Part 78

72.3K 483 133
                                    

     

-

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()


رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (78 )

المدخل لفاروق جويدَة :

لا تذكري الأمس إني عشتُ أخفيه.. إن يَغفر القلبَ.. جرحي من يداويه.
قلبي وعيناكِ والأيام بينهما.. دربٌ طويلٌ تعبنا من مآسيه..
إن يخفقِ القلب كيف العمر نرجعه.. كل الذي مات فينا.. كيف نحييه..
الشوق درب طويل عشت أسلكه.. ثم انتهى الدرب وارتاحت أغانيه..
جئنا إلى الدرب والأفراح تحملنا.. واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه..
مازلتُ أعرف أن الشوق معصيتي.. والعشق والله ذنب لستُ أخفيه..
قلبي الذي لم يزل طفلاً يعاتبني.. كيف انقضى العيد.. وانقضت لياليه..
يا فرحة لم تزل كالطيف تُسكرني.. كيف انتهى الحلم بالأحزان والتيه..
حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا.. عدنا إلى الحزن يدمينا.. ونُدميه..
مازال ثوب المنى بالضوء يخدعني.. قد يُصبح الكهل طفلاً في أمانيه..
أشتاق في الليل عطراً منكِ يبعثني.. ولتسألي العطر كيف البعد يشقيه..
ولتسألي الليل هل نامت جوانحه.. ما عاد يغفو ودمعي في مآقيه..
يا فارس العشق هل في الحب مغفرة.. حطمتَ صرح الهوى والآن تبكيه..
الحب كالعمر يسري في جوانحنا.. حتى إذا ما مضى.. لا شيء يبقيه..
عاتبت قلبي كثيراً كيف تذكرها.. وعُمرُكَ الغضّ بين اليأس تُلقيه..
في كل يوم تُعيد الأمس في ملل.. قد يبرأ الجرح.. والتذكار يحييه..
إن تُرجعي العمر هذا القلب أعرفه.. مازلتِ والله نبضاً حائراً فيه..
أشتاق ذنبي ففي عينيكِ مغفرتي.. يا ذنب عمري.. ويا أنقى لياليه..
ماذا يفيد الأسى أدمنتُ معصيتي.. لا الصفح يجدي.. ولا الغفران أبغيه..
إني أرى العمر في عينيكِ مغفرة.. قد ضل قلبي فقولي.. كيف أهديه

بالنسبَة لموعِد النهايـة، إن شاء الله أن البارت الأخير راح يكون بتاريخ 25 أبرِيل يوم الخميس بإذن الله الساعة 8 بليل أبغى الكل يكون مجتمع عشان نختمها على خير مع بعض :$
هذا يعني أننا راح نتوقف الأسابيع الجايَة لأن النهاية ماراح تكون بارت وبس؟ بتكون أكثر من بارت بإذن الله.
نقدر نقول أنه هذا البارت قبل الأخير ، + قراءة ممتعة .

نزلت للطابق الأول بتعبٍ وإرهاق، لم تأكل شيئًا طيلة الأمس، وضعت يدَها على بطنها إثر الإضطرابات التي تشعرُ بها، تنهدَت بعُمق " يا رب " إتجهت ناحية المطبخ لترتَد إلى الجدار حتى ضربت ظهرها بقوَة بلا تفكير، شهقت من الذي تراهُ أمامها لتسقُط يدَها من على بطنها، نظرت إلى عينيْه بملامحٍ شاحبَة تفقدُ " الحياة "، في جهةٍ مُقابلة لها كانت عينيْه تلمعُ بالرجاء، كانت عينيْه أقسى من المُقابلة بوضوح.
تُركِي بهمس : الجوهرة
الجوهرة هزَت رأسها برفضِ ما تراه/الحقيقة، أعتلت يدَاها لتصِل لأذنيْها، هذا الصوتُ يؤذيني يالله، هذه النبرة " خطيئة " كيف أتجاوزها؟ تتكسَر الحياة يالله ولا يُرممَها في عيني أحدًا، أُريد دفن ما حدث بالماضي ولكنني لا أنساه، ثمَة شقاء لا يُفارقني يبدأُ بمن يُقابلني الآن، الخيبات تُفقدني ذاتي، تهزَ الساكن في يساري، كانت المرَة الأولى لكَ يا تُركي، والمرةِ الثانية فقدتني تمامًا عندما تخلَى عني سلطان، أنا أموت! أمُوت من حرقة صدرِي وبُكاءي.
تُركي دون أن يقترب منها، أبتعد للخلف أكثر، أضاءت محاجره بالدمع، رفعت عينيْها إليه لتُردَد بتكرارٍ موجع : أكرهك . . . أكرهك . . . أكره إسم العايلة اللي تجمعني فيك . .
تُركي برجاء يُقاطعها : لا تسوين كِذا
الجوهرة بصراخ أستنزف صوتها حتى جفَ بالبحَة : الله يحرقِك بناره . . الله يحرقك وينتقم لي منك
تُركي سقطت دمعته بضيق صوته : لا تدعين ..
الجوهرة ببكاء صرخت : يبـــــــه . . .
تُركي بتوسَل : الجُوهرة
الجُوهرة بإنهيار وضعت يدها على بطنها لتضغط بقوَة من صرخة الـ " آه " التي ضجَت أركان البيت.
تُركي سقط بنهرِ دمعه على " آهٍ " موجعة من بين شفتيْها : آسف
الجُوهرة بدمعِها المالح المضطرب : وش ترجَع لي آسف؟ بترجَع حياتي؟ بترجَعني لنفسي؟ . . وش تهمَني آسف؟
تُركي : آسف لأني حبيتك أكثر من أيَ شي ثاني
الجوهرة بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا بضبابِ رؤيتها : ما أنتظرت منك شي! ما أنتظرتِك تعتذرلي، مين تكون عشان أنتظر إعتذاره؟
تُركي : ما أبي أأذيك والله ما أبي أضرَك
الجُوهرة : وش بقى ما ضرَيتني فيه؟ . . يكفي! يكفي تكذب على نفسِك وتحاول تكذب عليَ!!!
تُركي : بس أنا . . .
تُقاطعه : منك لله
أرتفع صدرها بخشوعِ بكاءها ليهبِط بِوجَع، غصَت بالدمع لتتراجع بخُطاها للخلف، تجاهلت كل ألامِ بطنها، تجاهلت " الروح " التي تسكنُ رحمَها لتهرول سريعًا صاعدة الدرج، دخلت غرفتها لتغلقها أكثر من مرَة وهي تلفَ المفتاح بطريقةٍ مبعثرة، وضعت يدَها على صدرها لتبكِي بأنينٍ يؤذِي كل من يسمعها،
لا أتوهَم! عاد ليُحرق ما تبقى مني، كيف أعيش بين هذه الجُدران وهو ينظرُ إلى نفس السقف؟ أنا التي أنتقمتُ منك في البكَاء لله، كيف أتعايشُ معك؟ لو تعلم كيف حُزنِي لا يُغادرني وأنَك سببه، لو تعلَم بأن الحياة فلتت من يدِي لأنك / عمي، لم أكُون عروس لسلطان كما ينبغِي ولم أكن صبيَة لأبي كما يفترض، دائِمًا ما كان شعُور الفُقد يواجهني، فقدتُ قدرتي على الثرثرة طويلاً، السهر حتى الصباح بضحكاتٍ لا تنتهي، الجنُون الذي يعرفـهُ بحر الشرقيَة وشاطئها، فقدتُ قدرتِي تمامًا على العيش كصبيَة هواها شرقِي.
في جهةٍ أخرى، وقفت بتوتر : إلا صرخت! سمعتها يا عبدالمحسن والله
عبدالمحسن هرول سريعًا خارجًا من غرفته، إتجه ناحية غرفتها، طرق الباب ليصِل إليه بكاءها : يبه الجوهرة أفتحي الباب! . . . الجوهرة . . .
والدتها : الجوهرة تكفين أفتحي لا تخوفينا . . .
وقفت لتفقد سيطرتها على خُطاها، أضطربت حتى وقعت بشدَة على الأرض، وصَل صوتُ وقوعها إلى قلوبهم التي أرتجفت قبل أسماعهم، عبدالمحسن صرخ : الجوهـــرة!!!!! . . . . . أبتعد للخلف ليدفع بجسدِه ناحية الباب، كرر الحركة حتى أنفتح الباب وضرب بجسدِها مرةً أخرى، جلست والدتها سريعًا بجانبها، مسحت على وجهها : الجوهرة . . حبيبتي
عبدالمحسن بضيق يُبلل يديْه بالمياه الباردة ليمسح على ملامحها الشاحبَة، عقد حاجبيْه : يبه الجوهرة . . . بسم الله الذي لا يضر مع إسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم . . . الجوهرة
تقدَم ريَان بخُطاه ليتجمَد أمام المنظر، وقف والدِه ليُردف : بشيلها . . . أنحنى ليتصلَب ظهره عندما وضع يدِه خلف ركبتيْها وتبللت بالدماء، والدتها بخوف إرتجفت شفتيْها : تنزف ؟
عبدالمحسن إلتفت لينظر لريَان : جهَز السيارة بسرعة . . . . ركض ريَان نحو جناحه، خرجت ريم من الحمَام وهي تُخلخل شعرها المبلل بأصابعها، نظرت إليه بإستغراب دُون أن تنطق بشيء وهي تُراقب خروجه المرتبك، سحبت مشبك الشعَر لترفع به خصلاتها، خرجت لتُصادف أفنان : وش صاير؟
أفنان بملامحٍ متوترة : الجوهرة أغمى عليها
ريم : بسم الله عليها ما تشوف شر . . يمكن عشانها ما كلت شي!
أفنان بضيق جلست على الكرسي : الله يستر لا يصير فيها شي ولا اللي في بطنها
ريم : لا تفاولين عليها! إن شاء الله مو صاير شي! تلقينه عشان قلة الأكل . . . . تنهدَت لتنزل للأسفَل، إتجهت ناحية المطبخ لتأتِ بكأس ماء لأفنان، مشَت بخُطى ناعمة هادئة وهي تغرق بتفكيرها، فتحت الثلاجة لتقف متجمدَة في مكانها وهي تستنشق رائحة العطر الرجاليَة الصاخبة، بلعت ريقها المرتجف لتلتفت، بصوتٍ مهتَز : آتـِي . .
دخلت الخادمة إلى المطبخ بعينيْها الناعِسة : هلا ماما
ريم : فيه أحد جا اليوم؟
آتي : أنا الحين فيه يصحى
ريم أخذت نفس عميق وهي تُخمَن صاحب هذه الرائحة، ليس ريَان بالطبع ولا والِده، سكبت نصف قارورة الماء في الكأس لتقترب من النافذة طلَت على الفناء الخارجي للمنزل وأفكارها تتبعثَر من إغماءة الجوهرة و صاحب هذه الرائحة.
صعدت لأفنان، مدَت لها الكأس : أشربي
أفنان : شكرا
ريم : العفو . . . أفنان بسألك وين طاحت الجوهرة؟ بالمطبخ؟
أفنان عقدت حاجبيْها : لا، بغرفتها
ريم : يعني ما نزلت ؟
أفنان : لا ما أتوقع! أكيد ما كان فيها حيل تنزل
ريم : توَ شمَيت عطر رجالي بالمطبخ وقلت يمكن سلطان جاء أو . . مدري
أفنان : سلطان!!! مستحيل وش يجيبه! وبالمطبخ بعد . . يمكن ريَان
ريم استسلمت من التخمينات لتتنهَد : عسى أحد بس يطمنَا

،

الدكتور : إحنا سوينا اللي علينا حاولنا أننا نعوَض فقدانه للدم، لكن نزف كثير
منصور بضيق : يعني؟
الدكتور : الأمر بيد الله، تعرَض قلبه لمضاعفات كثيرة أثناء العملية، راح ننقله للعناية المركَزة و أسأل الله أن يشفيه
عبدالله : اللهم آمين . . شكرا يا دكتور
الدكتور : العفو واجبنا . . . تركهم بضجَة قلقهم و حُزنهم.
منصور إلتفت : وش نسوي الحين؟ كيف نقولهم؟
والده تنهَد : أنا رايح لهيفا . . الله يعين أميمته كيف بنقولها
منصور عاد للمقاعِد، جلس ليرفع عينه لوالده : أنا بجلس عندَه أخاف يصير شي . . على الأقل يكون أحد موجود
والده يربت على كتفِه : ولا تنسى تطمَني . . . فمان الله . . . خرج متنهدَا بحزنه.
يشحذُ القوَة من خُطى ذابلة على طريقٍ لا تهواه ساقه، رفع عينه لسماء الرياض المُشرِقة و السكُون يحفَها في ساعات الصباح الأولى، يالله لا تُفجعنا به وصبَر قلب والدته، يالله لا تفجعها به.
في جهةٍ بعيدة بدأت بالقفز وضحكاتها يُرَد صداها، نظرت ليوسف لتتسع إبتسامتها : يُو يُو
إبتسم يوسف لها ليمَد يدِه و هيفاء نائمة عليه، همس : تعالي
ريف ركضت نحوه لتُقبَل خده : ما جيت زمان !!
يوسف : هذا أنا أشتقت لك وجيتك وكنا ننتظرك تصحين أنا وهيفا بس هي نامت وخلتني
ريف : بروح أصحَي فيصل وأنت صحَي هيفا
يوسف : فيصل صحَى وراح لشغله وبيجينا . . قولي لماما أني موجود هنا
ريف إبتسمت لتركض بخُطاها نحو الأعلى : ماما . . . ماما . . . دخلت عليها لتجلس بجانبها على السجَادة، تنظرُ إليها بطريقة تأمليَة، سلَمت والدتها من صلاة الضحى : صحى فيصل وهيفا ؟
ريف : لا يو يو جاء
والدتها بحرج : ريف كم مرة أقولك عيب تقولين يويو !! إسمه خالي يوسف
ريف بضحكة عميقة أرغمت والدتها على الإبتسامة : أنا مو عيب حتى هو يقول
والدتها : يعني عادِي تقولين لفيصل فوفو
ريف ضحكت لتُردف : لا فوفو حق بنات بس هو صديقي
والدتها : طيب الكلام معاك ضايع . . . هو وينه؟
ريف : جالس تحت و هيفا نايمة
والدتها بإستغراب : نايمة تحت؟
ريف هزَت رأسها بالإيجاب لتُردف والدتها : وفيصل؟
ريف : راح
والدتها تنهدَت لتقف، نزعت جلالها لتمدَه لريف التي رتبته بطريقةٍ سريعة ووضعته فوق السجادة، إبتسمت والدتها : عفيَة على بنتي . . . خلينا ننزل أكيد الشغالة ما حطَت لهم شي
ريف تمدَ يديْها بإتساع : بنسوي كيكة كِذا كُبرها
والدتها : نسوَي كيك ليه ما نسوي! تآمر بنت القايد
نزلت للأسفل لتتجه للمطبخ بخفُوت، عادت ريف إلى يوسف : ماما بتسوي لنا كيكة كبييرة . . أنا قلت لها
يوسف بإبتسامة تُناقض وجهه المُتعب من السهر : شكرا كبيرة
ريف جلست بجانبه لتمَد يدها الصغيرة على جبين هيفاء : هيَا تعبانه؟
يوسف بلع ريقه بتوتر : ريف . . ممكن تجيبين لي مويا
ريف وقفت : طيب . . .
بمُجرد أن غابت ريف عن عينه، همس : هيفا . . هيفا أصحي
فتحت عينيْها على ملامحه، ثواني حتى تستوعب لتفَز وتجلس : أتصلوا؟
يوسف : لا . . . صحت ريف وأم فيصل . . مو زين تشوفك كِذا وتنفجع بولدها .. قوَي نفسك شويَ
أتت ريف لتمَد كأس المياه بعينيْن مستغربتيْن من حال هيفاء المبعثر وعينيْها التي تُحيطها هالة من السواد بسبب البكاء/الكحل.
أخذ الكأس ليمدَه لهيفاء : أشربي . .
شربت القليل منه ولحظة وقوع عيناها بعينيَ ريف بكَت محاجرُها، يوسف برجاء : هيفا
ريف : ننادي فيصل عشان ما تبكين ؟
أخفضت رأسها لتُغطي ملامحها بيديْها وهي تجهشُ بالبكاء من إسمِه الذي يعبرُ لسانها ببراءة، أنقبض قلبُها بشدَة الإسمِ الذي تفقدُ صاحبه، كان سهلاً علينا يالله لولا هذه الأسماء التي تُبعثرنا، التي تُطيل الوجَع في قلوبنا كلما مرَت أمامنا، مقطعُ إسمِك في هذه اللحظاتِ / ألم لا أَقدِر على ضمادِه.
كيف نمنعُ إسمك من العبور أمامنا بهذه الصورة المؤذية؟ كيف نُسكِت الحناجر من نطقه؟ لو تعلم يا فيصَل كيف يضطربُ بنا الحال بمُجرد أن تغفو عيناك بمرضٍ نجهله! لو تعلم فقط أننا نشتاقُك الآن ولا نحتملُ غيابك، حتى ريف يا فيصِل تُريدك بطريقةٍ ما، تُناديك بطريقتها، أحتاجُك " عشان ما أبكي ".
تنهَد يوسف : لا حول ولا قوة الا بالله . . .
ريف تجعَد جبينها الناعم بإستغراب : يويو . .
يوسف رفع عينه إليها : هيفا تعبانة شويَ عشان كِذا تبكي . . صح هيفا؟
فقدت قدرتها على الحديث وهي لا تنظرُ لشيءٍ سوى البكاء المُضببَ لرؤيتها.
ريف جلست بجانبها لتدمع عينيْها : قولها لا تبكِي! . .
يوسف مدَ ذراعهُ خلف كتفيْها ليسحبها إليْه، حاول أن يمتَص هذا الحُزن بعناقه، همس : أشششش! خلاص قطَعتي قلبي معك . .
ريف التي لم تفهم معنى الكلمة جيدًا نطقت : توجع قلبهم صح ؟
يوسف بإبتسامة : لا الحين هيفا بتقوم وتمسح دموعها و تساعد ماما بعد . .
وقف ليمدَ يدِه إلى هيفاء : قومي معي غسلِي وجهك من هالبكِي
مسكت يدِه ليشدَ عليها ويوقفها، توجه معها للمغاسل التي أمامهم، أتكئ على الجدار لينظر إليها وهي تُبلل ملامحها بالمياه الباردة : لا تسوين في نفسك كِذا! هالبكِي ماراح يعيد له صحته ولا عافيته!! تعوَذي من الشيطان ولا تنهارين وتفجعين أمه الحين . . . خلَيك قوية مثل ما أعرفك . . يالله يا هيوف لا تضيَقين صدري عليك
هيفاء أخذت نفس عميق : طيب
يوسف إقترب منها ليُقبَل جبينها : الله يصبَرك ويشفيه . . . روحي لأمه ومهدَي لها الموضوع . . وأنا بجلس مع ريف
أخذت خصلة واحِدة لتربط بها بقية شعرها، إتجهت ناحيَة المطبخ، رفعت أم فيصل عينها بإبتسامة سُرعان ما تلاشت عندما رأت ملامحها الشاحبة ومحاجرها المحمَرة، تقدَمت إليها وبردة فعل إنفعالية: بسم الله عليك . . وش فيك؟ صاير لك شي؟ مضايقك فيصل بشي؟ لا يكون قالك كلمة من هنا ولا هناك وتحسسَتي منها؟ توَ ريف تقولي أنه راح لشغله! أكيد مضايقك! أسمعيني هيفا يا يمه تلقين فيصل ما يقصد، خليه يرجع وأعطيه كلمتين بالعظم أخليه يعتذر لك! كل شي ولا زعلك يا بنت عبدالله . .
هيفاء بمُقاطعة تسقطُ دموعها مرةً اخرى : لا يا خالتي مو كِذا! . .
أم فيصل : أجل؟ وش مسوي فيك؟
هيفاء : خالتي إجلسي شويَ . . . جلست على كُرسي طاولة الطعام البسيطة التي تتوسَط المطبخ، ضغطت هيفاء على يداها وهي تجلسُ على الأرضِ حتى تُحدَثها، شحذت نبرتها كي تتزن : أمس حصَل حادث وما بغينا نخوَفك لأنه . .
أم فيصل : حادث أيش؟
هيفاء بتوتر عميق تأتأت، فقدت زمام الكلمات و تبعثرَت تمامًا.
أم فيصل : تكلَمي! وش صار؟ . . فيصل فيه شي
هيفاء بغصَة تُضيَق على صوتها : آآ . . إن شاء الله مافيه الا كل خير
أم فيصل بنظراتٍ خافتة تترقب : ماني فاهمة شي . . ولدي فيه شي يا هيفا؟
هيفاء أخذت نفس عميق : بالمستشفى . .
صمتتْ، سكنَت حواسَها بعينيَ أثقلها الدمع، نظرت لملامح هيفاء الشاحبَـة/الباكيـة، ليزداد دمعُها توهجًا في محاجرها، يتحركُ عنقها بإنحناءٍ بسيط تسقطُ به دمعةً الأم التي يهزمها تعبُ أحد أبناءها.
قلبي يرتجف! لا أريد أن أفقد رائحة إبني ولا صوتُه ولا ضحكةِ شفاهِه، أسألُك يالله قلبًا قويًا يحتملُ هذا البكاء في صدرِي، قلبًا قويًا لا يكسرُه تعبُ فيصل.
هيفاء أخفضت رأسها ليُلامس جبينها ركبتيَ أم فيصَل، بعينيَ تائهة وضعت يدها على رأس هيفاء، تمامًا مثل ما وضعتهُ قبل مدَة على رأسه عندما توسَل إليْها أن تُسامحه، مازال صوتُه يضجَ بيْ " والله يا يمه تكسرني دموعك "، يا فيصل أنت من يكسرني والله ويكسرُ قلبي بتعبِه، يا حبيبي أنتْ.
همست : مين عنده ؟
رفعت عينها : منصور و أبويْ
أم فيصَل رفعت نظرُها للأعلى حتى تتمالك سيطرتها على الدمع المندفع : بروح له . . وقفت لتُردد في نفسِها " لا حول ولا قوة الا بالله " ، تبعتها هيفاء لتُناديها بأكثر النداءاتِ حميمية : يمَه . . أنتظري
توقفت عن السير، جلست على الكُرسي لتنحنِي وهي تشدَ على شفتيْها حتى لا تبكِي، تقدَمت إليْها هيفاء : بشُوف يوسف عشان يكلَمهم . . رحلت عنها لتظهر شهقاتها المتتاليَة ببكاءٍ عميق، غرزت أصابعها على ركبتيْها وهي تحاول أن تتماسَك، بصوتٍ يكسرُه الحزن : يا رب لا تُفجعنا به . . يا رب رحمتِك بعبادِك الذين شهدُوا لك بالوحدانيَة والألوهيَة . . .
وصَل صوتُ الجرس مداه ليقف يوسف : أكيد أبويَ تو مكلمني . .
هيفاء تنهدَت لتتبع يوسف، وقفت عند الباب الداخلِي لتُراقب بعينيْها يوسف وهو يفتح الباب الخارجِي، تقدَم إليه والده : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . منصور جلس عنده ؟
والده : إيه . . رفع عينه ليُقابل بنظراته إبنته، أقترب بخُطاه إليها ليمدَ يديْه إليه، عانقها وهو يقبَل رأسها : تعوَذي من الشيطان وأحمدِي الله ما صار له شي كايد! الحمدلله على كل حال . . أنتهت عمليته قبل ساعة تقريبًا و دخلُوه العنايَة المركَزة . . لكن حالته بإذن الله أنها تطمَن
يوسف من خلفه : الحمدلله . .
هيفاء بنبرةٍ مبحوحة : الحمدلله . . طيب يبه ما نقدر نشوفه؟
والدِه : ما راح تستفيدين شي! بس يقوم بالسلامة تجينه
هيفاء : حتى أمه تبي تشوفه
والده أبعدها ليمسح دمعها بأصابعه : خلَيك معها ولا تتركينها لحظة، هي أكيد تحتاج لك وأنا أبوك . . وبس تستقر حالته أخليكم تروحون له . . هو ما يحتاج الا دعواتكم وتطمَني يا عيني


،

" واللهِ لأتخيَلُكِ حتى تكُوني واقعًا
. . . / لا مفَر منه
يا فداء العُمرِ! ما سبقِكِ لم يكُن . . من العُمر
لأجلكِ يا غادة!
كيف أُسأل لِمَ الحُب؟
وهل تُسأل السمَاء لِمَ المطر؟ . . فطرتُنا عيناكِ
يا من تسألين عن القلب! عجبٌ سؤال الذاتِ عن الذاتِ "

إبتسمْ بعد أن طالت عينيْه النظرُ إلى شفتيْه التي تنطُق بكل حُب لأخته، رفع عينِه : ما يحتاج تتخيَل هي واقعك أصلاً
غادة ضحكت لتحمَر وجنتيْها، عضَت على شفتها السفليَة وبخفُوت : ليه تقولها قدامه؟
عبدالعزيز يشربُ من كأس العصير ليُردف دُون أن ينظر إليها ويزيدُ من حرجها : عقبال ما تكتب فيني
ناصِر بضحكة : يقُولِك نحنُ لم نصبح شعراء الا من أجلِ ما فعلتهُ بنا النساء
عبدالعزيز : مِيغْفِيَوُ! (عجيب/مذهلmerveilleux = )
غادَة وقفت : أنا مضطرة أروح! عندي كلاس بعد نص ساعة . . فمان الله
عبدالعزيز رفع حاجبه : كلاس!! . . . أسند ظهرِه على الكرسي لينظر إليْها بخبث . . . طيب
ابتعدت لتخرُج وهي تمَر بجانب النافذة التي يجلسُون بالقرب منها، نظرت إليهما بإزرداء/غضب . . لتختفي من أمامهم.
ناصِر : عصَبت!
عبدالعزيز : خواتي فيهم طبع غريب! إذا هاوشتهم ضحكوا وإذا تغزلت فيهم عصبَوا! . . وش ذا الجينات الغريبة!!
ناصِر إبتسم : ما تعصَب إذا تغزلت فيها لكن قدام أحد تتوتر وتعصَب! مو قلت لِك خلنا بس لحالنا دقيقة
عبدالعزيز : دقيقة بعدين تصير ربع ساعة بعدين تصير ساعة بعدين تصير يوم كامل بعدين تدق عليَ معليش عبدالعزيز أقابلك بكرا !
ناصِر : والله يا عبدالعزيز صاير بس تتحلطم على الرايحة والجايَة! خلنا نزوَجك
عبدالعزيز غرق بضحكتِه ليُردف : دوَر لي فرنسية شقرا ويفضَل إنها تكون من الريف! أحب الغين حقتهم! تعرف أبي أتمرَس الحب صح على إيدهم
ناصر : تتطنَز ؟
عبدالعزيز : أمزح! . . خلينا الحُب لك
ناصر : ماش! ماعندك أفكار مستقبلية
عبدالعزيز بنبرةٍ جديَة : لازم أحب عشان أفكر بمستقبلي!! خلها تجي بنت الحلال ويصير خير
ناصر : أحيانًا أشك إنك تحبَ أحد وماتقولي!
عبدالعزيز بضحكة صاخبة : إيه هيَن! . . لو احب ما قابلت وجهك رحت خطبتها وتزوجتها ثاني يوم بعد!!
ناصِر : ما تتعطَل! وأنا مخليني أنتظرها لين تتخرج بس بنات الناس عادي تتزوَجهم متى ماتبي
عبدالعزيز بإستفزاز : إيه طلع اللي بقلبك! والله عاد هذي مو رغبتي . . رغبتها ورغبة أبوي،
ناصر : بس أنت أخوها وتقدر تقنعها مير أنت عاجبك الوضع وجايز لك
عبدالعزيز : ليه مستعجل؟
ناصر بجديَة عقد حاجبيْه : صرت أخاف ما يجي ذا اليوم من كثر ما نأجل فيه!!
عبدالعزيز تنهَد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه!! ليه أفكارك صايرة كئيبة
ناصر إقترب منه وبصوتٍ خافت : ذاك اليوم جتني غادة وتبكي تقول حلمانة وخايفة
عبدالعزيز : حلمانة بإيش؟
ناصر : عيَت لا تقولي التفاصيل! بس صرت أفكَر أنه هالتأجيل يضرَنا، ما تحس إنه هذي إشارة لنا عشان نعجَل بالزواج
عبدالعزيز صمت قليلاً حتى نطق : بكلَم أبويْ
ناصر : على الأقل في عيد الفطر
عبدالعزيز إبتسم : خلاص أبشر اليوم بقنعه بدل ما تنتظر سنة ثانية نخليها في العيد!!

أستيقظ بتعرَق جبينِه من ذِكرى تعبثُ بعقله/قلبه، نظر للسقف الذي يجهلُه حتى إلتقت عيناهُ بعينيْه، أستعدَل بجلستِه ليتأمل المكان الذي يحاصره، يبدُو و لوهلة بيتٌ مهجور لا يسكنه أحدًا منذُ سنوات، أثاث رثَ و تلفاز مكسور، و بابٍ من حديد ملطَخ بالكتابات، أبتعد عبدالعزيز عنه بعد أن أيقظه من هذيانِه، تنهَد وهو يقف.
ناصِر عقد حاجبيْه : وين إحنا فيه ؟
عبدالعزيز بحدَة يضع يدِه خلف رقبته مكان جرحه الذي يشتعلُ بحرارته : وأنا أدري عن شي؟
ناصِر أخفض نظره للأرض وهو لا يوَد أن يدخل بجِدالٍ معه.
ليتني لم أقولها يا عزيز! كان أسوأ عيدٍ شهدتهُ عينايَ، و أولِ عيدٍ لم يلحقهُ فرح، ليتني بقيْت على موعِدنا السابق الذي كُنَا نعدَ الأيام له، ولكنني تلهفتُ إليْها، للمكان الذي سيجمعنا، عجَلتُ بموعِدنا حتى تبعثر كل شيء، ضاعت منِي، حاولتُ أن أحفظها ولكنها ضاعت! نحنُ الشعراء أيضًا نترك شِعرنا من اجلِ ما فعلتهُ بنا من تُغني عن كل النساء، منذُ ليلة الحادث وأنا لا أعرفُ أن أكتب بجديَةٍ توازي الكلمات، كنت أظنَها مُزحة والله، كنت أظنَ ليلة عرسنا حدثٌ لا يحتمل النسيان، ولكنها نسيتِه و تهدَم فوق قلبي.
عبدالعزيز جلس على كرسي الخشب المتآكل لينحني بظهره ويضع رأسه بين يديْه، يشعرُ بحرقَةٍ تصل لأقصى مدى في جسدِه، وقف مرةً أخرى ليركل الكرسي ويُكسره بقدمِه، ضرب رأسه بقوة على الجِدار وهو لا يحتملُ هذا الغضب الذي يتصاعدُ به، سكَن جسدِه ليُلاصق جبينه الجدَار و جرحٌ ينزف من جديد لا يُبالي به.
ناصِر وقف ليقترب منه : عبدالعزيز
عبدالعزيز دُون أن يلتفت عليه، تصادم فكيَه من شدَة التوتر : مكتُوب عليَ الشقا طول عُمري! لحد يقولي أنت اللي ماتبي تكمَل حياتِك عُقب أهلك! حياتي هي اللي ماتبيني عُقبهم!!!
ناصِر بلع ريقه من الحال الذي وصَل إليه عزيز، جنَ جنُونِه فعليًا.
إلتفت عليه بعينيَ تبحرُ بحُمرةِ دماءها : بس والله ماراح أتركهم! راح انهيهم واحد واحد . . . صرخ . . راح أقلب حياتهم جحيم!!! . . من صغيرهم لكبيرهم!
ناصِر نظر إليْه بعُقدة حاجبيْه : ما جتِك ؟
عبدالعزيز ظهرت عروقِه من رقبته المشدُودة بغضب، ظهر بريق عينيْه الذي يفضحها الحنين، بصوتٍ ينخفض تدريجيًا : إلا! . . ما كانت حلم يا ناصر . . جلس على الأرض ليُردف بإبتسامَة هادِئة : شفتها ، كان في نفسي سوالف كثيرة بس ما قلت لها! ما عرفت كيف أسولف معها؟ . . ناصِر
جلس أمامه وركبتيْه تلاصقه، أكمَل : ضايقني إني تعوَدت على غيابها . .
ناصر شكَ بأنه يغيب عن وعيْه تمامًا ولا يُدرك بماذا يتحدَث وأمامِ من : عبدالعزيز
عبدالعزيز نظر إلى عينيْه التي تعكسه : كثييير
ناصر : أيش؟
عبدالعزيز : أشتقت . .
ناصِر غصَ حتى شحِب لونُه، نظر لهزيمةِ رفيقه الدنيويَة، تأمل عينيْه التي تهذِي بالحنين/الوَجع، كُنَا نقول حُزن الرجالِ قاسيًا ولم نكُن نشهدُ عليه! إلا الآن! أصبحنَا نشهدُ عليه يا عزيز ونشهدُ عليك، أصبحتُ أرى كيف للدمعِ أن تردَه العزة عن خدَك، كيف له أن يبقى في محاجرِك فقط ليُلهبك ولا يسقُط! يهزَنا البكاءِ في كل مرَة ولا يسقطُ من غصنه دمعة لأننا جُبلنا على الغصَة.
: عزيز
عبدالعزيز بلل شفتيْه بلسانِه وهو يتنهَد بعمق : أنا بخير! بخير . . قادِر أقاوم كل هذا
ناصر : عارف إنك قادِر، بس
عبدالعزيز بحدَة : قولها! . .
ناصِر : آسف
عبدالعزيز إبتسم بتضادِ الشعور الذي يواجهه : تعتذر عن حزني؟
ناصِر : أعتذر لأني مقدر أخلَيك تكون بخير!
عبدالعزيز بخفُوت يتصاعدُ الإضطراب في صدرِه، أخفض رأسه : أحاول والله أحاول! . . أقول في نفسي خلني أنسى! خلني أبعِد! ما عاد لي علاقة فيهم، أقول لا أنتظر منهم إعتذار ولا تبرير! أقول روح عِيش بعيييد عن كل هالخراب! وأقول أقدر أقاوم و أنا أقوى من تهزَني هالأشياء، لكنها . . . . . هزَتني! وضعفت، كنت أقول ما يذبحني حرَ القهر وأنا ولد سلطان! لكن الحين أحس . . أحس بشعور غريب،
إرتجفَ فكَه من هذه السيرة ليُكمل : كنت أحسَ دايم الموت قريب مني! لكن هالمرَة أحس قلبي يضيق فيني!!
ناصِر بنبرةٍ حانيَة يخدُشها الدمع : أنا معك، . . . ضغط على كفَ عزيز ليُردف : قاوم عشان غادة و عشاني!
عبدالعزيز بإبتسامة لإسم ( غادة )، تلألأت عيناه بنظراتِ لها إيماءةُ فراق : قول إنَك ما كذبت عليَ؟
ناصِر : ورحمة الله ما كذبت! عرفت قبل فترة، أول ما عرفت مقدرت أقول لأحد، والله مقدرت يا عبدالعزيز، وبعدها قمت أتصل عليك عشان أقولك! بس ما كذبت . .
عبدالعزيز صمت لثوانٍ طويلة حتى بدأ يهذِي بوعيٍ يغيب تدريجيًا : ماراح أتركهم . . من يقدر اصلا! . . هم بس اللي يبونه يصير وأنا؟ أنا بعد ابي يصير لهم اللي ما يبونه! أبي . . . أبـ . . . . أغمض عينيْه وقبل أن يقع رأسِه على الأرض وضع ناصِر يدِه، نزع معطفِه ليضعه تحت رأسِ عزيز حتى لا تؤذيه الأرضِ غير المستوية، أصابتهُ الرعشة من البرِد الذي يُداهمه من كل إتجاه في يومٍ باريسي عاصف بالثلوج.
وضع يدِه على جسدِ عبدالعزيز ليُغلق أزارير معطفه حتى لا يبرُد، وصَل لصدرِه ليُغلق آخر ازاريره، نظر إليه، لملامحه النائمة بهدُوء، يُدرك حجم الوجع الذي يُصيبه في هذه الفترة، ويُدرك تمامًا أنه ليس بخير.
لا نقدِر على محو ما كُتب علينا يا عزيز، إحساسُك بالرحيل " يوجعني " ! لأنني أفهم تمامًا كيف أننا نشعرُ ببعض ما قد يُصيبنا، بُكاء غادة تلك الليلة لم يكُن من فراغ! كانت تُدرك أنها سترحل! واليوم أنت! نحنُ الذين خُلقنا من طين أشعُر أن فطرتنا / ألم.
أنحنى عليه ليُقبَل جبينه، أطال قُبلتِه لتسقط دمعته عليه، همس : الله لا يفجعني فيك يا عزيز

،

تجلسُ بجانبها بعد أن مشَت ذهابًا وإيابًا في الغُرفة لقُرابةِ الساعة دُون توقَف، بلعت غصَتها بعد أن تصاعدت الحُمرة المحمَلة بالدمع ناحية محاجرها : صاير شي! قلبي يقول صاير شي
ضيَ إرتجفت شفتيْها وهي تهزَ قدمها : وعدني يجي!
عبِير : ما عاد في قلبي قوة عشان أنتظره هِنا، . . وقفت لتتجه ناحية هاتفها، إتصلت على رقم والِدها " مُغلق "، نزلت دمعتها بمُجرد أن سمعت الردَ الآلي : مُغلق!!!
ضيَ بمحاولة لتهدئة وضعهما : أكيد أنه بخير لا توسوين وتوسوسيني معك!
عبير أستسلمت لبكاءها : ياربي ليه يصير معنا كل هذا؟ رتيل ماهي فيه وأبوي ماهو فيه! . . . حتى عمي مقرن ماهو فيه!!! كلهم أختفوا . .
ضيَ توجهت إليها لتُعاقنها : أششش! إن شاء الله مو صاير الا كل خير . .
عبير بضيق نبرتها : لا تهدَيني بهالكلام! لو أبوي صدق طلع له شي كان أتصل علَمنا! لكن أبوي كان مخطط إنه ما يرجع! وين راح بس لو أعرف وين!!
ضيَ ضاق صوتُها بالبكاء : لا تقولين كِذا! هو بخير و رتيل بخير وكلهم بخير
عبير أبتعدت قليلاً عنها لتُردف : ليه محد أتصل؟ . . لو واحد فيهم هنا يطمنَا! مو من عادته ابوي يروح بدون لا يترك لنا على الأقل عمي مقرن! كلهم راحوا وأتركونا ننتظر
ضي قطَعت شفتيْها بأسنانها لتُكرر حتى لا تُصدَق حديث عقلها وعبير : إن شاء الله أنهم بخير
في جهةٍ بعيدة أنتهى من صلاتِه ليقف : نايف لا أوصيك!
نايف : بالحفظ والصون . .
عبدالرحمن أخذ نفس عميق : أستودعتهم الله الذي لا تضيع ودائعه
نايف برجاء : لو بس تخليني أروح معك!
عبدالرحمن : لا خلَك هِنا، صبرنا كثير وحاولنا كثير لكن بالنهايَة مابقى كثر ما خسرنَا، إذا إتصل سلطان بلغه لكن إذا ما أتصل لا تتصل عليه ولا تقوله شي . . .
نايف : أبشر
عبدالرحمن بإنهزامية جادَة أكثرُ مما يلزم، وضع السلاح على الطاولة، مُجرَد من كل وسائل المقاومة عدَا قلبه الذي يُدافع بشراهة عن حياة من يُحب، خرَج والثلج يتساقط من سمَاءِ باريس، شدَ على معطفِه الأسوَد ليُتمتم : اللهم إننا ضللنا السبيل فأرشدنا و أخطأنا الطريق فدلَنا، اللهم أحفظه، يا حيَ يا قيوم أحفظهم
ركب السيارة ليقودها بنفسِه أمام أنظارِهم، دخل محمَد : لازم نبلغ بو بدر
نايف تنهَد : ماراح يفيد شي! ماراح يجي بو بدر باريس ويمسك عبدالرحمن
محمد : الوضع تأزم!!
نايف : أنا بروح لشقته، لازم أطلَع بنته وأخت عبدالعزيز . . بعدها إذا أتصل بوبدر تبلغه بالموضوع، وخلَك على إتصال معي


،


تنظرُ إليْه بإزدراء وهو مستلقي على الأريكَة يحاول أن يغفو لساعاتٍ قليلة حتى يعود لعملِه، تكتَفت بثباتِ أقدامها التي تُعاكس ربكة جسدِها الغاضب : وبس؟
سلطان : هذا اللي صار
حصَة بغضب تصرخ عليه : قلت لك إتصل عليها تطمَن ما قلت لِك أتصل طلَقها!!! أثبت لِي إنك مراهق في قراراتِك! ما تعرف تتصرف تصرف واحد صح
سلطان أستعدَل بجلستِه ليلفظ بحدَةِ نظراته : حصَة لازم تفهمين شي واحد! إنك مهما حاولتي دام انا ما أبي هالشي مستحيل تجبريني عليه
حصَة بحالةِ إنفجارٍ تام : إحلف بالله إنك ما تبيها؟ . . . . ما تقدر لأنك متخلف تقول كلام غير اللي بقلبك، تضيَع حياتِك ومستقبلك عشان ترتاح عزة نفسك اللي مدري من وين طالع فيها! يعني إحنا اللي تنازلنا عشان اللي نحبهم و رجعنا لهم ما عندنا عزَة نفس؟ وش ذا التفكير البايخ اللي عايش فيه!!! . . يكفي اللي راح من عُمرك لا تضيَعه مرة ثانية
سلطان بخفُوت : ما أبغى أعلَي صوتي عليك! بس لا تستفزيني أكثر
حصَة بغضبها الذي لا يُبالي : قولي قرار واحد إتخذته كان بمصلحتك! ليه تسوي في نفسك كِذا!!! أحترم حياتِك وعطَها أهمية مثل ما تعطي شغلك!! . . .
سلطان بصوتٍ حاد : لا حول ولا قوة الا بالله . . . سكري هالموضوع ما أبغى أغلط بحقَك!!
حصَة توجَه إليه السبابة : ما راح أسكره، لين تقنعني بأسبابك! حياتك ماهي ملك لوحدِك! هي تهمَني يا سلطان!!!
سلطان تنهَد : بريَحك من الآخر لو تجلسين من هنا لسنة قدَام ماراح أجاوبك بأيَ شي
حصَة بحدَة : لأنك غبي مع خالص عدم إحترامي لك
سلطان إتسعت محاجره بالدهشَة : كل هذا عشان مين؟ عشان الجوهرة؟ مين أولى في قلبك أنا ولا هي؟
حصَة : أنت آخر شخص تتكلم عن مين أولى في قلبي! لو لي قدر عندِك ما سويت اللي في راسك ولا كأن فيه أحد يسأل ويبي يتطمَن!!
سلطان بغضب عاد للإستلقاء : تمسين على خير
حصَة : نام ولا علِيك من شي!! أصلاً عادِي. . ما كأنها حامل في ولدِك ولا كأنها زوجتك اللي تحبها وقول إنك ما تحبها عشان أكسِر هالتليفون فوق راسك
سلطان إبتسم بسخرية : هذا اللي بقى! أضربيني عشان تكمل
حصَة أخذت جوالها وبقهرٍ يجعلها بحالة من التوتر والحركة الغير منتهية : طيب يا سلطان . . . إتصلت عليها
في الجهةِ الأخرى وقف والِدها : بنجيها المغرب وخلَيك عندها أفنان ولا تتحركين
أفنان : إيه خلاص لا تشيلون هم! أنتم أرتاحوا وأنا بكون عندها
ريَان تنهَد : إذا صار شي إتصلي علينا، أنا بآخذ إذن من دوامي وبرجع لها
أفنان : طيب . .
خرجُوا جميعًا لتبقى أفنان لوحدِها معها، رفعت عينها إليْها : كيفك الحين؟
الجُوهرة ببحَة صوتها المتعب : تمام
أفنان جلست بجانبها : ماراح تقولين لي وش فيك؟ الدكتورة تقول أنه حملك مهدد والسبب إهمالك!! ليه تسوين في نفسك كذا؟ هذا أول حفيد في العايلة يعني مفروض تتحمسين أكثر مننَا وتهتمين بنفسِك وبالروح اللي بداخلك! لا أكلتي أمس ولا غيَرتي جو معنا! حابسة نفسِك بالغرفة وتبكين . . وخير يا طير يا سلطان! ماهو أنتِ اول من تتطلق! الله بيعوَضك باللي أحسن منه . . . عساه . .
تُقاطعها : لا تدعين
أفنان بعصبية : قهرني الله يقهر العدو . . هو ما قال والله ماراح آكل ولا راح أنام عشان الجوهرة ماهي فيه! تلقينه عايش وعادِي عنده لكن أنتِ ماهو عادِي عندِك!!
الجُوهرة بشحُوبِ ملامحها البيضاء عقدت حاجبيْها : متى راح أطلع؟
أفنان : شوف وين أحكي فيه ووين تحكين!! يالله عليك! . . .
الجُوهرة بضيق : وش أقول يا أفنان! من الصبح وأنتم تعيدون عليَ نفس الكلام! والله فهمت والله يثبَت حملي . . بقى كلمة ثانية ما قلتوها؟
أفنان تنهدَت : بالطقاق طيَب!!
الجوهرة بلعت ريقها : ما جاء أحد اليوم؟
أفنان : أحد مثل مين ؟
الجوهرة : مدري! يعني عمَي عبدالرحمن ما جاء؟
أفنان : عمَي عبدالرحمن! لا محد جاء . . أنتم على فكرة غريبين مرَة! ريم تقول فيه ريحة عطر رجالي بالمطبخ وأنتِ تسألين عن عمَي!!
قاطعها هاتفها الذي أشترتهُ حديثًا بعد أن تكسَر هاتفها السابق على يَد سلطان، أفنان نظرت إليْها : لو هو لا تدرين عليه! بعدها تتوترين ويالله نهدَيك! الدكتورة تقول . .
الجوهرة تُقاطعها بغضب : الدكتورة تقول أبعدي عن التوتر . . فهمت والله فهمت كل حرف قالته
أفنان بدهشَة نظرت إليها لتقف : طيب . . بروح أجيب لي قهوة قبل لا تفجرين راسي . . . خرجت لتتركها.
سحبت نفسها لترفع ظهرها قليلاً، مدَت يدها نحو الهاتف لترى " أم العنود " أجابت : ألو
حصة : السلام عليكم
الجوهرة : وعليكم السلام
حصة تُظهر جهلها بما حصل : قلت أسأل عنك دامِك ما تسألين!
الجُوهرة بنبرةٍ متعبة : أعذريني، بس
حصَة تنظر لسلطان الذي يضع ذراعه على جبينه ويُغمض عينيْه بهدوء وكأنه لا يهمه الأمر : بالأول صوتك وش فيه تعبان؟
الجوهرة : دخلت المستشفى
حصة صمتت قليلاً حتى أردفت بخوف : صار لِك شي؟
الجوهرة : لا الحمدلله أنا بخير وإن شاء الله بيطلعوني قريب
حصَة عقدت حاجبيْها وهي تعضَ لسانها بقهر من لامُبالاة سلطان : الجوهرة لا تخبَين عليَ شي! طمنيني
الجوهرة : والله ما فيني الا كل خير،
حصَة بصوتٍ عالٍ يملئه القهر يضجَ بمسامعِ سلطان : إذا أحتجتِ أيَ شي إتصلي عليَ
الجوهرة : ما تقصرين يا أم العنود
حصَة : بحفظ الرحمن وأنتبهي على نفسك
الجوهرة : إن شاء الله . . مع السلامة، أغلقته لتُقيم مراسِم من الصراخ في وجهِه : ما عندِك أيَ مسؤولية!!
سلطان وقف : أنا غلطان يوم رجعت ونمت هنا! مفروض أروح لأيَ فندق وأجلس فيه لين تنسين سالفة الجوهرة .... أنحنى ليأخذ مفاتيحه وهاتفه لياتِ صوتُها مقاطعًا : الجوهرة بالمستشفى.
تجمَد في إنحناءه ليرفع عينه بتوجَس : بالمستشفى!!!
حصة : إيه! والله أعلم وش صاير لها تقول إنها بخير
سلطان عقد حاجبيْه : وش فيها؟
حصَة : إتصل وتطمَن بنفسك. . ولا أووه صح نسينا ينقص من رجولتك ولا هو من شيْم الرجَال إنك تتصل على مرتك تتطمَن عليها
سلطان : مفروض إنك أكثر شخص يوقف معي حاليًا لكنك صرتي أكثر شخص واقف ضدَي
حصَة : تدري لو ما أنت غالي عليَ كان نتفتِك بأسناني الحين من قهري
سلطان بسخرية : لا أبد ما قصرتي! كل هذا وأنا غالي عليك
حصة بحدَة : ما راح تتصل؟ . . دارية! طبعك الخايس ما تخليه . .
سلطان مسك هاتفه ليتصِل أمامها ويكسر كلمتها وإتهامها له، في الجهةِ الأخرى نظرت لإسمه لتضعه على الصامت.
: ما ترَد!
حصة : من زين فعايلك عشان ترَد عليك
سلطان بغضب : حصَـــة!!!
حصَة : وأنا صادقة! ترَد عليك ليش؟
سلطان جلس : أمرك غريب! تقولين طبعي خايس وما أرفع السماعة وأتصل! ويوم أتصلت وكسرت كلمتِك ليْ قلتِي من زين فعايلك عشان ترَد عليك
حصة صمتت قليلاً حتى تلفظ : رجَعها يا سلطان
سلطان : هذا أمر مو بإيدي ! لو هي نصيبي محد بيردَها
حصة بغضب : تستهبل! الله وهبنا الأسباب عشان نعمل فيها مو نجلس نقول والله اللي كاتبه ربي بيصير! . . الله يـ . . . أستغفر الله ما أبي أدعي عليك
سلطان تنهَد ليتصِل مرةً اخرى : لاحظي بس إنك من اليوم تتصرفين معي بتصرفات والله العظيم لو تجي من غيرك لأدفنه بأرضه
حصَة بتهكُم تجلس : إتصل من جوالي . . . مدَتهُ إليه
سلطان أخذه ليتصل عليها، تمرَ ثواني طويلة حتى تُجيب بصوتها المتعب : هلا
سلطان وقف ليبتعد عن أنظارِ حصَة، وصلت لها أنفاسِه المُتعبَة أيضًا لتُدرك تمامًا من خلف الهاتف : هلا بِك
الجوهرة أرتجفت شفتيْها بربكة الحُب التي لا تستطيع التخلي عنها، أردف : الحمدلله على السلامة . .
لم تُجيبه، أكملت صمتها حتى تستفزُ كل خلية تجري بدمِه كما أستفزَها بأمرِ الطلاق، تنهَد : شلونك الحين ؟
لستُ بخير، مضطربة! أشعرُ بأنني غير موجودة على خارطتِك وهذا يُزعزع كبريائي الذي يُحبك، ستُكمل حياتِك يا سلطان وتترك لي بقايا حياة أعِيشُها. ظالِم! حتى في سؤالِك تقسُو، أنت تعلم جيدًا من صوتي الذي تحفظه بأنني لستُ على ما يُرام ولكنك تسأل لتُزيد وجَع البحَة المترسبة فوق صوتي، لتُحزني أكثر بعدم قدرتي على التخلي عنك.
الجوهرة بنبرةٍ هادِئة مُتعبة : بصفتِك أيش تسألني؟
سلطان : حطَيني بأيَ صفة!!
الجوهرة بسخرية : إيه معليش أعذرنا، لو ما كنت حامل ما أتصلت بس عشان تتطمن على ولدِك! أبد حبيبي هو بخير . . . نطقت كلماتها بسخريةٍ لاذِعة تؤلمها قبل أن تؤلمه، وكلمَة " حبيبي " التي تطفُو على السطح مُبكية جدًا.
سلطان بخفُوت : خذيتي أسوأ ما فيني وتطبَعتي عليه!
الجُوهرة : طبعًا! ما يعجبك الا الرضوخ، تبيني بس أقولك تآمر وسمَ!! . . أيَ سؤال ثاني؟ صوتِك يوتَرني ويمرضني والدكتورة موصية إني أبتعد عن الأشياء اللي توترني!
سلطان : صرت الحين أمرضِك؟
الجوهرة بلعت ريقها : تآمر على شي ؟
سلطان يحاصرها من الزاوية الضيَقة : تسأليني بصفتي أيش؟
الجُوهرة أضطربت أنفاسُها من السؤال الحاد الذي لا هرب منه، طالت الثوانِي بينهما في حديثٍ تتبادلهُ الأنفاس، نطقت : بصفتِك أبو اللي ببطني لا أكثر
سلطان تنهَد بعُمق ليُثير البكاء في صدرها : وش صار لِك؟ ليه تعبتي؟
الجُوهرة : ضربت ظهري بالجدَار وبعدها أغمى عليَ
سلطان بتشكِيك : ضربتيه كِذا؟
الجُوهرة : مو لازم تصدقني!
سلطان بغضب صرخ بعد أن تمالك نفسِه لآخر لحظة : الجـــــوهرة!!!
أرتجف قلبها بزفيرٍ محبوس لا يفلتُ من بين شفتيْها.
أنا عالقة بِك! إن ضاع قلبِي كيف أسألُ عنه و كيف أطلبُ من صاحِب السطوَة التي حللَها قلبِي بغيرِ مسؤولية؟ أبكِي وكيف لا أبكِي!! هل أنساك بالبكاء؟ أم أبكِي لأن لا شيء يُنسيني إيَاك! تُفزعني هذه النبرَة وأنا التي ملكتُ كوْنِي بسوادِ عينيْك، حتى أدركتُ بأن أوجاعِي أوطانِي و ممالِيكي من دَمع، يا قيمَة الحياة وإتزانها كيف أُقيم للمُقبل من أيامنَا وزنًا وأنت لا تُشاركني بها؟ أأدركَت فداحة ما فعلتهُ بي؟ مُجرم! قتلتني ولم تُحيي ما قتلتهُ في نَفسي.
سلطان بتوترٍ يضطربُ بداخله، لم يكُن ينقصه مآسآةً أخرى تنفجرُ في قلبه : أنتِ اللي تبين تتعبين نفسِك! وتضيَقين على روحك!!
الجوهرة أخذت نفس عميق بعد إضطرابٍ لثوانِ : ما أحتاج وصايا مِنك، أنتهى كلامك ولا باقي؟
سلطَان بسخرية : صاير محد ينافسك بالقساوة!! برافو والله
الجُوهرة بهدوء : تستهزأ فيني؟ كالعادة ما تسمح لِك نفسِك إنك تحترمني شويَ!! أظنَك تحتاج إستشاري أسرِي يعلَمك كيف تحترم اللي حولك!!
سلطان بهدوء يُناقض البراكين التي تُقيم في صدره : أعرف أحترم اللي حولِي وما أحتاج احد يعلَمني!
الجُوهرة تُقلَد نبرتِه بلذاعة : برافو والله
سلطَان صمت قليلاً وهو يضغطُ على الهاتف بإتجاه إذنه، تُفسدِين صوتِك بحدَة الكلمات وأنا لم أعهَدكِ بهذه الصورة؟ كيف أفسَر مآسآتي؟ مررتُ بصعابٍ في حياتي لا تُعَد ولا تحصى ولكن مآسآةٍ كهذه لم أُجربَها إلا هذه الفترة، فشلتُ بإنهاء جريمةٍ عبثت بنا لسنوات، و عطفًا عن ذلِك أفشلُ الآن بالإطمئنان على أشخاصٍ يُهمني أمرهم، وأفشلُ معكِ أيضًا. من يشرحُ خدشُ صوتِي؟ و مصيبتي؟ لا أطلبُ من أحد أن يتحمَل غضبي و حُزني، في هذا الوقت أهجُو الجميع وأصرخ على الجميع، يشتعلُ صوتي بغضبٍ حبستهُ لأيامٍ طويلة، ولكنهُ خرَج! هذا الحُزن خرج كـ / صراخ.
: لو إنَك قدامِي كان علَمتك يا بنت عبدالمحسن كيف تقلدين صوتي؟
الجوهرة ضحكت ببحَة صوتها المتعبة، رُغم وجَعها من كلماتها التي تُصيبه إلا أنها لا تتخلى عن قوْلها
سلطان قطَع شفتِه السفلية بأسنانه على صدى ضحكتها المبحوحة، أردَف : خليني أخلَص شغلي و أعلمَك كيف تقولين هالحكي قدامِي!!
الجُوهرة : على فِكرة أهلي صار عندهم خبر . .
سلطان : أتوقع إنك ما تجهلين في الدين كثير وتعرفين إنِك مازلتِ في ذمتي! لا خلَصت العدة ذيك الساعة تكلَمي! مفهوم؟
الجُوهرة بإنفعال تنهدَت : مع السلامة
سلطان بهدوء : جربَي تسكرينه في وجهي!
الجوهرة أمالت شفتيْها بلا حولٍ ولا قوَة، مازلتُ متهكمًا يا سلطان!!
سلطان بضحكة يرَدها إليْها بصوتِه الذي يزدادُ تعبًا مع السهر : شاطرة . . مع السلامة . . . أغلقه
دخلت أفنان على إغلاقها للهاتف : لا تقولين لي إنَك توَك تسكرينه من عمته!! ماشاء الله عليك كل ذا سوالف!!
الجوهرة نظرت إليْها بتجمَد ملامحها، أفنان مدَت يدها أمامها بضحكة : وش فيك تصلَبتي؟
الجوهرة بقهر أخذت كأس المياه الذي بجانبها لتشربه بإندفاع حتى تبللت رقبتها، أفنان : بسم الله عليك! وش فيك؟
سحبت منديلاً لتمسح رقبتها، نظرت إليْها : ليه تأخرتِي؟
أفنان : لقيت صديقتي وسولفت معها شويَ قلت لين تهدين بس شكلك اليوم مزاجك ماراح يهدأ
الجُوهرة : أبغى أنام
أفنان : طيب نامي
الجوهرة بإنفعال لا تدرِي إلى أين يُوصلها : لو أقدر أنام كان نمت بدون لا أسألك! نادي أيَ أحد يعطيني منوَم!!
أفنان تنهدَت : طيب . .
في جهةٍ اخرى وضع الهاتف بجيبه لتعتليه إبتسامة، همس : مجنونة!!!
إلتفت ليرى عمتِه : أيَ أوامر ثانية يا أم العنود؟
حصة تنظرُ لملامحه بتفحَص لتبتسم بعد أن لمحت امرًا جميلاً بعينيْه : بترجَعها؟
سلطان ببحَة بدأت تتسلل إلى صوته المُرهق : ترى عادِي تكون علاقة الزوج بطليقته حلوة! إذا شفتيني أضحك معها ماهو معناته إني برجَعها!!
حصة تغيَرت ملامحها : حسبي عليك . . أستغفر الله! الشرهة ماهو عليك الشرهة على اللي يحاول يصلَح الدرج اللي في مخك!! . .
سلطان أستلقى على الأريكَة : تمونين يا حصَة قولي اللي تبين مانيب رادَ عليك
حصة : لا تكفى ردَ! . . . . ياربي لك الحمد إنها حامل وعدَتها 9 شهور يمكن الجنون اللي في راسك يهجد
جلست بقُربه وقبل أن تنطق شيئًا قاطعها : بعد ساعتين لازم أطلع لشغلي! فخليني أنام الله يرحم لي والديك
حصة بخفُوت وهي تحاول أن تؤثر عليه بالكلمات : ما ودَك تشوف كيف يمَر شهرها الأول والثاني والثالث والتاسع! ما ودَك تراقبها مثل كل الرجَال! تشوفها كيف تصحى من حركاته ببطنها! ما ودَك تحس فيه وهو يتحرَك؟ ما ودَك تشوفه لمَا تروح معها للمراجعه؟ ما ودَك تلاحظ تغيرَاتها بتغيراته؟ تدري إنه الحامل تكون جميلة بشكل ما تتصوَره!!
نظر إليها بتنهيدة : ما تهمَني الأشياء ذي
حصَة : أهم شي يجي هو بصحة وعافية والحمدلله
حصَة بإبتسامة : ما ودَك تصحَيك وتقولك يا سلطان أنا متوحمة على . . . كمثرى مثلاً ؟
سلطان : ما أحب أحد يصحيني بدون لا أطلب منه
حصَة : خلاص مو لازم تصحَيك! مثلا تجلس معها وتقولك أنا متوحمة على . .
يُقاطعها : حصَة تكفين بنام!
حصَة تنهدَت لتقف وهي ترمي عليه الخُدادية : ما ينلام اللي قال الحمدلله الذي خلقني رجلاً كي لا أحب رجُلاً


،


حاولت أن تسترخِي كثيرًا وتُبعد التوتر الذي يُصيب أجزاءها ولا فائِدة من كل هذا، مازالت يدها على مقبض الباب منذُ نصفِ ساعة.
أجهلُ السبيل لمُحادثتها، أشعرُ بشعورٍ غريب نحوْها، أعتدتُ لسنةٍ بأكملها على أن عائلته بأكملها متوفيَة وفجأة تظهرُ / غادة، يحدُث هنا أمرٌ غريب! مازالت صورته بالأمس في ذاكرتِي عندما قابلها، كيف أنهُ أرتخَى بذبُول جسدِه ونظر إليْها لأولِ مرَة، نظرتُه التي لا أفهمُ شيئًا منها سوى الصدمة، كانت عينيَ عزيز حُطامًا يُحكَى، أنا وبلحظةٍ ما أشعرُ بأن الكون ينطبقُ عليَ ويدهسني كُلما فكَرت بسوءٍ عن من أُحب، كيف حالُ عبدالعزيز ؟ كيف أستطاع أن يعيش هذه المُدَة ولا أحد بجانبِه! أفهمُ قسوتِه/تناقضاتِه/إضطراباته الناتجَة عن ما حدَث له رُغم أنَك تستثير كل الكلمات السيئة بنظراتِك حتى أنطقها لك، ولكنني لا أَقدِر على قوْل أنني أُسامحك.
فتحت الباب لتُميل شفتيْها بربكة، إلتفتت لتراها واقِفة أمام النافِذة، شعرت بها غادة لتلتفت بإبتسامة : صباح الخير
رتيل شتت نظراتها : صباح النور
غادة : عبدالعزيز صحى؟
رتيل بدهشة نظرت إليها : عبدالعزيز! . . آآ ما نام عندي أصلاً
غادة رفعت حاجبها بإستغراب : غريبة! أجل شكله راح لدوامه . . . نظرت لربكة رتيل لتُردف بإبتسامة : ما تعرَفنا كويَس أمس
رتيل بدأت أصابعها تتشابك نسيْت كل الكلمات، لا تُصدَق بأن من رأتها أول مرة في مقطع فيديو تراها الآن حقيقة.
غادة : ما تعرفين جوال عبدالعزيز الجديد؟ لأن القديم قال أنه رماه
رتيل : ما طلَع واحد جديد
غادَة جلست لتنظر إليْها : على فكرة ما آكل
رتيل تصاعدَت حُمرة الخجل إلى جبينها، جلست على الأريكَة المُقابلة : مو قصدِي! أعتذر
غادة عادت لصمتها، طال الهدوء بينهما حتى قطعتهُ بعد دقائقٍ طويلة : متشوقة أشوف صور عرسكم،
بلعت ريقها وعينيْها معلَقة بعينيَ غادة، للمرةِ الأولى أشعرُ أنني مآسآة! وأن ما يحدثُ ليْ مصيبة، أين ذكرياتنا يا عزيز؟ ذكرياتنا التي تُجسَد بصورة؟ لا نملك شيئًا للحياة نُبرهن من أجلها و من أجل الذاكِرة المريضةُ بك! يالله، مُدَ لي بفرجٍ منه/ ومن هواه.
غادة بتوتر : مو قصدِي أشوفها الحين! بس . .
رتيل بعينيْن تُضيء بالدمع المحبوس في داخلها، إبتسمت وهي تمَد أكمامها القطنية حتى نصف كفَها : ما سوينا عرس
غادة شتت نظراتها، لتتداخل أصابعها فيما بينها، عادت ذاكرتها المُتعبَة لضوضاءِ مشاهدٍ تجهلُها.
للتو تجاوزت أمرُ السنين وتأقلمت معها، ذكَر لي ناصِر ما حدث في السنواتِ الخمس الأخيرة، ولكنني الآن! أشعرُ بأن أحدًا يعجنُ عقلي بذكرياتِه، مشوَشة التفكير! لا أفهمُ تمامًا ما أتذكرهُ وأين مصدرِه، يضطربُ عقلي بمشاهدٍ لا أُدركها.
" وليد خلفِي على متن سفينة تعبرُ بحرٌ شاسِع الزُرقَة، ناصِر في إحدى المقاهي يبتسمُ إلي، ضحكاتُ العيد تتغنجُ من بين شفتيَ أمي، مُبارة السعوديَة الكرويَة تجمعنا، إتصال والدِي المُباغت في تلك الليلة، تجربتي بإرتداء الفستان الأبيض، تأخر عزيز عن الحضور ليلة . . . . " يالله ما هذا !
أخفضت رأسها وهي تطوَقه بين يديْها بصداعٍ يفتكُ خلاياها، إرتجفت شفتيْها من الذي يحدثُ لها.
رتيل بخوف أقتربت منها : غادة؟ .. .. مدَت لها كأس الماء الموجود على الطاولة . .
غادة رفعت عينها المحمَرة بالوجَع : وين عبدالعزيز ؟
رتيل : والله ما أدري! أكيد بيرجع الحين
غادة أخذت كأس الماء لتُبلل الجفاف الذي صابها، أخذت نفس عميق من تلخبط الأحداث في دماغها، همست : ناصر!!
رتيل أرتجفت أطرافها من دهشَة عينيْها التي تستذكرُ الأحداث على هيئة دمع، جلست على ركبتيْها أمامها : أسترخي بسم الله عليك
غادة عقدت حاجبيْها لتسيل دمعة رقيقة على خدَها، تنظرُ لعينيَ رتيل، أطلقت " آخ " خافتة بعد أن توجَعت نفسيًا من ضربة السيارة التي أنقلبت في ذاكرتها، أغمضت عينيْها بشدَة وهي تنظرُ لولِيد أمامها و ناصِر من خلفها، و حُطام السيارة بجانبها، وأصواتِهم/صرخاتهم تتداخلُ بها، سقطت دمعةً تلو دمعة لتضغط بكفَها على كفَ رتيل وهي تحاول أن تستمد بعض من قوَتها، بهذيَان : أشهد أن لا إله الا الله . . .
أبعدت كفَها عن رتيل لتضغط بها على رأسها وهي تتألم ببكاءٍ عميق : قالوا بنسوي العملية لكن ما نجحت! قالوا بس يرجع نظرك بتتذكرين تدريجيًا . . .
رتيل بربكة وقفت، لم تفهم شيئًا مما تقوله وهي تتألم منظر غادة ومن وجَعِها الذي يُصيبها ويكسرها أمامها : تعوَذي من الشيطان . .
رفعت غادة عيناها المحمَرة بدمعٍ مالح، برجَاء : أبي أتذكر! . . أنا أنسى كل شي . . وش قيمة الحياة بدون ذكريات؟
رتيل جلست بجانبها لتحاول أن تتجرأ بصوتِها، كررَت الإستغفار في داخلها حتى وضعت يدَها على رأسِ غادة لتقرأ عليها كما اعتادت أن يقرأ عليها والِدها الذي لم يضع أيَ إحتمال أن طيْشها لم يمنعها أن تحفظ القليل من القرآن : إذْ يقولُ لصاحبه لا تحزَنْ إن الله مَعنا فأنزَل اللهَ سَكينتهُ عليه وأيَده بجنودٍ لَمْ تروْها . . . . . هو الذي أنزَل السكينَة في قلوب المؤمنين ليزدادُوا إيمانًا مع إيمانهم . . . تلعثمت ليسكَنُ صوْتها مع سكينة غادة، رفعت نظراتها للاعلى حتى تمنع تدافع الدمع، أخذت نَفس عميق ليربت على قلبها صوتُ والِدها، عندمَا كان يقرأ عليْها حتى يُخفف وطأة قهرها من زواجها بعزِيز، مازال صوتُه يُردد " فستذكرُون ما أقولُ لكم وأُفوَضُ أَمرِي إلى اللهِ إن الله بصيرٌ بالعباد، فوَقاهُ الله سيئاتِ ما مَكرُوا وحاق بآل فرعون سوءُ العذاب "
يا رب أحفظ والدِي، و أعفُ عن خطايايَ التي فعلتها بحقَك قبل أن أفعلها بحقَه، يارب لا تفجعني بحياةٍ تخلُو مِنه، إن حلوْ العُمرِ من عينيْه، فكيف يطيب العيش دُونه ؟


،

* يتقدَم إليْه رجلان ليفتشانِه ويتأكدان من خلوِ ملابسِه من أيَ سلاح.
أيَ ذلٍ أعيشهُ الآن، أيَ حُزنٍ يُصيب أضلعي و يفتكُ بها؟ هل أتاني ما أتى مقرن؟ هل أرتضى بالذلَ من أجلِ أن لا يشي بشيءٍ يضرَنا! في كل مُحيط يحفَنا يحتاج أحدَنا أن يكون الضحيَة من أجل البقيَة، رحَل عبدالله القايد أولاً ثم سلطان العيد ثم مقرَن ثُم . . . ؟ من يأتِه الدور بينما رائد لم يتخلى عن دوْره الشرس بعد! الله يعرفُ كم جاهدنَا حتى لا تُهدَر دماءِ احدٍ منَا، الله يعرف كم حاولنا! ومازلنا نحاول، ولكننا مخذولين! مخذولين جدًا.
دخَل لتسقط عينيْه على سليمان المقيَد من قدميْه حتى يديْه واللاصق يُغطي فمه، إلتفت ليرى رائد جالس بكل أريحيَة.
رائد بإبتسامة : حيَ من جانا!
عبدالرحمن بجمُود : وين عبدالعزيز و ناصر ؟
رائد بضحكة وقف : كِذا تتفاوضون؟
عبدالرحمن يُدخل يديْه بجيُوب معطفِه : أحاول أكون لطيف معك
رائد : تطمَن ولد سلطان و ناصر بالحفظ والصون! حتى خليتهم مع بعض!! شايف قلبي الرحيم قلت يسلَون بعض!
عبدالرحمن بنبرةٍ واثقة : طبعًا راح تطلَعهم الليلة قبل بكرَا وبعدها مالِك أيَ شغل معهم
رائد : أول أتأكد
عبدالرحمن : أظنَ إني أنا أكبر دليل قدامك!!
رائد إبتسم بسخريَة : يعجبني حُبك لولد سلطان! واضح الغلا من غلا أبوه
عبدالرحمن بتجاهل : بكرَا راح توقَع لآسلي ومالنا أيَ علاقة! بتطلَع رجالِك اللي بالرياض وبكِذا سوينا كل اللي تبيه
رائد : باقي شي واحد
عبدالرحمن تنهَد : وش بعد؟
رائد : أبي المستندات اللي كانت مع سلطان ومقرن!
عبدالرحمن : ما نملكها
رائد غرق بضحكةٍ صاخبة حتى نطق : أضحك على غيري!
عبدالرحمن إبتسم : أظنَك فاهم كثير إننا فقدنا سيطرتنا عليك وعلى خياسِك!!
رائد جلس ليضع ساقًا فوق الأخرى : إيه طبعًا مو فقدها قبلكم سلطان وراح بحادِث! والله يستر وش بيصير فيكم! ما وصلَت لك الخبر بنتِك قبل سنة؟ ما قلت لكم لا تلعبون بالنار!!
عبدالرحمن ببرود : الشكوى لله، مفروض نآخذ حكيْك المرة الجاية بجديَة أكثر!!
رائد : بس أنا ماراح أسوي أيَ شي إلا لمَا يجيني سلطان!!
عبدالرحمن ضحك من شدَة قهره ليُردف : وش تبي بالضبط؟ تحاول تلعب معي بوقت حسَاس مثل هذا!
رائد : أنا ؟ عفوًا! لكن هذا طلبي وغيره ما راح يتَم شي
عبدالرحمن : ماهو من صالحك!!
رائد إبتسم : ما ترضى بعد عليه؟ . . أحييك والله كل الناس عندِك مهمَين!
عبدالرحمن بإستفزاز : لأن اللي حولي رجَال لازم أخاف عليهم! لو حولي كلاب ذيك الساعة قول ليه كل الكلاب مهمين عندِك! مع العلم إنك برَا الحسبَة
رائِد أخذ سيجارته ليُشعلها بعد أن أشتعل صدره بالغضب، نظر إليه : بالنسبة لي كلاب معي بالحلوة والمُرَة ولا رجَال يشتغلون من ورايْ ويخططَون! . . رفع حاجبه مُردفًا بإستفزاز أكبر . . ولا ما وصلِك العلم من سلطان ؟
عبدالرحمن بإبتسامة يخفي حدَة قهره : لا تحاول تستفزني بشخص خدَم وطنه!
رائد بسخرية : وأنا خدمت وطني بطريقتي الخاصَة
عبدالرحمن أخذ نفس عميق : أبي أشوف عبدالعزيز
رائد بسخرية لا تنفَك عنه، وهو يُترجم نظراتِه : ليه؟ تبي تودَعه؟ لهدرجة مو ضامن مسألة رجوعك منَي!
عبدالرحمن : ماهو أنت اللي بتآخذ منَي حياتي! مُشكلتك منصَب نفسك مسؤول عن أعمارنا و تتوقع أنه حياتنا بإيدك!!! أصحى على نفسِك! شغلك هو اكبر همومي أما أنت ما تشكَل ولا 1٪ من عقلي!! لو تجي من غيرك بتصرف بنفس التصرف! فلا تتوقع إنك تعيش بمُلك عظيم وإننا تحت سيطرتك!!
رائد يزفر دُخانِه : حفاظًا على سلامتِك حاول قد ما تقدر إنك ما تستفزني! لأني ممكن أتهوَر فيك! . . تفضَل إتصل على سلطان قدامي!
عبدالرحمن : واضح إنه تلخبطت عندِك المفاهيم! إني أوافق على بعض شروطِك ماهو يعني إنك تأمرني!!!
رائد بإبتسامة ترمِي عينيْه بشررٍ من الخبث : واضح إنك ما تبي ناصر و عبدالعزيز يكونون بخير!!
عبدالرحمن فهم تهدِيده، تنهَد بعُمق حتى أخذ هاتفه واتصَل، ثوانِي قليلة حتى أتى صوتُه الناعس : ألو
عبدالرحمن عقد حاجبيه : سلطان! منت في الشغل؟
سلطان أستعدَل وهو يتكسَر ظهره من النوم على الأريكَة، : رجعت الصبح أنام ساعتين . .
عبدالرحمن ينظرُ لرائد مردفًا : أنا عند رائد
سلطان ضحك من قوةِ السخرية في هذا الموضوع : تمزح! يا روقانك بس!!
عبدالرحمن : أنا عنده يا سلطان
سلطان وقف بجمودِ ملامحه : من جدَك! . .
عبدالرحمن : والمصيبة الحلوة إنه ناصر وعبدالعزيز عنده بعد
سلطان بغضب : بأعرف ليه تحبَون تتصرفون من كيفكم! ليه أنا دايم آخر من يعلم! . . . انا ماني جدار يا عبدالرحمن
عبدالرحمن بهدوء : أحجز باريس على أيَ طيران، بكرَا لازم تكون موجود .. إذا ما لقيت شوف لك أيَ طيارة خاصة وأجرَها!
رائد بسخرية : نرسل الطيران بكبره له ولا يزعل بو بدر
سلطان بصراخ : ليه!!
عبدالرحمن : أنت عارف
سلطان : كان فيه مليون طريقة نطلَع فيها عبدالعزيز و ناصر! ليه دايم تخلونه يحاصرنا من كل جهة! كنت أخطط طول أمس إني ألوي ذراعه وأنت ببساطة رايح له!!
عبدالرحمن بخفُوت : أظن إننا خسرنا بما فيه الكفاية عشان هالخطط! عبدالعزيز وناصر ما هُم عرضة للتجارب!!!
سلطان بحدة : الكلام ليْ؟ . . . على أساس إني حاط رجل على رجل وجالس أقول سوَو و سوَو ما كأني أتعب عشان أطلع بحَل وأنت ولا يهمَك أصلاً حتى تبلغني قبل لا تسوي أيَ هبال من راسِك . .
عبدالرحمن بهمس : سلطان تعَال! ماعاد عندي شي أقوله . . . أغلقه
سلطان أضطربت أنفاسه لينظر لسقف منزلِه : حسبي ربي بس . . . صعد لغُرفتِه، بلا تفاهُم دفع الباب بقدمِه لينزع قميصه وهو يسير ويرميه على الأرض، إتجه ناحيَة الحمام، أستغرق بإستحمامه 10 دقائِق لا أكثَر، إرتدَى ملابسه على عجَل ليضع السلاح على خصرِه بجانب قبعته العسكرية المعلقة، نزل وهو يُغلق آخر أزاريره، خرَج وركب سيارتِه، بسُرعةٍ غير معقولة سَار بإتجاه عمله، فتح هاتفِه ليتصَل على عبدالله، وضعه على السماعة الخارجيَة حتى يقُود بإتزان : هلا
سلطان : هلابِك ، طمَني عن فيصل
عبدالله : دخلوه العناية المركزة . . يقولون نزف كثير وصارت له مضاعفات بالعملية
سلطان تنهَد : الله يشفيه يارب . . مين عنده؟
عبدالله : الحين منصور وبيجيه يوسف بعد شويَ . . أنت وش صار معك؟
سلطان : عبدالرحمن راح لرائد
عبدالله بدهشة : نعم!!!
سلطان : اللي سمعته وشكله الحيوان شارط عليه إني أجيه بعد! أنا خلاص وصلت لأقصايَ يا أنا يا هوْ
عبدالله عقد حاجبيْه : ليه راح له ؟
سلطان : لأن ناصر وعز بعد عنده! ليت عز يصحصح شويَ ويطبَق شي بس من اللي درَبته عليه
عبدالله : وين يصحصح! أنت شايف المصايب اللي فوق راسه!!
سلطان : طيب وش الحل؟ حاصرنا من كل جهة! مسك عز و مسك ناصر و مسك الحين عبدالرحمن! و البنات الله حافظهم إن شاء الله وعندهم نايف!! . . . مين بقى يا عبدالله؟
عبدالله : وأنت بتروح له طبعًا!!
سلطان : وش أسوي بعد، أنت شايف فيه حل ثاني! سكروها بوجهي
عبدالله : كلَم . .
يُقاطعه سلطان : ماراح أكلَم أحد! ماراح يفيدني بشي! هو ما قصَر عرف بس يضيَعنا . . . أردف كلمتِه الاخيرة بسخريَة.
عبدالله تنهَد : الليلة بجِيك ويمكن نلقى لنا حلَ!


،


بربكة رمشَها نظرت إليْه، أعتلى الخوفُ صدرها : والحين؟
منصور بتعب : نقول إن شاء الله بخير . . . رمى نفسِه على السرير
جلست نجلاء بجانبِه : وهيفا؟
منصور : حالتها حالة! كان عندها يوسف بس راح المستشفى وتركها مع أبويْ
نجلاء بضيق تنهدَت : يارب! . . الله يصبَر قلبها . . بترك عبدالله عند الشغالة وبروح لها؟ حرام نخلَي عمَي يتعب معها!
منصور دُون أن يفتح عينيْه : يكون أفضل! روحي مع أمي
نجلاء : بروح أسألها . . . أختفت من أمامه لدقائِق طويلة حتى جاءت : بتروح الحين! . . . إتجهت ناحية دولابِها لتأخذ عباءتها، كانت ستخرج لولا أنها ألتفتت، أنحنت عليه وقبَلت خدَه : نوم العوافي
منصور فتح عينيْه ليبتسم : الله يعافيك . . بحفظ الرحمن
نزلت نجلاء لتتجه إلى الصالة، نظرت لعبدالله الصغير النائم بهدوء، قبَلت جبينه الناعم : يسلم لي النايم ويخليه
من خلفها : يالله ؟
إلتفتت وهي تلفَ طرحتها على رأسها وبيدِها نقابها : إيه . . .
في المستشفَى كان جالِس يوسف أمامه برداءٍ خاصَ و كمَام يُغطِي جزء من وجهه، نظر لتقاطيع الوجَع بملامِحه ليزداد حاجبيْه عقُودًا، وضع كفَه على يدِه المتصلة بأسلاكٍ شفافة : اللهم ربَ الناس أذهب البأس، أشفِ أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يُغادر سقمًا . . . يارب يارب يارب أشفِه . . يا حيَ يا قيوم لا إله الا أنت
وضع جبينه على جانبِ المرتفع من السرير ويدَه تُخلخل أصابعه المتعبة، في أسوأ الظروف والمواقف تأتِ الضحكات التي تحفظها الذاكرة، كيف أطردِك من تفكيري يا فيصل؟ كيف أطردُ صخب ضحكاتِك وإبتسامتِك ؟ اهتز هاتفه في جيبه دُون أن يصدِر صوتًا، رفع عينه إلى ملامح فيصل النائمة بسكينة. خرج من الغرفـة ليُجيب على هاتفه وهو يُنزل الكمَام : ألو
مُهرة أتزنت بصوتها المضطرب : السلام عليكم
يوسف : وعليكم السلام . . شلونك ؟
مُهرة : بخير . . فيك شي؟ صوتك تعبان!
يوسف تنهَد : وش صار مع أمك ؟
مُهرة : أتصلت عشان اكلمك بس إذا مشغول . .
يُقاطعها : لا، تفضلي
مُهرة نزلت دمعتها لتلفظ بنبرةٍ مهزوزة : آسفة
يوسف : على ؟
مُهرة جلست على طرف سرير، أخفضت رأسها ليُشاركها شعرها المواساة من على الجانبيْن.
وصل صوتُ بكاءها لسمعِ يوسف : وش صاير يا مُهرة؟
مُهرة اهتزَ فكيَها : فكَرت كثير و ..
يُقاطعها : تبين الطلاق ؟
آسفة! على السوء الذي أصابك مني، على الحُب الذي لم يتكمل كالجنين الذي سقَط من رحمِي، لم أكون زوجة صالحة بما يكفِي! كُنت طائشة لإتهامِك! والآن قد جاء الرحيل! أفكر إلى ما قد سيحدُث دُونك! وأتبعثر من جديد يا يوسف! ربَ أمرٌ سيء يعقبُه حالٌ حسَن وأنت كُنت أمرِي السيء وحالي الحسَن، كنت أسوأ ما تحقق لي قبل مُدَة وأصبحت أجمل ما صَار بحياتي، أنت وحدُك! الذي صيَرت الأفعال المؤذيَة إلى قولٍ جميل، وأنت وحدُك الذي تهواهُ روحي في الوقت التي لم أكن أبحث به عن حُب، أتيْت لتُثير دهشتِي بالحياة، و تُسعدني.
يوسف بغضب : ليه؟ عشان أمك؟ عشان كلمتين قالتها لِك!! أنا ما أدري الأمومة فِطرة ولا لازم ندرَسها!!!
مُهرة بضيق : بجد آسفة
يوسف : لا تعتذرين عنها! . . أنا ماراح أخلَيك حطي هالشي في بالك
مُهرة برجاء : يوسف
يوسف : وش سويت لِك؟ وش الجريمة اللي أرتكبتها في حقَك؟ عشان تبعدين وتآخذين بكلام امك؟
مُهرة : ما سوَيت شي! بس أنا . . . مقدر والله مقدر حتى أحط عيني بعينك
يوسف : ليه؟ وش قالت لِك ؟
مُهرة : أتهمتك على باطل
يوسف : طيب؟ كلنا ندري إنك كنتِ تتهميني على باطل! وش الجديد؟ . . الجديد إنك تأكدتي صح؟ . . طيب أنا وش يفيدني تأكدتي الحين ولا بعد سنة!! أنا اللي يهمني أنتِ ما يهمَني وش سوَت أمك ولا وش سوَآ أخوك
مُهرة ببكاء : يالله يا يوسف! بس أفهمني
يوسف بخفُوت وهذا البُكاء نُقطة ضعفه : لاتبكين
مُهرة يزيدُ بكاءها مع كلماته وكأن هذه الكلمة تستثيرُ دمعها على السقوط اكثر : أنا ما أعرف أتأقلم بهالطريقة! ما عاد يربطنا شي! . . قلنا أنه الطفل اللي ممكن يجي بيخلينا نتماسك أكثر بس راح!
يوسف بغضب تظهرُ عروقِه من رقبته : وأنا أبيك زوجتي وحبيبتي ولا أبيك أم عيالي وبس!!! أنا ما أفكر بهالطريقة الغبية! وش يهمني جاني ولد اليوم ولا بُكرا! يهمني إنه أنتِ هنا اليوم وبُكرا
مُهرة إرتجف قلبُها بصراخِه لتلتفَ حول صمتَها بالبكاءِ الذي يحبسُ صوتها بشدَها على شفتِها السفليَة.
يوسف تضطربُ أنفاسِه : ليه تنهين كل شي بالطريقة اللي يبيها غيرك! هذي حياتك ولا حياة أمك!!
مُهرة : بس هذي أمي
يوسف بضيق : وأنا؟ ما أهمَك بشي؟
مُهرة بنبرةٍ يخدشُها الدمع : تهمني يا يوسف بس مقدر
يوسف : ليه ما تقدرين!! مستعد أخليك في حايل لين تتصلين عليَ وتقولين تعال لكن لا تطلبين الطلاق وأنتِ منتِ مقتنعة فيه!!
مُهرة : يوسف
يوسف جلس على المقاعد المُقابلة لغرفة فيصل : لبيه
مُهرة تلعثمت من " لبيه " التي خطفت كل ما أرادت قوْله، حبست زفيرُها بداخلها حتى لا تعتلي شهقاتُها ببكاءٍ رُبما يطول.
كيف أنطقها يا يوسف؟ كيف أقولها كما كنت أردَدها عليك بالسابق بإزرداء! كيف لا أُبالي وأنت أصبحت تشغلُني؟ من أجل الله كيف نفترق؟ أريدك! والله أُريدك ولكن . . أمرُنا السيء يتفاقم كلما أخفيناه، بدايتنا مهما حاولنا تجاهلها مازالت تحضُر بيننا وأمِي تشهدُ على ذلك! كيف أنظرُ لعائلتِك وأنا لم أقل لهم جُملةً جميلة ناعِمة! أشعرُ بالضعف من هذا الأمر، أن أعجز تمامًا عن إيجاد حل يُرضيني ويطمحُ إليه قلبي، كل الحلول التي وجدتها تُرضيني ولكن لا تُرضي قلبًا أصبحَ تحت سيطرة حُبك.
يوسف : الحين ليه تبكين؟ ليه تضايقيني؟
مُهرة بصعوبة نطقت : طلقني
يوسف صمت! إتجهت نظراتِه بإستقامة ناحيَة الجدار الذي أمامه ولا يرمشُ بأيَ نظرة.
تعبثين معي، تنالين من رجلٍ لم يرى الكمال بحياتِه على هيئة أنثى إلا معكِ! لا أدرِي مالحُب، ولكنني أعرف بأنني أحُب الصخب المًصاحب لكلماتِك السيئة، الجنُون الذي يستفزَ لسانِك بالشتائم اللامُبالية! أولُ مرَةٍ لاحظتُ فيها كيف تحولتِي لعاشِقة ولهانة كانت عيناكِ مدعاةً للإستيقاظ والتأمل! و بريق الخجل الذي يطفُو على سطحها كان يُذهلني، أنا لا أعرف الحُب تمامًا ولكن أعرفُ قلبك وهذا يكفيني.
: بخلَيك! لا رجعتي لعقلك إتصلي عليَ
مُهرة : يوسف! . . الله يخليك لا توجعني أكثر!!
يوسف : يعني إذا طلقتِك بتنتفح بوجهِك وماراح تتوجَعين من شي؟
مُهرة : بيكون تفكيري مرتاح! أنت ما تتصوَر وش كثر موجوعة الحين من أمي ومن هاللي صاير! مقدر أحمَل نفسي أكثر وأطلع بصورة سيئة قدام أهلك!! لا تقول لا تهتمين لأنه بالنهاية هُم أهلك ماراح أتحمَل نظراتهم ليْ بعدين!!
يوسف : أهلي لو يبون يسيئون لِك كان ساؤوا لِك من أول ما جيتي! وعرفُوا كيف يوجعونِك بالحكي!
مُهرة تنهدَت بضيق : مقدر
يوسف بحدَة : إلا تقدرين!
مُهرة ببكاء يرتجف صوتها : مقدر . . والله مقدر
يوسف : مستعد أطلع من بيتنا ونعيش بعيد عنهم وما تشوفينهم الا بالمناسبات
مُهرة ببحَة حزنها : يضايقني يا يوسف إنك تتنازل عشاني في وقت أشوف نفسي ما أستاهل كل هذا
يوسف بغضب : ليه تسوين كِذا؟ أحاول أتمسَك بكل أمل قدامي وأنتِ تكسرينه!
مُهرة : حط نفسِك مكاني! بتقبل؟
يوسف : وش اللي سويتيه بالضبط؟ كل هذا نتايج أفعال أمك! ليه تتحملين ذنبها؟
مُهرة : لأنها أمي
يوسف : ولأنك زوجتي بعد مضطرة تجبرين نفسك!
مُهرة بضُعف : أنتهينا يا يوسف
يُوسف بلع ريقها بصعُوبة : كِذا ببساطة!! متأكدة إنه عندِك قلب؟
مُهرة بدهشة : لأنك منت حاسَ فيني
يوسف بإنفعال : لأني حاسَ فيك قاعد أقولك بخلَيك في حايل لين تملَين! وبنطلع من بيتنا! . . وش تبين؟ قولي لي بس وش مشكلتِك ؟
مُهرة : مُشكلتي أنتْ! كيف . .
يُقاطعها بغضبٍ جنوني : مفرُوض تستحين إنك تقولين هالحكي . . . لو إنَك حاطة لي قيمة كان ما قلتي كِذا! لو إني أعني لك شي كان وقفتي بوجه أمك! . . آمنا رضاها من رضا الله لكن ماهو على حساب حياتِك! . . . أغلقهُ دون أن يسمع تعليقًا آخرًا منها، زفَر غضبه المضطرب في صدره ليسمع صوتُ الأذان، خرج وهو يردد بمحاولة جادة أن يُهدَأ غضبه : لا إله الا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

،

قبل ساعاتٍ قليلة، وقف أمامهم : تطمَني بيجيك عبدالعزيز بس ينتهي من شغله
غادة إلتفتت على رتيل : يشتغل عند أبوك؟
نايف يُجيب عنها : إيه، تأكدي إنك بتكونين بالحفظ والصون
غادَة تنهدَت بريبَة، لتخرج من الشقَة، بجانبها رتيل وهي تُغلق أزارير معطفها من الثلوج المتساقطة حتى هذه اللحظة، دون أن تنظر لنايف : شلون أبوي؟
نايف : بخير الحمدلله
رتيل تمتمت : الحمدلله . . ركبت بالخلف بجانبِ غادة التي تعتليها رجفة الرهبة مما يحدُث، عقدت حاجبيْها من المشاهد التي تتدفقُ على عينيْها، منظرُ السيارة السوداء التي تُشبه هذه السيارة وحُطامها المبعثَر، تنهدَت بضيق من هذه الذكرى التي تجهلُ تفاصيلها، أغمضت عينيْها من الوخز الذي تحسَه يأتِ من قطعة زُجاج تغزو محاجرها، وبالحقيقة لم يكُن هناك أيَ شيء يُسببَ لها الوَخز.
مرَت ساعة كاملة بهذا الطريق الطويل حتى وصلُوا للفندق، أخذت نفَس عميق وهي تقشعرُ من البَرد، سَار نايف أمامهم ليصعدَا بالدرج، وقف : هذي الغرفة
أضطربت أنفاسها من اللهفة إلى من فقدتهم الأيام الماضية، إلتفتت على غادة لتهمس : راح أتصل على أبوي عشان يطمَنا على عبدالعزيز . . تأكدي
غادة تنهدَت بتوتر : طيب
فتح لها نايف الغرفة بالبطاقة الممغنطة ليُسلَمها إليها، أخذتها لتدخل على جوَ ساكِن والأضواء خافتة، تبعتها غادة وهي تتأمل الوضع الغريب عليْها.
ضيَ كانت تُصلي على سجادتِها بينما عبير جالِسة دون أن تنتبه إلى أحد، كانت عينيْها على السمَاء التي تذرفُ البياض.
أنتبهت لظلَها، إلتفتت لتتجمَد كتجمَد الأجواء، نظرت إلى العينيْن التي أشتاقت إليْها.
كان من الموجع والله أن أفترق عنكِ! أن تُباعدنَا المسافات ونحنُ لم ننفصِل طيلة حياتنا عن بعض، كان الموجع أيضًا أن أستذكرُ مناوشاتِنا وغضبنا على بعضنا الذي أصبح بعيني أمرًا تافهًا ولا يستحق المُجادلة، أشتقتُك! و خفتُ كثيرًا أن أفقدِك، خفتُ من أن تسلبكِ الحياة وأنا لم أقُول لكِ يومًا أن حُبكِ جميل وأنكِ تستحقينه، خفتُ أن لا أراكِ يا رتيل!
بخطواتٍ سريعة أتتها رتيل لتعانقها ودمعها لا يتوقَف، أضطربت أنفاسها وهي تُغطي ملامحها بكتفِ عبير، أشتعلتْ عينيْها بحُمرةٍ البكاء لتُغمض عينيْها وهي تمسح على رأسِ رتيل وتشدَ على جسدِها : أشتقت لِك
رتيل بوَجع : الحمدلله إنك بخير! لو صار لِك شي كان أنهبلت
عبير بهمس : بسم الله عليك . . بس والله أشتقت لِك كثييير
رتيل : مو كثرِي!! وحشتوني والله وحشتُوني!!!!!
عبِير قبَلت جبينها لتسقط دمعتُها وتُلاصق خدَ رتيل : يا عساني ما أبكِيك
سلَمت ضيَ من صلاتِها، لتقف بإبتسامة اللهفة : وأخيرًا
رتيل إبتعدت عن عبير وهي تمسح دموعها بكفَها، أقتربت لضيَ لتُعانقها بشدَة حنينها : شكلي اليوم ببكي لين أقول بس!!
ضي : عسى هالدموع غير الفرح ما تنزل!
رتيل : آمين يارب . . . إلتفتت على غادة لتعرَف عليهم بإرتباك . . زوجة أبوي ضيَ و أختي عبير . . نظرت لرتيل وضيَ . . هذي غادة أخت عبدالعزيز
ضي و عبير بردَة فعلٍ طبيعية أتسعت محاجرهم بالصدمَة، رتيل بتوتر : أمس وصلت و . . بس . . أجلسي غادة خذي راحتِك المكان مكانك
جلست غادة وهي تشتت نظراتها بعيدًا عنهم، ضي بلعت ريقها : هلافِيك، . .
رتيل : أبوي ما أتصل فيكم؟ أكيد مع عبدالعزيز؟
ضيَ : يمكن . .

،


سَارة تجلسُ أمامها بغضب : بالله؟ أقول قومي غسلي دموعك وخذي لك شاور ينشطك بدل هالحداد اللي عايشة فيه وخلينا نروح المستشفى
أثير ببكاء يبحَ صوتها وهالاتٍ من السواد تنتشر حول عينيْها : تبين تجلطيني؟ أروح وش أقول؟ أقولهم عيدوا لي الكلمة خلوني أسمعها زين
سارة : الحمدلله والشكر!!! أنتِ دكتورة؟
أثير : لا
سارة بإنفعال : أجل أكلي تراب وأمشي يفهمونا الوضع . . إذا بتجلسين على حالِك كِذا بيجيك الموت ماهو من المرض! من الكآبة اللي عايشة فيها
أثير بضيق : جد سارة ما ودَي أطلع ولا أشوف أحد! تكفين خليني براحتِي
سارة : معقولة عبدالعزيز ما شاف التحليل؟
أثير بسخرية مُبكية : على أساس لو شافه بيفتحه! آخر إنسان يهتم هوْ! ما عنده أيَ مسؤولية إتجاه أحد . .
سارة : بس شاطر على رتيل
أثير : وتحسبينه مهتم فيها! حتى هي حالها من حالي!! يحسبنا لعبة!
سارة : وش فيك أنتِ كرهتيه فجأة؟ شكل التحليل لعب بمخك بعد
أثير : ما كرهته بس مقهورة منه! أبي أحد يحسسني بإهتمامه شويَ! السكرتيرة توَ متصلة عليَ وتسألني وأنا زوجي ما أتصل يتطمَن!
سارة : يا مال اللي مانيب قايلة! وأنا وش ؟ صار لي ساعتين عندِك أحاول فيِك نروح المستشفى! يعني ماني مهتمة فيك؟
أثير : مو قصدِي أنتِ!
سارة : طيب أبوك عرف؟ أمك؟
أثير : ما قلت لأحد! قلت لهم بنام كم يوم هِنا!! . . بالله هذا زواج؟
سارة : أثير واضح أنه عقلك تعب معك! صايرة تدخلين بمواضيع كثيرة في دقيقة وحدة
أثير أخفضت نظرها ببكاءٍ عميق : ياربي مقهورة . . . كل شي ضدَنا كل شي يقهرنا! أبيه لي بروحي ما أبي أيَ أحد يشاركني فيه! أبيه يهتم فيني ويقدَرني ويتركها
سَارة بهدوء : يوم وافقتي كنتِي تدرين!!
أثير : توقعت أنه بيطلقها أنه ما يبيها وخذاها مُجاملة
سارة : تستهبلين أثير؟ وش مجاملتة! في الزواج فيه شي إسمه مجاملة
أثير : يقهرني بنظراته لها! أحيانًا أصدَق و أقول ما يحبها ولا يبيها بس ألتفت عليه لمَا يراقبها! والله يا أثير عيونه تنطق
سارة : تتوهمين من الغيرة
أثير أمتلأت المناديل حولها : ما أتوَهم! حتى لمَا عصَب عليها ذيك المرَة ما شفتي نظراتهم لبعض! هُم ما يحكون وأفعالهم بعد ما تبيَن شي لكن نظراتهم تفضحهم! نظراتهم يختي تقهر!!
سارة بسخرية : من متى تفهمين لغة العيون يا روح أمك؟
أثير : إيه تمصخري! عُمرك ماراح تفهمين! أنا أشوف نظرته لي وأشوف نظرته لها!
سَارة : خذي رآي محايدة أنا شفت عبدالعزيز معك بالكُوفي أول ما جاء باريس وشفته مع رتيل مرة ثانية لما كنت أتمشى معك بعد! نظرته لها ما كانت الا نظرة عاديَة، بس شوفي نظراته لِك! كان باين إنك تعني له شي، أنتِ من الغيرة تشوفين كِذا! لو فعلاً عبدالعزيز يفضَلها عليك ما صدَقك أول ما قلتي له وراح لها! هذا يعني إنه واثق فيك بس ماهو واثق فيها، لأنه لو واثق فيها كان كذَبك وقال شغل حريم وغيرة! بس هو ما يثق فيها ودام مايثق فيها أكيد ما بينهم أيَ حُب، يمكن نظراته لها حِقد أنتِ ما تدرين كيف صار زواجهم! لأن لو يبيها ما تزوَج بعدها على طول! هو تزوَجك لأنه يبيك أنتِ، لأن مستحيل تصيل مُشكلة بهالسرعة وهُم أصلاً كانوا مملكين وقتها! فاهمة عليَ ؟ عبدالعزيز يبيك أنتِ وحاجته عندِك أنتِ مو عندها
سكَنت أثير بعد كلامِ سَارة المُقنع لعقلها قبل قلبها، نظرت إليْها : أجل ليه ما رفع السماعة وتطمَن عليَ إلا مرة وحدة؟
سارة : أنتِ عارفة عبدالعزيز من أيام أهله هو كِذا طبعه، ثقيل وما يرفع السماعة على أحد ولا يعطي وجه!
أثير : يصير ثقيل بس مو على زوجته
سارة : وش يعرَفك بعقول الرجال! فيهم طبايع غريبة!! . . أمشي بس للمستشفى . . يالله عشان خاطرِي
أثير تنهدت لتقف : طيب . .


،


تقرأ تغريداتِه دُون أن تضغط على " المُتابعة "، تجمدَت عيناها ناحيَة حديثه مع أحد الأشخاص " بكون في الشرقية هاليومين، عندنا دورة معتمدة من المركز "
رفعت عينها للجوهرة : تدرين مين جايَ؟
الجوهرة بلعت ريقها من الإسم الذي يحضرُ بعقلها، همست : مين؟
أفنان : نواف
الجوهرة نظرت إليها بإستحقار : فاضية! . . أحسب أحد أعرفه
أفنان صمتت قليلاً حتى أرتفع صوتُها بالدهشة : أوه ماي قاد! اليوم لمَا رحت أجيب القهوة كانوا حاطين إعلان! تخيلي الدورة تكون بقاعة إجتماعات المستشفى!
الجوهرة : إيه إحلمي وتخيَلي كثير
أفنان : والله يالجوهرة شفت الإعلان بس يمكن دورة للأطباء أو ناس ثانيين . .
الجوهرة : وش يجيبه المستشفى! من جدَك! وبعدين وإذا جاء! ناوية تقضينها سوالف معه . . عيب و مايجوز . . وحرام
أفنان بضحكة : تحسبيني بروح أضحك معه وأقوله عطني رقمك! طبعًا لا، بس كِذا مجرد فضول قريت إنه بيجي للشرقية وقلت لِك!
الجوهرة : الحمدلله الله يثبتَك
أفنان تنهدَت : بديت أحس إني صرت عانس! كل الناس تزوَجت وبقيت أنا
الجوهرة : نصيبك بيجيك لو وش ما صار!
أفنان : والله إني كنت حمارة يوم رفضت اللي جوني قبل! كنت أتدلع وأقول أهم شي دراستي ومقدر اتزوج وأنا أدرس! هذاني تخرَجت وماعاد أحد خطبني
الجوهرة إبتسمت : الحين تندمين عليهم!!! بالله سكري هالسيرة تجيب لي التوتر
أفنان : صاير كل شي يجيب لك التوتر! الله يستر وش بيطلع ولدِك! إذا أبوه سلطان وأمه الجوهرة
الجوهرة بضيق : عساه يجي بس بصحة وعافية
أفنان : آمين . . يختي خلَي روحك حلوة عشان يطلع ولدِك وش زينه مو يجينا وهو فيه حالة نفسية!!!
الجوهرة إلتفتت للباب الذي أنفتح، إبتسم والدها : مساء الخير
أفنان : مساء النور . . السوَاق جاء؟
والدها : لا ريَان ينتظرك تحت، أنا بجلس عندها
أفنان وقفت : مع السلامة . . وخرجت
والدها جلس بجانبها : شلونك؟
الجوهرة : بخير الحمدلله . . . متى بيطلعوني؟
والدها : بكرا الصبح . . وضع يدِه على يدها المتصلة بالمغذي : وش صار لِك ؟ لا تقولين لي عشان سلطان لأن ما أصدق إنك تنهارين عشان طلاق!! أنا أعرف أنه الله عطاني بنت ما ينافسها أحد بصبرها!
الجوهرة تنهدَت : جاء
والدها : مين؟
الجوهرة بإهتزاز نبرتها : تُركي
والدها بدهشة : تُركي!!! بأمريكا
الجوهرة إلتفتت عليه بضيق : يبه شفته بعيني في المطبخ وكلَمني
والدها عقد حاجبيْه بضيقٍ أكبر من أنها بدأت تتوهمه : بسم الله عليك يا يبه، هو بأمريكا وش يجيبه! مستحيل يجي حتى!!
الجوهرة سقطت دمعتها بتوسَل : والله شفته يبه . . والله العظيم شفته
والدها وقف ليجلس على السرير بجانب جسدِها وضع يدِه على جبينها : يمكن عشان ما نمتي كويَس صـ
تُقاطعه ببكاء : والله يبه . . والله شفته حتى أسأل ريم! تقول إنها شمَت عطره
والدها : كيف تعرف عطره؟
الجوهرة : تقول عطر غريب! ماهو لِك ولا لريَان! أكيد انه له
والدها : الجوهرة . . وأنا أبوك أسمعيني . . لازم ترتاحين ولا تشغلين تفكيرك بأشياء توتَرك!
الجوهرة إرتجفت شفتيْها لتضع أسنانها فوق شفتِها السفلية : محد يصدقني! بس والله شفته . . والله والله
والدها أشتعل قلبه بحُزن عينيْها : خلاص لا تقطعين قلبي عليك! عادِي كلنا أحيانًا نتوَهم مافيها شي! أنا أيام أتوَهم إني شفت أحد وبالحقيقة مافيه أحد
الجوهرة : بس يبه أنا كلمته، أعتذر لي بعد
والدها سحبها إليه ليُعانقها وهو يقبَل شَعرها المبعثَر : ما يقدر يطلع من المصحة الا بإذني! مستحيل . . مستحيل يكون رجع وأنا ماعندي خبر
الجُوهرة بجنُونِ بكاءها إنهارت : الا شفته! . . . لو أتوَهم كان شكَيت لكن أنا شفته وكلَمني! . . والله شفته
والدها بخفُوت : أششش! لا تصرخين وتتعبين!!
الجُوهرة بلا إتزان و تفقدُ وعيْها بين الكلماتِ تدريجيًا : شفته! والله العظيم شفته، بس ما قرَب لي هالمرَة ما قرَب . . . والله شفته
والدها يشدَ عليها بعناقه : اللهم رب الناس إذهب البأس وأشفِ أنت الشافي لا شفاءُ إلا شفاؤك شفاءٌ لا يغادر سقمًا
الجوهرة ببكاء يتصاعدُ أنينه بللت ثوب والِدها بدمعها : قالي آسف . . قالي ما أبغى أضرَك
والدها : بسم الله أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجِد وأحاذر
الجُوهرة بنبرةٍ تنخفض تمامًا : ليه ما تصدقوني! شفته كان بالمطبخ لمَا نزلت! خلاني أرجع بقوة على ظهري . . بعدين ركضت . . حتى صرخت لك يبه . . ناديتِك بس ما جيت! كنت أبيك تشوفه . . .
والدها : بسم الله الرحمن الرحيم قل الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد
الجوهرة : تعبت يا يبه! . . وش ما سوَيت ما تزين حياتي، ما فرحت بأيَ شي مع سلطان لأنه دايم كان بيننا! مقدر ينساه سلطان ولا قدرت أنا! كنت تقولي دايم كثر ما تكسِرك الحياة كثر ما يقوى داخلِك . . بس يبه أنا ما قويت
والدها تنهَد بضيق ويُضعفه بكاءها وهذيانها : قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسقٍ إذا وقب ومن شر النفاثاتِ في العقد ومن شر حاسدٍ إذا حسد
الجوهرة بإنكسار : ما قوِيت! رجَعني لِك، أحفظني بصدرِك ما أبي أحد ثاني
توقَف عبدالمحسن عن القرَاءة من كلماتِها له في وقتٍ يشعرُ بأنه لم يحفظها ولم يحميها من أخيه، تكسرُه هذه الكلمات وتُذكَره بأنه قصَر بحمايتها، قبَل رأسها ليُطيل بقبلتِه،
الجوهرة : تخيَل يبه حتى سلطان يكلَمني ويسألني عن حالي بس كِذا! أداء واجب لا أكثر! أنفصلت عنه يبه . . . تطلقنا . . كسروني كل الرجَال اللي أعرفهم! كسرني ريَان بشكَه و كسرني سلطان بأفعاله وكسرني تُركي ! باقي أنت يبه! لا تكسرني وتذبحني أكثر
عبدالمحسن همس بترديد : أنا معك . . معك يا روحي
الجُوهرة بصيغة الجمع تتحدَث عن سلطان : بس هُم يدرون إني كنت أحبهم وأبيهم! كانوا أقرب لي من روحي! بس راحوا! . . راحوا اللي كنت أحسبهم ما يروحون
عبدالمحسن : خلاص أششششش!
الجوهرة تسقطُ الدمعة تلو الدمعة والرجفة تتبعُها رجفة أخرى: الله معي
بهدوء : صح الله معِك وش حاجتِك بالناس؟
" وش حاجتي ؟ " هو من كان عن العالمين بأكملهم وكان بعينِي كل الناس، أُنادِي بزحامِ الوجَع عن عينٍ أستهدِي بها وكان هوَ الملاذُ ، بعد أن فقدت قُدرتي على الحياة بعد تُركي! ردَها ليْ بكلماتِه و طمأنينة صوتِه، ولكن سُرعان ما سلبَها منِي، سلب السكينة التي تبثَها عينيْه، سلبها وتركنِي مُعلَقة أتكئ على اللاوجُود، ضائعة! أُريد أن أسترَد نفسِي ولا فُرصة لذلك، كسرنِي بحُطام الحياة التي كانت تُرمم نفسها بداخلي، كسَرني وهذه المرَة لا أدري إن كنت أستطيع أن أُرمَم نفسي بنفسي.
: ما أتخيله! هو والله هو
عبدالمحسن بمُجاراة لحديثها : هوْ يا الجوهرة . . . خلاص هوْ!!


،

فتح عينِيه لينظِر إلى عينيَ عبدالرحمن، أستعدَل بجلستِه وهو ينظرُ للمكان الذي يُحيطه بجدارنه المزخرفة بشرقيةٍ بحتة، سقطت أنظاره لرائد الجالس بهدُوء يُراقب الوضع.
عبدالرحمن : عبدالعزيز
عبدالعزيز تنهَـد وهو يمسح على وجهه بعد أن شعَر بثقلِ رأسه بالصداع ، عبدالرحمن يُحرَك شفتيْه دون أن ينطق شيئًا، نظر إليه عبدالعزيز وهو الذي تدرَب على هذه الخاصيَة، تعلَقت عيناه بشفتيْه، في جهةٍ أخرى ينظرُ بإستغراب لصمتِهم : شاركونا الحديث
عبدالرحمَن الذِي يُعطي رائِد ظهره بينما يُقابله وجه عبدالعزيز، عضَ عبدالرحمن شفتِه السفليَة ليُردف بحركةٍ بطيئة لشفتيْه، عبدالعزيز وضع يدِه على فخذِ عبدالرحمن ليُحرَك أصابعه بكتابَةٍ يفهمها جيدًا.
وقف عبدالرحمن ليلتفت إلى رائد : وش نشاركِك فيه؟
رائد رفع حاجبه بسخرية : يعجبني التحفَظ!!
وقف عبدالعزيز وهو ينفض ملابِسه، نظر إلى رائِد بإشمئزاز : هلا هلا بحبيبنا تو ما تبارك المكان بطلَتك، ما أنتهى حسابنا في المرة اللي فاتت
عبدالرحمن : أظن حسابك صار معي
رائد : وش علِيه! لازم بعد نسوَي الواجب!
عبدالعزيز بتعَب يتضح من نبرتِه : لو تبي الواجب خلَ رجالك على جنب!
عبدالرحمن يضع ذراعه أمام عبدالعزيز ليوقفه من أيَ فعلٍ متهوَر!
رائد بإبتسامة ساخرة : ماشاء الله! أمس شويَ وتموت من التعب واليوم فيك حيل تحكِي!
عبدالعزيز تمتم : غبي!!! . . أدخل يدِه في جيوبِ بنطاله وهو يُعطيه ظهره، عبدالرحمن : وين ناصِر؟
رائد بضحكة صاخبة : ما أمشي بالجُملة! يجي سلطان ويطلع ناصِر
عبدالعزيز إلتفت بغضب : ماراح أتحرَك بدون ناصِر
رائد : والله أنتم مُصيبة! هذا وناصِر لاعب من وراك و . .
يُقاطعه عبدالعزيز بصراخ مُشيرًا إليه بالسبابة : أنتبه لكلامِك معايَ!!!
عبدالرحمن بغضب يشدَ على يدِ عبدالعزيز هامِسًا : عِـــز!!!
رائِد بإبتسامة باردة : إيه خلَ أبو زوجتك يأدبِك ويعلَمك كيف تصرخ عليَ!!
عبدالعزيز يشتعلُ بقهره وهو يحاول أن يكتم بداخله قبل أن يُقيم قياماتٍ في هذه الغُرفة الشاسعة.
رائِد : يعني وش تبون أكثر؟ بعطيكم سليمان وتفاخروا فيه وقولوا والله مسكنا واحِد ما يقدر عليه أحد! بتسكتَون كل اللي حولكم بقوَتكم ونجاحكم! . . أمركم غريب جايب لكم النجاح لين عندكم!!
عبدالرحمن برجاء ينظرُ لعبدالعزيز : يالله عبدالعزيز روح . . كلهم هناك ينتظرونك
عبدالعزيز : ماراح أتحرَك بدون ناصِر!!
رائد : سهرتنا اليوم صبَاحية! كل ما تأخرتوا كل ما زاد اللي خبركُم!!! تعرفوني ما أمزح بهالأشياء
عبدالرحمن بحدَة : عزيز!!! روح
عبدالعزيز سعَل ببحَة أضطربت بداخله : قلت لا
عبدالرحمن بغضب يُعطي رائد ظهره ليُقابل عبدالعزيز : رُوح . . همس . . رتيل واختك بروحهم!! وما أضمن لِك رائد أبد
عبدالعزيز بضيق يضع يدِه على جبينه : وناصر؟
عبدالرحمن: يحفظه الله وبعدها بعيوني بحطَه
عبدالعزيز : وأنت؟
عبدالرحمن : مالِك علاقة فيني! أهم شي تروح الحين و
يُقاطعه عبدالعزيز : ماراح اسمح باللي قاعد يصير!!!
عبدالرحمن يُحرَك شفتيْه بحديثٍ صامت، عبدالعزيز أبعد نظره عنه : ماراح أتحرَك
عبدالرحمن : أنت تعبَان! شوف حالتِك!! روح يا عبدالعزيز . . روح واللي يرحم لي والدِيك
عبدالعزيز ينظرُ لإستخفاف رائِد بهم من الخلف وهو يضع رجل فوق رجل ونظراتِه اللامُبالية تزداد : مُستحيل
عبدالرحمن : بكرا بيكون موجود سلطان! . . تطمَن! لازم أحد مع البنات
عبدالعزيز بهمس : خليتوني أواجه الموت أكثر من مرَة! بتوقف على ذيَ؟
عبدالرحمن بضيق : هالمرَة غير!
عبدالعزيز : لأنكم مو ضامنين أيَ شي صح؟ وأنا ماراح أسمح بهالشي
عبدالرحمن : مو قلت راح تنتقم من كل شخص أوجعك! هذا إحنا قدَامِك! نمَر في أسوأ مرحلة في حياتنا
عبدالعزيز بتشتت/بضياع : مسألة إني عندِك الحين هذا ما يعني إني سامحتِكم! لا تنتظر مني عفو!! لكن هالموضوع يخصني ومن حقي أبقى
عبدالرحمن تنهَد : أرجُوك
عبدالعزيز بخفُوت : كم مرَة قِلت أرجوك علَمني! ولا جاوبتني!!!
عبدالرحمن : لا توجعني يا عزيز أكثر من كِذا!!
عبدالعزيز : هالمرَة لا! ماراح أرضخ لأيَ شي يتعلق فيكم!!!
عبدالرحمن برجاء يتوسَله لأولِ مرةٍ بهذه الهيئة : عبدالعزيز، روح
عبدالعزيز عقد حاجبيْه بحدَته : آسف
رائد وقف : أظن يا أبو سعود عِز ينتظر سلطان! يعني مثل ما تعرف أنه سلطان يتحمَل جزء كبير من اللي صار بحبينا عِز
عبدالرحمن أدرك أن رائد يُريد شَحن عبدالعزيز بكلماتِه، لفظ : وأظن أنه الأمر ما يعنيك أبدًا! ياليت تهتم باللي بيننا وبينك بدون لا تتدخل بشي ثاني
عبدالعزيز ينظرُ لعبدالرحمن : ما تهمَوني! يهمني ناصر حاليًا
رائِد : ياخسارة! كِذا بننتظر لين يوصل سلطان عشان تروح مع ناصِر
عبدالعزيز تنهَد ليجلس دُون مبالاة : وأنا بنتظر سلطان بعد . . . .


،

الرياض / الساعة الثانية عشر ليلاً.

وضع جوازِه بجيبه وهو يحاول أن لا ينسى شيئًا، نظر لعبدالله : كِذا أمورنا تمام
عبدالله بتوتر : أنتبه لنفسِك، وأنتبه لهم
سلطَان بضيق لأن الأفكار السيئة بدأت تأتِيه من الآن، سقفٌ يجمعه مع رائِد لا يدرِي ماذا يحصلُ تحته : إن شاء الله . . أستودعني الله
عبدالله بضيقٍ أشد : أستودعتِك الله الذي لا تضيع ودائعه . . .
خرج سلطان ليُجيب على هاتفه : هلا . . . . إيه تمام كثَف الحراسة ما أبغى أحد يفارق بيتي! وعمتي بس تطلع مكان تكونون معها مفهوم؟ . . . . إيه . . . قوَاك الله . . . أغلقه ليركب سيارته متجهًا إلى المطار، أنشغل عقله بالتفكير طوال الطريق.
لا أدرِي إن كان ليْ عودَة هُنا! هذه المرَة يا نحنُ يا رائد، لا مجال للوسطيَة في الموضوع، إما نفرح ونهزمهُ بشَرِ أعماله أو يهزمنَا ولا يُبقي لنَا ما يستحق الحياة، هذه المرَة النهايـة!


،


كتبَ على أولِ صفحة بيضَاء بخطٍ يُربكه الرحيل " إلى من أحسنَت على الوجُودِ من عبِيرها، كتبتُ لكِ ما وددتُ ان أعيشه معكِ، أُريد تخليد الحياة التي أفترضتهُ ولم تقبلي بها، عسَى أن تقبلِي بجفافٍ صابهُ السيْل وأنجرف إليكِ . . . . فارس "
إلتفت عليه : خلَصت؟
فارس وضع الكتاب في جيب الكرسي الخاص بالسيارة، نظر للمكان الذي يقطن به والِده : بتجي معايْ؟
: راح ننتظر لين تطلع الشمس!! . . . بقُولك شي وأقبل فيه يا فارس سواءً كان ضدِك أو معك
فارِس إلتفت عليه ليلفظ برجفة شفتيْه : بالنهايَة مافيه حل وسَط!!
فارِس ببياضٍ يخرجُ من بين شفتيْه : قبلت! قبلت بتَركِي لعبير! وما رضيت بالوسط أبد
: أقصِد باللي يخص أبوك
فارِس بغضب ركل السيارة بقدمِه : أنتهت حياتي أصلاً يا . . .


،

وضع السلاح خلف رقبتِه : أظن ما يخفى عليك وش ممكن أسوَي! نادَها لو سمحت قبل لا أستخدم أسلوب ماهو لطيف أبدًا
نايِف أنشغل عقله بالتخطيط : طيب . . مشى معه وهو يُخبئ السلاح بعيد عن أنظار الموظفين بالفندق، صعد الدرج حتى وصَل لغرفتهم، همس من خلفه : ناد لي أيَ وحدة ويفضَل زوجة بو سعود!!
نايِف طرق الباب، وقفت رتيل على أطرافِ أصابعها حتى تنظرُ من العين السحريَة، إلتفتت عليهم : هذا نايف . .
لفَت حجابها بصورة سريعة لتفتح الباب، نايف : ممكن تجين شوي معي
رتيل بخوف نظرت إليهم لتُردف : ليه ؟
الذي بجانب نايف نطق بصوتٍ خافت لا يدلَ على نواياه : خلاص مو لازِم! نادِي أختك أو . .
تُقاطعه رتيل : بس أبغى أعرف!
: نادِي لنا زوجة عبدالعزيز
رتيل : أنا زوجته . . فيه شي؟
نايف بإرتباك : معليش أزعجناكم بس . .
رتيل بتهوَر : لا خلاص عادِي . . . أغلقت الباب لتتقدَم إليهم وهي تطمئن بوجودِ نايف، نزلت معهم دُون أن تعلم ماذا يحدث تحديدًا، ودُون أن تفكر بمنظر الرجل الغريب عليها وهي التي تحفظُ موظفين والدها تمامًا.
خرجُوا للشارع، إلتفتت رتيل بإستغراب : وين بنروح؟ أبوي هِنا؟
: بس نوصل لنهاية الطريق عشان يكون فيه إشارة للجوَال
رتيل تنهدت براحة لتسير معهم حتى أتجها لطريقٍ منعزل تمامًا ولا يحوِي أحدًا، نايف بقوَة دفعه ليسحب قدمِه ويُسقطه، الآخر بإنفعال صوَب بإتجاه رتيل التي ألتفتت وأطلق النَار عليْها.
نايف تجمدَت قبضة يدِه التي كانت مُتجهة إليه لتُلكمه، إلتفتَ لرتيل بصدمَة أتسعت معها محاجره . . .

.
.

أنتهى نلتقي على خير إن شاء الله.
اللهم أحفظ بلادِنا وبلاد المسلمين ، و يارب أجهل كل سطِر كتبته يشهدُ ليْ ولا عليَ ويجعلُ كل عينٍ تقرأ يشهدُ لها وقتُها بكل خيْر ولا عليها يا رب ()




بحفظ الرحمن *

لمحت في شفتيها طيف مقبرتي .. تروي الحكايات ان الثغر معصيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن