف : أعتذر لها الآن !
ومرةً أُخرى يلفُظ أوليفر : أنا آسف يا فنَا ..
نواف : أفنان وليس فنـا
أوليفر بضيق : و أنا أُحبه فنـا
أفنان بهمس مُحرج : خلاص إستاذ نواف ماصار شيء هم كانوا يمزحون وأنا فهمتهم غلط
أوليفر : يجب أن تُخبرني بخطوطكم الحمراء حتى لا أتجاوزها
نواف بضحكة : النساء باكملهم خطٌ احمر
أوليفر : صديقة لا غير ؟
نواف : لا صداقة بين رجُل و إمرأة سدًا لباب الفتنة
أوليفر : أوووه ؟ بربِك النساء بأكملهُن فتنة.
نواف رفع حاجبيه وهو يُراقصهن ويتفنن بهُن : أنتهى عملك اليوم.
أوليفر بإبتسامة : حسنًا يا فنـا .. هل السلام أيضًا غير جائز ؟
نواف : دُون مصافحة
أوليفر : حسنًا ماذا أيضًا ؟
نواف : لآ تُطيل النظر بهُن
أوليفر : هههههههههههه وماذا ؟
نواف ألتفت لسُميـة وأفنان : وش مضايقكم بعد ؟
سُمية : مفروض الأماكن المغلقة واللي ماتندخل دايم إحنا ماندخلها ! و أعيادهم ذي محرمة وإحنا مانحبها
نواف يُحدِّث أوليفر بالفرنسية حتى لا تفهمان عليه أفنان وسُمية : لا دعوات لحفلاتٍ ولا سهرات هُنا ، و المشرُوبات الكحولية لا تجيء لهذا الطابق
أوليفر : ياإلهي ألا يُوجد شيء إسمه إستمتاع ؟

،

تقِف أمامه مرعُوبـة تعلم أنَّه سيشربْ من دمِها تعرفُ غضب و براكين سلطان ، أردفت : خلاص عشان خاطري هالمرَّة
سلطان و يرمي السلاح المركون بخصرِه على الطاولة : تحترم المكان اللي هي فيه غصبًا عنها وماهو كل مرة بطنِّش عشانك يا حصة !!
العنُود بإندفاع طائِش : لآ أنا أبغاك ماتطنَّش ! مستقوي على الحريم .. لو فيك خير تستقوي على الرياجيل ولا بس شاطر علينا !! مالك دخل فيني .. أنا مسؤولة عن نفسي لا أنت أبوي ولا أخوي وأمي الحمدلله للحين عايشة !! مالك علاقة فيني أسوي اللي أبيه ولا بعرف كيف ألوِي إيدك بـ *بنبرةٍ خُبث مُهددة* بالجوهرة.
حصة بعصبية : العنووووود ... لاتجننيني
سلطان وكأنَّ برودٍ أصابه الآن : عفوًا ؟ وش قلتي ؟ أبيك تعيدين
العنُود بإبتسامة : أقول إذا تبي تحافظ على زواجك من الجوهرة تحفظ نفسك بعيد عني
سلطان: توِّك ماطلعتي من البيضة وتهدديني ؟ والله وطلع لك لسان .. تقدَّم إليها ومحاولات حصة بائِسة هزيلة.
العنُود حاولت ان تهرب ولكن وصل لها سلطان ليشدِّها من شعرها و يدفعها على طاولة الطعام ذات الخشب المحرُوق ، حاولت أن تُمسكه حصة عن إبنتها الوحيدة ولكن قوتِه الكبيرة جعلته ينشرُ الكدماتِ على ملامِح العنُود الناعِمة.
سلطان يرفع رأسها من شعرِها وبخفُوت : مسألة أنك تهدديني هذي جديدة عليّ ، صدقيني ممكن أذبحك و أدفنك مع تهديدك .. لاتحطين راسك براسي عشان ماتخسرين نفسك !!
العنُود ببكاء : يمممممممممممه شوفيييه
حصَّة تُمسكه من ذراعه بضُعف : تكفى يا سلطان خلاااص قطَّعت شعرها
سلطان : هذي بنتك يبي لها تربية من جديد
العنُود بصراخ : متربية غصبًا عنك وقبل لا اشوف وجهههك !!
سلطان وكان سيقترب منها مرةً أخرى ولكن حصة وقفت أمامه : خلاااص .. ياعنود روحي لغرفتك
العنود تمسح نزيفُ شفتيْها : شوهني الله يشوِّهه الكلب
سلطان : مين الكلب ؟
العنود بحدة : أنت .. وأنت .. وأنتتت . وانـ
لم تُكمل من صفعةٍ مدوية على بالقُرب من شفتيْها جعلتها تنزفُ أكثر ، أبعد حصة عن طريقه و لوى ذراعها خلف ظهرها وهو يحرقُ أذنها بغضبه : كلامِك أحسبي حسابه قبل لا ينقال فيني .. فاهمة . .
شدّ على إلتواء يديْها أكثر حتى كادت تنكسِر و تركها.

،

سحبها لغُرفةِ التخزين الخاصَّة بأدواتِ التدريبْ و الحوائِط الخشبية ، بعيدًا عن الأنظار المُختبئة خلف نوافِذ القصر ، فتح " اللمبة " الخافتة التِي تتدلى من السقف الخشبي بخيطٍ رقيق و الظلامُ يُحيطهم.
رتيل بغضب تُخفِي خلفه توتُرٍ عميق : أتركني أروووح .. وش تبي ؟ يخيي فكني منننك
عبدالعزيز بنظراتٍ غير مفهُومة ، أو أنه حتى هو لايفهم رغباتِ عينِه ، واقفٌ أمامها بالغُرفةِ المُغلقة الخشبيـة الضيقة و لاشُباكٍ يثقبُ هذا الخشبْ ذُو لونِ الشاطىء.
رتيل نبضاتِها لا تستقر و رجفةٌ تهزُ أطرافِها ، بفكوكٍ تتصادمْ رهبةً : عبدالعزيز .. لو سمحت
عبدالعزيز و انظارِه لا ترمش عليها ، يُردف بهمسٍ مُرعب : على ؟
رتيل وأفلتت أعصابها : روح لأثيرك وتمتع فيها زي ماتبي .. أما أنا تتركني
عبدالعزيز بإبتسامةٍ تُظهِر القليلُ من أسنانه : أنتِ غير و أثير غير
رتيل عادت بخطواتٍ قليلة إلى الخلف ، و بنبرةٍ مُهتزة : وش قصدِك ؟
عبدالعزيز : أثير زوجتي و حاضري و مُستقبلي
رتيل أهدابِها ترتجف ، تشتعل غيرةً من هذه الأثير و كلماتِه عنها.
عبدالعزيز : لكن أنتِ . . .
رتيل تشعُر بأنَّ عيناها تتفجَّر بالحرارةِ و ثقبٌ من نصلِ غيرةٍ يلتهمُ قلبها ،
عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة تُشبه تأثيرُ النور حولهم : مقدر أرفضك .. يعني أنتِ تخيلي أحد يعرض نفسه عليك ؟ ترفضين ؟ أكيد لأ
حممٌ تنصَّبْ في قلبِ رتيل ، و إهتزازُ رمشِها يفضحُ ربكة قلبها و إنتفاضِ روحها العالقة في حُنجرتها تتشكَّل على هيئة غصَّة ، قليلٌ فقط قليلٌ من الرحمة أو حتى من الشفقة فأنا راضيـة ، فقط القليل لا أطلبْ الكثير فقط أن تحترم هذا الحُب ، ألهذه الدرجة يا عزيز ؟ يالله أوصَل حالِي إلى مرحلة أنَّ تشفق عليّ حتى الأشياءُ الصغيرة التي لا تعنيك شيء ؟ يا لذاعَة عقلي الآن و يا قسوةِ سياطه على قلبِي ، خوفِي عليك و صوتِي الجبان الذِي لا يصرخُ بِك تخيَّل أنه يشفق عليّ في وقتٍ كان يجبْ أن تُحيطنِي ببضعِ حُبٍ و إن كان عابِرًا و لكن تبقَى صُورتِك نقيـة في وسطِ قلبِي ، حتى " أُحبك " تشفق عليّ الآن !!
عبدالعزيز يقترب بخطواتٍ رقيقة ، يُحاصرها بالزاويـة ، وقفت مُنكسِرة ودمُوعها مازالت تُكابِر وهي تختنق في محاجِرها وتحجبُ عنها الرؤيـة بوضوح.
لا مفَّر من عزيز الآن ، ذراعيْه مُثبته على الحائِط و رتيل بينهُم ،
رتيل بحدَّة أتت مُهتزة : حتى زوجتك تخونها !! قذر .. حقير .. أنت مستحيل تكون رجَّال .. لو رجَّال ماتخون اللي ماصار لك كم يوم متزوجها .. لو رجَّال ماتختلي فيني كذا ... لو رجَّال ما تنسى حدودك .. لو رجَّال . . لم تُكمل وهو يضع باطن كفِّه على فمِها ،
عبدالعزيز و يُلصق جبينه بجبينها و كفِّه على فمِها وبصوتٍ محروق : و أنتِ ؟
دمُوعها تلتصِق بكفٍ عبدالعزيز ، و عيناها تحكِي الكثير ، يااه يا عيُونِي و يا رحمةُ الحديثِ بينها !
عبدالعزيز ببحةٍ قاتِلة لبقايا رُوحها : قلبك هذا *أشار بأصبعه وكأنَّها سهمٌ يغرز صدرِها* أنا أعرفه أكثر منِك ، أكثر بكثير
رتيل شدَّت على شفتيْها حتى تبكِي بصمتٍ و لاتخرُج منها شهقةٍ تائِهة تُدمِي قلبها ، دمُوعها تنساب على ملامِحها.
عبدالعزيز و مازال يُحاصِرها : أرفعي عيونك وقوليها .. قوليها وببعد عنِّك إن صدقتي فيها
يالله يُريد إذلالِي ، يُريد إهانتِي بكل قوَّاه الذكوريـة ، معك فقط شعرتُ بقمع المرأة و تسلطُ الرجال ، معك فقط شعرت لِم الصبيـة تحلمُ أن تُنجب طفلاً ينتمِي لجنسِ آدم المُتغطرس ، لأن لا أحد يُؤذينـا كالرجال ! لا أحَد يا عزيز يُؤذينـا ويُحطمنا كـ أنتُم.
بعد عبادةِ الله أشعُر أنَّ وظيفتكُم بالحياةِ هي تملُك المرأة و ممارسة غرُوركم على جسدِها و قلبُها بين كفُوفِكم يعتصرُ ولا رحمةٍ.
بحدة أرهبت رتيل : قوليها
رتِيل وعيناها تبكِي حُمرةً و بقايا الكحلُ تُحيطها بهالةٍ سوداء ، بنبرةٍ مُهتزة كاذِبة : أكرهههك
عبدالعزيز بجنُون : كذابة ، شفتِي أنك كذابة .. وتسأليني ليه أخون أثير ؟ أنا ماأخونها ! لأن أنتِ ولا شيء .. ولا شيء .. ولو أقولها عنك ماحرَّك فيها شعرة لأنها تدرِي أنك . . ولاشيء.
رتِيل أخفضت رأسها ، قوتِها تُجهض من رِحم هذا الحُب ، لا قوةٌ تملكها حتى تُدافع عن نفسها ، كُل ما كانت تقوله طوال الأيام الماضية لنفسِها بأنها ستتجاهله ولن تضعف أمامه و ستتناساه و ستتصنع كُرهه إلى أن أتكرهه ، كل شيء تبخَّر الآن ، كل شيء لا وجُود له ، أيّ معصيةٍ أرتكبتها ؟ أيُّ مقبرةٍ تدفنِي فيها يا عزيز !! أكان ذنبِي هائِلاً لهذه الدرجة ؟ أنا أصبحت " لا شيء "
يالله يا قسوةِ هذه الكلمة مِنك ، قسوت جدًا و جدًا تعنِي جرحٌ لا يُغتفَر و أشياءٍ رماديـة لن تتلوَّن مُجددًا .
رفعت ملامِحها الممتلئة بالدمُوع و حرارةِ أنفاس عبدالعزيز تحرقُ وجنتيْها : أنا ولا شيء ؟
عبدالعزيز يضع كفوفه الدافئة على جانبيْ رأسِها لتُغطِي إذنها : أنتِ مين أصلاً ؟ حتى أبوك وهو أبوك أرخصك ليْ !! . . زيادة عدد يا رتيل .. تجرح صح ؟ توجع أنك تكونين زيادة عدد في دنيا مثل هذي !
رتيل بحُرقة و بهمسٍ مجرُوح : لأ ما تجرحني لأنها منك وأنت ماتعني لي شي ..
عبدالعزيز و لمساتِه لملامِحها تزيدُ من إختناق عينها بالدمُوع ،
أردفت بحدَّة : و لا بأحلامك يا عبدالعزيز ... إذا أنتِ تشوفني ولا شيء أنا أشوفك نزوة .. نزوة وبتعدِّي .. مثلك مثل غيرك
عبدالعزيز كاد يخنُقها وهو يُذيب عظامِ وجنتيْها بكفيْه : نزوة !!
رتيل وضعت كفوفها على صدره لتدفعه و لم تستطِع قوتها الهزيلة ، خرجت من بينْ ذراعيْه وتخطُو بُسرعة إلى الباب وبربكة تُحاول فتح قفله ، شدَّها عبدالعزيز من خصرِها ليجعلها تقِف على أطراف أصابعها وتصِل لمستواه : وأنا بخلي للنزوة ذكرى
وضع ذراعه خلف ظهرِها مُحاولاً فتح أزارير بلوزتِها و حين أستصعب عليه مزَّقها من جهة الأمام ،
رتِيل سقطت على ركبتيْها بضُعف مقاومتِها لتهمس : إحنا بالعشر حرااام .. حرااااااااااااااااااااااااااااااااااااااام
عبدالعزيز و هو الذِي فتح أزارير قميصه ، نزعه ليُغطِيها وهو يهمس في أذنِها بأنفاسٍ حارقة : النزوات ما تمُوت في قلبك يا رتيل
أخفضت رأسها ليرتطِم على كتفِ عزيز ، وضعت رأسها على كتفِه باكيةً ، تحترق من داخلها من الله الذِي يراها في هذا المنظر ، رُغم كل هذا هي مُتشبثة مُتماسكة لم تقِف وتقُول أن الله يراني ، يأِست ، وصلت لمرحلة من اليأس تجعلها تغرقْ دُون أن تطلبَ النجاة.
طوقُ النجاة المكسُور على حافةِ حُبك يا عزيز ،
الشمسُ تشرق عليهم و بين ثقُوب الخشب يخترقُ ضوئُها ، خرج أنينها ، و خرج عزفُ الدمُوع.
عبدالعزيز بصدرِه العارِي يخنقُ ملامِحه بشعرِها ، يغمسُ أنفِه بين خصلاتِها البُندقيـة ،
رتِيل ويداها مريضةً تُوازِي جسدِها و قلبُها ينتفِض بدقاتٍ لا تهدأ تُشبه جرسٌ يُنذِر عن حريق ، أحترق بك يا عبدالعزيز ولا نجاة.
عبدالعزيز : تخافين مني ؟
رتيل بصوتٍ يمُوت : أخاف من الله
عبدالعزيز يُبعد ملامِحه عنها لتلتقِي عيناهُم ، و هواءٌ قليل يفصلُ بينهم و يُتسابقون عليه ، نزلت أنظارِه لقميصه الذِي يُغطيها الآن ،
رتيل بنبرة مُوجعة : كل اللي مزعجني أنك تسوي فيني كذا ؟ حتى إسم اني بنت صديق أبوك ماأحترمت هالشيء ! .. في كل البنات اللي تقابلهم واللي عندك ولا شيء تسوي فيهم كذا ؟ . . عُمري ماراح أكره شخص مايعني لي شيء قد ماأكرهك الحين !! و بتعدِّي يا عزيز .. ماراح أسمح لك تتعدى حدودك معايْ ..... ولأنك ماتعني لي شي راح أقول لأبويْ .. أخفضت نظرها لقميصه مُجبرة أن ترتدِيه ، أغلقت أزاريره حتى تُغطِي جسدها الذِي كُشِف أمامه
قبل أن تخرج ألتفتت عليه : انا ماكنت رخيصة بس أنت اللي ماكنت رجَّال .. وخرجتْ تارِكةً عبدالعزيز في وضعِ غير مُتزِن.
تنهَّد بضيق مما كان سيحدُث لولا رحمة الله ، يُدرك أن ماكان سيفعله هو من حقه الشرعِي ولكن دُون علم رتِيل يجعله يشعُر بدناءة الكون ترتمِي في قلبه ، يالله ماذا يحصُل بي ؟ يجب أن أروِّض نفسِي عنها ، يجب . . لا حل غير أثير ، يجب أن تكون أثِير حقيقةٍ في حياتِي .

في جهةٍ أُخرى أرتمت على السرير ورائِحة عطره تخترق أنفِها ، دفنت وجهها في سريرها وهي تبكِي بشدَّة ، كان سيُكتب على جبينها " زانيـة حتى لو أظهرتُ رفضِي " ، يالله كيف تجرأ أن يُمزق ملابسِي ؟ كيف تجرأ و نسَى الله و نسى تربيتِه و إسمه و نسى حتى مكانةُ أبِي ، مُستحيل أن يكُون عبدالعزيز الذي أحببته ، مُستحيل أن يكُون كذلك !
رُبما هذه الأسئلة كانت تُقال لي في فترةٍ مضت و لم أهتم بها و ها أنا أُعاقب عليها و كما تُدين تُدان ! ليتني فكرتُ بكلامِ عبير ، ليتني أخذتُ حديث والدي الدائِم ليْ بأهمية.
لا شيء آخر سوَى أنني سأكرهه رُغمًا عن قلبِي ، رُغمًا عن كُل شيء ، يارب أنزعه من قلبِي و من حياتِي عاجلاً غير آجل.

،

في صباحٍ داكِن تطلُّ الشمسُ من خدرِها غاضِبة تحرقُ ملامِح المارَّة ، الرياضُ المُزرَّقة من إتهاماتِهم الباطلة ، الرياضُ الخجولة مثقُوبة بكدماتٍ من كذبِ البعضْ على عفتِها ، الرياضْ الصاخِبة صيفًا و الدافئِة شتاءً تلمُّ شملً القلُوب حولِها ، تبقى الفتنةُ بقمرٍ طلّ من سماءِ الرياض ، يا من تركت الرياض . . كيف الحياة بدونها ؟ رُغم التذمر و الشكوى من هذه الأرض ، إلا أنَّ الجفافُ يبقى " بللُ " و العشاقْ يربطهُم رضـا الله و النجُوم ضياءٌ تشهد بسبابةِ القمَر.

في مُنتصف طريق بقي تقريبًا 5 ساعات حتَى يصِلُوا إلى حائِل ، يُوسف بهدُوء : نزلي الكرسي عشان يرتاح ظهرك
مُهرة أنزلت يدِها بجانب المقعَد حتى تضغط عليه لتُردف : ماينزل
يُوسف ألتفت عليها : مو الأولى الثانية
مُهرة بخوف : شوف الطريق طيب
يُوسف خفف سُرعته و ركَن سيارتِه جانبًا لينحنِي عليها من الجهة الأخرى ،
مُهرة أخذت نفسًا ولم تزفُره من قُربه ، شفطَت بطنها من قُربه وهو يحاول إنزال الكُرسِي ، تسمعُ أنفاسِه و دقاتِ قلبه ، أنزله إلى أن قارب المرتبة الخلفية : كِذا تمام ؟
مُهرة بصوتٍ مُرتبك : إيه
يُوسف عاد لمقعدِه و حرَّك سيارتِه : فيه محطة قدامنا إذا تبينا نوقف عندها ؟
مُهرة : لأ
يُوسف : كلمتي أمك ؟ يعني قلتي لها !
مُهرة : لأ بس أوصل أشرح لها .. ماراح تفهمني من التليفون
يُوسف : تدلين بيتهم
مُهرة : لأ بس نوصل للقصيم ويبقى ساعتين على حايل أكلمهم ويعطوني العنوان
يُوسف تنهَّد : طيب ، .. *صمت لدقائِق يُحيطهم ثم أردف* .. ودراستك بالرياض ؟
مُهرة : أوقفها عادِي

،

الضوءُ يخترق النوافِذ التي تُشبه السجُون ، يقطعُ الزجاج أعمدةٍ كثيرة و رائِحة المكان مُقرفة تُثير الغثيان ،
مُغلق عيناها بوشاحِها ومُثبت أقدامها بالكُرسِي الخشبِي الممتلىء بالرسومات والعبارات التعصبية ، في مكانٍ مُظلم و كأنهُ مهجور.
سعَد : طيب .. لآ ولا يهمك ... تآمر آمر إن شاء الله ... وأغلق هاتِفه ، سحب كُرسي ليجلس أمامها ،
سحب اللاصِق من فمِها ليُثير الحمرة حول ثغرها : مين اللي اعطاك الفلوس ؟ أبي كلمة وحدة
لا رد يأتِي ،
سعَد : صدقيني ماهو بصالحك أبد ، يعني لو وصل موضوعك لبوسعود و بوبدر .. بتكونين في عداد الموتى
أمل : . . . . . .
سعَد : بعِّد لين العشرة إن ماتكلمتي يؤسفني أنه بيتم التبليغ عنك . . . واحد . . إثنين . . ثلاثة . . أربـ
أمل : ناس
سعد أبتسم بإستخفاف : أحلفي عاد ؟ ناس ؟ تصدقين أحسبهم حيوانات
أمل أشاحت نظرها بعيدًا عنه و الألمْ يسيرُ ببطء بين ملامِحها بعد أن نامت ليلتها على هذا الكرسي ،
سعد بغضب : أنطقـــــــــــــــــي !! . . كنتِ راح تعيشين زي ماتبين .. وش تغيَّر ؟
أمل : . . . . . .
سعد : لا توجعين راسي عندي ميَّة شغلة غيرك ، غادة مع وليد الحين ولا ندري عنهم شي والبركة بأفعالك !! تكلمي عن كل شي تعرفينه ، لا والله يصير شي مايعجبك
أمل : هي تحب وليد
سعد بغضب : مالك شغل تحبه ولا تكرهه قولي لي شي يفيدني بعيد عن هالخرابيط
أمل : مدري قالوا بيطلعون برا باريس
سعد : طبعا ماراح يقدرون لأن جوازها هنا .. أبغى إسم المدينة اللي راحوا لها
أمل بإرهاق : وقلت لك مااعرف
سعَد بهدُوءٍ مُخيف : أفكِّر بردة فعل سلطان بن بدر و عبدالرحمن آل متعب إذا عرفوا عنك
أمل بلعت ريقها و الخوفُ يتشكَّلُ بأنفاسها المُتصاعِدة ،
سعَد : مقرن يبي يساعدك ويبعدك لكن أنتِ تجبرينه يتصرف معك كذا !!


،

في الضاحية الشرقية لباريس ، مقبرةُ دي بلفيز في مُربع المسلمين ، وكَّل شركة فرنسية تدفع لهُم الرسُوم في شراء المقابر هُنا حيثُ أنّها تُشترى و حسبِ المُدة فـ كُل عائلة عبدالعزيز و أُمِي كل 30 سنة يجب أن نُجدد الشراء لهم وإلا أخرجت السُلطات الفرنسية الجثث و أحرقوها ، وقف عند قبرِ أُمه و قرأ من القرآن " رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا " ، أحمَّرت عيناه وهو يجمع كفُوفه ليدعِي " اللهم أبدلها دارًا خيرًا من دارها و أهلاً خيرًا من اهلها و أدخلها الجنةِ و *تحشرج صوتِه ليصمت ثوانِي ثم يُردف بصوتٍ موجوع* و أعِذها من النار و من عذاب القبر ، اللهم تجاوز عن سيئاتها و جازِها عن الحسناتِ إحسانًا و عن السيئات عفوًا و غُفرآنا ، اللهم أجمعنا في يومٍ لاريب فيه .. أكمل دُعاءه بخشوعٍ تام و عيناه تبكِي وجعٌ "
مرَّت دقائِق طويلة و هو امام قبرِ أُمِه ، قبل أن يذهب عنها أبتسم لم يراها كثيرًا . . توفيْت و هو في ثاني متوسط ، ليتهُ كان معها في آخر أيامها ، أيامُ مرضِها و علاجُها الذِي توجَّب عليه الذهاب لباريس . . ربَّ ضارةٍ نافعة ، لو لم تأتِي للعلاج في باريس لما رأيت غادة.
وقف أمام قبرِ هديل ، دعَى لها كثيرًا و كأنها أخته ، هو فعلاً يشعُر بأخويتِه مع هديل وحميمية الأخوة بينهُما رُغم أنَّ لا موقفًا يُذكَر بيني وبينها .. إلا أنها أختُ من أفديهِ برُوحِي و أختُ من تملَّكت قلبي.
أقترب من قبرِ والِد عبدالعزيز ، دعَى لهُ بالمثل إلا أنَّه تأثَر أكثر أمامِه و صوتُه يختنق و يتحشرج و يقِف بمساحاتٍ شاسعة تُشبه الخواء الذِي يواجه قلبه الآن في وحدتِه ، وقف أمام قبرِ والدة عبدالعزيز ، قرأ بعضُ آيات القرآن و دعَى لها .
أتَى الدور على القسم الأكبرِ من قلبه ، وقف هذه المرَّة على رُكبتيْه أمام قبرِها ، شدّ على شفتيْه ويحاول أن يبتسم أن يفرح ، يُريد أن يصِل شعُوره إليْها ، قبل أن آآتي إلى هُنا قرأت أداب زيارة المقابر حتى لا أقع بشيءٍ منهي عنه و قرأتُ حديثًا صحيحًا شعرتُ بأنَّ عُرسًا يُقيم في قلبي " ما من رجل يزور قبر ‏أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم " هذا يعني انها تشعُر بيْ ؟ يالله يا غادة أُريد أن أُخبرك عن حُزنِي دُونك و انَّ الحياة ناقِصة تتشعبُ منها زوائِدٌ مهما حاولت أن أُعطيها بعضُ الأهمية إلا أنَّها تعجز أن تحلُ جزءً من قلبِي مثل ما حييتِ هُنا – قلبي - ، " نزلت دمعتِه ليُكمل بأحاديثِ نفسٍ لا يُجرؤ أن تخرج بصوتِه ، تعبنا يا غادة ، لا عزيزٌ سعيد و لا أنا ، لا نحنُ نحن و لا الحياةُ ترتضِي أن تُسعِدنا ، يالله ياغادة لو تعرفين أو تدركين كيف أنني غير قادِر على العيش و الحياة ! والله لستُ بقادِر و أخافُ السخط على قدرِه يا غادة . . يا جنُونِي . . يا حبيبتي ، أولُ مرة أرى باريس بهذه الثيابُ الرثَّة ، أول مرَّة أفقدُ اللهفة في عينيْها ، أول مرَّة أجِد أن باريس جافة مُفلسَة ، أيامُنـا القديمة و تفاصِيلُنا المُباغتة لذاكرتِي التي تمِّر ببُطء على قلبي حتى تنزلق بِك يا رُوحي ، يا سمائِي . . يا أرضِي ، يا كُل شيء ، تراكمت الغيُوم يا غادة و لم تبقى السماءُ كما عهدتِ . . تراكمت ولم ترحمُ العطشى و الحزانى ، لم ترحمهم وتُمطِر.
أتشعُرين بي الآن ؟ يارب أنك تُشعرين بيْ ، أنا لم أنساك و لم أنسى وعدُنا لبعض ، والله لم أنسَى.
كانت الحياة أقصَر من أحلامِنا الممتدَّة على قارِعةِ حُبِنا ، أحلامُنا التي كانت أن نشيخ سويًا و أحفادِنا حولنا ، لم نشيخ يا غادة و لم نرى أطفالُنا حتى . *بكَى بشدَّة و بصمتٍ مُطبق شدَّ به على شفتيْه إحترامًا لهذا المكان و أن لا يجبِ النواح فيه*
كانت أقصَر يا غادة ، والله ستكُون الحياة أسعَد لو تركتِ لي طفلاً ، فقط طفلٌ واحِدٌ ياغادة ، أنا أحببتُك و أحببتُ أن تُبللين جُحرِي بطفلٍ يقع و يتشبثْ ، يسرقُ من تفاصِيل أُمِه الكثير ، أن يُشبهك ،
تذكرين المرةِ التي قُلت لكِ فيها " الأربعين الشبيه اللذين يحشرُون أنوفهم بقصائِد الشُعراء لا وجود لهم و لم تصدقيني "
أتُصدقيني الآن ؟ أين أشباهكِ يا غادة ، أين هُم ؟
أُريد أن أحكِي لك الكثير ، الكثير مما حصَل ، عُدنا للرياض التي كُنتِ تشتاقين إليها ، عُدنا يا غادة ولم تكُونِي معنا.
لم تتغيَّر كثيرًا ، أرضُ لم تطأ بها قدماكِ هي عنصرٌ كونِي مُكتَّظ لا أحد يلتفتْ إليه و الآن باريس تدخلُ تحت هذا المصطلح بعد أن كانت حسناءٌ راقِصة تسرقُ من عينيْكِ ضياءُها و مِن رقةِ شفتيْك فتنتُها . . آآآه يا غادة لِمَ المُدن تتشابه ؟ لِم الأرضُ بأكملِها تُشبه غصةً في صدرِي تلعبُ بأعصابِي ولا ترحل ، لِمَ كُل شيء في غيابِك " باهِت " ، لا شيء يُذكَر بعد ، سنَة كاملة لم أفعل بما شيئًا يستحقُ الذِكر حتى الأمور البسيطة كانت في وقتِنا هي أهمُ الأشياء ولكن فقدتك و فقدتُ كل أشيائِي خلفك.
قبل أن أرحَل أُريد أن أُخبرك ، . . . . *خرجَت شمسُ باريس الخجولة و أشعتُها الخافتة لتعكسَ دمع ناصِر على ملامِحه*
أُريد أن أقُول أنني أحببتُكِ أكثرُ مما يُدرَك في هذه الحياة الوضيعة و لم أتوقَع أن خسارتِي فادِحة إلا و أنا أرى السماء تُطوِي سُحبها المُتمايلة بين همساتِنا لتقطع خيطًا بيني وبينك.
أُريد أن أقُول يا غادة أننِي أشتاقُك . . ، أشتاقُك و جدًا ،
أدعُو الله أن يُسامحنِي على إحتفاظِي بصورِك و بكلماتِك و بأقراصٍ تضمُ مشاهِدٌ تضحكِين بها كإتساع الشمس و قطراتُ المطَر و تبكِين فيها كرذاذِ عطرٍ لا يكفُّ عن السؤال عنك.
أدعُو الله أن يعفُو عنِّي لما أفعله الآن ، رُغمًا عنِّي أضعفنِي فُقدانِك في ليلتنا التي جلسنَا سنين نُفكِر بها ، في ليلتنا التي كان يجب أن أُصلِي معك شُكرًا أنَّ سقفُ حُبي بات يجمعُنا على أرضٍ واحِدة ، في ليلتنا التي كان يجبْ أن نوثِّق بها حُبنا لأطفالنا ، في ليلتنا يا غادة أتى موتُك خاطِفًا قتلنِي و قتل عبدالعزيز من خلفِي.
أدعُو الله أن لا يجعلنا من الساخطين على أقداره ، والله لا أُريد ، والله لا أُريد أن أكون مجنُونًا هكذا ، لا أُريد أن يغضب مني الله ببُكائِي ، لا أريد يا غادة ولكن رُغمًا عنِّي ، لا أُريد أن أضعف ولكن حُبك أقوى ، لا أُريد أن أنكسِر ولكن غيابُك أقسى ، لا أُريد أن أنهار ولكن حضُورك أكثرُ إتزانًا ، لا أُريد يا جنُونِي لا أُريده ولا أُحبه و الله على كُل هذا هو الأعظم وهو القادِر على أن يُخفف من جمرةُ أشتياقٍ واقفة في حلقي ، كل شيء يا غادة يتطفَّلُ ليظهر أمامِي ليُذكرني بك وكأنِي نسيتك ، كانت أُمنيتي سابقًا أن نشيخ سويًا و لكن الآن أُمنيتي أنَّ الجنة تجمعُني بك لأحبك من جديد.
أستمَّر دقائِقٌ يحاول أن يتزِن و يُطفأ حُرقة دموعه ، وقف وجمع كفيَّه ليدعُو لها و نصف ساعة و أكثَر وهو يدعُو إلى أن قال مودِعًا " يالله إنك فطرت إبن آدم على قلبٍ ضعيف ينشغلُ بلهوِ الدُنيـا فـ يارب علِّقني بِك و أرحمني و أرحمها كما ترحمُ عبادِك الصالحين ، يالله أني لم أُحببها لأجلِ دُنيا فانية ، يالله أني أحببتُها طاعةً فيك لم تُشغلني يومًا عن ذِكرك فـ يارب كما أحببتُها بالدُنيا حُبًا عظيمًا قائِمًا على طاعتِك و على رضاك أن تجمعني بها في أعلى جنانِك "

،

مُستلقي على السرير الوثِير و رائِحتُها تُثير حواسِّه الناعِسة ، صُداعٌ يقضُم خلايـا مُخه و يفتحُ عيناه ببطء.
نظر للسقف مُستغربًا إلى أن أستوعب ماجاء بِه إلى هُنا ، مدَّد ذراعيْه بإرهاقٍ و تعب بعد أن أستنزفت كُل قوَّاه بالأمس العنُود ، يالله يا هذه الأنثى يشعُر بأنَّه يكرهها أكثر من اليهُودِ أنفُسهم ، تحرُرها الزائِد و مظهرها الذِي يشعُر به دائِمًا بالتقزز ، يخجَل من أن تكُون إبنة عمِته بهذه الصُورة ، سيئَة جدًا حتى أخلاقُها تشوِّهها كثيرًا رُغم أنَّ ملامِحها تُشبه عمته الأقرب لقلبه ولكن تبقى عمته أجمل بكثير و هي لاشيء يُذكَر عِندها ، هذه العنُود سأعرف كيف أُعيد تربيتها من جديد و أجعلها تحترم عاداتنا وتقاليدنا ولو كان رُغمًا عنها.
تأمَّل الغُرفة التي هو بِها مرةً أُخرى ، غُرفة الجوهرة في أيامها الأخيرة هُنا ، لا يعلم لِم شعَر بضيق من أن يدخل جناحه ولا يعرف كيف قادتِه أقدامه لغرفتها هيَ ، مازال يرنُّ في إذنه بُكائِها و كوابِيسها.
مقهور جدًا من طريقة إستغفالي هذه وأنا الذي لم أعتاد أن أحدهُم يُهينني بهذا الشكل كيف وأنتِ الجوهرة ؟
أنا قادِر على العيشْ دُونِك لم تكُوني يومًا أهم من والديْ ! ولكن بي من القهر ما يجعلُنِي أردُّ إساءتِك ليْ ، أُريد أن أردَّها بأقربِ فُرصة ، أُريد أن أُذيقك مرّ ما ذِقتهُ مِنكِ ، ليتك تشعُرين بشعُور الرفض الذي كنت أراه بعينك إن حاولتُ الإقتراب مِنك ، شعُور سيء يُثير أعصابي و يُغضبني ، لمْ تشعُري يومًا بفِكرة أنني زوجُك و ألقى الرفض من كُل جانب !
أنتِ و تُركِي ستدفعُون الثمن غالِي و أنا أُقسم بذلك.
دخل للحمامْ المُلحق بالغُرفة ، بلل وجهه و كالعادة توضأ رُغم أنه ليس بوقتِ صلاة ،
خرَج و أنتبه لبعضُ الحركة في غُرفةِ سُعاد ، دخل و لقيَ حصَّة و عائشة ، رفع حاجبه : وش قاعد يصير ؟
حصَّة بحزِم :سعاد والله يرحمها بتبرَّع بأغراضها للفقراء ، فيه محتاجين كثير ومنها نكسب أجر
سلطان بهدُوء : طيب ماهو كان لازم تستشريني ؟ قلت لك يا حصَّة مليون مرة عن هالموضوع
حصَّة بحزم أكبر : أنا أكبر منك ومفروض تحترمني وتحترم شوري
سلطان بإنفعال : أيّ شوري أيّ بطيخ !! هذي أشياء تخصني
حصة بهدُوء تُريد أن تختبره : بس الجوهرة أكيد بتجي قبل العيد ومايصير تشوف هالغرفة في بيتها
سلطان : والله ؟ ومين قال بتجي ! حصة لو سمحتِ أطلعي أنت وعايشة وأتركوا الغرفة
حصة بنبرةٍ خبيثة : ليه نايم بغُرفتها اليوم ؟
سلطان يُظهر اللامُبالاة و الإستغباء في آنٍ واحِد : أيّ غُرفة ؟
حصة وهي تمسك الكُتب وتُسلِّمها لعائشة : مدري أي غرفة بس يقولون لك اللي قلبه على حبيبه يدور عليه ويجيبه
سلطان الغاضب لانت ملامِحه ليبتسم : مخك متبرمج على أفلام أبيض وأسود
حصَّة بإبتسامة : سعاد بحّ . . طيب ؟
سلطان : عطيني الكتب بحطها في مكتبتي
حصَّة : أنت ماتقرأ كتب رومانسية وأدب ليه أحطها لك
سلطان : إلا أقرأ .. جيبي بس
حصَّة : علي ؟ خلك على كتب المجانين حقتك ومالك دخل بهالكتب
سلطان بجدية : عطيني أبيها . . الجوهرة تقرآها
حصَّة بضحكة : صدق ؟
سلطان : أسألي الجاسوس اللي جمبك
عايشة بإندفاع وخوف : أنا ما يقول شي
حصَّة : مالك دخل بحبيبتي عيوشة
سلطان بسخرية : يا عيني بس !!
حصة : أوَّل قولي الجوهرة تقرأ الكتب الأدبية ؟
سلطان : والله تقراها
حصة : طيب أخذها أجل .. مدَّت له الكتب
سلطان : خل عايشة تحطها في صندوق واحد وتجيبها المكتبة انا أرتبهم
حصَّة و هدُوء سلطان يُغريها بالأسئلة : متى راح تجيبها ؟
سلطان بضحكة يُردف : تحزنيني والله عاد أمس مكلِّم أبوها نتفق على الطلاق
حصَّة توسَّعت محاجرها : من جدك ؟
سلطان بجدية : حصة الله يخليك الموضوع منتهي وماأبغى أتناقش فيه وهي تعرف مصلحتها وأنا أعرف مصلحتي
حصَّة بإنفعال : ننععععم ! لا والله ماتطلقها .. وش تطلقها ماصار لكم سنة عشان تطلقها ؟ مهما كانت هالمشكلة العظيمة اللي بينكم وأدري أنها سخيفة بس مايصير
عائشة عندما علت الأصوات أنسحبت بأطراف أصابعها وملامح الخوف تظهَر بملامحها ،
سلطان : خلاص ولا يهمك اطلقها عقب ماترجعين لندن
حصة بغضب : تستهزأ فيني ؟
سلطان يقترب منها ليُقبل رأسها وبنبرةٍ خافتة : الموضوع منتهي
حصَّة بحزنٍ واضح على ملامحها : طيب ليه ؟ سلطان أنت كبرت مايصير تبقى كِذا !! بكرا تتقاعد وش بتسوي ؟ قولي بس وش بتسوي ؟ أنا خايفة عليك وأبيك تعيش حياتك زي مالكل عايش .. يكفي شغل ماراح يجيك كثر ماراح من عُمرك في هالزفت شغلك ، وش أستفدت منه ؟ طيب قلنا نسلم أمرنا لله وتبقى في هالشغل لكن حياتِك !! أنا ماشفت الجوهرة بس واثقة أنها ما تستاهل الطلاق .. مرَّة وحدة بحياتك حاول تحافظ على شخص .. أنت منت ملاحظ أنك تخسر الناس بسهولة !! منت قادِر تحميهم .. لآتقولي أنا أحمي غيرهم .. لكن أحنا أهلك و الجوهرة أهلك يا سلطان .. يا روحي الله يخليك يكفي اللي مضى ، لا ترخص هالناس اللي حولك .. بيجي وقت تحتاج فيه لأحد يسمعك ويكلمك .. رجِّعها عشان خاطرِي وبعدها يحلها ربِك ، و كل مشكلة لها حل
سلطان تنهَّد : أنا ماأصلح أكون كذا ، ماأعرف أكون زوج ولا غيره .. أنا ماأصلح الا بمكان شغلي وبجلس فيه لأني أحبه و هو حياتي كلها .. ومستغني أنا عن هالحياة الثانية اللي مع الجوهرة و غيرها.
حصَّة و أختنقت محاجرها بالدمُوع : مستغني عنَّا ؟ يالله يا سلطان ماأعرف كيف قلبك حجر كذا !! ليه ماتحس أنه بكرا بتشيب وهالشغل بيستغني عنك مثل ماأستغنى عن غيرك و بتبقى بروحك لا زوجة ولا أهل ..
سلطان بصمتٍ يتأمل عيناها التي تُجاهد أن لاتبكِي ،
حصَّة تُكمل : إذا تغليني ولو شويَّة يا سلطان لا تخسر نفسك أكثر من كذا .. لآتخسرها ورجِّعها .. لآتطلقها بس عشان ترضي عقلك .. لأن هالعقل اللي تفكر فيه مصيره بيتخلى عنه وماراح تلقى بقلبك إلا ذكرى ناس أنت خسرتهم بنفسك !! .. رمقته بنظراتٍ راجيَة وخرجت.
سلطان وقف في مُنتصف غُرفة سعاد و أفكارِه تهوَى كما تسقُط قطراتُ الماء من المباني ، أصطدم به أكثرُ من فِكرة و حديثُ حصَّة مُوجع لقلبه ، كم خسَر في حياته ؟ فترةُ الشباب الطائشة و عمِي عنَاد و إبنه نايف في رحلتِنا الغارقة على شواطىء صقليَّة ، أُمِي الجنَّة و لا جنةٌ في الدُنيا سواها و أبِي الرائحة العتيقة التي يحتفُظ بها قلبي ، أجدادِي الذِين باغتهُم المشيب حتى ماتُوا تباعًا و المصائِبُ لا تأتِي فُرادى ، من بقيَ ؟ كان يجبْ على والديْ أن يُفكِرُوا بوِحدةِ إبنهم بعد عُمرٍ طال ، لو أنَّ لديْ أخ الآن قريبًا من عُمري كان الأمر سيكُون مسليًا رُبما كنت سأعلمه على الفروسية أو رُبما أُعلمه على انواع الأسلحة و من الممكن أن يُعلمني شيئًا .. كنت سأجِد مُتسعًا لأحتفِظ بهذه الحياة كما رددتها عمتِي ، ولكن حياتي ليست مُغرية لأنَّ أتشبث بها ، أصابني الله في حُبِ عملي حتى أفقدنِي الكثير و مازال.

،

دُو فِيل على أمواجِ البحر المُستقرِة ، على شُرفةِ شقتِها تنظرُ للبعِيد الغير آتي ،
وضعت كفَّها على صدرِها ، نبضاتِها غير مُستقِرة تشعُر بهيجان يحرقُ أطرافِ قلبها ، أحدهُم يُناديها ، أحدهُم يُثير سمعها كما لو أنه يضع جمراتٍ مُتراصَّة حول غضارِيفِ أُذنها الرقيقة ، عيناها تبكِي بلا سبب او رُبما حتى الأسباب تجهلها ، مازال قلبُها يتواطؤ مع حُزنِها و يُمارس الإختباء ، يتألم ولا يُخبرني ما يؤلمه ، أحدهُم أشتاقُ إليه كما يشتاق إليْ ، أحدهُم يخنقنِي و قلبهُ الأكسجين ، أحدهُم صيحةٌ عظيمة تنهشُ بعظامِي ، أحدهُم يُضعفني ، يُعصرني ، يُبكيني ، يؤلمني ، يجرحني ، يكسُرني ، يُقتلني . .
أحدهُم قلبي يعرفه جيدًا ولكنه جبانٍ من أن يقُول ليْ ، أحدهُم مُزعِج جدًا لذاكرتي ، يُثير الخوف على أطرافِ حُزني ، أرجف.
أكفف عن هذا ، أرجُوك . . لا طاقة لديْ لهذا الألم ،
أخفضت رأسها و كفوفها تنزل ببطء لبطنِها و غثيانٌ يُداهمها كأنَّ جنينًا بها يصرخُ عن والِده ، والِده ؟ يالله يا .. يا .. من أنا ؟
يالله يا رُوحي أكان هُناك شخصًا أُحبه قبل الحادث ؟ " طيب مين ؟ "
هديل . . رُبما أختي ، و عبدالعزيز أخي ، و مقرن . . أبي أو من ؟ لن أُسامحه إن كان حيًا و تركني ضائعة مُشتتة ، لن أُسامحه أبدًا وهو يُسقطني غرقًا في هذه الدُنيا دُون أن يحمِيني ويطوِّقُني ، لن أُسامحه على هذا الحُزن أبدًا.
ناصر ؟ . . . صمتُ لدقائِق طويلة حتى تُردف بحديثِ عقلها المُتشابك مع قلبها . . رُبما أخي ؟
أبتسمت بين أمواجِ دمُوعِها و قلبُها يضطرب كإضطراب البحرُ في مواسِمه و إرتفاعه.
همست : وينك ؟
أين انت من كُل هذا ؟ أين قلبِك الآن ؟ يبدُو أنَّ قلبي يُحبك يا ناصِر كما يُحب هديل الغائِبة عني و عبدالعزيز الذي لا أعرفُه ، أحبكم و لكن " وينكم " ؟
يالله يا من أجهله كم أشتاقُ لك كتكاثُر الغرباء في مُحيطي.

،

أفاق و العرقُ يُبلل الجُزء العلوي من جسدِه العاري ، أنفاسِه تُسمَع كإرتطامِ قطعٌ معدنية على الأرض ، شعَر بوخزٍ يسار صدرِه و رعبٌ يدبُّ في قلبه المُضطرب في هذا الصباح المُتأخر.
مسح وجهه و عيناه تسرقُ تفاصيل ما رآه ، أعُوذ بالله من هذه الكوابيس ، صدرِه يهبط ويعلُو بوقعٍ شديد . .
أن أرَى أختي تمُوت أمامِي مرةً أُخرى هذا يعني أنها تتعذَّبُ في قبرها ، يالله يا غادة ماذا يحصل معك في ظُلمتك ؟ أكاد أحلف أنك لم تفوِّتِي فرضًا ولا صلاة !! ماذا فعلتِ ؟ بربِّ الناس ماذا فعلتِ في دُنياك ؟ يالله يا غادة أشعُر بحممٍ تُصبّ في قلبي من أنكِ تتعذَّبين ، حفظتِي أجزاءً كثيرة من القرآن كما حفظتُ أنا ، فعلتِ الكثير من الأعمال الصالحة ، مالفعل المذموم هذا الذي محَى كل أعمالك وجعلكِ تتعذبين ؟ يالله أرحمها وأرفْ بحالها ، يالله جازها عن الحسناتِ إحسانًا وعن السيئات عفوًا وغُفرانًا.
لم يتحمَّل حتى أخذ هاتفه و يتصِل على ناصر ، ثواني حتى أتاه صوته المُتعب : هلا
عبدالعزيز بصوتٍ مخنوق : غادة تتعذَّب
ناصِر و للتو هدأ ، أختنق مرةً أُخرى ، ليتك هُنا يا عبدالعزيز حتى تسمعُ لعينيْ وتقرأُها ، ليتك هُنا .
عبدالعزيز يُكمل برجفة حُبٍ و إشتياق : ما سوَّت شي والله ماسوَّت ، حتى طلعاتها ماكانت الا معاك و نادِر ماتطلع لوحدها وصلاتها ماتطوِّفها ، أحيانًا تضطر تأخرها لكن تصليها .. ماطوَّفت فرض .. وماعليها ديُون .. وش صاير ؟ أحس بموت من التفكير .. هديل و أُمِي و أُبوي أحسهم مرتاحين .. حتى أمي كانت تبكِي كثير لكن الحين مرتاحة أنا أعرف هالشي أحس فيه .. حتى أبُوي أحس فيه .. بس غادة ليه ؟
ناصر بوجَع : كنت عندهم اليوم .. زرت قبورهم
عبدالعزيز ونفسه تلهَّفت : رحت لهم ؟
ناصِر بصوتٍ شارف على البُكاء : إيه
عبدالعزيز أختنقت عينه بالحُمرَة ، أشتاق لهم ، يشعُر بأن روحه تخرج من مكانِها الآن ، ليتهُم دُفِنُوا هُنا ، بئس تفكيري في ذلك الوقت أنه سيعيش عُمره هُناك فأردتُ أن يكُونوا بجانبِي .. لكن حتى أطيافهُم رحلت بعيدًا عني.
ناصِر : قبل شوي رجعت ، سو لهم شي ، خل لهم صدقة جارية كلهُم .. أخاف يختنقون من وحشتهم
عبدالعزيز مسح جبينه مُتعبًا وهو يضغط على عينيْه المُغمضة : وش يرجِّعهُم ؟
ناصِر نظر لشِقته الخاوية لتنساب دمعته على خده ، و أنفاسه لا تهدأ
عبدالعزيز و دموعه تتصارع في محاجره لتحجب عنه الرُؤية وبصوتٍ خاف ممتلىء بالوجع : مرَّت سنة . . كيف عشتها بدونهم ؟ محد حولي ومحد جمبي .. مححد .. كيف ؟ ماأبغى أدعي على نفسي بس يذبحني هالألم يا ناصر .. ماأبي هالحياة ، مليييت ..
بصوتٍ حطم حصُون اهدابه : موجوع يا ناصر حييل
ناصِر جلس على طرفِ طاولته الخشبية ، أنحنى بظهره لتسقُط دموعه على الأرض ، وجَع يفتُك عظامه هو و صديقه.

،

على فراشٍ ذو رائِحة نتِنة ساقِط و نومُه عميق و هالاتٍ داكِنة تُحيطه و رائِحةُ الغرفة تختلِط برائِحة الشُربِ و الألوان ، اللوحاتِ مُرتبة بجانِب بعضها في زاويةٍ ، دخل عليه برهبة و هو يرفع الملابس العفِنة ليصيح به : فااارس أصححى بسرعة أبوك جاي بالطريق
فارس بهذيان ناعِس : خلني أنام
حمَد يفتحُ الستائِر و النوافِذ الزُجاجية ليختلط الهواء النقِي بالغُرفة : أبووك بالطريق .. ركِّز معي ... رائد الجوهي بالطريق .. راائد اللي هو أبوك بالطريق
فارس فتح عينه : وشو ؟
حمد لم يتحمَّل تناحته حتى أخذ قارورة زُجاجية ممتلئة بالماء ، أخرج منها الورد و رماه و بلل فارس بمياهِ الزهر : أصحححى أخلص عليّ والله إن شم ريحتك لا يذبحك
فارس بعصبية : يامجنووون ليه ترمي الورد !!
حمد : هذا اللي يهمك يا مرهف الإحساس . .أنقلع للحمام فرِّك نفسك لين تطلع هالريحة ، نص ساعة وبتلقى أبوك هنا وساعتها شوف عاد وش يسوي فيك
فارس وقف عاقد الحاجبيْن : طيب بخِّر الغرفة .. وسحب منشفته داخلاً للحمام.
حمد : يا حومة كبدك يا حمد .. نظف غُرفة فارس وهو يرمِي بعض الأشياء التي بنظرِه تافهة و لكن بنظر فارس مُهمة.
دقائِق طويلة مرَّت وحمَد يُبخِر المكان برائِحة العُود العتيقة ، خرج فارس ناعِسًا : جاء ؟
حمد : لآ بس على وصول
فارس ببرود : طيب أطلع ببدِّل
حمَد خرج تارِكه ليُبخِر الصالة العلوية أيضًا ،
أرتدى فارس ملابسه بهدُوء وهو يتأملُ غرفته أن لايكون هُناك آثار لجريمته ، خرج لحمد
حمد : خلنا ندخل غُرفتك نشوف فيها ريحة ولا لأ
وبتحشيشٍ فعليْ ، أغلق حمد باب غُرفة فارس ومن ثُم فتحه ليدخل ويستنشق وكأنه يُمثٍّل دُور الجوهي : همممم أحس فيها شي
فارس : يالله خلف على عقول الحمير .. خلاص اترك الغرفة ريحتها ريحة ألوان
حمَد بخبث يجلس مُقابلا له : تدري أمس وش قلت لي ؟
فارس بلا إهتمام يتصفح الجريدة : وش ؟
حمَد : عبير
فارس رفع عينه له : نععم !!
حمَد : ههههههههههههههههههههه وش فيك عصَّبت ؟ تقول أنها لذيذة و ******* و
لم يُكمل من رفسة فارِس على بطنِه ، وقَف وجعله يتمدد على الطاولة الخشبية وبغيرةٍ شديدة لكمَه على عينِه ومن ثُمَ صفعةٍ مُدويَّة على خدَّه و لم يكتفِي بذلك ، ضربةٌ بالقُرب من أنفِه لينزف دماءً.
بصوتٍ غاضب شدّ شعره ليُقربه من وجهه وهو الذِي أعتاد من فارس البرُود و الهدُوء : قسم بالعلي العظيم لو تجيب سيرتها على لسانك لا أقطعه لك
حمد يدفعه وهو يُعدِّل بلوزته التي تمزَّقت أطرافها وكان سيُهدد كالعادة لولا حضُور رائِد بينهُم ،
فارس أقترب من والِده وقبَّل جبينه ،
رائد : وش فيكم تتهاوشون ؟
فارس بهدُوء : نمزح
رائد بضحكة : تمزحون !! عنيفيين ماشاء الله
حمد بإنسحاب : رايح أغيِّر ملابسي
جلس رائِد وبجانبه فارس ، أردف : شلونك ؟
فارس بخير الحمدلله
رائد رفع حاجبه : مبخرين البيت ؟
فارس : إيه حمد مبخره
رائد : عليّ ؟
فارس بلع ريقه : ليه وش فيه البخور ؟
رائد : ماتبخرونه الا فيه ريحة لمصايبك !!
فارس ويُمثل دور البريء : دايم تظلمني يايبه دايم تظن فيني ظن السوء ، خلاص من اليوم ورايح بقوله لا يبخِّر البيت وأستمتع بريحة الألوان والعفن اللي دايم تقوله
رائد بإبتسامة : شوي وتآكلني ، خلاص ماقلنا شي بخروه .. قولي وش مسوي بالتدريب ؟
فارس : كل يوم قبل لا أنام أتدرَّب
رائد : زين هذا اللي أبيه منك ، أنا بعد فترة راح أسافر ويمكن أطوِّل كثير فـ راح تكون مع حمد وماأبغى مشاكل
فارس : طيب ينفع أطلب طلب ؟
رائد بضحكة تُشبه ضحكة إبنه الساحرة : لأ
فارس إبتسم : طيب تروح وترجع بالسلامة
رائد : ههههههههههههههههههه قول وش تبي ؟
فارس : يعني الحرس والله مالهم داعي ، ماني بزر .. خلاص أنا كبرت على هالحرَّاس اللي يمشون مثل ظلي أبي آخذ شوية نفس وخصوصية
رائد بهدُوء : أبوك عنده أعداء كثير و
فارس يُكمل عنه بسخرية مُقلدًا لنبرته : و الأعداء هذولي يدورون عليّ الزلة ويبون يأذوني بأي طريقة وممكن يأذوني فيك .. حفظتها يايبه والله حفظتها من طلعت على هالدنيا وأنا أسمعها .. طيب أنا بجلس أنحبس كذا إلى متى ؟
رائد : طيب سافر لكن هُم معاك
فارس بإستهزاء : شكرا دايم ماتخجلني في كرمك
رائد يضرب ظهره بقوة ضاحِكًا : مسألة الفرفرة بالرياض أنسى
فارس: كسرت ظهري
رائد : اليوم صاير تتدلَّع كثير
فارس : يبه والله تعبت وحمد يخنقني .. طيب جيب لي واحد ثاني
رائد : أنا أثق في حمد
فارس : الله والثقة عاد
رائد بحزم : فاارس !!

،

صوتُ القرآنِ يضجُّ في البيت ، بعد أن راجعت بعضُ السوَر حتى لا تنساها وتأكِد على حفظِها ، نزلت لوالدتها ساعدتها قليلاً حتى جلسَا بالصالة و صمتٌ مُريب بينهم.
الجُوهرة بهدُوء : يمه زعلانة مني ؟
والدتها بإقتضاب : لأ
الجُوهرة جلست على رُكبتيها أمامها وهي تُمسك كفوفها وبإبتسامة : أجل ليه ماتكلميني ؟
والدتها : لأنك ماتبين تريحيني
الجُوهرة ومازالت تُحافظ على تقويسةِ ثغرها : أنتِ لو تطلبين صحتي وعافيتي وراحتي كان أقول فداك بس ماأبي أشغلك معي وأضايقك
والدتها بنبرةٍ مُهتزة : ماراح تشغليني ولا بتضايقيني .. أنا بس برتاح وأتطمَّن
الجُوهرة : تطمَّني يا روحي ،
والدتها : وش بينك وبين سلطان ؟
الجُوهرة بلعت ريقها وكأنَّه بدأ الهواءُ يضيقُ عليها : مابيننا الا كل خير
والدتها : مأذيك بـإيش ؟
الجُوهرة بهدُوء : ما تطلع الشينة من بوبدر
والدتها : طيب وش هالمشكلة اللي تخليك تتركين بيتك وأبوك يوافقك !!
الجُوهرة : أنا بس كنت أبي أرتاح عندكم ومشتاقة لكم
والدتها بخوفٍ يرتسم بعينها : غيره يالجوهرة هالكلام مايقنعني !
الجُوهرة أبتسمت حتى بانت صفةُ أسنانها العُليا : مافيه شي غيره
والدتها بضُعف : أحلفي بالله ..
الجُوهرة صمتت و لا كلمةٌ تنطقها و تُسعفها في هذا الموقف.
والدتها : ليه تكذبين عليّ ؟ أنا أمك بس قولي لي وش اللي صار وريْحيني !!
الجُوهرة ثبتت أسنانها العُليا على طرفِ شفتِها السُفلى ، بصوتٍ ضيِّق : مشكلة بسيطة .. وبتنحَّل إن شاء الله
والدتها بصمت تتأمل عينِ إبنتها ، تُريد أن تقتبِس من هذه العينُ بعض الأحاديث التي من الممكن أن تُطمئنها ،
الجوهرة أخفضت رأسها لتُقبِّل كفوفٍ عتيقة لها رائحةُ الجنَّة التي تحلم بأنَّ تكون يومًا من نصيبها.
أنساب شعرِها في حضنِ والدتها لتتضِح بعضُ الخيُوطِ الحمراء المُتخثِرة بالدم و كدمةٌ ليلكية تُفسد بياض رقبتِها ، أرتجفت أهدابِ الأمِ الخائفة : مين سوَّى كِذا ؟
الجوهرة رفعت عينها بعدم فهم ،
والدتها بغضب ممزوج بحُزنٍ عميق : وتقولين مافيني شي ؟
الجُوهرة أبتعدت قليلا عن والدتها و على جبيُنها يرتسمُ الإستغراب.
والدتها : ضربك ؟ لا تكذبين وتقولين ماضربك !!
الجُوهرة مسكت رقبتها لتقِف مُرتبكة مُرتجفة لا جوابْ لديْها . .
دخل ريان : السَلام عليـكم .. .. دارت نظراتِه بينهُما و رفع حاجبُ الشك : وش فيكم
والدته تتجاهله تمامًا : ليه تكذبين عليّ ؟ وش مسوي فيك هالأغبر ؟
الجُوهرة أرادت لو أنَّ والدها موجود يُنهي هذا النقاش بدُبلوماسيته المُعتادة ، أرتجفت بوجودِ ريَّان !
والدتها وعيناها تختنق بغضب : أكيد صاير شي كايد ولا مايضربك من هنا والطريق وأبوك واقف معك بعد !! ريحوني بس قولوا لي
ريَّان وعقله بهذه المواضيع يفهمها من كلِمة ، بهدُوء : سلطان ضربك ؟
الجُوهرة بدفاع مُرتجف : أنا زوجته ولو يكسِر راسي حلاله ، مشاكل وتصير بين أيّ زوجين ليه تعطونها أكبر من حجمها
والدتها : اللي يضربك مرة قادر يضربك مليون مرَّة
ريَّان : وليه ضربك ؟
الجوهرة بلعت ريقها بخوف : مشكله بيني وبينه
ريَّان رفع حاجبه مرةً أُخرى : زين حفظتي كرامتك وجيتي !!
الجُوهرة : وش قصدِك ؟ . . يعني أختك ماعندها كرامة *تعمَّدت أن تلفظُ - اختك - حتى تُشعره ببعض الذنب*
ريَّان ببرود يجلس : أنا واثق أنه المشكلة أساسها منِك عشان كذا ماألومه لو يكسِر راسك على قولتك
والدتها بحُرقة أمٍ ترى إبنتها بهذه الوضعية : وأنت معه بعد !! أنتوا بتجننوني ! كيف يضربك ؟
الجُوهرة و لا تُريد أن تبكِي ولكن نبرةِ والدتها جعلتها تبكِي لتلفظ بين بُكائها : يمه الله يخليك !! ماهو ناقصني
ريَّان بإبتسامة : أحمدي ربك ماذبحك .. أنا لو مكانه دفنتك على أيّ غلطة تطلع منك ودام سلطان ماشاء الله صبور فأكيد هالغلطة كايدة وخلته يضربك .. عاد الله أعلم باللي تخفينه عننا ويمكن عن سلطان
الجوهرة بقهر : ليه دايم ظنك فيني سيء ؟ . . أنا أختك من لحمك ودمك تعاملني كذا وش خليت للغريب !! ،
بحدة لم تعتاد أن تُخرجها لأحد ، بغضب وكأنها أنفجرت من سيل أتهاماتِ ريان الباطلة التي لا تنتهي : أتذابح مع سلطان ولا يصير اللي يصير بزواجي مالك دخل .. مالك علاقة فيني .. ماعدت صغيرة عشان تكلمني بهالطريقة ، أنا عمري 26 ماني بزر عندِك عشان تقولي هالكلام ... أرحم حالك وأرحمني من كلامِك
والدتها بحدة : هذا اللي شاطرة فيه تراددين أخوك !! تزوجتي وصغر عقلك
الجُوهرة بضيق : أنا الحين كذا ؟ يمه أنا متضايقة منه ومن كلامه بدل ماتوقفين معي توقفين معاه
والدتها : ماراح أوقف لا معك ولا معه .. سوِّي اللي تسوينه ماعاد يهمني .. وخرجت ،
ريَّان يصفق لها بسُخرية : برافو طلع لك لسان والله من سيادة الفريق سلطان !! سلطان هذا اللي تحتمين فيه رماك ولا كان أتصل من زمان ، بيعدي شهر وإثنين وثلاثة وورقة طلاقِك بتشرِّف .. ومحد بيبقى لك إلا أحنا .. أهلك .. فحاولي ماتخسرينا زي ماأنتي الحين تخسرين أمي !
الجُوهرة بنبرةٍ هادئة مبحوحة : ما رماني ، و أنا عندي لسان قبل لا أشوف هالسلطان اللي مرة مسبب لك أزمة !! بس أحترمتك يا ريان وأحترمت أنك أخوي الكبير بما فيه الكفاية لكن بديت تغلط علي كثير وأنا ماعاد أتحمَّل كلامِك اللي عُمرك ماطلعت ليْ بكلمة حلوة !!
ريَّان : وغصبًا عنك يا ماما بتحترميني .. ماهو كرم ولا تفضُّل منك .. وخرج هو الآخر ،
الجوهرة بقيتْ واقِفة لوحدها ولا ترى أحدًا يُشاركها الحزن الآن ، الجميع بات يتشمَّتْ بيْ منك يا سلطان.

،

أرتفع أذان المغربْ ، و مازال الهدُوء و الغضب المُختبىء خلف البرُود يُحطيهم.
عبير بهدُوء : يبه ما قلت لنا وش سويت بباريس ؟
عبدالرحمن : شغل وش بسوي غيره يعني !
رتيل رفعت عينها لوالِدها ، و عبير تُشاركها نظرات " الكذب و الشك و رُبما الإستحقار "
عبدالرحمن و من نظراتِهم باغته شك : وش صاير لكم ؟ تركتكم أسبوع ورجعت كل شيء محتاس !! لا أنتم بناتي اللي متعود عليهم ولا شيء
عبير تشربْ من كأس الماء : سلامتِك بس كذا بناتك نفسيات
عبدالرحمن بحدة : تكلمي معايْ زيين ماني أصغر عيالك
عبير ببرود : كيف أتكلم يعني ؟ سألتني وجاوبتك
عبدالرحمن رفع حاجبه : يعني هذا أسلوب تكلميني فيه ؟
رتيل الصامتة الهادئة الحزينة تُراقب الكلمات المُبطنة التي ترمق بها عبير لوالدها و عيناهُا متورِّمة بالبُكاء.
عبير تنهَّدت : الحمدلله .. وقفت ولكن حدة صوتِ والدها جعلتها تثبتُ في مكانها : عبيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــر !!
عبدالرحمن بغضب : أشُوف طالعة بحكي جديد ؟؟ خير إن شاء الله ؟
عبير بصوتٍ مُرتجف :آسفة
عبدالرحمن بهدُوء : وش صاير لك ؟
رتيل ونطقت أخيرًا : قولي له .. مو قلتِ بتقولين له !!
عبدالرحمن وأنظاره تتجه لرتيل : عن ؟
رتيل ببرود : عن الزواج اللي صار بالخش والدسّ
عبدالرحمن توقفت عيناه عن الرمش غير مُصدِق بأنَّ عبدالعزيز قد يُخبرهم عن زواجه بإحدى إبنتيْه ، غير مُصدِق بأنَّ عبدالعزيز يفعلها معه ، صعبة على نفسِه بأن يتقبَّلها من عزيز . . ولكن الأصعب كيف يقنعهُم بهذا الزواج !!! يالله يا رتيل كيف سأُقنعك بعبدالعزيز !
بحزمٍ أردف . . .

،

لا أحاديِث تُذكَر بينهُم ، الصمتْ يحكمُ شفاهِهم ، و طريقٌ ضيِق للنقاش لا يُفتح الآن.
أرتشف من القهوَة الداكِنة و عيناه تحكِي الكثير و لكن لا ردّ من الطرف الآخر !
سلطان : ما طفشت من الحكي ؟
عبدالعزيز رُغما عنه أبتسم : مررة
سلطان تنهَّد : ماتبي تحكي شي ؟ يعني يخص الشغل .. يخصك ؟
عبدالعزيز بهدُوء وعيناه تغرقُ في فنجانِ قهوتِه : أستسلمت منكم
سلطان : إحنا ؟
عبدالعزيز : للأسف ،
سلطان ضحك : وبعد ؟
عبدالعزيز : سلَّمت أمري و فكرت
سلطان بهدُوء : وش وصلت له ؟
عبدالعزيز يُحرك مُربعات السكر المُغلفة على الطاولة و يضع حبتيْن بالأمام ليتشكَّل مُستطيل وحبَّة في الوسط وحبةٌ أخرى بعيدة : أنه المربع يضِل جُزء من المستطيل و أنه المستطيل مايقدر يستغني عن المُربع !
سلطان و يُمعن النظر في عينيّ عبدالعزيز ، يُشبه والِده كثيرًا حتى طريقة تفكيره ، ذكي مهما أنكسر وضعِف يبقى " داهية "
عبدالعزيز : أنا مقدر أطلع منكم و أنتم ماتقدرون تستغنون عني ..
سلطَان بنبرةٍ خافتة : وهذا الصح
عبدالعزيز بإبتسامة ونبرةِ سُخرية وهو يضع فوق المُستطيل مُربعٍ آخر : لكن ممكن المستطيل يقمع المُربع
سلطان يأخذُ مُربع السكَر منه ويُزيح المربعين ليُلصق المُربع الجديد بينهم : لكن يقدر المُربع يثبت نفسه ويكون مُستطيل
عبدالعزيز رفع عينه لسلطان : و كيف ؟
سلطان : كون صبُور مهما أستفزّتك الأحداث اللي حولك ، طنِّش وتقدر ، لا ترمي كل شيء عشان كلمة أو عشان موقف ! خلك دايم ثابت والبقية هم اللي يتحركون لاتكون أنت اللي يتحرك حسب مالظروف تبي !! أوقف بوجه كل شيء يواجهك وخلك ثابت !!
عبدالعزيز يرتشفُ من قهوته التي برَدتْ ،
سلطان : وين جلست باليومين اللي غبت فيها ؟
عبدالعزيز : أول يوم مالقيت مكان وجاني أرق ، كل مارحت مكان قالوا لازم عوائل
سلطان أبتسم حتى بانت صفة أسنانه العليا : كان لازم تعرف قوانين بلدك
عبدالعزيز : وش يعرفني أنه ماينفع العزابية يسكنون بالفنادق بعد !!
سلطان : على حسب الفندق
عبدالعزيز : ثاني يوم تعبت وكنت أبي أنام ولقيت عمارة ومكتوب عليها شقق مفروشة للعزابية ، كانت أقذر مكان شفته بحياتي وبعدها أضطريت أرجع !
سلطان : ماهو أضطريت !! لكن لأن هذا مكانك الصح
نظر لهاتفه الذي يهتز إثر رسالة ، قرأ " تُركي في مزرعتك طال عُمرك "

،



.

أنتهى


وأعتدر عن التأخير ان شاءالله ايام ويرجع التوقيت الثابت .

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.
و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.

+ و أيضًا لا ننسى عظمة الإستغفار.


*بحفظ الرحمن.

لمحت في شفتيها طيف مقبرتي .. تروي الحكايات ان الثغر معصيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن