Part 50

68.7K 502 147
                                    


-

تابع ،



يـاعاقد الـحاجبين
على الجبين اللجين
إن كنت تقصد قتلي
قـتلتني مـرتين
مـاذا يـريبك مني
ومـاهممت بـشين
أصُـفرةٌ في جبيني
أم رعشة في اليدين
تَـمر قـفز غزالٍ
بين الرصيف وبيني
وما نصبت شباكي
ولا أذنت لـعيني
تـبدو كأن لاتراني
ومـلء عينك عيني
ومـثل فعلك فعلي
ويلي من الأحمقين
مولاي لم تبق مني
حـياً سوى رمقين
صبرت حتى براني
وجدي وقرب حيني
ستحرم الشعر مني
وليس هـذا بهين
أخاف تدعو القوافي
عليك في المشرقين

* بشارة الخوري





رواية : لمحت في شفتيْها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 50 )



أرتبكت لتُشتت أنظارها و تبتعد عن الباب ليخرج صاعدًا للأعلى ، بعضٌ من الربكة يُخففها إتصال والدها ووعده بأن يأتيها عصرًا ، صعدت خلفه و هذا الهدُوء قاتلٌ لها و قلبِي الذِي لا أفهمه ولا أفهمُ ما يُمرره على ثغره أظنُ أنني فهمتُه ويجب أن أُجيب على عاقد الحاجبيْن بمثل ما قال الأخطل " مـاذا يـريبك مني ومـاهممت بـشين ، أصُـفرةٌ في جبيني أم رعشة في اليدين ؟ "
دخل سلطان لجناحهم المُمتد في الطابق الثاني ، ليُخرج تنهيدةٍ لها معانِي كثيرة و رُبما معانِي مروَّعة.
ألتفت عليْها : سكري الباب
أغلقته بهدُوء ، بلعت ريقها لتُدافع عن نفسها قبل أن يتهمها : ما يهمني موضوعك مع سعاد !
سلطان : وأنا سألتك إذا يهمك ؟
شدت على شفتِها السُفلى ، يُريد إحراجها بأي طريقَة حتى لو كانت طريقة لا أساس لها !
بقهر أجابته : طيب آمر وش تبي تسمِّعني ؟ أنه نفسك العزيزة ما ترضى أحد يلطخها ! ولا سموُك ما يتواضع وينزل ليْ ؟ .. على العموم أبوي على وصول و ساعتها فكِّر براحتك تطلقني ولا ماتطلقني ! بكلا الحالتين أنا باقية في الدمام ! والباقي يتفاهم معك فيه أبوي ،
سلطان رُغم البراكين المُشتعلة بداخله الا أنه أبتسم ببرود : جايبة هالقوة منين ؟
الجُوهرة بإندفاع : منك !! ولا نسيت حلالك على وش مربيه !
سلطان يعرفُ بماذا ترمي عليه ، يذكُر تلك الليلة التي أتتهُ بأقدامها ليعانقها ويهمس " وحلالي ماأرضى عليه بالغصيبة " ، تُريد إذلاله على كلماتٍ قالها في لحظةٍ كان يراها كاملة من كُل ناحية : لا مانسيت !! .. بقولك شيء يالجوهرة بس عشان ما تفكرين لحظة أني أخلفت بوعدي لما قلت لك أحسني ظنك فيني بقولك قبل لايروح كل شخص بطريقه !
الجوهرة تقطع قلبُها قطعًا بلفظه الأخير ، تقطَّع حُزنًا ، مهما كان أمرُ الطلاق على الأنثى جرحٌ و جرحٌ عميق ، أرتجفت أهدابُها ! كيف يكُون على إستعداد تام بأن يشهد على موتي ؟ كيف يكُون الرجال بهذه الصورة القاسية ؟ لمرَّة أنصفُوني يا رجال هذا العالم الهزيل ، لمرَّةٍ واحدة أعطُوني حق سلبتموه مني.
كيف أقُول " ارجوك لا تنطقها " دُون أن تسقط كرامتي بالمنتصف ، كيف أقولها يا سلطان !!
سلطان بصراحة ملَّت من أن تسكن جوفه : ما نمت أمس وأنا أفكر فيك .. ماراح أقول أنك ماتهميني ولا بكذب عليك
رفعت عينها و دمعةٌ مُرتجفة سقطت.
يُكمل : لو طلبتي الطلاق قبل لا تصاريحني أنا وأبوك ، لو أصريتي بالطلاق كان بتكونين ذكرى حلوة في حياتي ! كنتي بتكونين كذا ليه قلتي لي ؟
صُدمت من منطقه ، صُدمت وجدًا من تفكيره ، فكوكها ترتجف وتصطدم بلاحولٍ ولا قوة.
سلطان : لو كنتِ زوجة غيري ! كان بيصبر عليك مثل ما صبرت وأنا أشوفك كل يوم !! كان بيصبر ويمسك نفسه عنك وأنتِ حلاله ؟ .. محد صدقيني بس بتكون كارثة إن أكتشف بنفسه !! تدرين أني صبور وقادر أصبر عنك . . وش كنتِ متوقعة مني عقب ما قلتي لي أنا وأبوك ؟ كنتِ متوقعة أني أرضى ! أنا أحلف بالله أنك متوقعة ردة فعلي بدون أي شي ! وتعرفين أنه النهاية وحدة وهي الطلاق ! ليه قلتي لي من الأساس !!
بعصبية لم يُسيطر عليْها : عشان تقهريني ؟ عشان تخليني أفكر كيف كنت غبي وأنا أصبر وساكت !! ولا تحسبيني بقولك انا والله متفتح وأرحِّب بأني أسمع ماضي قذر زي هذا ومايهمني الماضي أهم شي عندي الحاضر !! .. مايهمني أنه برضاك ولا ماهو برضاك ! الفكرة الوحدة أني ماني متربي آخذ بقايا أحد ! شفتِي أنك غلطانة ومليون بالمية غلطانة أنك قلتي لي ! لكن هذا مايعني أني برضى لأن لو أكتشفت بنفسي والله يالجوهرة وبعزة ربي أحلف لك أني فرغت هاللي تشوفينه براسك *أشار لها لسلاحه المرمي على الطاولة* ، ليتك حفظتي شرف نفسك وطلبتي الطلاق بدون هالمصخرة ! بدون هالحقارة اللي سويتها !! إيه صح أنا أعترف أنك بريئة من قذارة عمك لكن منتي بريئة من قهري !! ولا راح تفهمين وش يعني قهر الرجال !! بس لا تطلبين مني أطلقك في وقت مثل هذا !! لأني مثل ماني متربي على آخذ البقايا بعد ماني متربي أني أكون أطرش بالزفة.
الجُوهرة بعد صمتٍ طويل أرتبكت به حواسُها : ما كنت أبي أخدعك ، صارحتك عشاني كنت بصدق معاك .. ما صارحتك عشان أقهرك ولا كان عندي أمل أنك تآخذني بالأحضان وتقولي مايهمني الماضي يهمني الحاضر ! صارحتك عشان أرضى على نفسي .. ليه تفكيرك بهالسلبية وأنه قصدي أقهرك !!! كيف أقهرك وأنت غالي عليّ ..
أردفت كلمتها الأخيرة بلا وعيْ ، بلا تفكير ، بلا شيء يُوحي أنها تتحدثُ بعقلها ، من يتكلم الآن هو قلبُها الضعيف.
أكملت بنبرة شارفت على الإنهيار : و الحين صرت بقايا ؟ أنا بقايا ؟ يالله بس بعرف بأي ضمير تتكلم !! مين المقهور فينا ؟ وأنت ترمي تجريحك عليْ ليل ونهار وأنا مقدر أرد عليك بكلمة لأني عارفة كيف بتكون ردة فعلك !! لأني عارفة لو أفتح فمي بكلمة بتحرقني بكلماتي
سلطان بغضب : ماقصرتي بأفعالك !
الجُوهرة : أيّ أفعال !! أنت تتكلم عن وهم من عندِك !! تبي تذلني ؟ تبي تعيشني عندك عشان أصحى كل يوم وأنا عارفة أنك ماراح تقبل فيني بس تبي تقهرني وتحسب أنك بهالشيء تشفي قهرك وترجع كرامتك !!
سلطان بحدة : كرامتي ما طاحت عشان أرجعها !! كرامتي محفوظة وأقطع أيد من يحاول يتعداها
الجُوهرة بإنكسار : ليه تذبحني ؟
سلطان : ما رضيت على حلالي بالغصيبة تتوقعين بأرضى عليه الذبح ؟
. . وخرج تارِكًا الجُوهرة في حيرة التناقضات الي يلفُظها سلطانها.

،

بعد نومٍ عميقْ فتحت عيناها على السقفْ السُكرِي ، ثواني صامتة تستوعبْ أين هيْ ؟ ثواني حتى تستوعب أنَّ هذا صباحُ العروس. ألتفتت يمينًا و يسارًا ولا أثر لريَّان ، رُبما أستيقظ قبلِي ؟ ولكن الجُزء الذي بجانبِي مُرتَّب ويبدُو أنّ لا أحد أستلقى عليه.
تركت وساويسُ عقلها وأتجهت للحمامْ ، هي الدقائِق الخافتة الصاخبة المُتناقضة بكل شيء حتى تتزينُ ريم بما يليقُ للعروس.
ودَّت لو أنها تقفز من السرير حتى تُبيِّن حجم السعادة التي تُعانق قلبها ، تُريد أن تعود لطفولتها عندما تتراقص على السرير إن حققت شيء ما ، كل شيء سيء يختفي بمُجرد أن تُفكر بأنها " عروس " وهذه الكلمة كفيلة بأن تنبت على شفتيْها زهرتيْن و أضعافُها. هذه الكلمة تعنِي جميلة ، فاتنة ، باذخة ، راقصة ، مُتمايلة ، ثابتة ، مُتزنة ، مُتفردة ، إستثنائية ، ... هذه الكلمات مُعتادة ولكن هذه المرَّة تأتِي على لسانٍ تُزهر به الضحكات الحلزُونيـة أيّ الضحكات الصامتة التي تحمرُ بها الوجنتيْن وتبكي بها العين.
فتحت هاتفها و أنهالت عليها رسائِلُ الواتس آب. أبتسمت لـ " قروب صديقاتها " فتحته و لم يُسعفها أن تقرأ كل الكلام لتلتقط عيناها " بنسوي قروب ثاني للمتزوجات ! إحنا العوانس مالنا رب " ضحكت لتخرج من غُرفتها وتقع عيناه عليْه ، نائمْ على الأريكة.
أولُ خيبـة تتلقاها في حياتها الجديدة ، هل هو يرسُل إليْ رفضُه الغير مُباشر ليْ ؟ وقفت مُتجمدة من هذا المنظر.
قاسي جدًا أن تبدأ زواجها بهذه الصُورة ، أنتبهت لإستيقاضه ، رفع عينه عليها وببرود : صباح الخير
ريم بلعت ريقها لتبتسم : صباح النور
وبهدُوء مرَّ بجانبها مُتجهًا للغرفة. تُريد أن تستوعب ما يحدُث ؟ يالله يالله أفعلاً أنا عروسه حتى يتجاهلني هكذا ؟
جلست وهي تُراقب خطواته حتى دخل الحمام. دخلت في قوقعة تفكيرها ! " أصلاً عادي كل الرجال كذا " لم أتعرف عليْه بعد رُبما أظن به سوءً من أول مرَّة رُبما يقصد شيئٌ آخر.
لا تعرفُ لم دمُوعها أتت حارَّة في محاجرها ، أخذت منديلا لتمسحها قبل أن تسقط ولكن الحُمرة التي تُدمي عينها من يمسحها ؟
دقيقة تلو دقيقة و ريم صامتة تنتظرُه ، سمعت صوتُ الإستشوار ، تأكدت أنه أنتهى من إستحمامه ، لاتعرفُ لِمَ ضاقت و قلبُها الذي بحجم الكفْ بات يضيقُ حتى أنه تتصوَّرهُ كحجمِ أصبعها الآن. تذكرت حديثُ صديقتها بأن أولُ أيام الزواج لا تفوَّت وأن هذه الفرحة الحقيقة لأيّ زواج. ولكن ؟
رفعت عينها للريان الخارج كان سيتحدثْ لولا أنه أنتبه لحُمرةِ عينيْها ، جلس على الطاولة التي تُقابلها ، أربكها بقُربه : ليه تبكين ؟ .... نمت بدون لا أحس هنا
أخفضت نظرها ، لا قوةً لديْها حتى تراه ، هي المراتُ قليلة التي رأتها به ولكن بهذا القُرب تعجز أن ترفع رأسها.
ريَّـان بهدُوء : ريم طالعيني !!! زعلانة من أيش ؟
ريم توترت حتى سقطت دمُوعها بحديثه لتهمس : ماني زعلانة
ريان أبتسم : أجل هالبكي ليه ؟ دلع ؟
ريم رفعت عينها وسُرعان ماأخفضتها
ريان وضع يده على كفِّها المُرتجفة ، لولا إصرار والدته لمَا حجز لشهر عسلهم : المغرب طيارتنا عندك علم ؟ .... تبينا نروح لأهلك تسلمين عليهم ؟
ريم شدت على شفتيْها لا تُريد أن تبكِي ولكن دمعة سقطت على كفِّ ريَّان.
ريَّان الهادىء على غير العادة ، وبنظرةِ الشك التي لم يتخلى عنها : تبكين من أيش ؟
ريم بلعت ريقها : آسفة مو قصدِي بس متوترة شويْ
ريَّان ترك يدها ليُردف : بطلب الفطور و بعدها بلغيهم أننا بنجيهم

،

في عصرِ باريس المُشمس ، غفت عيناه بعد أيامٍ مُثقلة بالأرق ، غفت وأخيرًا لينام مُرتاح البال ، على الأريكة الوثيرة نائمًا والشُباك مفتُوح و نسمات البرد تخترق الشقة و لا شيء يُغطيه. نائم بوضعية الجنين و سكينة ملامحه تُغري للتأمل والرسم وكل الفنون الجميلة مصدرُها رجلٌ وسيم و إمرأة فاتنة و لا ننسى أنَّ الفُرشاة أحيانًا تكُن لئيمة بفتنتها.
فتحت الباب بهدُوء وهي التي أخذت نسخة من مفتاح الشقة ، وقعت عيناها عليه لتبتسم بحُب.
نزعت معطفها لتُعلقه خلف الباب وبخطواتٍ خافتة دخلت لغُرفته وجلبت له غطاء تُغطيه به. ، تركت الطعام في المطبخ وجلست بجانب رأسه. لا تُريد إزعاجه بل ستنتظره متى يستيقظ ؟ أخرجت هاتفها من جيبه لتتسلى وتشغلُ وقت فراغها الآن.
مرَّت ساعة كاملة و شقيقتها الأخرى ، أصبحت الساعة تُشير إلى السابعة مساءً.
بدأ جسده بالحركة ليفتح عينيْه بتثاقل ، أستعدل بجلسته ليلتف ويرى أثير بجانبه ، يشعرُ بصداع وكتلة ضخمة فوق رأسه ، نومٌ بعد أيامٍ أفلس فيها النوم جدًا مُرهقة ، رُغم أنه يشعر براحةِ أعصابه ولكن عقله مثقل و مثقل و مثقل إلى مالانهاية.
أثير بإبتسامة : مساء الخير
عبدالعزيز ببحة : مساء النور .. كم الساعة ؟
أثير : 7
عبدالعزيز تنهَّد : يالله كنت راح أزور المقبرة الصبح
أثير : خلاص بكرا إن شاء الله
عبدالعزيز وقف ليُعدِل ملابسه التي تجهلُ بدايتها من نهايتها وهذا إثر نومه العميق .. ومن ثم اتجه للحمام.
أثير بصوتٍ عالي حتى يسمعها : بحضّر لك الأكل ...
تمُر الدقائِق بسُرعة مُفجعة ، وبالفترة التي جهَّزت بها أثير الطعام كان عبدالعزيز يُسلِّم من صلاته الفائتة ، وضعت آخر طبق على الطاولة وجلست : عسى أرتحت ؟
عبدالعزيز من خلفها أنحنى ليطبع قُبلة على خدها ويهمس : آسف على اللي صار
أثير المتوردة بحُمرة وجنتيْها : حصل خير
جلس بمُقابلها مُلتزمًا الصمتْ ، أثير : الأحد الجاي بسوي حفلة بسيطة ببيتنا وبعزم كل اللي نعرفهم من شغلنا والكلوز مررة ماراح نعزم ناس بعيدة
عبدالعزيز : والكلوز يدخل من ضمنهم مين ؟
أثير : يعني عادل و
قاطعها عبدالعزيز بحدة : أثييير !!!
أثير : هذولي كلهم أصدقائك
عبدالعزيز : فيه خط أحمر إسمه عادات وتقاليد !! من متى إن شاء الله الحفلات مختلطة ؟ ناقص بعد ترقصين وياهم
أثير بهدُوء : وأنا عازمتهم في نايت كلُوب الله يهديك !! يعني حفلة بسيطة وأبي كل أصدقاءنا يكونون موجودين
عبدالعزيز : قلت لأ
أثير تنهَّدت : طيب
عبدالعزيز : وياليت تخففين من هالمكياج اللي على وجهك !!
أثير : ماتلاحظ أنك قاعد تعطيني أوامر !! أنا إنسانة ماأحب أحد يأمرني
عبدالعزيز : لأن ماأبي كل من هب ودب يشوفك ! وحتى لبسك مررة ضيق ومايعجبني
أثير بهدُوء : سكر على هالموضوع
عبدالعزيز : ما تتنازلين عن الأشياء اللي تحبينها عشان خاطري على الأقل ؟
أثير رفعت عينها : إلا أتنازل وهذا أنا متنازلة حتى بموضوع رتيل !! لكن لبسي وشكلي لو سمحت لاتتدخل فيه
عبدالعزيز بغضب : كيف ماأتدخل فيه ؟ أنتِ زوجتي ومن حقي أحاسبك على لبسك !!! ولا تبيني حمار وراك أشوف عيون الكلاب بالشوارع تشوفك بنظرة ***** وأرضى !!
أثير بحدة : عزوز أنتقي ألفاظك !!
عبدالعزيز ببرود يشرب من كأس العصير البارد ليُردف : أنا قلت اللي عندِي !!
أثير وقفت : أجل مع السلامة .... وأخذت معطفها المُعلق و حقيبتها وهاتفها الذي على الطاولة لتخرُج بغضب يُعبِّر عنه الباب.
عبدالعزيز عقد حاجبيْه ، يعرف ويثق تمامًا بأنه هو وأثير لا يتفقا أبدًا لا تفكيرًا ولا عاطفيًا.

،

في إحدى مقاهِي الرياض على شارع الأمير محمد بن عبد العزيز ، بينهُما قهوتيْن تبدُو أنها تبرد و الصوتُ لايخرج من فيصل ، كيف يلفظُ له ، كيف يقُول له أنّ شخصًا ميتْ أصبح حيًا ؟ كيف يُخفف عليْه وطأةُ هذا الحديث ؟ كيف يُخبره دُون أن يخدشه بحُرقة ؟ كيف يقوله يالله ؟ صعب جدًا أن يُخبره ، مُرتبكًا متوتِرًا ، يالله خفف عليّ فجيعته ، لا أعرفُ أيّ جنُون سيتحلى به عندما يعرفُ بأنَّ شخصًا صلى عليه حيًا يُرزق ! يالله يالله يالله يا هذا الشعُور ! مؤلم وضيع ! لا أعرفُ أن أحدًا أبصره و عاش بعقله. أثق بصبرِ ناصر وقوته ولكن جنونا ما سأقُوله له.
ناصر أبتسم : إيهه وشو ؟ صار لنا ساعة وأنت تعيد نفس الحكي !! الموضوع يخص مين ؟
فيصل بربكة : مدري كيف أقولك
ناصر : إذا شي بيضايقني تطمَّن من هالناحية
فيصل تنهَّد : أنا أعرف أنه زوجتك مـ
ناصر قاطعه بحدَّة : وش فيها ؟
فيصل أخذ نفسًا عميقًا لايعرفُ فعليًا كيف يقُولُ له بإنسيابية تُناقض عظمة هذا الموضُوع : يعني أنت شفتها قبل لا تتوفى
ناصر ببرود : لأ ، شافها عبدالعزيز هي وأبو عبدالعزيز الله يرحمه .. وش بتوصله من هالحكي ؟
فيصل وأراد أن يُمهِّد له : طيب تأكدُوا من الجثث ؟
ناصر : إيه تأكدُوا
فيصل بربكة : أقصد يعني .. صليت عليهم صح ؟
ناصر بضجر : وش فيك فيصل تعيد نفس السؤال ؟ يعني بتشكك عبدالعزيز بعينه وهو شافهم
فيصل : لآ مو قصدِي بس ..... يعني ..
أنتبه لهاتفه الذِي يهتز ، ناصر : ثواني بس .. رد : هلا يبـ .... بُتِر كلمته مذعُور وهو ينطق : أي مستشفى ؟
أخذ محفظته و مفاتيحه : أعذرني فيصل .. وخرج.
إن المصائِب يا ناصر لا تأتي فُرادى ، حتى حينما أردتُ ان أُخبرك كان للقدرِ كلمته. رُبما حكمة من الله ولكن يجب أن تعرف بأقربِ وقت ، يالله كيف سألتقيه مرةً أخرى ؟ لا فُرصة لديْ إلا هذا الأسبوع وإلا سأضطر أن أفعل ما أخافه ولو كان هذا في سبيل خسارتِك يا سلطان بن بدر و يا عبدالرحمن بن خالد. كل الأشياء ما زالت تقف بصفهم. كلها دُون أن ترحمني وأريِّح صدري من هذا الهم. هذه المرَّة سأهزمُ كل هذه الأشياء وأخبره وإن كان سيشهدُ على ذلك جثتي.

،

عادُوا لباريس ، و الأجواءُ تختنق في باريس. لم تعُد زهريـةٌ تسُر الناظرين و العاشقين ، يالله ماذا أفتقدُ أنا ؟ جُزءٌ مني أجهله مفقود هُنا ، جُزءٌ أتنفسه هُنا ولكن أين ؟ أُريد أن أعرف كيف تكُن سماءنا واحِدة ولا نلتقي ؟ يا خيبةُ قلبِي ويا خسارتي!!
أين أنت يا ناصر ؟ هل تحت التُراب أم عيناك تنظُر لهذه السماء الآن ؟ أين أنتم يا عائلتي التي تخليْتُم عني ؟
أودُ أن أعرف كيف تجرأت قلوبكم بقسوة أن تتركُوني بعد الحادث ؟ ماذا يُوجد قبل الحادث وتخجلُون منه ومني ! ماذا كان هُناك ؟ أُريد أن أعرف من أنا قبل الحادث! سئمت هذه الحياة التي لا أعرفُ بها إلا إسمي الذي خلفه إسمُ أبٍ كاذب أو خائن أو لاأعرفْ حتى كيف أُصنفه. رفعت عينها للغيم الخفيف الذِي يضجُ في سماء باريس ، يومًا ما سينجلِي هذا الغيم ويبقى صوت الحقيقة واضحة. أُريدكم ولكن قلبي يحملُ عليكم كثيرًا ، رُبما أنا مستعدة أن أسامحكم في سبيل الفرح لكن أرجُوكم أبحثُوا عن أعذار تُرضي قلبي.
وليد بهدُوء : وين ودِّك نروح ؟
رُؤى التي تجهلُ كيف تعرف معلوماتٍ قديمة وهذا شيءٌ لم تنتبه إليْه : فيكتوريا نتمشى شوي هناك
وليد أبتسم : قريبة خلنا نروح لها مشي
و أقدامُ رؤى لم تفقد الذاكرة بعد ، تعرفُ هذا الطريق جيدًا ، تتوسَّل أرجُوك يا عيناكِ تذكرِي هذا الطريق ، هذا الذِي شهدتِ به أولُ لقاءٍ مع ناصر ، دعكِ من هذا ، هذا الطريقُ الذِي تراكمت عليه الثلوج وأضطررت ليلتها أن تنامين عند ناصر ، أرجوك يا قلبها تذكَّر. هذا الطريقُ الذِي مارست به الحُب كما يبنغي أو فوق ما ينبغي ، هذه لافنيو فيكتوريا أو كما تنطيقنها بتغنُجك بالفرنسية ، هذه فيكتوغيا. أنا أقدامُك ، أنا يديْك ، أنا كل حواسِك أتوسلُ إليْك يا عقلها و يا قلبُها تذكَّر أننا على أرضٍ لم تنكُرنا يومًا. هذا طريقُ ريفُولِي الذِي جئنا إليْه كثيرًا ، نحنُ أجزاءُ جسدِك لاننكرك. نحنُ نقيم ثوارتنا على قلبك الذِي يتذكرُ بأنانية و لايُرسل إلى عقلك معلوماته. نحنُ نريدك يا من تُحركِينا بإختيارك.
رؤى تسيرُ و الجو في هذه الأثناءُ غائم. سقطت عيناها على الجهة التي يصطفُ بها سياراتُ الأجرة ليطرق سمعها صوتُها الذي تخافُه " هي بضحكة : بوفِي فو غولي ؟ أجابها صاحبُ التاكسي : ديزُولِي غِيزفِيّ .. وذهبْ لتصخب ضحكةُ من تجهله : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه قلت لك من البداية اليوم النومة عندِيْ يالله هذي شقتي قريبة نروح لها مشي "
هذا الطريقُ تعرفه ، رفعت عينها للبيُوتِ العتيقة التي تطلُ منها شققُ كثيرة ، بدأت عينها بالغرق في هذه الشقق البيضاء و البنيـة.
وليد ألتفت عليها : رؤى !!
رؤى بضياع نظرت إليْه : هلا
وليد : وش فيك ؟
رؤى : فيه أحد أعرفه ساكن هنا
وليد : مين ؟
رؤى بتشتت : مدرِي بس أقولك أحس أنه فيه أحد هنا

،

الربكة تنفضُ قلبها بشدة ، هذا التوتُر يلاحقها بلا إنقطاع. فسَّرت حالها بأنَّ حياة جديدة تُقبل عليها والأكيد أن الطريقُ الذي يفصلُ بين هذه الحياتيْن لن يكُون ممهدًا بل سيضطرب وسيضطرب كثيرًا. رُبما في سفرنا هذا نجِد فُرصة حتى نفهم بعض. حتى المكان الذِي سأذهبُ إليْه أجهله. أأسأله أم " عيب " ؟
أنتبهت لوقوف السيارة أمام بيتهم ، هذه المرَّة تأتيهم كزائِرة ، يا فظاعة هذا الشعُور ، تشعُر بأن قلبها يسابقها في البُكاء قبل عينها المُتخمة بالدمع. هي ليست مُفرطة بحساسيتها ولكن لاتعرف لِمَ مسألة البُعد عن أهلها تجعلها تبكِي بكثرة.
نزلت دُون أن تنطق كلمة في جهةٍ دخل فيها ريَّان لمجلس الرجال ،
دخلت عليهُم لتصرخ هيفاء فرحةً : ريوووم .... ركضت لها لتُعانقها بشدَّة
خرجت والدتها من المطبخ : هلا هلا بالزين
ريم ووجدت سببًا لتبكِي ، وتُبلل ملامحها بماءٍ مالح ، أبتعدت هيفاء لتُعانق ريم هيفاء وهي تنحني لتُقبل رأسها وكفُوفها.
والدتها تبللت عيناها هي الأخرى ، من يشرح شعُور الأم التي تنظرُ لإبنتها العرُوس ؟ من يُفسِّر ضحكة العين الباكية ؟ من يقُول الشِعر في عين الأم و ثغرها المُبتسم ؟ بربِ هذه الحياة من يستطيع أن يتسع بوصفه ويُخبرنا عن ضحكات الجنة المُنسدلة من عين الأم ؟
ريم جلست بإبتسامة : وين الشباب ؟
هيفاء : يوسف رايح حايل يجيب مُهرة ومنصُور أكيد في المجلس
ريم بضحكة : إيه قولوا لي وش صار من بعد العرس ؟
هيفاء تُشاركها الضحكات اللامنتهية : رجعنا البيت و صحينا أنا وأخوانك نحلل اللي صار ، بس أنتِ بشرينا ؟
ريم : لآ الحمدلله .. الساعة 9 طيارتنا
هيفاء : بتسافرون بسرعة ؟
ريم : إيه مدري هو قالي
والدتها : الحمدلله أهم شي أنكم مرتاحين
ريم : إيه الحمدلله
هيفاء : طيب وين بتروحون ؟
ريم ضحكت : والله ما سألته يعني أستحيت أقوله وين !!

،
في مجلسه ذو الألوانِ العتيقة التِي تميلُ للماضِي ، مُتكأ ليُردف بإتزان : بس قبل كل شيء لازم تعرف أني لقيت تُركي
أنتفض من مكانه بغضب : لقيييته !!
سلطان بهدُوء : ماحبيت أقولك قبل العرس وطبعًا هذا سبب والسبب الثاني لحاجة في نفس يعقوب
عبدالمحسن : وينه ؟
سلطان : الجوهرة راح تبقى عندي
عبدالمحسن بحدة : وين تركي ؟
سلطان : الجوهرة زوجتي و أنا أبيها
عبدالمحسن بغضب : سلطان لا تستفزني !! أنا أدري كيف تفكر لكن بنتي برا كل أفكارك
سلطان : أنا جد أتكلم زوجتي وأبيها
عبدالمحسن بحدة: لا تكذب
سلطان بمثل حدتِه : أكذب ليه ؟ لو ماأبيها طلقتها وقلتها في وجهك بس أنا جد أبي أبني حياتي من جديد
عبدالمحسن لا يُصدقه بل غير قادِر أن يُفكر حتى بتصديقه : أسمع من الجوهرة هالحكي وبعدها أنا أقرر
سلطان بثقة : تسمعها ! ليه ما تسمعها !! .. الحين أناديها لك
عبدالمحسن : أول وين تركي ؟
سلطان تنهَّد : في مزرعتي

،

تجرَّدت من شعُور الخطوبة ، من تراقص الفرح حين تسمع أحدهم يقُول " فلان سيخطبك " كل هذا لم تعُد تشعر بالحماسة إتجاهه ، تماما مثل المتزوجة حين يخبرونها و تضحك بسُخرية ، هذه المرة من لم تضحك بسخرية بل شعرت بإشباعٍ لأنوثتها جعلتها تضحكُ بشماتةٍ لاذعة. أغلقت الهاتف لتلتفت عليْها ،
بضحكة عفويـة أطلقتها : جاء الوقت اللي يشهرون فيه بزواجكم
رتيل شاركتها الضحك : ههههههههههههههههههه قلتي لي وش إسمه ؟
ضي بإستهبال تُقلد صوتها : محنا لاقين لحاتم أحسن من رتيل ونعم التربية والأصل
رتيل : ههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه تكفين ضيوو روحي قولي لأبوي بس قولي له بجدية
ضي بإبتسامة : تبين تقهرينه !! تراه زوجي لاتنسين
رتيل برجاء : الله يخليك ضي صدقيني ماراح ينقهر
ضي : لأ مستحيل أبوك فيه اللي مكفيه
رتيل بضجر : تفكيين عاد
خرج عبدالرحمن من مكتبه ليُقابلهم بالقرب من الدرج : وش فيكم واقفين هنا ؟
رتيل كتمت ضحكتها لتُمثِّل البرود في ملامحها ، ضي : ولا شيء
عبدالرحمن رفع حاجبه : وأنا كل ما سألت قلتي ولا شيء !!!
ضي بحرج : لآ ماهو قصدِي بس يعني شي ماهو مُهم
عبدالرحمن ألتفت لرتيل : وش عندك رتيل ؟
رتيل بهدُوء والفُرصة أتت إليْها : أتصلُوا على بيتنا ناس وبس
عبدالرحمن : والناس مالهُم إسم !!
ضي شعرت بالورطة لتنطق : فيه ناس يبون يخطبون رتيل بس قلت لهم أنها مخطوبة
رتيل أنسحبت من المكان بهدُوء لتصعد للأعلى. وبمُجرد ما إن أعطت والدها ظهرهَا حتى أبتسمت بخُبثٍ شديد لمُجرد أن تُفكر بأفعالِ عبدالعزيز ، أتى اليوم الذي تُبرهن فيه عن إستغناءها التام عن عزيز وليس أقوالاً فقط. أتت اللحظة التي تقُول بها بقلبٍ بارد " أنا يا حبيبي لا يعنيني أمرك و الدليلُ المدعو حاتم " يالله يا عزيز متى أشعرُ بالنصر عليك. أنا في أوجِ إستعدادي لأهزمك بعد سنة كاملة هزمتني بها بكل شيء ولكن أتى دوري و " يوم لك و يوم عليك "
عبدالرحمن ولم يُفهم من ملامحه ردةٌ فعلٍ واضحة. كل ما أُبصِر هو تنهيدته.
ضي : لا تخاف صرَّفتهُم بس ماهو لازم تعلن عن زواجهم يعني عشان حكي الناس بعد !!
عبدالرحمن بهدُوء مُريب : بس نرجع من السفر
ضي : اللي تشوفه .. شفت عبير اليوم ؟
عبدالرحمن تنهَّد : بصعد لها الحين ... وبخطواتٍ ذابلة أتجه إليْها ليطرق الباب : عبير
تركت شعرها على جنب لتقف مُتجهة للباب ، فتحته بأعيُن لاتختلف عن شعُور خطواته. الذبُول نفسه نفسه. وإني يالله على إبتلائِك صابر و إني على حُزن بناتِي صابر.
بهدُوء : ممكن أدخل ؟
عبير صمتت ، لا أحد يُدرك جرحُ الكلمات البسيطة تخيَّل أن " ممكن أدخل " تجرح ! تجرح وبشدَّة إن أتت من قريبٍ كأبي ؟ تجرح كثيرًا إن أتى الإستئذانُ من صاحبِ القلب ذاتُه. الكلماتُ العاديـة التي لا تهُم غيرنا هي ذاتُها التي تترك بنا شرخًا عميقًا لا يُشفى بسهولة.
شدَّت على شفتيْها و هدبُها يرجفْ ، شتت أنظارها واقفة لاتنطق بكلمة. لا كلام يحضُر أمام والدها.
عبدالرحمن دخَل ليجلس على طرف سريرها : تعالي
بصمت أغلقت الباب وأتجهت نحوَه ، لتقف بين يديْه بضعف وهذا الضُعف لا يقرأه سوَى أحدٌ يحفظُها عن ظهرِ حُب ، هذا الأحد إسمُه أبي ويا للخيبة إن باعدتُ يومًا عن من يقرأني.
عبدالرحمن مسك كفَّها ليضغط عليْها وكأنه يُريد أن يمتص بريق الحُزنِ من عينيْها : صايرة تقسين كثير ! حتى على نفسك
تعرَّج جبينُها بضيق ومن يتعلمُ فراسةِ خطُوط الجبين ، إنَّي لوحةً لايتقنُ رسمها إلا القليل والقليل جدًا ومنهُم مجهُولِي الذِي يفهمُ كيف الرسم يكُون ؟ والآن أنا أفلستُ من ألوانِي ولا أحد قادر على تلويني بضحكة ، كل الألوان مائعة تذُوب في وجهِي وتُبقيني بشحُوب. كلها والله.
عبدالرحمن : وش اللي مضايقك بالضبط ؟ ضي ؟ منتي قادرة تتقبلينها ؟ قولي لي وش اللي معكر مزاجك ؟
عبير ولا جوابٌ تستنطقهُ.
عبدالرحمن تنهَّد : يالله يا عبير !! ليه تحبين تضايقيني ؟ أنا بسمعك .. قولي لي بس وش اللي مضايقك ؟
عبير بحزن : أنت تعرف وش مضايقني !
عبدالرحمن : يعني ما هي ضي ؟
عبير والدمُوع تتحشرجُ بها : ماتهمني ، متضايقة من حياتي كلها .. كلها يا يبه
عبدالرحمن : وش مضايقك فيها ؟ ناقصك شي ؟ ودِّك بشي وماسويته لك ؟
و دمعةٌ توَّردتْ على خدِها لتُردف : كثيير أشياء ناقصتني ، عُمري 26 لا وظيفة لا زواج لا شيء .. ماتحس أنك ظلمتني كثير يبه ؟
عبدالرحمن ترك يدها لينغرزُ به الألمُ من كل جهة ، نظر إليْها وكأنهُ يجهل إبنته في هذه اللحظة.
عبير : ما أقولك ميتة على الزواج ولا أقولك ميتة على الوظيفة .. بس ...
ببكاء أردفت : أصلا وش بيتغير لو أقولك
عبدالرحمن : قلت لك كملي الماستر والدكتوراه وأخليك تشتغلين بالجامعة نفسها
عبير بضيق : بس أنا ماعندي ميول للتدريس أبي أشتغل في تخصصي نفسه
عبدالرحمن : هالفترة لأ ، مقدر يا عبير
عبير بقهر : وتسألني إذا ودي بشي وما سويته ليْ !! .... عادت بخطواتها للخلف لتجلسْ على الكُرسي.
عبدالرحمن بتنهيدة أردف : أسوي لك شي أنا متطمن عليه !! بكون متطمن لو تشتغلين بالجامعة على الأقل أضمن أنه محد يدخل الجامعة .. لكن بنك وغيره ناس داخلة وناس طالعة .. أفهميني يا عبير بهالفترة مقدر أخليك تشتغلين بمكان مفتوح
عبير ببحةِ الحُزن الموجعة : خلاص ماأبي منك شي
عبدالرحمن وقف ليجلس بجانبها ويُخلخل أصابعه في شعرها : يا قو قلبك إن كانك ناوية على الزعل
عبير رُغمًا عنها أبتسمت لتُمحيها بسرعة ، هذه الجُملة كثيرًا ما رددتها على مسامعهُم.
عبدالرحمن بإبتسامة : يا بعد هالدنيا صدقيني أني خايف عليك ماهو مسألة أقيّدكم بس أنا من وعيت على هالدنيا وأشوف ناس أشكال وأنواع وأعرف أنه فيه ناس مندسِّين ويمشون جمبنا وإحنا نحسبهم زملاء وأصدقاء .. لكن بعدين نكتشف العكس وأنا منهم يا عبير أخاف عليك
،

فِي آخرُ الليل ، السماءُ صافيـة و الجوُ مُعتدِل مائِل للبرُودة. وهذا لايهُم ما يهُم جسدٌ بارد و قلبٌ مائِل للحُرقة و الأجواءِ بين أجزاءِ جسده ليست بصافية وجدًا.
سلَّم على خالِها الأصغر : السلام عليكم
: وعليكُم السَلام .. حياااك تفضَل
يوسف دخَل مُتنهِدًا ليجلس في غيابْ الكثير ، الهدُوء يخيِّم على هذا البيتْ.
الخالُ الصغير يسكبُ له من القهوة ليمدُها له : شلونك ؟ بشِّرنا عن أحوالك
يُوسف بإبتسامة : الحمدلله أحوالنا تسرِّك ، أنتم بشرونا ؟
: أبد بخير ،
بعد دقائِق طويلة تبادلُوا بها الأحاديثِ الوديـة حتى هبط الصمتُ عليهُم ، ليقطعه الشابُ الثلاثيني بحسبِ توقعات يُوسف : أنادي مُرتك ؟
يُوسف : ياليت والله لأني برجع الرياض
: أفآآ يا ذا العلم .. أنت ريِّح اليوم وبُكرا إن شاء الله تسرِي
يُوسف ويبحث عن حجَّة : مقدر والله عندي ظرف في البيت مقدر أطوِّل
بإستسلام : بيزعلون عليك *قاصِدًا أخوانه الكبار*
أبتسم : البركة فيك
وقف بإبتسامة : بروح أناديها لك
دخَل لتسقُط عيناه عليها خارجة من المطبخ : مُهرة ... يوسف بالمجلس
شعرت وكأن قلبُها يسقط في بطنها و يُجاور جنينها ، أخذت نفسًا عميق : طيب ، لم تتوقع بهذه السرعة سيأتيها ، لم تتوقع أبدًا بأنه يتنازل ويأتيها.
: وشو طيب .. يالله لا تصيفين عليه وأنا بصعد أشوف أمك
ولا مجال حتى للنقاش وهي تراهُ يصعد تاركها في ليلةٍ كهذه لا أحد هُنا ينظرُ لفضيحة عينيْها.
أقتربت من باب المجلس ، وضعت كفَّها على المقبض ، بلعت ريقها بل بلعت كلماتٌ متراكمة. تخاف؟ لا أكذبُ على نفسي وأخدعها بغير ذلك ! فتحتهُ لتلتقي عينه بعينها.
يُوسف وقف و سُرعان ما أستقرت نظراتُه على بطنها الذِي لايتضحُ به معالم الحمل ولكن الشعُور النفسي فوق أيّ إعتبار.
مُهرة بهدُوء : السلام عليكم
يُوسف : وعليكم السلام . .
بدأت أصابُعها مُتشابكة و بينهما خطواتِ مُرتبكة ،
يُوسف بتنهيدة : روحي حضرِي نفسك بنمشي الرياض الحين
مُهرة أخفت ربكتها لتُردف : عندي مواعيد كثيرة هنا .. مقدر
يُوسف بحدة : عسى بس الرياض تشكِي فقر العيادات ؟ لا تأخريني أكثر
مُهرة بهدُوء : مـ ...
قاطعها دخُول أم مُهرة ، لا إراديًا أبتسم .. " هلا هلا "
أقترب منها وقبَّل رأسها : هلا والله .. مشتاق لك
أم مُهرة : هلابك ، والله عاد العتب عليك مخلي مرتك هنا ومعشعش عند أهلك
يُوسف ضحك ليُردف : بشريني عن أحوالك ؟
أم مُهرة : الحمدلله حالنا يسرِّك
يُوسف جلس ليُردف : جايْ آخذ مُهرة
أم مُهرة : حلالك محنا بقايلين شي
يُوسف أبتسم ليرفع عينه : بسولف مع طويلة العمر ماعلى تجهزين نفسك
مُهرة بضيق : يمه تدرين أنه عندي مواعيد و مقدر .. يعني
قاطعتها والدتها : تشوفين مواعيدتس بالرياض
مُهرة : مقدر يمه
والدتها بعصبية : وش اللي ماتقدرين عليه !!
مُهرة خرجت لتغلق الباب بقوة مُعبرة عن غضبها ، صعدت للأعلى وهي تشتمُ كل شيء في هذا الكون.
والدتها بتغيُر النبرة الفظيع : وشلون أختك المعرسة ؟

،

يمرُ الوقت ، يمرُ العُمر ونحنُ العُشاق ننتظِر على مشارِف الموت. من يُطلقنا للحياة و يثقبُ ما بقيَ منَّـا ؟ يثقبُه إننا لا نُريد بعضُنا الملتصق بنا. المُتشبثُ بلا رحمة يجرُّنا للهاويـة. تمُر الأيام و سماءُ الرياض على حالها لا تبكينا ، تمُر الأيام و باريس لا تعطفُ علينا ، تمُر الآيام و مثل الأيام. لا شيء يُخبرنا أننا بخير. لا شيء يعنينا ولا شيء بات يهمُنا. نحنُ نُفكِر الآن كيف نمُوت بطريقةٍ سلمية ؟
في إحدى مُستشفياتِ الرياض ، الطابقُ الأول حيثُ يستديرُ القلبُ يسارًا و من ثُم ممرٌ موحش حتى تلتقي الأعيُن بزُجاجٍ فاصِل يهمسُ لنا قبل الدخول " أنتبه! هُناك أحدٌ يهمُه أمرك "
مُمسكِ يدّ والده الباردة بين يديْه الدافئة وعيناه تتأملُه بضعفٍ شديد ، أُفكِر كيف الحياة دُون والدِي ؟ أشعرُ بالجنُون ! حياتِي تشعرُ بالخواء لمُجردِ التفكير بأن لا أحد بقيْ سوَى والدِي و عبدالعزيز. وهذا هو عبدالعزيز يرحلُ لجهنمِ الدُنيا بإبتسامة واسعة. لا أحد يرحمُني من هذا الغياب ! أُريد أن أصرخ إن حياتكم لا تعنيكم وحدكم ، إن حياتكم تعنيني أنا أيضًا ، تعني من يُحبكم ! إن نويتُم الرحيل فكرُوا بنا ، نحنُ المُعلقين على مشجبِ حياتكم ، وأنا أشهدُ بالثلاثة أنَّ نيتكُم فاسِدة لاتمتُ للعقلِ بصلة يا أنتم يا من أحببتُهم وكانوا أناسًا متهورين متذبذبين أنانيين. يالله أرحمنِي من غباءِ عبدالعزيز إنِي لا أتحملُ غيابه ، وأرحمنِي من إستسلام والدِي إني لا أتحملُ فقده. أخبرته مرارًا أنك كبرت يا والدِي ، كبرت على القيادة ويجب أن يأتيك سائِقًا كجميع الرجال في عُمرك ، إن أمتنعت عن القيادة أخبرنِي أنا أقُودك ، أنا أفعلُ كل شيء تريده. إنه إبنك الذي يجلس أمامك الآن ، إنه إبنك التي تُناديه بين ضحكاتِك " نويصر ووجع " ما عاد له قوة حتى يتحمل أكثر تهوراتِ من يُحب. حتى " الوجع " الذي تقوله بعد إسمِي أشعرُ بأنه أتى كُدعاء وألتصق بيْ ، حياتِك يا أبِي لاتعنيك وحدِك ، من خلفك إبنٌ يبكِي حضُورك وأنت أمامه. أرجُوك يالله لا ترني به مكروهًا.

،

لم تراه منذُ أن أستنشقتْ به هواء باريس ، في المقهى يجتمعن ثلاثتهن وسط أحاديثُ رتيل و ضي و هدُوء عبير.
لا تُخفي إشتياقها و لهفتها لرؤيته ولكن كانت تُخطط كيف تُهينه باولِ حديثٍ لها ، تخجلُ من أنها تُخطط على الإهانة قبل وقوعها في وقتٍ تجد أن عبدالعزيز لا يُخطط وهو الذِي يكسبُ دائِمًا في حصارها بشتائمه المُبطنَّـة.
ضي : لآ بـ كَانْ بتكون ، بس لازم نخليها تزورنا هنا إذا ما طلعنا من باريس
رتيل : أنا قلت لها أصلاً إذا خلصتِي بدرِي تعالي باريس ولاتجلسين هناك
ضي بإبتسامة : طيب وش رايكم نطلع ، طفشت من الجلسة
رتيل تنظرُ للباب الذِي يُدلف : أبوي جاء
ضي ألتفتت لتضحك عيناها بمُجرد أن رأته ، أقترب منهم : خلصتُوا ؟
رتيل : كلها كم محل بس
عبدالرحمن يتأملُ الأكياس الكثيرة بدهشة : كل هذا وكم محل !!
رتيل أبتسمت : لا تنسى أن أسواق الرياض ما طبيناها صار لنا قرن
عبدالرحمن أبتسم : طيب ، بتكملون يعني تسوّق ؟ لأن عندي شغل الحين
عبير : أنا ودي أرجع الشقة تعبت وأبي أنام
ضي : دام كذا خلاص نرجع كلنا ونطلع العصر
رتيل : أنت بتطوّل يبه ؟
عبدالرحمن : لآ مو مرة بس أوصلكم وبعدها ماتطلعون
رتيل تنظرُ لنافذة المقهى الزُجاجية لتقع عيناها عليه ، هذا ظهرُه وطوله. على بُعدِ مسافةِ طويلة واقف ومُعطي المقهى ظهره. تعلقت عيناها حتى أنتبه لها والدها و ليس هو فقط. بل ضي وعبير أيضًا.
عبدالرحمن تنهَّد : يالله خلونا نمشي
رتيل بلعت ريقها لتأخذُ حقيبتها وبعضُ الأكياس ، خرجُوا ليلتفت عبدالعزيز لهُمَا وهو الذِي يحسب بأنَّ الخارج عبدالرحمن فقط بعد أن أخبره بأنه سيتطمئن عليهم ويتجهون للتخطيط للعمل.
تعلقت عيناه بعينِ رتيل ، تجاهل والدها وغضبه الذِي سيحدثُ من وقع نظراته ، أطال نظره لتُشتت الأخرى نظراتها ، أعطتهُ درسًا في شراسةِ العيُون ، أعطتُه جوابًا للحُبِ من نظراتٍ حادة عنيفة لا تخرجُ من رقيقة كـ رتيل ولكن خرجت بعنفوان ولا أحد يجرؤ أن يسأل عن أسبابها.
في جهةٍ كانت نظراتُ عبدالعزيز تحملُ شيئًا مُبهم كأنه رأى قطعةً بعد أن فقدها لفترةٍ زمنية طويلة ، كأنه رأى شيئًا غريبًا يتملك قلبه اللهفة بأن يُطيل النظر ويفهمه.
مُقاطعًا كل تصوراته : نوصلهم وبعدها نروح . .
عبدالعزيز لم ينطق بكلمة ، تنفس بعُمق ليخرُج بخارٌ أبيض من بين شفتيْه يُبرهن على برودةِ الأجواء في مثل هذا الوقت من السنة.
سارُوا على الرصيف والفندق قريبٌ جدًا ، كانت خلفه تماما ، يشعرُ بخطواته ، يكاد يتعلمُ فراسة الخطواتِ أيضًا من صخبِ هذه الأقدام ، هي تسيرُ بين جسديْن ، بين ضيء و عبير ، يفهمُ جيدًا طريقة عبدالرحمن في التناقض ، لا يرضى بأحدٍ مهما كان أن يرى بناته والآن زوجته ولكن يرضاها عليْ ، يعتبرني إبنه لدرجة أخجل بها من نفسِي ، أخجل والله أن أرى هذا اللطف بعد أن أعتدتُ الجفاف. نفث أفكاره ليقف أمام الفندق وينظرُ لسيرها المُرتبك للداخل.
،

دخَل مبنى عملِه بثوبِه الأبيض الأنيق و الشماغ الأحمر يأخذُ وضعيته في الجمال الشرقي ، عوارِضه الخفيفة تتكاثرُ حول فمِه لتكُن سكوكة " تسرُ الناظرين " ، كل من يمرُ بجانبه يُصبِّح عليه ليُبادره بإبتسامة و يدخل مكتبه : وين أحمد ؟
متعب يضع الملف على الطاولة : راح يشوف المتدربين الجدد ، أمس رائد الجوهي سافر ومعه ولده بس غيَّر وجهته ، راح باريس
رفع حاجب الإستنكار : غريبة ! هالولد اللي مستتر عليه من عيوننا دايم ليه يبي يظهره الحين !
متعب : فيه شخص ثاني ماكان واضح شكله لأن معطي الكاميرا ظهره بس كان يقُول أنه أبوه يبي يعرِّف فارس على صالح
سلطان شد على شفتيْه : يعرفه ؟
متعب : إيه كذا سمعته يقول ، بس أكيد فارس مايدري عن شي لأن عازله بشكل كلي
سلطان : طيب أرسل صورته لعبدالعزيز و انا بكلم بوسعود
متعب : إن شاء الله .. تآمر على شي ثاني ؟
سلطان : لأ .. خرج متعب من جهة و بدأ هو بالتفكير بموضوع فارس ، لِمَ في هذا الوقت بالذات يُقحمه بعمله ؟ ماذا يُريد أن يصِل إليْه ؟ فارس شاب والأكيد أنه لايعرفُ الكثير عن عمل والده ! بماذا يُفكِر هذا الرجل ؟ أريد ان أفهم فقط بماذا يُفكر !! مجنون حتى تصرفاته باتت تُصبح محل غباء.
أشتغلت أصابعه الموسيقية بالطرق على الطاولة و أفكارُه تتداخل ، لو جعلنا رائِد يشكُ في رجاله ماذا سيفعل ؟ إن جعلناه يُفكر بوسوسة إتجاه إبنه !! بالطبع سيلجأ لصالح بأنه الرجُل المناسب ومحلُ الثقة
ضحك ليُردف : جبتها يا ولد بدر .....
وقف مُتجهًا لغُرفة المراقبة و تخطيطات كثيرة تلتهمُ عقله في مثل هذه اللحظات ، متعب وقف بمُجرد أن رآه
سلطان : شغِّل الكاميرات اللي حول بيت رائد
متعب فتح هذه الكاميرا على الشاشة الرئيسية التي تتوسطُ بقية الشاشات : هذا البيت اللي قدامه مين له ؟
متعب : أظن تابع له
سلطان : شف أبيك تتأكد لي من البيت اللي قدامه و كل خدمه تجيب لي أسمائهم ، خصوصا الحرس اللي عند الباب أبي أعرفهم واحد واحد.
متعب : إن شاء الله
سلطان أخذ ورقة و قلم ليكتب : شغل مخك شوي معي أبيك تحفظ كل كلمة
متعب بتوتر وهو من النوع الذِي إذا قيل له " ركِّز " يفقد كل تركيزه : طيب
سلطان : عند الباب الرئيسي أبيك تحذف من كاميرات المراقبة الصغيرة ، أبيها محروقة بس بدون لحد ينتبه لك ، وبعدها بتروح لأيّ بقالة وتطلب منه تكلم من تليفونه .. إلى الآن فاهم ؟
متعب : إيه
سلطان : تتصل على هالرقم *كتب له بالورقة رقم مُحدد* و تقول بالحرف الواحد روسيا ما تصلح لك .. وش تقوله ؟
متعب بربكة كبيرة : روسيا ما تصلح لك
سلطان : بعدها تقول لأحمد يكلِّم الشباب هناك أنهم يراقبون رائد ويصيرون له مثل ظله
بتمتمة أردف : أنا أخليه برجوله يجينا

،

بردٌ يا أسطنبُول و رقصُ لا يهدأ على أوتارِ فتنتِك ، الغيمُ يثقل في سماءِك و أنباءٌ عن أمطارِك الملوَّنة ، اللغةِ تتغنجُ من المارَّة و تسلبُ السمع لينحصِر به ، هذه المدينـة مُتخمة بالأثار المُمتدة لثلاثِة عصُور عاصرتها بإختلافاتها وتناقُضاتها ، هي التي تملكُ التفرد وتجمعُ بين قارتين بجسرِ البوسفور ، مدينة عملاقة و فخمة منذُ سلالات العهدُ الروماني حتى أتى محمدُ الفاتح.
تسيرُ بجانبه في إحدى أكثر شوارع أسطنبُول إزدحامًا " شارعُ إستقلال " ، لم تُناقشه بشيء مُهم أو حتى حديثٌ مطوَّل تشعرُ بأنه مغصُوب رُغم انه يغيِّر رأيها بسرعة إن باغتها بسؤالٍ ودِي أو حديثٍ حميمي يكسرُ أفكارها. أحاولُ جاهدةً أن أفهمك يا ريّـان ، صبيةٌ مثلي لم تعتاد أن ترى الرجال كثيرًا حين أخبروها أنَّ هُناك رجلاً سيتزوجها وقعت في حُبه دون أن تراه لأنها كانت في حاجةٍ ماسة بأن تكسُر عينها برجلٍ غير أقرباءها. رُبما أنا لا أُحبك ولكن . . لا أفهم حتى شعُوري إتجاهُك ولكن الحياةُ معك ستجعلني أعرفُ تحديدًا من أنا و ماهو قلبي.
ريـان : بردتي ؟
ريم : لا بالعكس الجو حلو
ريان غرقت عيناه في جنباتِ الطريق حيثُ الرسامُون و العازفُون و حتى الواشمُون ومن فوق المحلاتِ الموسيقى تصخبُ بالأندية الليلية.
مرّ شابٌ سكران بجانبها جعلها تمسكُ ذراع ريـان بشدَّة ، ألتفت عليْها بعد ان قطعت سرحانه : وش فيك ؟
ريم بحرج أبعدت يدها : لآ بس مر واحد شكله شارب ... ماأحب الأماكن الضيقة
ريّان خلخل أصابع كفِّه الأيمن بكفِّها اليُسرى ليخرُج من الطريق : نجلس يومين هنا ونروح بورصة ؟ وش رايك ؟
ريم : ما قد جيت تركيا ماأدري اللي تشوفه
ريَّان : بورصة أهدى و طبيعة أكثر
ريم بإبتسامة : اللي تشوفه
ريّان أقترب من إحدى الدكاكين ليشتري قارورتيْن مياه : تبين شي ؟
ريم هزت رأسها بالنفي ، ليخرجان على الساحةِ العريضة ، أتى على بالها هيفاء تُحب هذه الأجواء المُزدحمة والصاخبة في وقتٍ تكرهها كثيرًا. يالله لم يمُر سوى أيامٌ قليلة وأشتقت بها لهيفاء و يُوسف و منصُور و حتى مزاجية نجلاء. الأهم من كل هذا أنها أشتاقت لوالدها و والدتها.
جلسَا على إحدى الكراسي الخشبية ، والصمتُ يُدار بينهُما ، تمرُ الدقائِق الطويلة الخافتة لتضيق على ريم التي ملَّت من هذا الهدُوء ، هي تُحب الهدُوء ولكن لا يعني أن تتأمل وفقط دُون أيّ حديثٍ يُذكر. أهذا أيضًا طبيعي في بداية الزواج ؟

،

جالِسـة دُون أن تنطق بحرف ، في الجهة المُقابلة يسألها و تتجاهله تماما لتغرق في صمتها ، مازالت مقهورة منه ، يُريدها فقط من أجلِ هذا الجنين ! لو لم تكُن حامل لَمَا أتى لحائل ، كل شيء يفعله من أجل إبنه ليس من أجلي ، لو لم أُرسل له الصُورة لَمَا قال أُريدك ، رجل إستغلالِي وضيع !!
يُوسف : أكلم جدار ؟
مُهرة رفعت حاجبها : ماأبغى أكلمك ولا غصب بعد !
يُوسف بعصبية : لما أسألك تجاوبيني ماهو تسكتين
مُهرة بتصرفات طفولية : لآ كيفي ماأبغى أجاوبك
يُوسف عض شفته : بزر والله بزززززر
مُهرة تنهَّدت : على الأقل ما يجيني إنفصام بالشخصية من مزاجي
يُوسف : وش قصدِك ؟ يعني أنا مزاجي ؟
مُهرة : مدري أنت تعرف نفسك
يُوسف بحدة : لآ أنا أبيك تعلميني
مُهرة بعد صمتٍ لثوانِي رفعت عينها :أتخيل وش بتسوي بعد ما أولد ؟ بتآخذ ولدك وتقول تبين الطلاق ؟ ماطلبتي شي من عيوني
يُوسف أبتسم بدهشة : هذا ظنك فيني ؟
مُهرة : إيه هذا ظني ، ولا تخدعني بكلامِك .. أنا عندي عقل وأفكر .... لو ما أرسلت لك الصورة ماجيت حايل
يُوسف : يا شناعة تفكيرك بس الله يصبرك على روحك
مُهرة بعصبية : دام الله يصبرني على روحي وش تبي فيني !! إيه قولها أنك تبيني عشاني حامل ولو أني ماني حامل كان رامي طلاقك عليّ من زمان
يُوسف عقد حاجبيْه : تبين تقولِّيني شي ما قلته !!
مُهرة : أفعالك تقوله ماهو أنا
يُوسف ببرود يسخر : إيه أفعالي وش قالت لك ؟
مُهرة تُقلد نبرته بمثل سخريته : أنا والله مشغول ماعندي وقت لناس مثلك .. أنتِ أصلا مين ؟
يوسف أتسعت محاجره بصدمة : الحين أنا كذا ولا أنتِ ؟ ولا أنتِ حلال وأنا حرام !! إيه عادِي أنتِي تصرفِّين وتسبين وكل شيء منك عادي لكن أنت يا يوسف تآكل تراب وما تتصرف كذا عشان ماأطلع أنا الظالم
مُهرة بغضب : متى صرّفتك ولا سبيتك ؟ أنت تبي تقوّلني شي ما قلته .. وواضح أصلا تدوِّر الزلة بس أنا غلطانة يوم كلمتك لأنك عمرك ماراح تتغير
يُوسف بسُخرية لاذعة : أرحميني تكفين الله يخليك ..كان عُمري راح يضيع لو ما كلمتيني
مُهرة و لم تكُن يومًا حساسة ولكن هذا الحمل يملكُ سطوته عليها ، أردفت برجفة أهدابها : الشرهة علي ماهي عليك ... وقفت لكن يُوسف بعدم سيطرة أجلسها بقوة ليصطدم ظهرها بظهرِ الكُرسي ، شعرت بوخزٍ مؤلم ولكن كابرت لتُردف والدمعة تلمعُ من بين هدبيْها و بنبرةٍ تُسايره : خلاص لا تكلمني أنا غلطانة وأنت ماغلطت بأي شي .. أنا آسفة
يُوسف ببرود : إيه طبعا غلطانة لأن ماهو من الذوق أني صار لي ساعة أكلمك وتسفهين فيني .. ماني بزر عندِك !! أعرفي مين جالسة تكلمين فاهمة
مُهرة شتت أنظارها لتعُود لصمتها ، تكتمُ قهرها و ضيقها في أوقاتٍ كانت تنفجر به أمامه ولا تخشاه أبدًا.

،

مُستلقية على السرير بتعبٍ شديد ، تشعرُ بأن قوَّاها كلها أنهارت وأندثرت. هذا " الحيل " أنقطع والله أنقطع منِّي ولم يبقى شيئًا يُهدأ سكينة قلبِي ، لم يبقى شيئًا من هذا العالم. فقط هذا القرآن يطمئنني في وقتٍ أرى به الجميعُ يتخلى عنِّي.
لم تستطع منذُ أيام أن تطرد صوتُه من عقلها ، من حقده و قهرِي وهو يقُول " أنتِ عارفة أنه من بعد الله محد قادر يفصل بيننا إلا أنا و بمزاجِي ، سواءً برضا أبوك أو برفضه أنتِ راح تبقين عندِي لكن الأمر يرجع لك تبين أبوك يكون راضي ولا رافض وضايق "
مسكها من يدِها التي تؤلمها ، تعرف جيدًا أنَّ كلمةٌ من والدِي ستُحرجه وتجعلني أذهب ، لكن لم اتجرأ بالمغامرة حتى يصدمني سلطان بقلةِ ذوقه عند أبي ، كنت أثق بأن سلطان من المستحيل أن يتفوه بكلمة عناد أمام شخص يكّن له كل التقدير لكن خشيْت ، صرتُ أتوقع منه مالايتوقع ، أجبرنِي كعادة هؤلاء الرجال في بلدِي. كما أجبرني تُركي على الصمت لسنوات و الضحكة في عزِّ بُكائي ، مثله تماما يجبرني أن أكذب و أُخبر أبِي عن الحياة الوردية التي أعيشها مع سلطان. يالله كيف ينخدع أبي بسهولة ، شعرتُ بنظراته أنه يشكك بكلامي ولكن لم يقُول شيء ، لِمَ الجميع يتخلى عني بسهولة ، كان واضحٌ عليّ وأنا أخبره بأنني لا أرضى العيش ، الآن لا جدوى من الندم ، أعترف بأني نادمة ولو يعود الزمن للوراء لصرختُ في وجه سلطان وركضت لوالدِي. و أعوذ بالله من " لو " ومن أبواب الشيطان التي تُفتح منها. يا رب أرحمنِي.
طلَّت برأسها : عادي أدخل ؟
الجوهرة جاهدت أن تبتسم والدمُوع تبللها : حياك حصة
حصة أقتربت منها لتجلس على السرير بجانبها : مين مزعِّل القمر ؟
أستعدلت بجلستها لتمسح دمُوعها : تعبانة شويْ
حصة بتشكيك : والتعب يبكيك ؟
الجُوهرة بضيق : مشكلتي ماأعرف أكذب
حصة أبتسمت : وهذا الأحسن ، مزعلك سلطان ؟
الجُوهرة : كنت أبي أروح الدمام مع أهلي بس عيَّا
حصة : تبيني أكلمه لك تروحين كم يوم ؟
الجُوهرة بإندفاع : لألأ .. لاتقولين له بعدين يحسب أني أشكي لك
حصَّة مسحت على شعرها : والله مدري وش أقولك يالجوهرة بس سلطان أحيانا والله يقول كلام وفي قلبه كلام ثاني ، صعب عليه أنه يبدأ المبادرة ، أنتِ بادري بالرضا
يالله كيف أُفهمك يا عمته ما بيننا ! كيف أصِف لكِ أنَّ الذُل مرتبط بالرضا والله مرتبط به بشكلٍ رخيص جدًا ، لستُ أفهم الجميع حين يطلب مني المُبادرة رُغم أنَّ الأحقية معي. نسيت أننا مُجتمع شرقي والأحقيةُ مع الرجل دائِمًا.
حصَّة : أتركي كل خلافاتكم ورى ظهرك وأبدي من جديد ، أفتحي صفحة جديدة معاه وصدقيني سلطان بيبدأ معك
الجوهرة أخفظت نظرها لتنساب دمُوعها بإنسيابية الوجع بين احشائها.
حصة بإبتسامة حانية : نبي نشوف عيالكم
الجوهرة وكأن هذه الكلمة شطرتها نصفيْن ، يا نقاءُ الأحلام البيضاء ، طفلٌ يسيرُ أمام عيني و ضحكات لاتنتهي ، طفلٌ أنام بجانبه حتى لا يستيقظُ فزعًا و أُطعمه لأني أخشى على ملابسه بأن تتسخ ، طفلٌ طاهر يُشبهني أو يُشبهه لا يهُم. طفلٌ هذا أيضًا من أحلامِ الصِبَا التي أندثرت وماتت.
حصَّة بخجل شديد : أعتبريني أمك وأسمعي نصيحتي ، أحيانًا نص الخلافات تنحل من العلاقة الزوجية .. أقصد يعني.. أنتِ فاهمتني صح ؟
الجوهرة دُون أن تنظر إليْها هزت رأسُها بالإيجاب
حصَّة أكملت : بالنهاية هو رجَّال وأكيد له رغباته ، لاتخلينه يبعد عنك وبعدها يدوِّر عند غيرك ، عند اللي تشبع رغباته وتخسرينه ، الحُب مهم لكن العلاقة اللي بينكم أهم ، الحُب لازم تترجمه هالعلاقة ! إذا ماترجمته ماراح يفيد الحُب والإحترام المتبادل ! صحيح أهم شي العشرة وبيننا إحترام لكن بعد لازم العلاقة تكون في أحسن حالاتها .. هو قالك عن سعاد ؟
الجُوهرة رفعت عينها : لأ سألته مرَّة وعصب .. بس أدري أنه زوجته
حصَّة : سعاد الله يرحمها كـ . .

،

يشعرُ بأن النوم يهربُ منه من ضخامة ما يُفكر به ، كلامُ أخيه أوجعه ، جعل عقله يتوقف عن التفكير ، كيف يعترف أمامه بهذه الدناءة ؟ كيف يقهره ؟ شعر بأن العالم كله يتوقف أمامه و أن هذا الكون يعلقُ في حنجرته ، شعَر بأن الحياة هُنا تقف وهُنا تنتهي.
تُركي الذي من لحمِي ودمي يغدرني هكذا !! يالله يالله يالله ثلاثًا على ما يحصُل فينا ، يالله كيف تجرأ ؟ كيف تجرأ على إنتهاكِ حدُود الله !! يارب لا تخسف بنا أرضك بشرِ أعمال عبادِك. تُركي المُصلي الصائِم يفعل هذا ماذا بقي لغيره ؟ كيف مرَّت هذه الـ 7 سنوات دُون أن أشك للحظة بما حدث !! يالله أعفُ عنِي إني أبُوء لك بذنبِ تقصيري بتربية أماناتِك ، يالله أرحمنا من فتن هذه الدُنيا. وددتُ لو أقتله ولا أسمع ما قال. لو أنّني تخيلتُ عن إيماني للحظة وقتلته ولكن خشيْت ، خشيْت عذابٌ من ربٍ عظيم. ولكن يا تُركِي أني أبرأ نفسِي منك ، لا أعرفُ أخًا يغدُر بيْ. لا أعرفُ أبدًا و جزاءُك عند الله أما أنا فأني نفضتُ يدايْ منك. و رُغم رفضي في البدء من أن سلطان يجدك قبلِي ولكن الآن أنا راضٍ تمامًا بأن يفعل بك سلطان ما شاء وحتى لو سلَّمك وجلب الفضيحة لنا أنا عنك لستُ مسؤول ولكنِي أثق بأن سلطان لن يذهبُ بك إلى الشرطة هكذا ، رُبما يجد طريقة بأن يسجنك أو غيرها فهذا لا يهُمني ، ما يهُمني كيف غدرتني يا أخي يا إبن أمي وأبي ؟
قاطعهُ صوتها : ماهو من عادتِك تنام هالوقت ؟
ألتفت لزوجته ، لايُريد أن يتخيَّل لو أنها تعرفُ بالموضوع ! أن إبنتها التي تفهمُ سرّ نظراتها فشلت بأن تُفكِك شفراتها ، لا يعرفُ كيف ستنام لو أنها تعرف ! كيف ستستوعب أنَّ تُركي الذِي أصبح كإبنها هو خائِن وغدرها في إبنتها ؟ والله هو لا يكادُ يستوعب كيف قلبُ الأم ؟ أخشى عليك من الموت في حسرتك لو تعلمين ما يحدثُ بإبنتك.

،

أكتئب من هذه الأجواء التي يُمسي عليها و يُصبح بها ، من الإتصالات الكثيرة ، الأصوات الصاخبة المُزعجة ، التخطيطات الغبية السخيفة ، الأشياء العظيمة التي يتناقلونها ، القتل و التهريب ، التفاصيل المروِّعة التي تتناقلُ بين أفواههم ، تنهَّد بعُمق ليجذبُ انظار والده إليْه و بنبرةٍ ساخرة :أرسم ماعلى أخلص
فارس إبتسم ليُجاريه بالشماتة : حالف أني ماأرسم غيرك
رائِد : بالله !! طيب يا حبيبي
فارِس : جد طفشت ، ممكن أطلع أتمشى شويْ
رائِد : وش يخليني أثق أنك بترجع ؟
فارِس بسُخرية : ركِّب لي جهاز تتبع
رائِد : ههههههههههههههههههههههههه تعال .. عاد أنا آخذ هالأمور بجدية
فارس أقترب منه ليُخرج من درجه قطعةٌ سوداء ، وضعها على ذراعه ليصرخ فارس بألم لأن مسمارًا صغيرًا نسيَهُ ألتصق بجلدِه.
بانت الكدمةُ على ذراعه ليتقاطرُ الدمُ منها.
رائِد عقد حاجبيْه وبنبرةٍ حانية : بسم الله عليك
فارس سحب ذراعه وبغضب : خلاص ماني رايح بلصق فيك
رائِد أبتسم : خلاص روح ولا تزعل .. بس قبل الساعة 9 أنت هنا
فارس بقهر سحب معطفه وخرج من الشقـة التي تصخبُ بأقدام الخارجين و الداخلين.
تنفس بعُمق عندما خرج من العمارة بأكملها ، وبتنفسه يخرجُ البياضُ من بين شفتيْه ، أدخل يداه بجيُوبه وهو يتأملُ الطريق ، على بُعدٍ قليل تسكنُ عبير ، سيعبرُ هذا الشارع و من ثم الشارع الآخر ليلتف يمينًا و يدخلُ في تلك المنطقة المُزعجة التي في زاويتها الفندق ذاك. ليس بعيدًا أبدًا ، أخرج هاتفه وهو يعرف تماما أنَّ والده يُراقبه عن طريق هذه الجوال.
أتجه قليلاً لإحدى المحلات ليُطفىء هاتفه ويُصبح آخر تحديثاته في هذه المنطقة ، لاتُوجد حيلة للهرب من أعين والده المنتشرة في كل مكان إلا هذه الحيلة. يشعرُ حتى الجُدران تُخبر والده بخطواته.

،

أشترت أثير من الكعك الفرنسِي المشهُور وأفكارُها لا يمرُها سوَى أن تُراضيه. بالنهاية هي قادرة أن تُقنع عبدالعزيز بوجهات نظرها ، أنا أثقُ بقدراتِي بإرضاءه ، سارت حتى ألتقت عيناها بها ، رمشت كثيرًا بل أكثر من كثيرًا ، تسارعت نبضاتها وهي تتمتم : أستغفر الله .... سبحان اللي يخلق من الشبه أربعين .. أبتعدت عن هذا الطريق بعد نظراتِ تلك الغريبة التي تُشبه غادة ، سارت بخطواتٍ سريعة للعمارة التي تعشقها وكيف لا تعشقها وشقته بالطابق الرابع حيثُ حبيبها.
في جهةٍ أخرى تسللت للخرُوج بعد أن رأت أن الجميع غرق في نومه و والدها بالتأكيد مع عبدالعزيز ولن يرجع باكِرًا ، أخذت جاكيتها وخرجتْ بهاتفها دُون حقيبتها ، خرجت من الفُندق وبمثل اللحظة دخل والدها من الباب الآخر ، لو تأخرت قليلاً لرآها وهي خارجة من المصعد الكهربائي.
رتِيل تنهَّدت من برودة الأجواء ، لتُدخل يديْها في معطفها وتسيرُ بجانب الفندق و عينها أمتدَّت للعمارة التي في نهاية الشارع ، " أكيد إلى الآن ما سكنت عنده !! " . . . أكملت سيرها و . . . .

.
.

أنتهى +

إن شاء الله يروق لكم البارتين ويكونون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.

و اللهم أرحم أمواتنا وأمواتِ المُسلمين :" +

+ و أيضًا لا ننسى عظمة الإستغفار.
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.

لمحت في شفتيها طيف مقبرتي .. تروي الحكايات ان الثغر معصيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن