Part 66

73.4K 501 128
                                    

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()

بالتوفيق لكل الناس الجميلة اللي تختبر وعسى ربي يتمم هالجهد وهالتعب بالدرجات العليَا،  + حاولت والله قد ما أقدر عشانكم أنه يكون بارت هادي ومافيه قفلات :( و " والله " مقدرت :( يعني كلها أحداث من هالبارت ماجبت حدث من البارت الجاي وحطيته قفلة :( عشان كذا أتمنى ما تنشغلون فيه وتبعدون عن دراستكم :( وإن شاء الله تكون القفلة باردة لكم و حارة لي *حششنا :(*
و طويل زي ما تبُون. و تذكرُوا أنه الرواية دايم تنتظركم لكن المستقبل ما ينتظركم و الصلاة ما تنتظركم



رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء ( 66 )

المدخل لـ سعد علوش .


اطغي اطغي .. خلي الغابات تتسلف خضارك ..
بس تترك اصفرارك..
لـ ابتسامات المجامل ولوقارك
واتركي لعشاقك الموتى حمارك
او بالاحرى... احمرارك

لاتلومينا مجانينك نحبك
لا طغيتي .. لازعلتي .. لاحكيتي .. لامشيتي
انتي مسكينه ومظلومه ومعذوره ليامنك نسيتي
لانك انتي اللي فقط...
ماشفتي نفسك لاحكيتي
لانك انتي اللي فقط
ماشفتي نفسك لا مشيتي

يادمــارك
ياوقوف العالم الثالث على شرفة زرارك

انتي مثل الظلم والاجحاف بس انتي لئيمه
هم طبيعتهم عدائيين بس انتي رحيمه
مابدر منك جريمة
انتي بالفطرة بدون سلاح ومقاتل جريمة
وانا بالفطره احبك ياعظيمه ...
بذبولك وازدهارك...وانصهارك

تلك الحديقة موبوءة بك، بصدرِي يتغنجُ الحب ويثمل، بصدرِي يمُوت الحب ويُحمَل على نعشه، إني أحبك على الرغم من كل شيء، كيف أصبر؟ علمني أن أصبر على عينيْك و نظرةُ عينيك ولمعةُ الحب في عينيْك، أعترفُ بشناعةِ حقدي عليك من تلك الأنثى التي كنت أراها بك، ولكنني أعرفُ أنك تحبني، لن أنكر أنك لم تُحبني يا عزيز، مهما حاولت أن تقُول لن تستطيع أن تُظلِّل عيناك وهي تراقبني في كل لحظة أشردُ بها، لن تستطيع أن تُخفي إبتسامتك الضيِّقة وأنت تنظرُ لي بعينٍ مُعجبة، لن تستطيع أبدًا أن تُخفي أمر يديْك وهي ترتعشُ بكفِّي وتسكُن، لن تستطيع يا عزيز أن تخفي الدمُّ الذي يجرِي بعروقك منِّي، أنا التي لم أفعل شيئًا بحياتي يستحقُ الذكر سوى أنني أعطيتُك من دمِّي و أحببتُك بكل جوارحي، أنا واقعة بك، واقعة جدًا يا عبدالعزيز.
يكفيني من هذه الدنيا أن تضِّل بجواري، يالله! على الندم المهرولُ بي، يالله على كل اللحظات التي ضاعت بيننا!، مرَّة أخرى أنا أحبك بكل شتائمِ هذا الكون التي تبادلناها، بكل كلمة سيئة نابية خرجت منّي، " أحبك كثيرًا يا أسوأُ شخصٍ نُمارس معه الحياة ويا أجملهم بالحُب " أحبك بطريقةٍ عشوائية خالية من التهذيب، أحبك بفوضوية لن أفكر يومًا بأن أرتبها، تبًا لوسامتك لن تترك لي فرصَة بأن أتخلى عنك، هذا الهواء الذي يعبرني، هذا البرد الذي ترتعشُ معه أطرافي يُغمض عينايْ لأتخيلك، أتخيلُ تفاصيلك وأنسى وحدتي، أنسى الفراغات التي توزِّعني بقوالبها دُون أن تعطف على قلبي، كلماتُك تستعيدُ نبرتها في صدري، ضحكاتُك تتمثَّلُ أمامي و " وين تبين تروحين ؟ - جهنم. كويس بطريقي " و الشوكلاته والمقهى الذي لن أنساه أبدًا وإبتسامتك التي أسقطتني بفخِها ولم أستطع أن أغضب! قُلتها بكل هدُوء ولم تعلم أنك سلبت قلبي " فيه شي هنا *تُشير لأنفك* " يالله يا عزيز كم كانت الأيام بيننا تضجّ بالعفويَة والضحكات المستفزة، كنت على الأقل " لا أحبك بهذه الصورة المسرفة ".
غطَّت جسدها بالشالِ الصُوف لينام عليْها بخمُولِ الدفء الذي تسرَّب بين الجدران، ألقت نظرة أخيرة من بعيد على ضي الساكِنة بهدُوء، التعبُ واضح على ملامحها والشوقُ لوالدها واضح جدًا، من قال أن الحُب يتقيّد بعُمر؟

،

فتح الباب ليتجه نحوها بخطواتٍ سريعة مهرولة، صدرها يرتفعُ بعلوٍ شديد و أنفاسها تضطربُ ببكاء مصعوقٍ كغيمتيْن تكهربتَا بالبرق، ثبَّت كتفيْها لتصرخ بآآآهٍ مقتولة، تحاول أن تقاومه و الدموع لا تنفَّك من تشتيتِ بصرها، شعرت بأن يديْها تنكسران وهما تحاولان دفعه، ضاقت أنفاسها لتهمس بوجَع : لا
شعرَ بحتمية الحزن وهو يحاول أن يوقظها من كوابيسها الرماديَة، تمنى لو يحفظ آية يرتِّلها على جبينها، كم من السكينة تفوتني وأنا لا أحفظ شيئًا من القرآن المنزَّل؟ كم من حياةٍ ضائِعة وأنا لا أحفظ شيئًا أرتله على جبين رُوحي. لو آية فقط تشهدُ لي يوم لا ظِل إلا ظله ؟ لا أعرفُ على من أحزن بالتحديد؟ على نفسي أم على حُبي أم على حظي أم على والدِي أم على . . عبير ؟
فارس بضيق يبلل يدِه ليمسح على وجهها، تلفظ كلماتٍ متداخلة لم يفهم منها سوى " يــبه "، وأشعرُ بِك! صدقيني أشعرُ بالحزن الذي تتفوهُ به شفتيْك و بكلمة – يبه – التي تتشبثُ بلسانك، أشعرُ بالوجع الذي يجعلك تشعرين بالوحدة الشاهقة، أنا الذي لم أعرفُ معنى لـ - أب – ولا – أم - ، ولم أعرفُ شيئًا إلا أنني فهمتُ كيف أحب، في اللحظة التي تخلصتُ بها من وحدتي عرفت أنني وقعتُ بك وبحُبك، عرفتُ لحظتها معنى للعالم، للوردِ الأبيض، للعطُورِ الناعمة و الليالي الباردة، عرفتُ كيف للدفء أن يأتِ من عينيّ أنثى! و عرفتُ كيف للحياة أن تأتِ – عبيرًا -.
من يُعيد ليْ أبي؟ من يُعيدني إليه؟ أنا التي لم أعرف الإنسلاخ منه منذُ أن عرفت ميلادِي، نضجتُ على يديْه وعرفتهُ أبي وأمي وأخي وصديقي و حبيبي وحياتي وكل حياتي، كيف أنام بهناء و " عينِ – أبوي – ماهي هنا؟ ".
لم تستغرق بنومها كثيرًا، هي ساعة وأقل حتى أستيقظت بشعورٍ ميِّت يُرثي نفسه بالدمع، نظرت لفارس بعد أن أستيقظت تمامًا بعينيْها اللامعتيْن، و إن برعت بشيءٍ هذه الأنثى! ستكُون براعتها في عينيْها والله العظيم، هذه اللؤلؤتان مصيبة والشواهدُ إن أعددتهن كُثر.
بقهرٍ لم تعرف كيف تسيطر على عقلها الذي بدآ يعيشُ أرق الغياب عن عائلتها، لم يعد لها قدرة أن تتحمل كل هذا وأن تُبقي هذه الأعصاب المشدودة بحالٍ أفضلُ من هذا، ضربته على صدرها بيديْها وهي تصرخ : أبعد عننني ما أبغى أشووووفك
أبعدت كفيّها بعد أن شعرت بأنها تضربُ حديدًا وليس جسد، لتشِّد بقبضة يديْها على الفراش وهي تحاول أن تمتص حزنها، أن تمتص كل هذه الشحنات وتعيشُ ببرودٍ فقط، أن تنعم ببعض البرود واللامبالاة، أنحنى رأسها وشعرُها الطويل من كل ناحية يواسيها.
فارس الذي يجلسُ على طرفِ السرير بقربها ألتزم صمته وأكتفى بمراقبتها، بمُراقبة قطراتُ الندى بين هدبيْها.
رفعت عيناها المُشتعلة بالغضب، وبنبرةٍ مختلطة بالبكاء : ممكن تطلع؟
فارس : لا
أتسعت محاجرها المُحمَّرة بدهشَة و لا يفصلُ بينهما سوى سنتيمتراتٍ قليلة، أبعدت وجهها للجهةِ الأخرى وهي تُردف : الله لا يسامحك
فارس لوى شفتِه السفليَة بأسنانه ليُردف : الله يسامحك على قلبك الحين!
عبير وضعت يديْها على رأسها وهي تحاول أن تضغط عليه من كلا الجانبيْن حتى تخفُّ حدّة الحزن الذي يتوسطُها، تشعرُ بحاجة تقطيع شعرها، تكره هذا الشعر الأسود في هذه اللحظة وهذا الجسدُ بأكمله، تكره نفسها التي تُحبه : كرهتني بنفسي بكل اللي حولي خليتني أحس بالنقص من الكل وأخاف من الكل حتى من ظلي .. وعقب كل هذا تستغلني بس عشان إسمي ماهو عشاني عبير! . . أنا أكرهك .. منقرفة منك .. ومنقرفة من حالي . . وماني طايقة أشوفك ولا طايقة أسمع صوتك . . أبيك تبعد عنِّي وعن حياتي!
فارس : تصدقين الكذبة اللي أنتِ مخترعتها! وقلت لك للمرة المليون لو ما كنت جبتك راح يجيبك أبوي! بكلا الحالتين كان راح يكون مكانك هنا لكن أنا . . . ولا ما يهمك تعرفين وش أبي ؟
عبير بحدة : ما يهمني
فارس يقف وهو يُشير إليها بالسبابة : تعرفين والله تعرفين أنك قاعدة تكذبين وتحاولين تصدقين أيّ شي عشان تقهرين فيه نفسك قبل لا تقهريني!
عبير تنظر إليه ولنبرته الغاضبة، لصوتِه الثقيلُ عليها وثقيلٌ على قلبها، بنبرةٍ خافتة عنيفة : مهما خليتوني هنا ومهما صار! في الوقت اللي أشوف فيه ابوي صدقني ماراح يكون مالك وجود في حياتي هذا إن كان لك وجود من الأساس!
فارس بإستفزاز لقلبها : طبيعي ماراح يكون لك حياة ثانية عشان يكون لي وجود فيها ! بتكونين مشغولة في حياتــــــــــنــــــا *نطق كلمته الأخيرة ببطءٍ شديد*.
عبير : أطلع برآ . . أطلع . . *علت نبرتها بصرخها* أطللللللللع
فارس بثباتٍ يقف ويُريد أن يروِّضها الآن : تفهمين شي واحِد أنه هذا الشي مو بإرادتي!
عبير ببكاء تُردد : أطلع . . أطلع . . ماأبغى أشوفك
فارس بتجاهل لكل توسلاتها : ما أستاهل منك كل هذا يا عبير! تذكري هالشي . . . . سحب المفتاح على السرير ليشدّ خطواته نحو الباب، وقف دُون أن يلتفت إليْها، أطال بلحظاته حتى فتح الباب وخرج.
أنفجرت ببكائِها، لا تحتمل أن تراه بعد كل هذه الفترة التي كانت تترقبُ بها فقط حرفٌ من إسمه، يأتِ الآن بكل ضراوةٍ وعنف لقلبٍ بكى عليه ومنه لأشهر لا تُنسى بسهولة.

،

تبحث بكل زاويَة عن أوراقٍ تُوصلها لشيء، و عن أرقامٍ تكشف لها أيُّ شيء، كانت تُفتش أوراقه بلهفة لمعرفة ما يحدثُ بحياتها وتجهله، سمعت صرخةُ تجهل من أيّ حنجرةٍ خرجت، هذه الصرخة التي لا تُوحي إلا بأنها تنتمي إليه، لتتجمَّد أصابعها على الطاولة الخشبيَة التي وضعت بها صورها معه، صورٌ لا تعلم بأيّ شعورٍ كانت تحمل، وبأيّ قلبٍ كانت تنبض.
غُرِز السكين حتى شعرَ أن الرُوح تصعَد لعنقه، سقط على بطنه حتى تناثرت الدماء حوله، سارت بخطواتٍ بطيئة متوجسة لتقف عند بابِ الغرفَة بقدميْن ثقيلة تيبَّست على أرضٍ لا تتزنُ بهذه اللحظات وهي تنظرُ للجسدِ الملقى، بلعت غصتها لترتبك أسنانها المتعاركة فيما بينها، تنظرُ بعينٍ تتسعُ بالدهشَة، بالخوف، وهي تهمسُ بدمعةٍ هزيلة : ناصر!
نظر للدماء باللاشعُور! قتل شخصًا هذا ما يأتِ في باله الآن، قتل نَفسًا، روحًا، عينيْن و حواسٌ آخر، قتلها بيديْه، هل يسامحني الله بحجة الدفاع عن نفسي؟ هل هذا صحيح؟ هل ما أفعله الآن صحيح!
تعدَّت أقدامه جسده ليسيرُ بخطواتٍ سريعة بإتجاه غادة : راح نطلع الحين .. بسرعة ألبسي
غادة بصدمة : قتلته ؟
ناصر يلتفت إليها بعينيْن محمَّرة وأطرافه ترتعش من كلمة "قتل " : مافيه وقت .. بسرعة
غادة تتراجع بخطواتها لتنظرُ إليه كيف يُخرج الشنطة الصغيرة ويضع بها بعض القطع ويُخرج الجوازيْن، بإستغراب : هذا جوازي؟ كيف طلعت لي جواز؟
يتجاهل أسئلتها ليُغلق حقيبته دُون أن يرتب شيئًا بها بعد أن وضع ملابسها أيضًا، رفع عينه لها ليسحب معطفًا ويمدُّه نحوها : ثلث ساعة قدامنا عشان نوصل للمترو . .
غادة تُضيء عينيْها بالدمع وهي لا تعرفُ أيّ مجهولٍ ينتظرها، كيف تتكهنُ بمستقبلٍ إن لم يوجد لها حاضرٌ من الأساس.
أرتدت معطفها لتنظرُ له وهو يضعُ بجيبِ حقيبته صورهم و الأقراص التي حبست أصواتهم و صورهم، نزلت دمعتُها وهو يُعطيها ظهرها ليُدخل في جيبِ جاكيته – ورقةٌ – كان خطُّها يتوزعُ بها.
ألتفت عليها ليطوِّقها من يدِها ويخرجُ معها تارِكًا الشقة و باريس و الحياةُ التي كان من اللازم أن يعيشُها هنا، مثل ما تُريدين يا هذه الأرض، تركتنِي أعيشُ على حُزنِي أيامًا ولم تغتسلي بعد من وعثاءِ ذنبي، مثل ما تُريدين أنا راحل ولن أختاركِ مرةً أخرى! لن تكوني في جدول عُمري مرةً أخرى وأنا الذي ظننتُ أسفل غطاءُكِ قبر حبيبتي وأنا الذي ظننتُ أني كتبتُ على سماءِك في ليلة البكاءِ تلك " بحفظِ الرحمن يا غادة يا قصيدتي الأبديَة، فالشعرُ من بعدكِ رثاءٌ لا يتزن شطرَه "، أنا الذي لم أنضجُ شِعرًا إلا عندما كتبتُ لها ومنذُ رحيلها لم أكتب شيئًا يستحقُ معنى " قصيدة " ، والآن؟ أيّ رثاءٍ ينتظرني؟ هل أرثي نفسِي بعدما أستلمتُ الصفعات تباعًا من يدٍ باردة.
أوقفهُ التاكسي عند محطة القطار، ليدخلان وهو يراقب أيّ قطارٍ سيأتِ الآن، وقف أمام شاشة الرحلات، بعد ساعة ستأتِ رحلةُ لندن، ألتفت عليها : أجلسي هنا بس أحجز وأرجع لك . . . تراقب ملامحُ الراحلين و المارَّة المسافرين، يا مدينتنا القديمة أنتِ يا باريس، هي المرَّاتُ التي غادرتُكِ بها قليلة، منذُ أن فتحت بها عينيْ لم أجد سوى بردُ باريس الذي كان يغطينا في هرولتنا الدائمة على شوارعها بين المدرسَةِ و شقتنا، لم أكُن أعرف شيئًا عاطفيًا ويستنزفُ قلبي سوى عدُّ الأيام لمجيء أبي إليْنا، كنت أرتفعُ إليه في كل مرةٍ أراهُ بها، كُنَّا نحسبُ الإجازات السنويَة من أجل أبي، كُنَّا نعيشُ في الرياض بأرواحنا من أجل أبي، كُنَّا نقرأ أخبارُ الرياض لنروي عطشنا لأبي، كنَّا نسيرُ في شان دو مارس لنقُول " نفتقد جسدًا آخرًا " كُنا ننتظرُ أبي، أدخلنا المدارسُ الفرنسيَة ليجلب لنَا معلمًا يعلمنا العربيَة التي أصبحت ركيكة على لساننا، في كل مرةٍ تُضيء باريس في عين أبي كان يعلمنا الفصاحة و إدارةُ أعمالنا، هذه باريس التي لا تعني شيئًا لأحد هي تعني لي الحياة والعُمر الذي مضى في كنف أبي، في خُبزها المنتفخ و المَاكرُون الملوَّن، في جدائِل الزهر على طريقها و أغنياتِ الليل بها، كنَّا نلتقي كثيرًا مع أبِي في دعاء الصباح.
أتى إليْها ليجلس بجانبها : راح ننتظر ساعة
غادة أخذت نفسًا عميقًا : مين هذا ؟
ناصر : شخص تهجم عليّ
غادة : دام تهجم عليك ليه خفت؟ ليه هربت!
ناصر : غادة ممكن ما تسأليني ولا سؤال! تعبان وماني متحمل ولا كلمة
غادة تلتفت إليه لتتجمدُ عينيْها أمام قطرات الدم التي تسيرُ من إذنه، بمنديلها التي مسحت به دمعها وضعته على دمِه، لا تعرفُ أيّ عاطفةٍ جرت نحوه في هذه اللحظات، لم يلتفت إليْها بقيَ ينظرُ للمارَّةٍ أمامه.
بهمس : تنزف!
وضع يدِه على مكان جرحه بجانبِ أصابعها بعد أن خدشهُ بالباب، سحب المنديلُ من أصابعها ليضغط به على مكان نزيفه، دقائِق حتى توقف النزيفُ بضغطه، ألتفت عليها : بردانة ؟
هزت رأسها بالنفي لتُردف بضيق : وين بنضيع هالمرَّة ؟
ناصر : لندن
غادة : ممكن أطلب طلب؟
ناصر ألتفت عليها بكامل جسدِه وهو يعكفُ ساقٌ واحدة أسفلَ فخذِه، نظر إليْها بعينيْن تنتظرُ طلبها.
غادة : ليه ما تفكر ببكرا؟ وش ممكن يصير! . . يعني حياتنا!
ناصر بهدُوء موجع : لما فكرت ببكرَا جتني فجيعتي بك، لما فكرت بأيش يصير جت خيبتي من هالدنيا فظيعة! لما قلت بعيش كنت أقول بمُوت بس بصيغة ثانية . . عشان كذا لا تطلبين مني أني أفكر بأشياء بعيدة لأني جربتها والمؤمن لا يلدغ من جحره مرتين!
غادة تنزلُ دمعةٌ حارَّة على خدِها لتُردف بخفُوت : طيب وأنا؟ كيف تخليني كذا بدون مستقبل بدون شي! كيف أعيش!
ناصر : لا تسأليني! . . كنت أبيك عُمر يا غادة ما طلبتك موت!
غادة : و انا ما أسألك كيف تبي تمُوت! أنا جدية بكلامي وبحياتي معك! أنا ماأقولك أتركني وما أبغى أشوفك! أنا مالي غيرك الحين بس أبغى أعرف عن الحياة اللي تنتظرني
ناصر يشدّ على شفتيه بعد أن تورط بقتلِ إحدى رجالاتِ عُمر : ماني متشائم كثير لكن لا تنتظرين شي . . وأسند ظهره على الكرسي ليراقب من جديد اللاشيء الذي أمامه.
غادة : ولا أنتظرك؟
ناصر بضيق يشعرُ بأن روحه تلتهب بحرقتها : تنتظريني؟ بدري حيل
غادة تمسحُ دموعها التي أنسابت على خدها بطرفِ أصبعها : يعني ما أنتظرك تجي على بالي مثل ما أنت متصوِّر؟
ناصر بتبلدٍ إتجاه الموت : في الوقت اللي راح تحسين فيه أنك تذكرتيني بيكون الوقت اللي تشبعت فيه من إحساسي بخيانتك ليْ!
غادة بضيقٍ يتحشرجُ بصوتها : ما خنتك! مو أنا اللي دعيت الله عشان أفقد ذكرياتي معك! أنا خايفة منك ومن هالصور اللي في جيبك . . أنا أحس أني ما أعرفك .. ليه ما تحس بوجعي من هالشي؟ ماني مبسوطة أبد بحالتي هذي عشان تقولي أني أخونك
ناصر يزفرُ بأنفاسه المشتعلة وعينِه تثبت في الشاشة التي أمامه : يرحم الله أوجاعي يوم لأجلك عشت في كنفها
غادة ببكاء لم تحتمل كلماته التي تجلدُ قلبها بقسوتها : تظلمني
ناصر : الله يسامحني
غادة أسندت ظهرها على الكرسي لِتُبعد أنظارها عنه وهي تغتسلُ بدمعها بصمتٍ أجبرت عليه، تكتفت وشفتيْها تنشدُّ حتى لا يخرجُ صوت أنينها.

،

يقفُ بكل هيبةٍ أمامهم، و الثقة تُزرَع في قلبه بطريقةٍ مستفزة لكل من حوله، ينظرُ للأوراق التي بين يديْه، للتطورات التي حصلت بالفترة الأخيرة ليُردف ببرود : و بنته الثانية ؟
أسامة : مختفية هي و مرت أبوها
سليمان صمت قليلاً لتهدأ عينيْه على الأسطر التي يقرأها، بخفُوت يحكُ ذقنه : وفارس؟ وش نيته؟
أسامة : ما راح يأذي أبوه هذا اللي أنا متأكد منه وماراح يأذي عبدالعزيز
سليمان تنهَّد وهو يُميل فمِه : طيب! . . شف لك صرفة معه
أسامة رفع حاجبه : يعني ؟
سليمان : تفكك رجال رائد اللي حوله ماراح يتم وفارس موجود! دام ماراح نقدر نستغله ضد أبوه، لازم يبعد .. عاد كيف يبعد أنت حلَّها
أسامة برهبة : بس فارس . .
سليمان بحدة : فارس وغير فارس! قلت أبعده
أسامة بلع ريقه : عارف لكن فيه طريقة ثانية نقدر نبعده فيه بدون لا نأذيه . . أقصد بدون لا نأذيه جسديًا
سليمان يجلس ليرقد قدمًا على قدم : أتكلم هندي؟
أسامة بخضُوع : مثل ما تآمر
سليمان ينظرُ لعمر الغارق بتفاصيل الحسابات ليُردف : أتصلت على مقرن؟
عمر دُون أن يرفع عينه : مثل ما طلبت! بعيد عنهم
يدخلُ الأبيضُ المنمش بخطواتٍ سريعة وبين شفتيْه خبرٌ معلق : امسكوا زياد!
رفع عينه عُمر بدهشَة تسبقُ دهشة أعين سليمان التي توجهت نحوه.
أخذ نفسًا عميقًا بعد أن أستنزف طاقته: و أعترف من أبوسعود و عبدالله اليوسف! ماني متأكد من هالشي لكن جواله صادروه
سليمان : قلت لي عبدالله اليوسف؟ رجع لهم؟
يهزُ كتفيه بعدم المعرفة ليُردف سليمان : حتى عبدالله يبي له قرصة إذن!!!!!
عُمر : وصلهم خبر ناصر؟
أسامة : لآ .. آخر مكالمة مع زياد قالي أنه ما يدرون عن شي
سليمان بإبتسامة : حلو .. أنا أعرف كيف أحرق قلوبهم . . . الحين عبدالعزيز مع بنته كيف لو عرف بموضوع غادة ؟ شكله مافهم الرسالة كويس ويبي لنا نعيدها له بطريقة ثانية! . . .
عُمر : وزياد ؟
سليمان بضحكة إستهتار : السجن للرجال!

،

في صباحٍ مُشمس تتلاعبُ الريحُ بورقاتِ الاشجار، بأغنياتِ الزهر الجافّ المهمل على الطريق، تلتفتُ بجسدِها عليه لتتأملُ عينيه النائمة بهدُوء و شعرُ وجهه المهمل بجاذبيةٍ تتكىء على أبناءِ نجد الذين ينتمُون لجلدِها الأسمر، هل أصدِّق حُبك يا يُوسف من اجلِ الجنين الذي ضاع منَّا أم أصدِقُ حبك من اجلِ قلبي ولا علاقة لشيءٍ آخر، كنت أريده يالله! كنتُ أريد أن أحملُ بين يديْ طفلٌ من رائحة رحمي، أن ينام بيننا كل ليلة وأن يوقضنا ببكاءِه كل صباح، تعبتُ من هذا العمر الذي لم يجلب ليْ سوى التعاسة، الذي لم يحفظ لي أحدًا أنظرُ إليه بتمعن حتى يشيب! لم أرى الشيب يخطُّ برأس أحبابي، جميعهم غادرُوا مبكِرًا وتركُوني، كنت أحتاج الرجل الذي يوقف إستخفاف الحُزن بي، كُنت أنتظر رجلاً أفرغ عاطفتي العطشانة، كنت أنتظرك يا يُوسف ولكن لم تنتظرني! لم تنتظِر أن تقترن بفتاةٍ حائلية كل حياتها تمرُّ كذكرى كل يوم، لم تنتظر أن تُقدَّم لك الفتاةُ ذاتها. أشعرُ بإذلالٍ في كل مرة أتذكر كيف تم زواجنا! أشعرُ بحزنٍ على أمي ومن أمي ولكن لا أتجرأ أن أقوله وهي التي حملتني في بطنها 9 شهُور وعانت منِّي في طفولتي دُون أبٍ يشاركها الرعي والإهتمام، لا أتجرأ ان ألفظ حزنًا عليها ولكن لا أتحمل كل هذا، لا أتحمل أن ينظرُ إلي الجميع بنظرةٍ مهينة ليْ، مهما حاولوا أن يخفُوها أنا أراها بعينِ ريم و هيفاء و نجلاء و الجميع بلا إستثناء.
اقتربت قليلا ليفصلُ بطنه عن بطنها إمتدادٌ قليل كالذي يفصلُ بين أصابعها، بتهور عاطفتها أقتربت أكثر لتُقبِّل ذقنه الخشن برقةِ شفتيْها، أعتلت حُمرة قلبها لتنبض بشدَّة وهو يُحرك رأسه قليلاً لليمين و أهدابه مازالت تتشابكُ بنومه، همست عند اذنه : صباح الخير .....
أستغرق ثواني طويلة حتى يفتحُ عينيْه بإنزعاج من ضوء الشمس المتسلل من وراء الستائر، ألتفت عليها وإبتسامتها الصافيَة تُثير إستغرابه بعد أن أعتاد هروبها أسفل الفراش في الصباحات الأخيرة حتى تبكِي وتنام من جديد.
: صباح النور
مُهرة تنظرُ للساعة التي خلفه : تعرف أنه الساعة 10 .. راح عليك الدوام!
يُوسف يُمدِّد ذراعيه بخمُول : ما نمت إلا متأخر .. منصور يغطي عليّ
يُطيل الوقت بنظراتهم المتبادِلة بصمتِ قلبيْهما، وضع ذراعه خلف ظهرها ليشدَّها نحوه : بس إيش هالصباح الحلو؟
ضحكت بخفُوت لتُردف : صار لي ساعة أتأملك وأكتشفت أنه وجهك يجيب الروقان
أبتسم ليُنزل ظهرها على السرير وينحنِي فوقها، قبَّل غمازتها على جانبِ خدها اليمين ليهمس على وقعِ ضحكتها : عساني أشوفها دايم . . أبتعد ليقف وهو ينظر لهاتفه وإتصالاتِ منصُور المتكررة، تأكد أن والده لم يأتِ للشركة ما دام لم يتصِل، فهذه الفترة مشغول بعملِه السابق، تركه على الطاولة وألقى نظرة مبتسمة لمُهرة ودخل الحمام.

،

يمسحُ وجهه بعد أن أستنزفت قوَّاه للتو من الكشوفاتِ الأخيرة، رفع عينه بتثاقل : كلها بإسم ناصر!
: إيه . . لكن على حساب ثاني
فيصل بضيق : قاعد يورط نفسه ويورطني معه . . . .
: عندنا لنهاية الشهر الجاي لازم نسدد كل هالديُون اللي أستعملها ناصر بإسمنا
فيصل تنهَّد : حاول تمدد المدة، أتصل عليهم اليوم وأطلب منهم أنك تجتمع فيهم .. واللي يرحم والديك يا مساعد حاول بأي طريقة تتمدد الفترة!
مساعد :أبشر راح أحاول . . تآمر على شي ثاني
فيصل : لآ
مساعد خرج ليتركه بـ وعثاءِ تفكيره الذي يصبُّ عليه ولا يُريِّحه من حرقة نيران هذه المصائب التي تُقذف عليه من كل إتجاه، تنهَّد ليحاول الإتصال بناصِر ولكن " الهاتف مغلق " ، يالله يا ناصر ماذا تفعلُ بي في باريس؟ كيف تفعلُ كل هذا دُون أن تفكر للحظة بنيةِ قلبي الذي يعتبرك " شقيقه ".

،

خرج من المستشفى متجهًا لعملِه مباشرةً دُون أن يطلُّ على الأنثى التي تنتظره في البيت، ولا الأمُ المتشكلة بجسدِ عمته، فُتِح المصعد في الطابق الثاني ليخرج معه عبدالرحمن و من كل جهةٍ تتكررُ على أسماعه " الحمدلله على سلامتك يا بو بدر " ، ليُجيب بإقتضابِ وهو الذي ينتظر للحظة التي يصلُ بها لمكتب عبدالرحمن ويعرفُ ما حدث بغيابه؟ وما لم يحدث.
دخل ليُسلِّم عليه عبدالله : الحمدلله على السلامة
سلطان : الله يسلمك . . جلس بمُقابله . .
عبدالله : شلونك الحين ؟
سلطان : تمام الحمدلله . . وين زياد ؟
عبدالله بإبتسامة : تبرد حرتك فيه بقوتِك مو الحين ..
سلطان بضحكة وقف : إيدي تحكني . . أنا رايح له
عبدالرحمن : طيب أجلس بعد شوي روح له
سلطان : راجع لكم .. دقايق بس . . . وخرج متجهًا للطابق السفلي حيثُ إحتجازه على ذمة التحقيق، دخل للغرفة العازلة بزجاجها : جيب لي زياد
: أبشر طال عمرك . . . . ثوانِي قصيرة حتى جلس أمامه مقيَّد اليدين بنظراتٍ مُشتتة لا تتجرأ أن تقع بعينيْه.
سلطان بهدُوء يطلبُ من الواقفِ أمامه أن يسجل كل كلمة يلفظها : الساعة الحين 10 ونص . . الساعة 10 و 40 دقيقة أنت قايل كل اللي عندك . . مفهوم؟
زياد : قلت اللي عندي لبوسعود
سلطان : مفهوم؟
زياد بقهر : ما عندي شي غير اللي قلته لبوسعود
سلطان : وين سليمان الفهد ؟
زياد : آخذ الأوامر من أسامة
سلطان : و أسامة وينه؟
زياد : بباريس مع الجوهي
سلطان : و سليمان بباريس؟
زياد : ما أدري
سلطان : و أسامة من متى مع رائد ؟
زياد : ما أعرف
سلطان : مو من صالحك أعيد السؤال مرة ثانية
زياد : ما أعرف يخي ما أعرف
سلطان بحدَّته المُهيبة : ألفاظك يا شيخ! . . إذا مرَّت العشر دقايق وانت ما قلت لي صدقني ماراح أدخل عليك ولا راح يدخل عليك أحد عشان يعرف منك معلومة! بيكون فات الوقت اللي تتكلم فيه .. بيتحول وقتك ساعتها للمحكمة وهي اللي تحكم في موضوعك! عشان كذا ساعدني وبساعدك
زياد بعد صمتٍ لثواني طويلة : ما أعرف شي عنهم
سلطان : أسامة من متى عند رائد ؟
زياد ألتزم الصمت ولم يلفظ حرفًا واحدًا، ليقف سلطان متجهًا نحوه : كل الإختراقات الأمنية حصلت لما تعيّنت مسؤول عنها! ما تحس بشوية ذنب!
زياد ببرود : احس بنجاح
يصفعه بقوَّة متجاهلاً تعبه ليسقط زياد على الأرض، شدَّهُ من ياقته : نجاح في مضرة ديرتك! يا خسارة هالشارب عليك!
زياد بحركةٍ متهورة بصق عليه ليجنّ جنُونه في هذه اللحظات، السكرتير الذي كان يسجِّل كلمات زياد وقف بصدمة من الذي يحصل الآن، وهو الذي يعرفُ الكوارث من نظرة سلطان، خرج متجهًا لمناداة عبدالرحمن بعد أن تدهور الوضع.
سلطان يوقفه ليُلكمه على عينِه دافعًا بجسدِه نحو الجدار : أنا أعلمك حدودك زين! . . . صفعه عدَّة صفعات زفر بها غضبه من سوء الأحداث الأخيرة، سقط على الأرض بعد أن تبلل بدماءِه النتنة الخائنة للأرض التي خُلق من ترابها، سحبهُ من الأرض متجاهلاً كل آلآم جسده التي تصرخ بالتعب والإجهاد، رماه على حافةِ المكتب ليدخل عبدالرحمن ومن خلفه عبدالله.
سحبه عبدالرحمن بعيدًا : منت صاحي! . . وش سويت فيه!
سلطان يمسحُ وجهه بكفيّه وبغضب : شين وقواة عين
بوسعود بهمس : وش سوَّى !
أخرجُوا زياد ليجلس سلطان بإرهاق على الكرسي : قاعد يحمي أحد
عبدالله : كان لازم تمسك نفسك! ما يجوز نقعد نضرب بالمجرمين .. إحنا محنا بفوضى فيه قانون!!
سلطان : لو كان محترم نفسه ما كان مديت إيدي عليه لكن هو يستاهل!
عبدالله تنهَّد : وش قالك؟
سلطان يأخذ كأس الماء ليسكبه على يديه ويغسِّل وجهه: مافيه شي جديد! . .
عبدالرحمن : طيب أمش بوريك شوية كشوفات . . .
سلطان يخرجُ معه : نترك أحمد يراقب كاميرات التسجيل .. أخاف فيه شخص ثاني غير زياد
عبدالرحمن : راح أبلغ أحمد يراقب بنفسه ويجيب لنا الأسماء اللي يشك فيهم خصوصًا اللي جاء تعيينهم بفترة رائد
عبدالله صمت قليلاً ليُردف بعقدة حاجبيْه بعد أن قرأ إسم إحدى الموظفين : لحظة يزيد . . يزيد اللي دخل بقضية منصور
سلطان ألتفت عليه : يزيد مين ؟
عبدالله : كل الأشياء صارت بذيك الفترة .. بعد حادث سلطان العيد الله يرحمه . . . جت بوقت واحد لنا كلنا!
عبدالرحمن : كل هالأشياء وراها شخص واحد وإحنا اللي كنا نحسب ما ورانا غير رائد . . .
متعب بإبتسامة ينظرُ لسلطان : الحمدلله على سلامتك
سلطان يُبادله الإبتسامة : الله يسلمك .. شلونك ؟
متعب : بخير الحمدلله دام شفناك
سلطان : شكرًا على الكذبة
متعب ضحك ليُردف : نص بخير
سلطان : طيب شكرًا على المجاملة
متعب صخب بضحكته ليُردف : ماني بخير
سلطان : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه . . . يجلس على الكرسي . . لا تحاول تتمصلح معي لك عقاب على إهمالك الأخير
متعب بإبتسامته الصافية : كل شي منك مقبول . . ينحني ليضع الأوراق أمامه . . . هذي كل الأشياء اللي راجعوها بوسعود وبومنصور
سلطان : يعطيك العافية يا متعب
متعب : الله يخليك
سلطان رفع حاجبه وهو يُخفي ضحكته بعد أن أستنزفه الغضب عند زياد.
متعب بلع ريقه : معليش يضيع الحكي عندِي إذا شفتكم ثلاثتكم ناقص سلطان العيد ويصير الرعب الجماعي!
عبدالرحمن : ههههههههههههههههههههههه مشكلتك أنك واثق بنفسك لكن ترتبك! عاد حلَّها
سلطان : هذا وأنا هادي اليوم
عبدالله لم يسيطر على ضحكته ليُردف بسخرية : الله يتمم عليك الهدوء
سلطان : يعني عصبت شوي
متعب : طيب تبيني أطبع لك الأوراق لسكرتيرك؟
سلطان : لآ عادي تكفيني هالنسخ
متعب : تآمر على شي ؟
سلطان : شف لنا قضية ولد بومنصور! أبيك تراجع كل الأسماء وتجيبها لي
عبدالله : و شف الأشياء السابقة ليزيد وحاول تبحث عنه
متعب : أبشر . . عن إذنكم وخرج.

،
يُغسِلُ وجهه بالماء البارد، يحاول أن يستعيد بعض من نشوة الحياة التي بدأت تذبلُ في دمه، ينظرُ للمرآة، أجهلني! أجهلُ ماهية إختياراتي و توجهاتي، لا أعرفُ ماذا أخطط له؟ وما يجب أن أُخطط له! لا أفهمُ إستدراج الحزن فيني، وإبتزاز الحياة ليْ، كل الحياة بما فيها أشكالُ السواد التي تسيرُ على أرضها، بما فيها رائِد، جميعهم يحاولون إبتزازي بأقرب الناس، لم يكفِهم والديّ و لم يكفهم شقيقتيّ ، لم يكفهم كل هذا، مازالوا يقذفون قذراتهم على جسدِي المطعَّم برائحة الوطن، مازالوا يمارسون خياناتهم لأرضهم بيْ، ماذا يحصل يا رتيل؟ هل قرأتِي ما كتبت أم رميتِه دُون أن تنتبهي؟ كنت أشعر لأولِ مرَّة بمشيئة عقلك الذي يُريدني، كنت أستمع لرنَّة قلبك في جسدِي، هذا العناق الذي لا يمثل قيمة لأيّ أحدٍ رآه، كنت أفقد به قلبي، قلبي الذي أتكىء عليكِ.
مسح وجهه بالمناديل البيضاء ليرميها بعد أن تشبعت ملامحه بآثار الجروح والندبات المالحة.
خرج لينظر لفارس الجالسُ أمامه، جلس بمقابله : وين رائد؟
فارس : طلع من الصبح . . طيب شلونك الحين؟ تحس بوجع؟
عبدالعزيز : لا
فارس بعقدة حاجبيْه تنهَّد : وش ناوي الحين؟ بتنتظر لين أبوي يخلص عليك! . . ترى هالمرة ماراح يتراجع . .
عبدالعزيز بصوتِه المتعب والبرد يُرعش قلبه : مدري وش بسوي! . . أنتظر الفرصة تجيني
فارس : أتوقع أنه ناوي يخلص أشغاله هنا بأقرب وقت عشان يتوسطون له بالجنسية الفرنسية بعدها أكيد راح يستغني عنك .. بس كيف بيستغني؟ الله أعلم
عبدالعزيز تنهَّد محاولاً إبعاد كل هذه الأفكار عن رأسه : شلون عبير؟
فارس : تمام
عبدالعزيز رفع حاجبه الحاد : تمام؟ يعني كيف
فارس : تطمن هي بخير
عبدالعزيز : وش راح يصير فيها؟
فارس : بهالفترة مقدر أتحرك لأيّ مكان لأن أبوي ببساطة قادر يهددني فيك وفيها
عبدالعزيز ينظرُ للسلاح الذي على الطاولة ليُمسكه وهو يتأمل تفاصيله الفاخِرة
فارس بإبتسامة هادئة : لأبوي
عبدالعزيز : مشكلة أبوك دكتاتوري يرفض يعتليه أحد أو يوقفه أحد .. يحب يتحكم بحياة الناس لكن محد يتحكم بحياته
فارس بتضايق من وصفه لوالده بهذه الصورة : مهما كان الشخص سيء تأكد أنه له جانب طيِّب
عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة : يمكن جانبه الطيب فيك وبس . . . . ترك السلاح على الطاولة.

،

تجلسُ في شقتِه وهي تحاول البحث عن رقمٍ يفيدها، كل محاولاتها السابقة أنتهت بالفشل، لا تعرف كيف أختفُوا جميعهم فجأة، لا وجود لرتيل في فندقهم ولا وجود لوالدها ولا وجود لعبدالعزيز، يالله يا عبدالعزيز ماذا يحدثُ لديْك! أيّ قلبٍ هذا سيتصبَّر على غيابك! لا أعرفُ كيف مرَّت الأيام السابقة دُون أن أعرف أخبارك ولا أعرف كيف ستمر الأيام الآتية، لو إتصال فقط يُطمئني، تحبني بأنصاف الأشياء، جبان لا تحتمل أن تتقيَّد بأنثى واحدة، بأن تُطمئن هذه الأنثى عليك وعلى عينيْك الموجعة، كيف أصلُ إليْك وأنا لا أعرفُ أيّ سماءٍ تصعدُ إليها نظراتُك، كيف أطمئن على قلبي!
أجابت على هاتفها الذي أهتَّز : ألو
سارة : وينك يا ستِّي ؟
أثير : في شقة عزوز
سارة : يالله عليك وش تسوين هناك! تعالي بس البنات مجتمعين في . .
تُقاطعها : مالي مزاج أطلع
سارة : يعني بتحبسين نفسك لين يتكرم طال عمره ويتصل عليك ويعبرك !
أثير بسخرية : شكرًا على مواساتك .. أقدرها كثير
سارة : يا روحي يا أثير أنا ماأستخف بضيقتك عليه لكن هو كلب راح وتركك ولا بلغك تلقينه الحين راجع الرياض ولا فكر يتصل عليك ولا تلقينه مكيّف مع الكلبة الثانية
أثير تنهدت : مستحيل! أكيد صاير له شي .. أنا أعرف عبدالعزيز مهما صار مستحيل يتجاهل إتصالاتي كل هالمدة .. أصلا آخر أيام كانت علاقتنا ماشية تمام
سارة : طيب؟ يعني بتقلقين نفسك وبتشيبين عمرك عليه! خلاص مثل ماراح بيرجع لك ولا تخافين عليه
ينكمشُ قلبها بحزنها عليه : قلبي يعورني! مشتاقة له حيل ولا أعرف وينه فيه .. خايفة يكون صاير له شي ولا هو قادر يكلمني
سارة بضيق تسرَّب إليها من صوت صديقتها : يخي الرجال دايم يبكونا ودايم يضايقونا وياليتهم الكلاب يستاهلون!
أثير : يا رب أنه بخير
سارة : أنا أقول أمشي معنا تغيرين جو بدل هالكآبة اللي عايشة فيها .. يازينك قبل لا يجي عبدالعزيز بس من جاء كهرب أوضاعك وخربك بكآبته
أثير تنهدت : تخيلي دورت على كل الأرقام مالقيت ولا رقم صاحي أتصل عليه! حتى رقمه السعودي مغلق .. مستحيل يكون راح الرياض

،

تشربُ الماء بكميةٍ كبيرة لتُردف : أحس أني نايمة سنة كاملة! . . . تنظرُ للأرض والفاتورة المرمية عليها ويبدُو أنها ممتلئة بالحبر، رفعتها : رتيل تعالي شوفي
رتيل تضع هاتفُ ضي الذي كانت تحاول أن تبحث به عن إتصالٍ بالإنترنت على الطاولة لتتجه نحوها، ضي : هذا خط عبدالعزيز ؟
بلهفة تشدُّ الورقة لتنظرُ لخطِه المكتوب على عجل من أطراف الكلمات الغير مرتبة، قرأت " في حال حصل شيء يا رتيل، كل الحياة لك "
بقيْت عيناها على الفاتُورة الصغيرة، لتسقط دمعتها على " رتيل " و يذُوب الحبر الداكن في زرقته، لِمَ تتحدث بهذا الغموض؟ لِمَ تخشى الإعتراف؟ لِمَ أنت جبان يا عزيز؟ من أجل الله قُلها، قُل : أحبك. لِمَ تُشعرني دائِمًا بأنك غير مُتأكد من شعورك، بأنني شيءٌ وسيتلاشى قريبًا منك، لِمَ كل هذه الحماقة التي تتقاذفُ من كبريائك الذي لم ينحني ولو مرَّة ولن ينحني! أخبرني بثقة أنك تُحبني وأن عينيّ جميلة وأن شعري المموَّج سحر، أخبرني ولو للحظةٍ واحدة، لِمَ كل هذا؟ لا أستحق والله أن تجلب لي حياةٌ خاوية منك، لا أستحق أن أعيش دُونك، أنا أحتاجك، والله أحتاجك ، الأسفُ أنك قادر بسهولة أن تستغني عنِّي، أحتاجك كحالةٍ أبديَة لا تنتهي، أحتاجُ لكتفٍ يجاورني يُقلص المسافة التي تفرِّقُ خطواتنا. أحتاجُ لقلبك يا عزيز ولزُرقة السماء المنعكسة منك.
ضي بصوتٍ حاني : رتيل
رتيل تضغط على الورقَة لتتجعَّدُ بقبضة يدِها، أستسلمت للبكاء وهي ترميها على الأرض : حقيييييييير .. ليه يسوي فيني كذا !! . . . . . ضعفت أقدامها على حملِ جسدها الذي أثقلهُ الحزن، لتجلس على أرضِ المطبخ الباردة وهي تشعرُ بأن أطرافها تتآكل من حرارة الحزن المنصهرة في قلبها.
ضي تجلسُ بجانبها : ليه فهمتيه كذا يمكن قصده . .
رتيل تقاطعها : قصده شي واحد! أنا أعرفه مستحيل يتخلى عن غروره .. مستحيل يضحي بشي . . حتى أحبك بخل فيها عليّ . . . . . تُغطي وجهها بكفيّها الناعمتيْن وهي تجهشُ ببكاءها : ما يحس قلبه حجر . . ما كفاه كل هذا يحب يزيد عليّ .. يحب يقهرني ويضايقني .....
تسحبها لصدرها لتُبلل قميصها بدمعها ، حاوطت جسد رتيل بذراعيْها، هذا الإنهيار لا يشبه سوى إنهيارها ليلة العيد عندما أنفجرت بوجه عبدالرحمن : أهدي يا بعد عُمري قطعتي لي قلبي
رتيل بصوت يختنق تدريجيًا : يوجعني .. يوجعني حبه
ضي بصوتٍ هامس يربتُ على قلبها : ما تعودتي على مزاجيته وحدة طبعه!
رتيل : مزاجيته بس معاي! .. كل هالجنون ما يطلع إلا عليّ . . قلبه ما يستقوي إلا علي .. يقهرني .. يقهرني يا ضي
ضي تمسحُ على شعرها البندقِي : طيب أهدي! الحين مو لازم تتقبلين عيوبه؟
رتيل تختنقُ ببكائها : هذي مو عيوبه! هذا شي يسويه بس عشان يستفزني عشان يقولي في كل مرَّة أنتظره فيها أنه نهايتنا واضحة، غبي متشائم .. يتفائل بكل شي بالحياة لكن لما يجي الموضوع لرتيل يتشائم ويقول لا تنتظرين شي لاتحاولين تفرحين بأي شي . . . . . مو حرام اللي يسويه فيني ؟
ضي وتجهلُ كيف تواسيها وبأيّ الكلمات تربتُ على كتفها لتتنهَّد : الله يرجعه لنا بالسلامة بس
رتيل تجهشُ ببكائها بعد كلماتها : بيذبحني .. أنا عارفة وش بيصير! بيقهروني فيه ..
وبإستسلام تذبلُ كلماتها : طيب وأنا ؟ ليه ما يفكر وش بيصير فيني لا تركني! ليه دايم يحسسني أنه ماله وجود في حياتي وهو كل حياتي! . . . رفعت عينها لضي لتلفظُ بصوتٍ يبحُّ الحزن به : يدري أني أحبه بس يحب يعذب نفسه ويعذبني معاه . .

،

تُمارس النوم قهرًا، للحظةٍ لم تعرف كيف تفرغ حزنها إلا بالنوم وبالهرُوب من الواقع الذي أساء إلى أحلامها التي غرستها به، ذنبُها أن تُربتك يا ريان لم تكن صالحة أبدًا، تقلبت كثيرًا حتى نامت على بطنها وهي تدفن وجهها بالوسادة تحاول أن تبعد كل الأفكار السيئة عنها، كيف أمارس التبلد والبرود إتجاهك؟ رفعت رأسها قليلاً لتضربه على الوسادة، سئمت اليقظة التي لا تجلب إلا التعاسة، تأفأفت وهي تخنقُ ملامحها بالسرير، دخل بخطواته الهادئة ليُلقي غترته على كرسي التسريحة ويثبت أنظاره نحوها، نائمة إلى الآن؟
تقدَّم بخطواته وأصابعه تُفكك أزارير ثوبه، ثبت في مكانه عندما رآها تُمسك أطراف الوسادة لتضغط بها على أذنيْها، رفع حاجبه : ريم!
ألتفتت عليه وشعرها يُغطِي معظم ملامحها، أبعدت خصلاتها بأطرافها دُون أن تلفظ كلمة.
ريَّان : نايمة للحين؟
ريم : أحاول أنام
ريان : ما نمتي أمس؟
ريم : إلا بس كِذا أبغى أنام . . أستعدلت بجلستها وهي تضمُ الفراش بإتجاه بطنها وتسند ظهرها على السرير
ريَّان ينزع الكبك من أكمامه ليلتفت عليها مرةً أخرى على وقع رنة هاتفها، أغلقته لتُثير ألف علامة إستفهام بعقله : مين ؟
ريم دون أن تنظر إليْه : صديقتي
ريان : وليه ما رديتي عليها ؟
ريم : أكلمها بعدين
ريان يقترب منها ليأخذ الهاتف من على " الكمودينه "، فتحه لينظر لآخر الإتصالات " رنَـا ، رنـَا ، هيفاء ، جنتي ، هيفاء ، يوسف "
ريم بإمتعاض شديد : تأكدت ؟
ريان يضعه بهدُوء : قومي أنزلي معي
ريم : ما أبغى ... برجع أنام
ريان تنهّد ليُربكها بنظراته الممتدة نحوها : قومي
ريم بضيق : يعني غصب؟
ريّان : أنا جالس أطلب منك !
ريم بدأت الحُمرَة تتسللُ لعينيْها التي تجمدَّت زاويتها ولم ترمش، أطالت بنظرها لعينيْه حتى تلألأت بدمعها، قاسٍ أن ترى أحلامها تموت أمامها، وقاسٍ أن تشهدُ على خيبة أملها بالحياة، كانت تحلم كثيرًا والآن فُجعت كثيرًا، كيف أتعايش مع هذه الخيبة كأنها ولاشيء وأنا التي خططت لأشياء كثيرة أبسطها لم أستطع ان أحققها معه.
ريَّان يجلسُ على طرف السرير بجانبها : الحين طلبي يضايق لهالدرجة ؟
ريم هزت رأسها بالنفي لتمسح دمعها الشفاف، منذُ تزوجتك وأنا مفرطة بالحساسية، لا أعرفُ كيف أُمسك دموعي ولا أعرف كيف أتغلب على حزني.
ريَّان بإستفهام : طيب؟
ريم لوت شفتِها السفليَة لتحاول أن تُمسك زمام قلبها الذي تتلاعبُ به رياح الحزن : أسبقني وراح أنزل وراك
ريّان : أنا أسألك
ريم رفعت عينيها : يهمك بأيش؟ لا تحاول تمثِّل الإهتمام منت مضطر!
ريان ببرود : غريب أمرك، مهما سوينا لك ما يعجبك!!
ريم : لو قلت لك بنتناقش ! يصير أمري غريب بعد ؟
ريَّان : بإيش نتناقش؟
ريم : أنت شايف علاقتنا طبيعية ؟
ريّان : هذا التقصير منك مو مني
ريم بقهر : كيف مني؟ قولي عشان أصحح نفسي
ريّان بهدُوء : تعاندين وتحاولين تفرضين رايك حتى لو كان غلط
ريم : أنا ما عاندتك! أنا عاندت الأسلوب اللي تعاملني فيه! ماني من الشارع عشان تشك في كل مكالمة ولا كل رسالة تجيني! . . أنا متربية وأعرف حدودي زين
ريان : وأنا ماشككت في تربيْتك! أنتِ اللي أفعالك تخلي الواحد يشك
ريم : عشاني ما أرد أو عشاني سكرت الجوال صارت أفعالي مشكوك فيها! .. ريّان أنت وش مشكلتك بالضبط؟
ريّان تنهد ليحاول تجاهل سؤالها ويقف ولكن يدها التي تخلخلت بأصابعه أوقفته : ممكن لو مرة بس تحسسني بأهميتي!
ريّان بجديَّة : أنا يا ريم مو قادر أفهمك ولا أنتِ تساعديني!
ريم : طيب خلنا نجرب بس هالفترة أنك تتجاهل كل شي يضايقك مني .. أو علمني فيه بوقته . . جرِّب بس أنك تمسك أعصابك

،

مستلقي على الأريكَة و عبدالله الصغير ينامُ على بطنِه ويدِه اليمنى على ظهرهِ الناعم الصغير، نظر لهيفاء : ما سألته والله بس هو زواج عائلي عشان أبوه الله يرحمه
هيفاء بهدُوء : الله يتمم على خير
يوسف : فيه شي ناقصك ؟
هيفاء : لآ
يوسف بإبتسامة : عاد الحين ماعندك ريم تتحلطمين عليها .. فعشان كذا رأفة بحالك تحلطمي عليّ
هيفاء وتختنق بعبراتها : هو طبيعي أني أبي كل شي يتفركش!
يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههه أعوذ بالله .. ليه ؟
هيفاء : الحين حسيت بشعور ريم
يوسف : فترة وتعدِّي، عاد أنتم يالحريم مفلّمات . .
هيفاء تنزل دموعها لتجهش ببكاءها، تشعرُ أن قلبها الذي بحجم الكفّ ينكمشُ عليها ويتقلص بمسافاتِه، تشعرُ أن الحمرة التي تحملُ أكسجينها تصفَّر ويشحبُ لونها، أهذه أعراضٌ طبيعية؟ كيف سأعتادُ عليه؟ كيف سيمّرُ إسمه على لساني دُون أن أرتعش؟ كيف سينام بجانبي؟ كيف سأعتاد على أن يشاركني الوسادة والحياة؟ كيف سيكُون روتين حياتنا؟ هل يملكُ حنيَّة يُوسف و منصُور أم يفتقرها؟ هل عيُوبه ضئيلة أم ستُتبعني؟ كيف أعرفُ شخصيته وما يُحب وما يكره، كيف أفهمُ نظراتِه وحركاته البسيطة؟ هل سأُحبه أم لا؟ هل سيكُون بينُنا علاقة – عاديَة – فقط لا حُب فيها ؟ هل سيشعر بالإنجذاب نحوِي أو انني لن أغريه!
يوسف : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههه منتِ صاحية الحين تبكين عشان أيش . . . يضع عبدالله على مقعده ليقوم ويتجه نحوها، يجلس على الأرض بجانبها : هيوف هذا وأنا أقول ما تتحسسين زي ريم طلعتي ألعن منها!
هيفاء تمسح ملامحها بأطراف أصابعها : خايفة ما أتوافق معه!
يوسف بهدُوء : شوفي يا ستِّي لو كان بينكم تعارف قبل الزواج وغيره! أول سنة زواج دايم مشاكل! كذاب ولد ستين كذاب اللي يقول أول سنة تمر عادي وما فيها مشاكل! . . أنتِ أخذيها كمنطق .. أنتِ وياه لكم حياة غير وفجأة يجيبونكم ويحطونكم في حياة مشتركة! طبيعي أنه إنتقالك من هيفاء اللي في بيت أهلك إلى هيفاء اللي في بيت زوجها ماراح يكون سهل! بس بالبداية لازم تتجاهلين كل شي ممكن يعكر هالشي .. والاشياء البسيطة اللي كنتي مستحيل تتجاهلينها عندنا عدِّيها .. إذا بتفكرين بكل شي وبتعظمين كل غلط بتتعبين! . . وفيصل أنا واثق فيه يعني أعرفه وأعرف شخصيته
هيفاء بضيق : هذا ريان كنتم تعرفونه
يوسف : لآتقارنين نفسك بريم! ريان نعرف أهله بس كشخص أنا ما أعرفه وما أشوفه الا بالعزايم ... أما فيصل عشرة سنين وأنا قلت لك كعقل انتم مو متوافقين! هو ميوله شي وأنتِ ميولك شي ثاني لكن حلو الإختلاف! يعني لو إثنينتكم نفس الميول نفس الطبع أكيد بتملُّون من بعض . . لكن الإختلاف زين يقربكم
هيفاء : وإذا مقدرت؟
يوسف : الحين ورآه متشائمة! إذا مقدرتِ فيصل يقدر
هيفاء : يوسف أحس ماراح أعجبه من الأشياء اللي أهتم فيها!
يوسف إبتسم : يآكل تراب هو حاصله
هيفاء ترفع عينها : ما تعرف تواسي على فكرة
يوسف بضحكة يُردف : بيني وبينك يعني أنا مطمن عليك عكس ريم الحين لأني عارفها حساسة وبتضيق من الكلمة
دخل منصُور لينظر إليهما بحاجبٍ مرفوع، يوسف يلتفت عليه : دبرت الإجتماع بروحك؟
منصور : شف هي كلمة وحدة الأسبوع هذا أنا بكيِّف في البيت وأنت اللي بتداوم عني .. عشان أطلع سحبتك من عيونك
يوسف : والله راحت عليّ نومة لو كنت صاحي كنت بجيك
منصور : مو أنا اللي في الوجه! أنت بس كبر مخدتك ومنصور يضبط الشغل وراك
يوسف : هذا انا راعي ولدك من اليوم!
منصور ينظرُ لعبدالله النائم بهدوء في مقعده : كثَّر الله خيرك عساك أرضعته؟
يوسف : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه طيب مقبولة منك يا بوعبدالله عشان سحبتي عليك ولا قولها مرة ثانية وبقطع علاقتي فيك
منصور بإبتسامة ينظرُ لهيفاء : وش فيهم الحلوين يبكون ؟
يوسف : ماتقدر على فراقنا
هيفاء تضربه على كتفه : الشرهة على اللي يفضفض لك

،

ينظرُ للرقم الغريب الذي يُنير هاتفه من الخارج، هذا الرقمُ الباريسي يثير في نفسه القلق، باريس لم تأتِ يومًا بفرح ليْ ولم تكُن صفحة بيضاء في عالمي، أجاب بصوتٍ هادىء : ألو
: السلام عليكم
يقف بدهشة : وعليكم السلام . . مقرن ؟
مقرن تنهد : إيه
فيصل : وينك فيه ؟
مقرن : مو مهم! فيصل أنت لازم تروح عند بوسعود وتعترف له بكل شي .. عندك من هنا لبكرا
فيصل : مقدر! أنا ماني عايش بروحي عشان أخاطر بنفسي .. وراي أم وأخت!
مقرن بغضب : من هنا لبكرا!
فيصل بعصبية : قلت بروح لكن طلعوا لي! . . وش أسوي أنا ؟
مقرن : أنت غلطت وصحح أغلاطك!
فيصل بصراخ : ما غلطت .. ما غلطت .. إذا بتعترف أنت فهذا أمر يخصك لكن أنا بهالظروف مستحيل
مقرن بهدوء يمتص غضبه : يخططون عليك يا فيصل! ساعد نفسك قبل لا يضيع منك كل شي
فيصل بمثل هدوءه : يخططون على إيش ؟
مقرن : أكيد ماراح تخلي أمك تبكي عليك!
فيصل يفهمُ قصده، يفهم كيف يتخلصُون هؤلاء الخونة مع من يتعاملون معهم! يعرفُ كيف يكون الموت هو أسهل الحلول إليهم : وأنت؟
مقرن : خلك مني! أنا متصل عليك عشان أقولك . . صحح أغلاطك قبل لا يجي غيرك ويصححها عنك وتخسر نفسك
فيصل بعصبية : كيف أبلغهم! أرسلوا لي مسج يا مقرن .. ليه منت راضي تستوعب؟
مقرن : أعطيك إياها من الآخر! أنت خسران خسران! فبأقل الخسائر روح بلغهم
فيصل بغضب يغلقه ليرمي هاتفه على جدارِ مكتبه، خرج من شركتِه التي أسسها بعرق جبينه وبدأ يفقدها شيئًا فشيء، كل الأشياء تسوء وكل من يرتبط بهم يموت ببطء، كل من تدخل بهم يموت! هذه القاعدة التي يطبقونها على البشريَة بكل قذارة، جميعهم يرحلون! يُسقطون الجثث وكأنها علبٌ لا فائدة منها، أبتدأوها بعائلة سلطان بن بدر و من ثم محاولتهم لإنهاء عائلة عبدالرحمن و أخيرًا عائلة سلطان العيد التي تلاشت، ومن ثم بدأوا بالأفراد، يحاولون أن يصهرون أجسادنا بجحيمهم، والآن مقرن يقترب وأنا؟ ومن أيضًا ؟ هل ناصر سينضم إلينا.
قاد سيارته بإتجاه بيته، أشتعل في صدره قهرًا كيف ينتهي كل هذا؟ صعب أن ينتهي أمرًا بدأه بكل غباء، أأكذب على ذاتي؟ كل شيء واضح و " بكلا الحالتين أنا خسران " ، دقائِق مضت غرق بتفكيره حتى ركن سيارته أمام بيتهم الشاهقُ بوحدتِه بعد والده، دخل ليصعد للأعلى ويجد والدته تنظر بنظراتٍ معجبة بالديكور الجديد، قبَّل رأسها لتُردف بشغف : وش رايك؟
ينظر فيصل لذوق والدته الكلاسيكي الذي يُشبهه، و الجناح الذي أتسَّع بالدرجات الترابيَة وبعضُ الحمرة العنابيَة تتسلل ببعض الأشياء، ولمكتبة الكتب التي أعادت والدته عملها : الله يسلم لي هالقلب ويحفظه لي ...
والدته :ويحفظك لي يا عيني . . متى تنوره هيفا ويكتمل!
أكتفى بإبتسامة ليجلس على الأريكَة وينظر لريف الغارقة بالكتاب، أتسعت إبتسامته : يا فديت المثقفين بس! . . ريوووف تعالي
وضعت الكتاب بطريقةٍ أنيقة تحاول التشبه بوالدتها، لتسير بخطى ناعمة : تبي إيش؟
فيصل يحملها لحضنه : أبي عيونك
بدأت يدها الصغيرة بالتلاعب بخصلاتِ شعره القصير دُون أن تفهم كلماته جيدًا.
فيصل : وش قريتي؟
ريف بدلعٍ عفوي تشرح له بحركاتِ يديْها : الناس أنا و أنتا يعني لما نسوي شي غلط الله يزعل علينا
فيصل : طيب وإذا سوينا شي صح ؟
ريف تضع يدها على جبينها وهي تحكه : آممم . . . ما أدري بس أنت لا تسوي غلط عشان ما يزعل علينا الله
فيصل يقبِّل خدها : ندخل الجنة إذا سوينا شي صح
والدته : ماراح تآخذ إجازة هاليومين؟ خلاص ما بقى شي على زواجك حاول تهيء نفسك
فيصل تنهد : لآ تشيلين هم مضبط أموري
والدته : طيب نام الحين شكلك تعبان . . ريف تعالي
ريف : بقولك سر . . . تقترب من إذنه لتتسلل نحو خده الخشن وتطبع قبلة عميقة على وقع ضحكاتِ والدتها : ملكعة . . يالله أمشي
فيصل بقدر ما أبتسم بقدر ما أوجعه أن يفقد هذه القبلة الرقيقة من إبنة قلبه : تمسين على خير ..
أم فيصل : قولي له وأنت من أهل الخير والسعادة
ريف : وأنت أهل الخييير والـ .... *رفعت عينها لوالدتها* أيش ماما ؟
أم فيصل : والفرح
ريف : و أنت من أهل الفرح بابا
أبتسمت والدتها بوجَع من مناداتها له بـ " بابا " : يالله خلينا نطلع ونخلي فيصل ينام . . . أغلقت الإضاءة وخرجت.
فيصل يراقب خطواتهم حتى أختفُوا من أمامه وغرق بتفكيره، كيف يخبرهم؟ هذا السؤال الذي يعجز عن إيجاد إجابته.

،

على أطرافِ المغرب، كان حضُوره صخبًا مُشتتًا لكل ما له علاقة بالإتزان، أنت بطبعك ليس مسالم! وعينيْك والله ليست مُسالمة وكل الأشياء التي تنبعثُ منك تُثير اللاإتزان والإضطراب، أتريد قتلي؟ عيناك يا سلطان قتلتني مرتيْن، أخذت نفسًا عميقًا وهي تسيرُ بإتجاهه بعد أن عانقتهُ حصَة بكل ما أؤتيت من حنان، أرتبكت قبل أن تحاول أن تلفظ كلمة شدَّها من خصرها ناحيته لتضطر أن تقف على أطراف أصابعها وتقبِّل خده الخشن بنعومةِ شفتيْها وتهمس : الحمدلله على السلامة
سلطان بمثل همسها : الله يسلمك ....
حصَة بعتب: الحين طالع من الصبح وتوّك تجينا
سلطان : مريت الشغل ... جلس على الأريكَة بهدُوء يحاول أن يسترخي ويُبعد أفكار العمل من عقله.
حصَة : كيفك الحين؟ حاس بتعب؟
سلطان : الحمدلله أموري تمام
حصة بإبتسامة : عساها آخر الطيحات .. كليت ولا للحين على فطورك؟
سلطان : لآ متغدي متأخر مع بوسعود وبومنصور . . ومو مشتهي شي
حصة : بتتعشى معنا من الحين أقولك . . . ووقفت بهدوء متجهة نحو المطبخ.
الجوهرة شعرت وكأنها بقفص وأستفرد بها، نظر إليها بنظرات تشتعل خبثًا لتُشتت نظراتها بعيدًا عنه، بنصفِ إبتسامة يبخل بأن يُظهرها كاملةً : إيه يا حفيدة خالد آل متعب وش أخبارك ؟
تُقسم بالله أن نبرته هذه لا تظهر إلا ليستفز عاطفتها الأنثوية، نظرت إليه ببرود : أخباري تسرّك
سلطان يقف ليتجه نحو الأريكة الأخرى بجانبها، جلس و سيقانهم تتلاصق ببعضها البعض، ألتفت عليها والمسافة التي تفصلهما عن بعض منعدمة، لا شيء بينهما سوى الأكسجين الذي يحمَّر بذراته حولهما : إيه .. و أيش بعد؟
الجوهرة تحك رقبتها بتوتر وهي تنظرُ للطاولة التي أمامها ولا تلتفت إليْه، بصوتٍ خافت : مو حلوة تجي عمتك وتشوفك كيف تستفزني
سلطان : هذا تسمينه إستفزاز ؟
الجوهرة بضيق : سلطان .. أبعد شوي
سلطان بمزاجٍ لا يقبل الأوامر، أقترب أكثر وهو يضع قدمه على قدمِها ليعيقها من الحركة : وين قوتك بالمستشفى؟
الجوهرة شعرت بأنها تتضائل أمامه الآن وأن قوتها وهمية لا تخرج إلا في تعبه، أردفت وهي تلتفت إليه ليفصلُ بين جبينه وجبينها مقدارُ " إصبع "، أرتفع صدرها بعلوٍ شاهق حتى هبط بنبضاتٍ مضطربة تترجمها أنفاسها العشوائية الضائعة : وأنت تارك لي مجال عشان أطلع قوتي عليك
سلطان بنبرةٍ مستفزة : وكيف أعطيك مجال؟
الجوهرة تنظر للسقف في محاولة جادة أن تهرب منه، كل هذا القرب وهذه الفتنة الحيَّة لعينيْها الضعيفتيْن أمامه لا تُحتمل، ألتزمت الصمت وهو يراقب حركاتها الرقيقة في الإبتعاد وعينيْها المشتتيْن، أردف : وتقولين أنك تقدرين! عجيب
الجوهرة بقهر ألتفتت عليه ولا تعرف كيف هذا الإلتصاق يُبقيها حيَّة إلى الآن :أنا قادرة لكن كالعادة الرجال أقوى
سلطان يُشعلها بحمرتها : طبعا هالشي يختلف عند الأسمر اللي روَّح لك قلبك
الجوهرة شعرت أنها تذوب وأن لا مقدرة لها بالنظر لعينيْه، تولَّعت كقنديلٍ أحمر في كامل جسدِها وهدبيْها يرتعشان بالنبيذ الذي أنسكب على ملامحها، أرتعشت أطرافها وهذا الكون بأكمله تجمَّد بعينيْها ولم تعد تستطيع التفكير بكلمةٍ للخلاص من كل هذا.
سلطان ابتسم يشعرُ بلذة الحياة في خجل أنثى أمامه منتشية بلونِ النبيذ الأحمر : ما عندِك تعليق ؟
الجوهرة برجفةِ كلماتها : ممكن تبعد شوي؟
يضع قدمه بين أقدامها ليشدُّ سيقانه ويجعلها تلتفت بكامل جسدِها : يا جبانة على جملة ما قدرتي تواجهيني
الجوهرة بهمس مقهور : الحين بتجي عمتك
سلطان : جبانة
الجوهرة بعصبية علَّت صوتها : إيه أنا جبانة ممكن تبعد!
سلطان بهدُوء مستفز : لا
سيغمى عليّ فعلاً إن واصل كلماته المستفزة لعاطفة أيّ أنثى ولا تخصني وحدِي، إلهي يا سلطان ماذا تُريد ان تصل إليْه، تحاول أن تشعلني غضبًا وحرجًا منك، ليتني لم أغني تلك الكلمات ولم ألفظها وأنا أنتظرك على الهاتف، ليتني لم أنطقها، إلهي كيف يحمَّرُ قلبي بكل لحظة يُربكني بها بعينيْه، إلهي كيف أشعرُ بأن عاطفتي العميقة تصِل لحنجرتي وتتلاعبُ بصوتي.
الجوهرة تحاول الوقوف ليشدّ قدمها وتسقط على الأريكة، زفرت أنفاسها بضيق وسط إستلعانه في مزاجٍ " سلطاني "، الجوهرة : راح أنادي عمتك
سلطان : أنا أقترح تكسبين رضاي عشان ما تكون ليلتك فظيعة
وقف صدرها من الهبوط والعلو، تشعر أن قلبها لا يعمل بالصورة الطبيعية، أنخفض نبضها بربكةٍ لا يضاهيها ربكة، بلعت ريقها، وهذه الربكة من دواعيها أن تُضحك سلطان ليُردف وهو يبتعد بجلسته عنها : هذي قرصة إذن عشان توريني قوتك زين
دُون وعي منها أخذت الخدادية الصغيرة لترميها عليه وهي تقف محاولة الهرب، سلطان يتبعها بخطوتين حتى وصل إليها ليشدَّها ويلصق ظهرها بصدره وبحدَّة يتصنعها : قد هالحركة ؟
قيَّد ذراعيها بيدْه لتُردف وأوشكت على البكاء من قهرها : ويسألون بعدين ليه الحريم ينهبلون ما يشوفون الرياجيل وش يسوون فينا!
سلطان بضحكة يقترب من إذنها بهمس مستفز : بسم الله على عقلك ما كأنك قبل كم يوم تتشيحطين قدامي
الجوهرة وهي تشعرُ بأنفاسه التي تلتصق بعنقها : الحين لو حاولت أرد شوي من حقي قلت أتشيحط! بس أنت حلال لكن الجوهرة حرام!
سلطان يقبِّل عنقها وعلى آثار الجرح طبع قبلته العميقة ليجمِّد العرق الذي يجرِي بها، أطال بقبلته لتغمض عينيْها بخفُوت، ماذا تحاول أن تفعل بجسدِي؟ أن تداوِي جروحك الذي سببتها ليْ أم الخدوش التي قذفتها بقلبِي دُون رحمة! أريد لو لمرَّة أن أفهمك يا سلطان وأفهم توجهاتك! ومزاجك السماوي الذي لا تحليلٍ في علم النفس يفسره! تغضب وتضحك في آن وآحد وتستفزني بحُمرةِ ملامحي وتستفزني كثيرًا بجمالك.
أبتعد عنها متجهًا نحو الأريكة ذاتها ليأخذ هاتفه، أخذت نفسًا عميقًا تحاول أن تهدئ الإضطراب الذي صاب دماءها في أوردتها وشرايينها ، رنّ هاتفها لتتجه نحوه على الطاولة وتُجيب بمحاولة للهروب من كل شيء.
: ألو
الجوهرة دُون أن تفكر بصاحب الصوت والرقم الغريب، وبصوتٍ مرتعش وهي تضع كفَّها على رقبتها لتُخفف من إشتعالها : هلا .. مين؟
بنبرةٍ مشتاقة : تركي!

،

فتح عينيْه المتعبة بعد نومٍ عميق أستغرقه عقله بالأحلام المتتالية التي لا يتذكرُ منها شيء سوى الصداع الذي يهجم عليه بسببها، نظر للشَعر الذي يغطي صدره ليشعرُ برأسها النائم عليه، هل هذا حلم أم لم أستيقظ بعد؟ أكبرُ أحلامي وطموحاتي كانت أن أظفِّر خصلاتها بجسدِي، هل هي من أتت إليْ؟ هل هي من جاءت بحُب العمر الماضيِ والرسائل المتوجسة بيننا؟ هل هي غادة أم ما زلتُ أحلم، أأعيدُ صيغة الأيام بقصيدةٍ خافتة؟ أأقُول لكِ مما أحفظ وأرتله فوق قلبك؟ أحفظُ لعينيْكِ أشعارًا كثيرة! ولكن من يُعيرني صوتٌ يصلح للإنشاد؟ يصلحُ بأن اقول لكِ بنبطيةٍ تحبينها، " لو تشـوفيني شلون امشي ويديني فـ جيبي انا و أحزاني وطيبي ..كان مـاخذتي قرارك كان مارحتي وقلتي ترى .. مانت بحبيبي ، ياخســاره قلبي المظلوم والا.. يا انتصارك " ظالمٌ قلبك وأنا راضٍ، هذه المشكلة التي بيننا.
أقترب ليقبِّل رأسها بضياع، ليتنفس خصلاتِ شَعرها وهو يغرقُ بها، مهما حاولتِ أن تُظهرين البعد هذا الجسدُ لا يعرف أحدًا سوايْ، لا يستطيع أن ينكرني وهو يسحبُ نفسه بنومِك ويأتِ إليْ! لن يستطيع يا غادة أن يتواطىء مع قلبك!
سحب جسدِه بخفَّه ليضع رأسها على الوسادة ويتجه نحو الحمام، أغتسلَ بدقائقٍ طويلة غرق بتفكيره أسفل المياه التي تصبُّ فوقه، مرَّت ثلثُ ساعة حتى خرج، و أمطارُ لندن لا تتوقف، أرتدى ملابسه على عجل والبردُ ينهشُ بجسدِه، نظر إليْها ولإنغماسها بالنوم، جلس على ركبتيْه عند السرير بجانب رأسها : غادة

،

يقترب من المشرط الساقطُ أمامه، يحاول أن يسحبه بقدمِه و السلاحُ مصوَّب بإتجاهه، تعرَّق جبينه بمحاولاته البائسة، أستنزف طاقته وهو يحاول نزع حذاءه ليسحب المشرط بين أصبعيْه، قرّبه نحوه حتى رفع قدمِه لأعلى مدى يستطيعُ رفع قدمه بها، أخذ المشرطُ بأسنانه لينحني برأسه ويحاول أن يثبته بطرفِ الكرسي عند أصابع يديْه، تحرَّك كثيرًا دون أن يستطيع وضع المشرط على الكرسي حتى يسهل مهمة يدِه بأخذه، أستغرق وقته حتى أسقط المشرط وثبت على مقعده، رفع رأسه ليمد يدِه من الخلف نحو المشرط ويأخذه محاولاً أن يفكّ اللاصق الذي يقيِّد جسدِه وذراعيْه، سمع صوتُ رائِد القريب ليحشُر المشرط في كمه، ثواني حتى توسَّط رائد المكان وجلس أمامه : منور وجهك يا ولد سلطان اليوم !
عبدالعزيز : ما يسوَّد الله إلا الوجيه الخايبة!
رائِد بإبتسامة باردة : مسكين! هذا اللي طلع معك
عبدالعزيز يحاول فتح اللصق وهو يتحدثُ معه ويُطيل بحديثه حتى يستغرق أكثر وقتٍ ممكن : للأسف
رائد بسخرية : طيب يا صالح بكرا إن شاء الله بتحضِّر نفسك عشان توقع العقد! وطبعًا ماله داعي أقولك وش تقول! لأن أكيد بوسعود ما قصَّر وحفظك
عبدالعزيز أخذ نفس عميق : وش رايك أنكبك؟
رائد بضحكة : ما تقدر! لأن تقريبًا ما عندِك شي يحميك! لا أبوسعود سائل عنك ولا سلطان ولا غيره .. كلهم رموك ولا فكروا يسألون عنك
عبدالعزيز : تعرف وش مشكلتك! انك تحسب الناس كلها بمستوى غباءك! الحين تقريبًا سلطان وبوسعود وغيرهم يخططون كيف يحلُّون خلل عقلك!
رائد لوى شفتِه و يبدُو أن القهر يتضح على ملامحه : برافو! . . بعد ما توقَّع راح تخسر حياتك بكلمة وحدة تحاول تستفزني فيها! لكن الحين لأني محتاجك وإذا حاجتك عند الكلب قوله يا سيدي
عبدالعزيز يُمزِّق أولُ لصق ليُردف بإتزان : هالمثل يخصك لاتدخلني بقاموس هالأقوال اللي ما ترتقي لي . . . . يمدُّ يده الأخرى بعد أن تنمَّلت من النوم خلف ظهره، سحب يدِه الأخرى بهدُوء، أغمض عينيْه ليحمِد الله على هذه الفرصة، كيف أهرب الآن ورجاله يحاصرون المكان، أهددهم؟ هذه الطريقة الوحيدة.
رائِد ينظرُ إليه بنظرات مشفقة : مين تنتظر بالضبط؟ ناس مالهم علاقة فيك! ولا ممكن بيدافعون عنك لو خيروهم بين عيالهم وبينك! محد ينتظرك هذا الشي الوحيد اللي لازم تصدقه وتستوعبه! مالك أحد يا عبدالعزيز مهما حاولت تصنع لنفسك عايلة أنت بالنهاية . . وحيد
عبدالعزيز يبلع ريقه لينظر للسلاح المصوَّب نحوه، عدّ في داخله للخمسَة حتى دفع نفسِه على الأرض لتنطلق الرصاصَة بإتجاه النافذة . . . . . .

،

لم أراها اليومُ بأكمله، أردتُ أن أروِّضها أن أشعرها بضرورة تصديقها ليْ ولحديثي، أخذ نفس عميق ليفتح الباب ويطلٌّ عليها وجدها مستلقيَة بجانب النافذة وتغرقُ بتأملاتها، تقدَّم بخطواته نحوها لتلتفت بنظراتٍ شرسَة لا يستشفُّ منها سوى الكره.
جلس بجانبها لينظر للطعام الذي لم يُلمس : ليه ما أكلتي ؟
تجاهلت صوته الذي يُبعثر كيانها وهي تنظرُ للسماء، أعاد سؤاله : ليه ما كليتي ؟
عبير تنهدت : مو مشتهية
فارس يتأمل شحُوب ملامحها : ما كليتي شي من الصبح!
عبير و بدأت الهالات تخطُّ حول عينيْها لتُردف بنبرةٍ مُتعبة : ممكن تتركني؟
فارس : تعبانة ؟
عبير لا تتحملُ كل هذا الوجع من صوته لتسقط دموعها بإنسيابية وهي تغرس أظافرها بفخذيْها، تشعرُ بأن روحها تصعد للسماء بحرقَة، عقد حاجبيْه ليحاول أن يمسح بأصابعه دموعها لتبتعد وتقف : لا تلمسني !
فارس يقف متجهًا إليْها لتلتصق بالجدار : أبغى اساعدك والله
عبير : ما أحتاج مساعدتك
فارس : طيب دام كذا لا تهملين صحتك
عبير بقهر ممزوج بغضب : لآ أهمل صحتي! جايبني هنا وتقول لا تهملين صحتك!!!
فارس بهدُوء : ليه تضعفين ؟ ليه تهملين نفسك عشان تذبحين عمرك مرتين!
عبير بإضطراب أعصابها المشدودة : لو سمحت أطلع برا ماابغى أشوفك
فارس يقترب حتى ألتصقت أقدامهما ببعض : ممكن تهدين عشان أعرف أتكلم معك
عبير بغضب عارم بدأت تضربُه بيديْها وهي تصرخ عليه بإنهيار كل خلية تسبحُ في جسدها : أكرهك .. أكرهههكم كلكم
فارس يحاول أن يُمسك يديْها التي بدأت تضربه بعنف : عبييير
عبير بجنُون : أكرهننني ... أكرههه هالحياة .. يارب أمووت وأفتّك
فارس بعصبية يحاول أن يوقف إنهيارها : عبـــــــــــــــــــــــــــــــيـــــــــــــــــــر !!! أهدي
عبير ويتكاثرُ بكاءها بحزنها اللاذع : أكره إسمي .. أكرهه منك . . .
فارس ويجهلُ ماهي الطريقة لإخماد نيران الحزن في قلب الإناث : عبيير يكفي!
يشعرُ بإنشطارِ قلبه بدموعها وببكاءها، ضُعف أن يرى دمعةُ من سلَّمها قلبه ولا يستطيع أن يفعل حيالها شيءً ، لو أُهدىء من خيبتك قليلاً وأُسكن هذا الحزن فقط.
عبير أرتخت يدِها لترفع عينيْها الغارقة بالملح وبنبرةٍ بحَّ بها البكاء أنفجرت به : راح أدعي عليك كل لحظة بأنك تشوف كل هذا في أقرب الناس لك . . *أرتفعت نبرتها مع قُربه لتحاول أن تدفعه بضرباتها على صدره* الله يآخذك يا حقيير يا قذ . . لم تُكمل من قبلته المفاجئة لها، بترَ صوتُها بشفتيْه وهو يُلصِق ظهرها بالجدار ويثبِّت يديْها بقبضةِ يده، لم أعرف ماهي الطريقة السليمة لإيقاف غضبك، كل ما أعرفه من دراستي أن القُبلة الواحدة كافيَة ببثِّ البرودة لدمٍ سخِن بثورته . . .

،

ينظرُ إليْه بجسدٍ مثقل، لم تعد الخيارات تُجدِي ولم يعد هناك شيءٌ يستحق الحياة، يعرفُني الله ويعرفُ نواياي، ويعرف إضطراري لأفعالٍ لم أكن أريد أن أفعلها، يعرفُ الله أنني لم أخون أرضٌ خلقت منها، ولم أخون أشخاص عاشرتهم حتى شبتُ معهم، يعرف الله أنني حاولتُ بقدر المستطاع أن أحمي أشخاصًا ولم أستطع، أنا آسف لكل شخصٍ ظن بي ظنًا سيئًا ولم أستطع أن افسِّر له وأبرر، أنا آسف لهم جميعًا الذين توقعوا مني الكثير ولم أقدم لهم شيئًا سوى دمٌ مالح، أنا آسف هذه المرة أيضًا لقلبي الذي لم يتنفس الحياة كما ينبغي لرجلٍ مثلي.
عُمر : طيب؟ عندك مهلة لدقيقتين يا مقرن . . ياتجي كشوفاتهم بإيدنا ولا ماراح يحصل لك طيب!
مقرن بلع غصتِه : ما أخونهم
عُمر : أوكي! هاللي شايل همهم تراهم ما طقوا لك خبر . . . فكِّر كويس
مقرن : ما عندي غير اللي قلته!
عمر تنهد : دقيقة ثانية يا مقرن
مقرن مقيّد اليديْن شعر بحُرقة الحزن به، ودّ لو ينظرُ للمرة الأخيرة لقبُور أحبابه الذين سبقوه، إلى الذين سبقوني إلى الله أني على يومنا الموعود أنتظر، أنتظرُ الجنَة.
عُمر يجهِّز سلاحه بدمٍ بارد يوجِّهه نحوه : un . . . Deux . . . Trois . . . . Quatre . . . سافا ؟ أكمل يا مقرن ؟
مقرن تمتم : أشهد أن لا إله الا الله و أشهد أن محمد رسول الله

،

رفع عينِه للسقف يُشعر بأن حركته تُشَّل في هذه الساعة المتأخرة من الليل، أنتظر لوحدِه أمام هذا الكمُ من الخراب الذي يحصلُ لديْه، رفع الهاتف ليتصل على سلطان ولا يُجيب، إلا هذا الوقت يا سلطان لا تنشغل به،
وضع يديْه على رأسه ليضغط بجهةِ إذنيه حتى رفع عينيْه لعبدالله الذي قرأ رسالته وأتى سريعًا، قرأ ملامح عبدالرحمن بصورةِ الخيبة ليُردف مكذبًا إحساسه : وش صار !
عبدالرحمن بوجَع عميق : مقرن وعبدالعزيز . .

.
.

أنتهى نلتقي إن شاء الله




إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.

لمحت في شفتيها طيف مقبرتي .. تروي الحكايات ان الثغر معصيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن