Part 56

68.7K 512 106
                                    

-




لفقد أبي وأمي والحبيبيـــن
هل سأراهم أم أن ذلك بعيـد
أبكيت عينيــي الحزينتيــــن
ماهذا الذي تقولـه ياوليــــد؟
هذا الذي أعرفه أرجوك لا تبكين
هل تَرىَ أن قلبي من حديد
أنا مثلك مصاب ولأجلك حزين
لا تلمني كل يومٍ همي يزيد
عند لقائك بزوجك قد ترتاحين
وأهلي وأخي وأختي ياوليد؟
اصبري وأن الله مع الصابرين
وهل عبدالعزيز مات أم فقيد
أدعي لهم بالمغفرة ولا تجزعين

* وصف المشاعر.





رواية : لمحت في شفتيْها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 56 )

فتح عينه على صرختها التي ضجَّت زوايـا البيت و حفرتْ بغشاءِ أذنه إبرٍ حادة الحواف ، أستعدل بجلستِه من الأريكة التي كسرت ظهره ليتمتم بإستيعاب لِمَا سمَع : الجوهرة !!
بخطواتٍ سريعة صعد للأعلى وأفكاره تضيع بين أشياءٍ كثيرة لا يستطيع التركيز بها إلا أنه يثق تماما بالحُراس المحاصرين البيت تمامًا والحيّ بأكلمه ، ثبتت أقدامه على الدور الثالث لينظرُ لحصـة المُعانقة للجوهرة وتحاول أن تُهدئها ببعضِ الكلمات الناعمة.
سلطان نظر لعائشة الواقفة علَّهُ يلتقط شيئٌ يفهمه ولكن سُرعان ما أنسحبت الأخيرة بخوفٍ يتجعدُ بملامِحها ، جلس على الأرض بالقُرب من عمتِه ليهمس : وش صاير ؟
حصَة لم تُجيبه وأكتفت برسمِ علاماتٍ تُنشط بها عقل سلطان الناعس ، بصوتٍ ثقيل : طيب .. الجوهرة
حصة وقفت لتتركها : بروح أسوي لها شي يخليها تسترخي ..
ضغطت بيديْها على رُكبتيْها المتلاصقتيْن وشعرُها يتناثر على وجهها المُنجذب للأرض التي لم تبتسم لها يومًا، أكان ثقيلاً على هذه الأرض أن تُزكِي عن نفسي الحزينـة وتُعطيني قطعةً منها لا تعرفُ للبؤس جوًا ؟ هذه الأرض مازالت تُمارس ضياعها في قلبي الذي بحجمِ الكفّ ! أكان لزامًا عليها أن تضيع وتُضيِّعني معها.
سلطان عقد حاجبيْه ، أبعد خصلات شعرها بأصابعه : ماراح تقولين لي وش فيك ؟
الجُوهرة بإختناق : أبي أبوي
سلطان : أدق عليه ؟
الجوهرة بنبرةٍ تحشرج بها البُكاء : أبي أرجع بيتنا
سلطان بهدُوء : أنتِ في بيتك
الجُوهرة رفعت عينها له لتضغط على شفتِها السُفليـة بأسنانها العلوية وكأن هذه الطريقة الطفولية ستمنعها من البُكاء، لا أعرف لِمَ نُجاهد أن نُمثِّل اللامبالاة ونحنُ خلقنا من تُراب قابل للتطاير والصمُود ، لسنَا من حجر حتى نتحلى بالجمُود على الدوام.
سلطان بحدَّة باغتت نبرته : وش صاير لك ؟
الجُوهرة تنظر لِمَ حولِه ، ليسترجع عقلها عائشة التي صدمتها بالأعلى حتى خُيِّل لها أنها سُعاد، ذاك الوجه البشوش الذي رأتهُ بإحدى الصور التي تجمعها مع سلطان، أتت صرختها بعنفوان الدهشـة والخوف، أتت بحدةِ الحُب الذي ينمو في داخلها دُون حاجتها لحنان/إهتمام يُحفِّز هذا النمو، روحها عطشى منذُ أن وُلِدت لم يتغيَّر شيء، تستطيع التكيُّف بجوِ سلطان الصحراوي الذي يشتدُ بضراوتِه، قادرة أن أتحمل ولكن هذا الحُب الذي يكبرُ يومٌ عن يوم يزدادُ بحدَّةِ أطرافُ النبات الذي يُعشعش بأرضِك يا سلطان.
الجوهرة : وش صاير!! أبد سلامتِك .. وقفت ليسحبها من معصمها بغضب حتى سقطت بجانبه. لو أن أحدًا غيرها لن يصرخ بهذه الحدة أو حتى لن يخاف من إصطدامه بشخصٍ ما، لكن أنا ؟ دائمًا أختلف عن البقية حتى في خوفي، أخشى أن يأتِ يومًا أخافُ به من ظلِّي.
أردف رافعًا حاجبه بحدَّة : هالأسلوب ما يمشي معي
بربكة الحواس شتت نظراتها التي ترمشُ بتناسب طردِي مع نبضات قلبها المُتصاعدة.
سلطان بصيغةٍ أمر بالجواب : وش اللي صار تو ؟
الجوهرة بقهرٍ تراقص على نبرتها : دلع بنات ما يهمِّك
سلطان بحدةٍ أكبر : وش اللي صار تو ؟
الجوهرة رفعت عينها للسقف حتى تمنع الدموع من التساقط وبخفُوت كأنها تُحادث نفسها : كنت أشوف صور زوجتك وعلقت في بالي بعدها طلعت لي عايشة ... و
يُقاطعها : مين زوجتي ؟
الجوهرة ثبتت نظراتها به لتغرق في حصُونِ عينه ،أصطدم قلبها بقوَّة في صدرها الرقيق : مين عندك غيرها ؟
سلطان بهدُوء ملامحه : ما أعرف إلا وحدة
الجوهرة شعرت بوخزِ الإهانة في عُنقها الذي بقيَ خاويًا بعد تجمُع الضربات في صدرها، ألتزمت الصمت لتنظرُ لعينيْه.
أكمل وهو يقف : تعرفينها ما يحتاج أقولك
مدّ يدِه لتُعانق كفَّها وتقِف من على الرُخام البارد، سحبت كفَّها لتُردف بضيق حروفها التي لاتُنطق عادةً : أبغى أروح لأهلي
نزل بخطواتٍ بارِدة تُشبه برود أعصابه الآن : طيب
الجوهرة : أكلم أبوي ؟
سلطان ألتفت عليها : لا وهالموضوع لا ينفتح
بغضب أتى ناعمًا كخامة صوتها الرقيقة : بتمنعني عن أهلي ؟ أنا برتاح!! تعبت نفسيتي من هالبيت وهالمكان
سلطان : تعاملي مع مشكلتك بنفسك
الجوهرة تقف عند آخر عتبة من الدرج في الطابق الثاني، بمُقابل جناحهم : مشكلتي هي مشكلتك!! توِّك تقول زوجتي يعني مسؤول عني
أبتسم وهو يستفزها ببروده : مسؤول عنك؟؟
الجوهرة تستقيمُ بظهرها لتتضح قوتها بمثل مفهومها : إيه رضيت ولا ما رضيت أنت مسؤول عني، إسمي زوجتك وعلى ذمتك سواءً برغبة منك أو لا
سلطان : شكرًا على الدرس الأخلاقي .. وأتجه نحو غُرفتهما لتلحقه ومازالت دموعها تُبلل ملامحها الدافئة.
أردفت : ليه تعاملني كذا ؟
سلطان يفتح أزارير قميصه مُتجهًا لدولابِه : كيف تبيني أعاملك ؟
الجوهرة : لا تتناقض وبيكفيني هالشي
سلطان رفع حاجبه : تناقضت!!!
الجوهرة بحرج بدأت تنظرُ لكل الأشياء ماعداه.
سلطان الذي يخشى أن يتعرى بقلبه أمامها أردف : لازم ليْ أصحح لك معلوماتك
الجوهرة بحدةِ موقفها : طيب صحح ليْ ؟
سلطان تنهَّـد : خلينا ننهي هالنقاش عشان عيونك لا تبكي أكثر
الجوهرة نظرت إليْه بسهامٍ حادة تخترق عينيْه الواثقة ، أردفت وهي تمسحُ دموعها المترسبة على ملامحها : أبكي؟ أنا لو أبكي تأكد أنه ماهو عشانك! أبكي على عُمري اللي ضاع معاك
سلطان بتجاهل : كان الله في عونك

،

الساعة تقتربْ من التاسعة مساءً ، أتصل عليْه بحزنٍ يُلامس أطراف يدِه : أحجز لي بأسرع وقت ، لو مافيه رحلات شف لي ترانزيت .. أبي هاليومين أكون في باريس.
فيصل : أبشر الحين أدوِّر لك حجز
ناصِر بضيق : أنتظر منك رد .. وأغلقه دُون أن يسمع جوابٍ ، ينظرُ للسواد الذي يُحيطه بعد أن شعَر بأن الحياة تتذبذب بلزوجة أسفل قدميْه، لا يستطيع أن يتزن أبدًا أو يُصدق أن قلبُها مازال ينبض إلا حينما يُلامس قلبُها بيدِه ويتحسس نبضاتِها بعناقها، أحتاج أن أراهَا بصورةٍ حسيـَّـة تُحرِّك ذاكرة القلب كيفما تشاء، أحتاج ان أستسلم لهذا العالم حتى يُبعد عنِّي " بياخته " المُلازمة له في تشتيت طُرقنـا. أحتاج أن أحيـا على عينِ غادة وقلبِ غادة ورائحةِ غادة وكُل غادة.

،

يسيرَان بخطواتٍ سريعة طويلة ، يُخرج هاتفه المُغلق حتى يعكس بشاشته صورة الرجل البعيد جدًا ولكن مازال يُلاحقهم، أخذ نفسًا عميق ليُردف بصوتٍ خافت : لو صار شي ترجعين لنفس الفندق وتخترعين أي كذبة عشان تدخلين الغرفة قولي أنك نسيتي جوالك أو أي شي.. وأتصلي على فندقكم بباريس من تليفون الغرفة وكلمي أبوك... أخرج من محفظته بطاقة فندقهم .. هذا رقمكم ...
رتيل بتشتُت : وأنت ؟
عبدالعزيز : معاك بس لو صار شي تعرفين كيف تتصرفين!
رتيل بربكة : طيب ...
عبدالعزيز ينظرُ لمحل الهواتف : أدخلي وأشحني الجوال بس 10 دقايق يكفينا
رتيل بهدُوء دخلت بينما عبدالعزيز واقف ينتظرها بالخارج ويُراقب أفكارها التي بدأت تخيط بحيلةٍ حتى يهرُب.
إلتفاتاتها الكثيرة تفضحُ خوفها الذي يُداعب شفتيْها المُتشققة بفضلِ أسنانها المُرتبكة : شكرًا .. بعد أن مرَّت أقل من 10 دقائق ، أنهالت عليها الإتصالات الفائتة : بتصل على أبوي
عبدالعزيز مسكها من معصمها ليدخلان طريقًا فرعيًا مُقارب من نهر السين الذِي تُعتبر هي عاصمتُه.
رتيل بخوف : ما يرِّد !!
عبدالعزيز : على مقرن ؟
رتيل بدأت أنفاسُها الخائفة تتصاعد : ماعندي رقمه الفرنسي .. نسيت لا أحفظه لأنه غيَّره أول ما وصلنا
عبدالعزيز : عبير .. مرت أبوك .. اي أحد !!
رتيل أصابعها المرتجفة تخطأ في كل مرة ، باغتها إتصال والدها لترُد بصوتٍ متلهف : يبـــه
عبدالرحمن : وينكم ؟
رتيل : في روَان
عبدالرحمن : طيب الطريق مسكرينه أنتظروا بالسيارة للغروب وبعدها راح نجي
رتيل بربكة كانت ستتحدث لولا يدِ عبدالعزيز التي سحبت الهاتف : هُم في روَان !!
عبدالرحمن تنهَّد : مافيه طريق ثاني يوصلني لـ روَان طيب! عز حاول قد ما تقدر تروح لآي مكان آمن بس لين الغروب وساعتها إن شاء الله بنكون عندك
عبدالعزيز بغضب : سلاحي بالسيارة اللي تعطلت ومعاي رتيل وفيه واحد يلاحقني! وش أسوي ؟ فرضًا كان مسلح بجلس أدافع عن نفسي بأيش ؟
عبدالرحمن بمثل غضبه : طيب أنا وش أسوي ؟ رحت مرتين والشمال كله مسكرينه ..
عبدالعزيز تنهَّد بعد صمتٍ لثواني : وش صار مع رائد ؟
عبدالرحمن : ماعندنا خبر عنه لكن أكيد الحين شاك فيك لأنك خلفت بالموعد بدون لا تبلغه .. بس تجي نشوف لنا عذر له
عبدالعزيز : طيب ..
عبدالرحمن : الله يحفظكم بعينه اللي ما تنام .. أنتبه لنفسك ولا تروح لمناطق فاضية .. خلك بمركز المدينة
عبدالعزيز : إن شاء الله .. وأغلقه ليُردف : أغلقيه عشان ماينتهي شحنه
رتيل : بننتظر لين الغروب ؟
عبدالعزيز : أيه .. نظر للسماء التي تُنبأ عن مطرٍ سيزور الأرض قريبًا، تبللت فرنسـا بأكملها هذه الأيام، والأكيد أنها تزُور قبر أحبابي، ماذا لو كان هُناك شيئًا يجعلني أتحسس ما بهم وهُم نائمين بسلام منذُ عام وأكثر؟ يالله لو أن الطُرق تقودني لهُم الآن؟ أنا في أشَّد أحزان هذا السماء أتذكركُم. يالله لو يأتيني حلم سعيد يجمعني بكم ، أن يأتيني عيدٌ أبيض يجعلني أبتسم فقط. إلهي! " وش كثر " أنا مشتاق وبيْ من الحنين حدُ الهذيان.

،

دفعه بقوة حتى أسقطه على كُرسي من جلدٍ أسوَد، شدُّهُ من ياقتـِه بعد أن شطَر ظهرهُ نصفيْن إثر ضربته له ، صرخ به : تبي تجنني!!
فارس الذِي نزَف من أسفلِ شفتيْه ألتزم الصمت لا يُجيد التجادل مع والدٍ غضبه يُشبه ريحٍ تقتلعُ كُل من مرّت به.
رائِد بغضب ترك ياقته ليعُود لمكتبه ويُخرج سيجارةٍ يُدرك أنها لن تُطفىء النار التي توهّجت بصدرِه ، منذُ متى والأشياء المُحرَّمة تُطفىء شيئًا غير طريق الطاعة ؟ أدرك تمامًا أن ما بينْ أصبعيّ نارٌ يتحرك وأنا أزيدهُ إشتعالاً : من متى تعرفها ؟
فارس بهدُوء مُشتتًا نظراته : سنة و 7 شهور
رائد : والخيبة والله
فارس : ما ضريتك ولا ضريتها !
رائد بصراخ : تآكل تراب !! هذا اللي ناقص بعد قل أنك تحبها ومهتويها عشان أهفِّك بـ ذي *أشار لطفايـة السجائر*
فارس جلس على الأريكة الوثيرة دُون أن ينطق شيئًا وهو يسحب منديلاً يمسح به دماءه.
رائد ينظرُ إليْه مُستغرقًا جُلّ وقته ليُردف : كيف عرفتها ؟
فارس : لما أرسلتني للي يستأجر مزرعة بوسعود
رائد وهو ينفث دخانه : كنت حاس ..
فارس : قدرت أفتح الغرفة وكانت غرفتها
رائد بسخرية : خروف !!! حبيتها من صور
فارس نظر لوالده بحدَّة : ماهو من صور!
رائد بحالمية صوته الساخر : إيه أطربني كيف حبيتها ؟
فارس مُتجاهلاً سخريته ليُثقل من نبرته الرجولية : أعجبت فيها وبديت أفكر .. يعني أفكر فيها دايم وأنت يا يبه ما مليت حياتي بشي عشان أفكر بشي ثاني !! بسهولة قدرت تسيطر على عقلي ، ورجعت للمزرعة مرة ثانية وقمت أفتش بغرفتها لين شفت رقمها و .. الباقي ما يهمك
رائد بإبتسامة : مراهق!!
فارس : تستهين بالحب كثير لأنك ما جربته
رائد يُطفىء سيجارته : إلا مجربه مع أمك الخيبة الثانية !! وعارفه زين .. وبنت عبدالرحمن تدري وتحبك بعد هالخيبة الثالثة ؟
ضحك فارس من وصفه ليُردف : لا
رائد : كويِّس والله! تعجبني الدراما اللي معيِّش نفسك فيها
فارس بجديّـة : لو ما شفتها كان صدق كنت خروف وراك يا يبه
رائد : يعني حُبك لها عزز رجولتك ؟ ماشاء الله عليك تقتلني بهالرجولة !!
فارس : لك قناعاتك ولي قناعاتي
رائد بنظرة شك : وبس؟ مجرد مكالمات!!
فارس أبتسم بإنتصار خفيف : رجالك ما قصروا معي
رائد عض شفته بغضب وقبل أن يُردف شيئًا باغتهُ صوت فارس الممتلىء بصخب الرجولة : إذا أنت ذكي أنا أذكى منك يبه وإذا حمد يحاول يتشيطر عليّ فهو غلطان!! يحزني والله أني أعرف كل أمور شغلك ويحزني أكثر أنه رجالك ما ينوثق فيهم وعلى فكرة السجن الأنيق اللي كنت ساكن فيه طلعت منه أكثر من مرة وبغباء فادح من حرَّاسك وأزيدك من الشعر بيت .. كل أمور عبدالرحمن آل متعب عندي ولأنك للأسف فشلت بأنك تلقى لك جواسيس عندهم أنا قدرت ألقى ليْ !! شايف الفرق بيني وبينك ؟ أنا مراقب كل شي لكن ماأضر أحد أما أنت ماتدري وش صاير في الدنيا وتضر العالم بكل همجيـ
لم يُكمل من الطفاية التي أتت بجانب حاجبه الأيمن حتى خدشته بقوَّة. وقف مُتجهًا إليْه وهو يعلم أن فارس يحاول أن يتمرد عليْه ولكن حذارِي أن يكُون بهذه الصورة.
وقف أمامه والدماء تقطُر من جبينه : أنا قابل بأنك تضربني وتمسح في كرامتي الأرض! لكن تأكد أنه عمري ما راح أضرِّك أو ممكن أفكر أني أضرِّك حتى لو عشان اللي حبيتها واللي مستهين في حُبها !! .. مستعد أخسر كل شي ولا أخسرك لكن أنت مستعد تخسر هالعالم كله بس ما تخسر مصلحتك !! وهالفرق يا يبه يذبحني !
رائد أخذ نفسًا عميقًا و لا يفصلُ بينه وبين إبنه إلا خطواتٍ ضئيلة ، تراجع للخلف ليجلس : مين اللي يوصِّلك المعلومات ؟
فارس : راح
رائد بحدة : فارس لا تلعب معي!!
فارس : والله سافر
رائد : كم مرة رشيتهم ؟
فارس ضحك بسخرية على حاله : بالشهر 5 مرات يمكن ..
رائد : وبمقابل كم ؟
فارس : الفلوس اللي تحطها لي كل شهر ما اصرف منها شي
رائد : وحمد ؟
فارس بخبث : اللي وصله لك قادر يوصله لغيرك
رائد : أوكي يا ولد الكلب
فارس نظر لوالده بإستغراب شديد من وصفه الأخير.
رائد بغضب جنوني : إيه أنا كلب يوم خليتك مع الحمار الثاني!!
فارس بهدُوء جلس بمُقابل والده ليُردف : يبــه ،
رائد بحدة يُقاطعه : أنقلع عن وجهي لا أرتكب فيك جريمة
فارس تنهَّد ليعُود لصمته وينظرُ لوالده ، مازال جالسًا وكأنه يُريد أن يخفف عنه هذا الغضب.
أستمرت الدقائِق ليعُود رائد لسيجاراته وغضبه الذي ينفثـه ، يقطعُ عقرب الساعة الثواني ويُثير رتابتها. ألتفت لإبنه : وش تعرف عن عبدالرحمن ؟
فارس : فيما يخص بنته بس
رائد : كذاب!!
فارس بلع ريقه ليُردف : بخصوص شغله ماأعرف شي
رائد ببرود : صدقتك
فارس: قلت لك يبه مستحيل أضرِّك بشيء يعني لو أعرف أي شي بقولك
رائد : مشلكتي أثق فيك تربيتي وأعرفك زين بس الكلاب شغلهم عسير معي!! اجل قلت لي 5 مرات بالشهر ترشيهم
فارس ضحك ليُردف وهو يُقبِّل كتفه القريب منه : للأمانة آخر شهرين بطَّلت رشاوي!
رائد بإبتسامة تُشبه سحر إبنه : عاد تركت هالعالم ومالقيت الا بنته !
فارس : قدر إلهي مالي سلطة عليه

،

سَارَ بخطواتٍ خافتـة إليْها، شيءٌ ما يجذبني إليك وأكثرُ مما ينبغي تُساق أقدامي إليْك ، جلس بعد أن شعَر بهدُوء بكائها، لا يعرفُ لِمَ يجرح وبمثل الوقت يوَّد أن يُراضِي ويُطبطب الجروح الطريَّـة ، تشتت أفكاره ليلفظُ بين زحمتها صوتٌ هادىء : ريم
لم تُجيبه مازالت تغرزُ رأسها بالوسادة القطنيـة، شعَرت بضياعٍ حقيقي فلا أحد يستطيع أن يواسيها أو حتى يُخفف عنها وطأةُ حديثه أو رُبما ينصحها، يُخبرها بما يجب أن تفعله الآن. تشعرُ بالوحدة/الوحشة.
كرر إسمُها الذي يمرُّ بإنسيابية على لسانه : ريم
أدخلت أصابعها في ضيق المساحة التي تفصلُ بين وجهها والوسادة، لتمسح دمُوعها الشفافة ، ألتفتت عليه لتستلقي على ظهرها وتنظرُ له.
ريَّـان بإتزان : صلِّي العصر بالأول بعدها نتكلم
ريم ببحّـة : جمعتها مع الظهر
ريَّان تنهَّد : طيب .. قومي
ريم أستعدت بجلستها لتسند ظهرها على السرير : أنا كذا مرتاحة
ريَّان : طيب .. بغضب أبتعد مُتجهًا للتسريحة ، أخذ هاتفه ومحفظته ليخرج مُغلقًا الباب بشدَّة تخدش قلبها الرقيق، لِمَ يفعل كُل هذا ؟ مَن مِن حقه أن يغضب ؟ أليس أنا ؟ الذي شكّ بيْ وكأني لاأنتمي لخُلقٍ حسَنٍ واحد! لا أعرفُ لِمَ مزاجيته مُتغطرسة لهذا الحد ؟ يغضب متى ما يُريد و يرضى متى ما يُريد ؟ وأنا ؟ أليس لديْ مشاعر ويجب أن يُراعيها ، لستُ تحت حكم مزاجيته المُتذبذبة. ولن أكون كذلك. مثل ما يغضب يجب أن يتحمَّل عوائِدُ غضبه.

،

أغلق هاتفه بعد إتصال سلطان، أستغرق طويلاً وهو يحلل معه كيف أنَّ هُناك طرفٌ يتلاعبُ بكلا الجانبيْن، حديث سلطان الذي يؤكد فرضيتي بأدلةٍ غابت عن عقلي! أشياء كثيرة لا يتسعُها المدى تُخبرني بأن هُناك أمرًا سيفلت من سيطرتنا قريبًا.
مسك القلم وبدأ بالتنقيط على الورقة البيضاء وبعلمِ جيدًا أن هذه النقط تعني أشياءً كثيرة وأحداثٌ أعظم.
نظر لضيء التي تدخلُ عليه : السلام عليكم
عبدالرحمن : وعليكم السلام
ضيء : وش صار مع رتيل ؟
عبدالرحمن : الطريق الرئيسي متعطل ، بلغونا أنهم بيجرون إصلاحات روتينية وبينفتح على الغروب مرة ثانية
ضيء : غريبة!! مو داخلة مزاجي سالفة الطريق متعطل
عبدالرحمن بسخرية : أصلاً هو فيه شي يدخل المزاج !!
ضي أبتسمت بمواساة : أهم شي أنها مع عبدالعزيز ومتطمن عليها
عبدالرحمن تنهَّد : الحمدلله
ضي جلست بالقُرب منه لتسحب كفِّه التي تكتُب وتُعانقها بين كفيّها : ماأحب أشوفك متضايق ومهموم!! .. إن شاء الله كل الأمور سهالات لا تستبق أشياء ما بعد صارت وتفكر فيها وتتضايق
عبدالرحمن : مقدر أمشي على البركة! أنا في شغل ماني جالس أمارس هوايتي
ضي : دارية يا حبيبي بس ولو ؟ يعني شوف نفسك بالمرآية لا تآكل كويس ولا تنام كويِّس وكل تفكيرك منحصر بشي معين، خذ نفَس شوي وأرتاح
ألتزم الصمت لثواني طويلة حتى أردف : وين عبير ؟
ضي : راحت تغيِّر ملابسها!!
عبدالرحمن مسح على وجهه والإرهاق يفتكُ به : صار شي غريب معكم ؟
ضي : لآ ، جلسنا شوي بعدها وصلنا أفنان شقتها
عبدالرحمن : ليه ما قلتي لها تجي هنا ؟
ضي : قلت لها بس قالت بترتب أغراضها عشان آخر أسبوع لها بيكون في كَان

،

رمى عليه بعضُ قطرات الماء حتى يفيق : فيه أحد ينام هالوقت ؟
يُوسف بإمتعاض : ماهو وقتك أبد
منصُور : اليوم منت على بعضك
يوسف يستعدل بجلسته بعد أن أتعبهُ النوم على الأرض في مجلسهم : أذن المغرب ؟
منصور : لآ تو باقي نص ساعة
تنهَّد ليتجه نحو المغاسل الواضحة لعينِ منصور الجالس في صدرِ المجلس : فيك شي ؟
يوسف : وش بيكون يعني ؟
منصور : مدري إحساسي يقول صاير شي
يُوسف : وفِّر إحساسك لنفسك
منصور بسخرية : دام حوَّلت الموضوع لشخصنة فأنا صادق بكلامي
يُوسف يأخذ المنشفة الرماديـة ويمسح بها وجهه : يازينك ساكت
منصُور رفع حاجبه : يخص مين ؟
يُوسف بهدُوء : سالفة فهد اللي ما تنتهي
منصُور بقهر : يوم قلت لكم نفتح القضية من جديد قلتوا لا مانبي مشاكل!! وحياتك يعني ؟ بتضِّل طول عمرك بنظرها أنك أخو شخص قتل أخوها!!
يُوسف : أقدر أقنعها بمليون طريقة بس ماهو بالشرطة وبمشاكل القضية اللي إذا أنفتحت ماراح تتسكر بسهولة
منصور تنهَّد : قولها السالفة كلها! لا تقول ماله داعي تعرف التفاصيل لأن لو ماعرفت منك بتتوهَّم أشياء مالها أساس
يُوسف بحلطمة : أستغفر الله بس.
،

تنظرُ له بنظراتٍ خافتة لامُباليـة، يضع كُوب الشاي الدافىء أمامها، أنشغل بهاتفه حتى لا يُربكها بعينيْه رُغم أنَّ سهامُ عينها لا تنفَّك من المرور بجانبِ محاجره. رفع رأسه ليُردف : ودِّك تحكين بشي ؟
غادة بصدّ : لا
وليد يُدخل هاتفه بجيبه : ماتبين تعرفين وش صار على ناصر ؟
غادة بنبرةٍ مقهورة تنفجر بالكلمات المحشوَّة بالعتب : طيب ناصر وينه ؟
وليد : قريب بيكون هنا
غادة : وينه عني من زمان ؟ تقول أنه صار لي سنة وأكثر ومحد عندي غيرك!!
وليد بنبرةٍ كاذبة ، يكرهُ نفسه حين يطعنُ قلبه بالمثالية التي يمقتُ تشبثه بها : يجيك دايم
غادة بضيق : فجأة كلهم يختفون من حياتي!! كذا فجأة!
وليد : طيب تفكيرك بالماضي ماراح يرجعهم لك! فكري بحياتك وبمستقبلك الجايْ ، عندِك بكالريوس إدارة أعمال ومؤهلك عالي وتقدرين تشتغلين وتكملين حياتك
غادة : طيب والناس ؟ أبي أهل وناس تسأل عنِّي .. كيف أعيش بهالوحدة ؟
وليد: طيب مافيه أبسط من الصداقات! .. و ناصر
غادة : ناصر وناصر وناصر!! ماأعرف كيف هالعالم يمشي !! ماني قادرة أستوعب الموضوع ، أفقد ذاكرتي لآخر 5 سنوات وأسمي مقترن بناصر و ماعندي أهل !! .. يالله كيف الواحد يقدر يستوعب هالشي ؟
وليد تنهَّد : هذي الدنيا وبتمشي كذا!!، أكيد أنتِ حزنتي بوفاتهم فلا تعيشين نفس الحزن مرة ثانية، هذا قضاء وقدر ولازم تؤمنين فيه وتصبرين عليه
غادة : ودي أعرف كيف كانت حياتي بعد وفاتهم!
وليد صمت لبُرهة، و بتقاطع الثواني الضيِّقة أتى صوتُه : عشتِ عند صديقة لك إسمها أمل وكنتِ تجيني تتعالجين في ميونخ، بعدها أنتقلتِ لباريس ويَّاها و.. رجعت السعودية وتركتك. لين صار الحادث الثاني وهذا أنتِ بصحة وعافية
غادة : كنت أتعالج من أيش ؟
وليد : نفسيتك كانت مضطربة
غادة بألم : أكيد بعد وفاتهم تشتت
وليد : أكيد، وتذكري أنه عندك ناصر .. قريب إن شاء الله راح يجيك وبتشوفينه أكيد هو مشتاق لك وأنتِ مشتاقة له
غادة : ليه ما تفهمني؟ مابيني وبينه الا كلام سطحي وسطحي حيل .. أشوفه كثير بس ماأعرفه شخصيًا
وليد : تعرفينه يا رؤ .. أقصد غادة.. وبتسترجعين نفسك معاه
غادة : رؤى!! ليه تناديني فيه
وليد أبتسم : مدري ليه كذبتِ عليّ مع أمل
غادة بمثل إبتسامته : شكلي كنت ملكعة
وليد : تعرفين شي ؟ رب ضارة حسنة .. قبل فقدانك للذاكرة كان بشكل كلي للماضي لكن الحين الحمدلله أنك تتذكرين كل شيء ماعدا هالخمس سنوات! صدق عُمر ويمكن صارت أشياء كثيرة منها زواجك من ناصر .. لكن هالـ 5 سنوات راح تسترجعينها بعد الله من ناصر .. هو بروحه اللي يقدر يساعدك عن الخمس السنوات اللي فاتت من عُمرك، تعرفين يا غادة أنه الإصابات على المخ ماهي ثابتة ومحد يقدر يحددها بسهولة فيه ناس يفقدون الذاكرة وفيه ناس تُكسر عندهم الجمجمة وفيه ناس يجيهم شلل .. يعني مافيه شي قطعِي يفصل بالموضوع، ممكن حالتك النفسية قبل الحادث أثرت على هالشي وخلتك ترجعين لفقدانك الذاكرة، فيه ناس كثير يسترجعون ذاكرتهم من حادث مثل ما فقدوها من حادث، لكن سُبحان الله!! وممكن هالشي كويِّس لك ما تدرين ممكن فيه شي سيء حصل لك بالخمس سنوات الماضية ونسيانك له رحمة من الله.
غادة أخفضت نظرها لتسقط دمعة باردة على كفَّها : تصدق! أبي أشوف ناصر .. متلهفة كثيير على شوفته ..
وليد يُدرك تمامًا ما تشعُر به، العقل الباطنِي العاشقُ لناصِر والذي يُناقض ذاكرتها المُتحفِّزة للماضِي البعيد. يُدرك بأن جسدها يعترفُ بمُلكيةِ ناصر بينما قلبها باردٌ مُشتت بين عقلٌ يفهمُ هذا الشعور و ذاكرة تبترُ هذا الحديث.
بهدُوء الضائع : إن شاء الله تشوفينه ...
أعلن إفلاسي من هذه الحياة، أعلن الكُفر بالحُب بل أشدٌ إلحادًا به من هذه اللحظة، أنا الأسوأُ على كُل حال، أنا المثالي والمُبالغ بمثاليتي ! جعلتني أتنازل عن الجوهرة بسهولة دُون أن أقف أمامهم جميعًا وأعلن الحفاظ على حُبٍ كان في المهد، ومرةً أخرى أتنازل عن " رؤى " أو غادة لا يهُم مادامت هذه العينان واحِدة، كل الأشياء تقف بوجهِي، تجعلني مستسلم تمامًا! لستُ خصمًا لهذا العالم حتى يُعامل إبن الطين بهذا السوء، بهذه اللقاءات العشوائية التي تجعلني لا أعشق إلا إمرأة كُتبت لغيري. سنَة وأكثر وأنا أنجذبُ نحوها في كل يوم، سنَة وأكثر كيف أُمحيها من حياتي لأبدأ من جديد. يالله! آمنت أني لا أصلحُ لأيّ إمرأة في هذا الكون، أن أعيش وحيدًا هذه النهايـة التي حاولت أن أؤخرها وأتجاهلها لكنها هاجمتني بشراسة فتت بها قلبي قطعًا. لِمَ الأطباء فاشلون بالحُب ؟ سؤالٌ لأرضِي ولا أريد منها جوابًا فحُزني منها يكفي.

،

محاجره مُحمَّـرة كبُقعةِ لونٍ مُتيبـِّسـة، عرقٌ داكِن يغزُو عدستِه السوداء ويقطع بياضِ بؤبؤة عينِه، يشعرُ بثقلٍ على رأسه الذِي حُلِق ولم يبقى به شعرَة، بشرتِه الذابلة بجروحٍ طفيفـة والهالات السوداء التي تُعزِّي ملامحه بكُلِ خضُوعٍ وإنكسار، أشياء كثيرة لا يفهمها تمامًا وهو ينظرُ لسقفٍ أبيض ورائحـة تُثير الغثيان.
نظر لعينِ أخيه الهادئة التي تتأملُه من على بُعدِ متريْن وأقل، بلع جفافه الذي أسفل لسانه، يسترجعُ ما حدث وكأنه بالأمس.
عبدالمحسن: لا تخاف ماني مسوي شي
تُركي يضع عينه على الشُباك دُون أن يلفظ بكلمة وهو يشعر بعطشٍ شديد، تصاعدت أنفاسه على هيئةِ ملحٍ مُذاب يُحشَر في محاجره. شدّ على شفتِه السُفلى، ليس مُدركًا لفداحة الذنب ولكن مُدركًا بفظاعة الألم الذي يشعُر به سواءً كان السبب الجوهرة أو غيرها، أشعرُ بطينٍ يتيبس على قلبي ويُبطء من نبضاته، يضيقُ عليّ كثيرًا حتى يُفقدني عقلي الذي يُجّن يومًا عن يوم، أنا أين ؟ أهذه مستشفى أم ماذا ؟
خرجت غصتُه العالقة في حنجرته بجبنٍ شديد، هذا الذنب لم يترك له متسعًا لرجولته ولشجاعته، كان واضحًا جدًا أن مُرتكب الكبائر جبان لم يستطع أن يواجه الحياة بإختياراتها المُتاحة، كان واضحًا أنه ناقص الرجولة من لا يستطيع أن يصبر على ذنب!
عبدالمحسن ينظرُ لعينه التي تتجمعُ بها الدموع بكثرَة : أحمد ربك أنه الله إلى الآن ساترك ، ماراح أقولك ليه تغيَّرت وكيف تغيَّرت وأنا مقدر أنسى اليوم اللي جيتنا فيه وتقول أنك قررت تحفظ القرآن وعلمت أفنان والجوهرة على الطريقة وكنت تبيهم يحفظون معك!! موجوع منك يا تركي .. ياخوي .. يا ولدي .. يا اللي كنت حياتي كلها! موجوع من أنك ما حفظت القرآن ولا حققت ولا هدف كنت أتمناه وأقول بعدها للناس هذا أخوي ولد أمي وأبوي اللي أفتخر فيه .. عُمري ما توقعت أنك توصل لهالمستوى ؟ وين اللي كان يقول بيجي يوم و بأِم بالناس بالحرَم!! وينه تركي القديم ؟ 7 سنوات ياتركي يا كبرها عند الله !!
تحشرج صوتُ عبدالمحسن وهو يُكمل : 7 سنوات وأنا مالاحظت تغيِّرك وأنك ما قمت تحضر محاضرات المسجد .. يالله كيف كنت بعيد لهدرجة ؟ قولي بس وش كان راح ينوِّمني لو الله خذا حياتِك وأنا أحس بمسؤوليتي إتجاهك ؟ ماخفت عليّ طيب ؟ أني أتحاسب بذنبك ؟ ليه كنت أناني وأنا عُمري ما تعوَّدت أنك تكون كذا ؟ وش سويت لك عشان تعامل أخوك بهالصورة ؟ بنتي .. تعرف وش يعني بنتي ؟ كيف تفكر فيها بطريقة شهوانية!! كيف هان عليك عرضك يا عمَّها يا أخو أبوها !!
دفن وجهه بالوسادة ليبكي بكلماتِ أخيه العاتبة.
عبدالمحسن دُون شفقة عليه زادهُ بحدَّة : اللهم لا إعتراض، اللي فات من عُمرنا ماله رجوع! لكن نقدر نكفِّر عنه بتوبة .. بساعدك يا تركي بس ينتهي علاجِك مالك محل بحياتي .. شوف حياتك بعيد عنِّي .. ما هو أخوي اللي يخوني في غيابي!! .. أبد ماهو بأخوي ..

،

ينظرُ لِمَ حوله، لا أثر لِمن كان يُراقبه، رُبمَا رحل أو مُختبىء .. يحاولون تخويفي أم ماذا ؟ لِمَ لمْ يجيء إليْ أو مُجرد بثُّ رعب وفقط. ليس من طرف رائد وأيضًا ليس من طرفنَا ؟ من الذي يكُون بالمنتصف حتى يفعل كل هذا ويُعطِّل أعمال رائِد وأعمالنا! إن كان عدوًا لرائِد فهو صديقًا لنا لكن ماهكذا يتعامل الأصدقاء! وإن كان صديقٌ لرائِد فليس من مصلحة الصداقة أن يُعطِّل عمل صديقه! إذن من له كل هذه المصلحة ؟ هل هُناك شيء لا أعرفه يُخبئه سلطان أو عبدالرحمن؟ رُبما طرف ثالث أجهله يتلاعبُ بيْ وبمعرفة جيدة من أبوسعود والبقيـة.
ألتفت لرتيل : خلينا نطلع لسيارتنا ..
دُون أن تجيبه سارت معه لخارج المدينـة، نصف ساعة سيرًا على الأقدام حتى خرجَا للشارع الرئيسي وبأعينِهم واضحة جدًا سيارتهم السوداء، تساقط المطر على ملابِسهم الثقيلة، وهي تفتح هاتفها لتنظرُ للساعة التي تُشير على الرابعة والنصف عصرًا بتوقيت باريس.
في بدايـة الطريق ذُو الهندام المُبعثر يتحدَّث بإنجليزية مُغلظَّة : هو أمامي الآن ... نعم في الأمس عطلتُ مدوِّس فراملها .. لا تقلق كل الأمور في حال جيِّد .. حسنًا ... أغلقه ليركن سيارته خلف سيارة عبدالعزيز تمامًا.
خرج له بإستغراب بعد أن أنتبه لملابسه التي لا تُشكك في أمره سوَى بأنه شخص عادي.
: هل تحتاج مساعدة ؟
بعد صمتٍ لثواني أردف : عجلات السيارة الأمامية قُطِعت
: حسنًا ، بإمكاني أن أساعدك
تمُّر الدقائق وهذا الرجل تحت مُراقبة عينِ عبدالعزيز، يبدُو لطيفًا بأنه نزَل ليُساعدنِي ويتضح من سيارته الأقل من متوسطة بأنهُ رجل من الريف. ليس واضحًا من ملامحه أنهُ سيء الخُلق وإلا لمَا وقف! تداخلت أفكاره وهي تُحلل عينَاه الزرقاء وبشرته الشقراء بصمتٍ يغرقُ به.
وقف : أنتهينا .. أتمنى لك يومٌ جيد
عبدالعزيز بإمتنان كبير : شكرًا لك
: لا عليك .. وبثواني قليلة أختفى من أنظاره ، دخل السيارة : جابه ربِّك
رتيل تنهَّدت براحة : الحمدلله .. يالله خلنا نرجع بسرعة لباريس قبل لا تظلِّم الدنيا ونضيع
عبدالعزيز : نضيع ؟ لمعلوماتك أني كنت عايش فيها يعني أدلّها أكثر من الرياض
رتيل ألتفتت عليه بكامل جسدِها : تدلَّها وأنت بغيت تنسف شبابي ! لا عشت حياتي ولا شي .. رجِّعني بس وتوبة أطلع معك
عبدالعزيز يُحرك سيارته بطريق العودة لباريس الأنيقة ، وبصوتٍ شغوف : بتضلين طول عمرك تقولين ياليت ترجع أيام روَان
رتيل : كلها يوم وكان زفت وش اللي يخليني أتمنى رجوعه! ماأقول الا وين أيام الرياض بس
عبدالعزيز بخبث : أيّ أيام بالضبط ؟
رتيل بثقة : أيام ما كنت أعرفك فيها
عبدالعزيز جمدَت ملامِحه بهدُوء ليُردف بسخرية شديدة : وش كثر كنتِ سعيدة!!
رتيل دُون أن تنظر إليْه : على الأقل كنت عايشة عُمري
عبدالعزيز : والحين مو عايشة عُمرك ؟
رتيل بنبرةِ الصراحة التي تجعل قلب من يُقابلها يضطرب : إيه طبعًا! ماني ناقصة شي يوم أتزوج بهالطريقة ومحد يتزوَّج بهالطريقة الا اللي عمره عدَّا الأربعين .. أصلا حتى الأربعينية ما ترضى بزواج على الصامت
عبدالعزيز بضحكته التي تسلب عقل رتيل وتُغرقه أيضًا : هالحين اللي مضايقك أنه ماصار عرس ولا صار طقطقة وعالم تبارك وتهنِّي
رتيل أنتبهت لسطحية تفكيرها لتُردف بدفاع عن نفسها : لآ طبعًا!! أنا بس أطرح لك مثال ..
عبدالعزيز : مع أني فاشل بعلم النفس لكن أثق أنه هذا اللي مضايقك
رتيل بقهر : ثقتك مهي بمحلَّها
عبدالعزيز بشماتة : يعوّضك الله في حاتم
رتيل بإبتسامة تُخفي غيضٌ شديد : ومين قال برضى بحاتم ؟
عبدالعزيز بمثل نبرتها ، بدأت حربُ الكلام بهذا الطريق الطويل : ما يرضيك أنهم أقل منك مستوى إجتماعي!
رتيل بدلع لم تتعمَّده، بعضُ الكلمات تأتي مُتغنجة بعفويـة شرسة على قلوبِ الرجال : أولاً حاتم بمثل مستواي مافيه فرق كثير! لكن كذا مزاج ماأبغاه ! أحلم بشخص ثاني
عبدالعزيز بإبتسامة مُفتعلة : كويِّس ، وإيش مواصفات الشخص الثاني ؟
رتيل تشعُر بالتلذذ وهي تستفزه : أحتفظ فيها لنفسي
عبدالعزيز : تصدقين عاد! كنت أحلم بأشياء كثيرة وسويت عكسها
رتيل : ووش هالأحلام ؟
عبدالعزيز : كنت أتوقع أني بتزوج وحدة حياوية عاقلة هادية لها قناعات ثابتة وأخلاقها عالية ..
رتيل بإنفعال : وش قصدك ؟
عبدالعزيز ألتفت عليها بنظرة ذات معنى لتعُود أنظاره للطريق. أردف : ما قلت أقصد رتيل! أنتِ قليلة حيا وطايشة ومزعجة ومالك رآي وشخصية وأخلاقك صفر ؟ عاد إذا أنتِ تشوفين نفسك كذا الشكوى لله
رتيل : لآ طبعًا ماأشوف نفسي كذا ! يمكن تقصد بزواجك من أثير لأن أظن أنه زواجك منها ..
تُقلد صوته بسخرية لاذعة وتُكمل : مبني على أخلاقها العالية وعقلها وحياءها وهدُوئها.
عبدالعزيز : إلا بشريني مجتمعنا تغيَّر بنظرته للمطلقة ؟
رتيل تفهم تماما ما يرمي إليْه : في كل شيء فيه الشين وفيه الزين! يا سعد عينه من كنت نصيبه
عبدالعزيز أبتسم حتى بانت أسنانه العلويـة : أتفق معك بالجملة الأولى بس
رتيل بنرفزة : كمِّل طريقك بس ولا عاد تكلمني

،

ينتظرُها حتى تُسلِّم من صلاتها، ألتفتت عليه لتصدّ بنظراتها وهي تقف نازعة جلال صلاتها، أخذت السجادة ووضعتها على الأريكـة الوثيرة لتنظُر إليْه مرةً أخرى : ما أبغى أتكلم بالموضوع
يُوسف بإبتسامة : مين قال أني جاي أكلمك ؟
شعرَت بالحُمرة وهي تسري بين عروق وجهها. ضحك بخفُوت ليُردف : إلا جايْ أكلمك، أجلسي
مُهرة بربكة : مالي مزاج أحكي في هالشي .. لو سمحت
يوسف : دام قلتِ لو سمحت فأنا بناقشك فيه وبعدها قرري بكيفك
مُهرة تنهَّدت لتجلس بجانبه : طيب .. وش بتقولي ؟ أنه أمي تدري من السماء ولا كانت موجودة في يوم الحادث مثلاً !
يوسف : لا بس بحكي لك القصة من بدايتها
وهذه الجروح التي لم تضمَد بعد ليس من حقِ أحدٍ ان ينبش بها ليجعلها تغرزُ الوجع مرةً أخرى، أردفت : لا ماأبغى أسمعها! أنا عارفة وحافظتها أكثر من إسمي
يوسف : لآ ماتعرفينها .. فيه أشياء ما سبق وقلتها لك
مُهرة بعصبية : جاي تدافع عن أخوك قدام وحدة خسرت أخوها!! يالله على الضمير اللي عايش فيه أنت وأهلك
يوسف بهدُوء : ماني جاي أدافع عنه، أنا جاي أقولك الكلام اللي عندي وبعدها انتِ قرري !! أسمعيني للأخير وبنفسك أحكمي
مُهرة وضعت يدها على بطنها الذي يُشاركها الحزن بألمِه : طيب ، شتت نظراتها لا تُريد أن ترى كيف الحُب يتضع بعينه لأخيه وأن ترى الدفاع من عينيْه قبل حديثه!
أستغرق نصف ساعة وأكثر وهو يقصُّ عليها ليتقطَّعُ الحديث بصمتِ يُوسف الكثير ودمعُ مُهرة الذي لم يجِّف، مع كل حرف وكلمة كانت تنزل دمعة تُشعرها بالضياع، بالحُزن الذي لم ينفَّك منذُ أن فقدت شريكُ رُوحها/حياتها. يأتِي الكلام سهلاً جدًا ولكن قلبي الذِي يواصل حياتِه مازال يتذكرُ فهد في كل زوايـا غُربتِه، الغربـة ليست بتغيير الديَار، الغربـة أن تفقد حياتِك السابقة التي كنت تشارك بها من يُطلق عليه حياتِك، أفتقدك جدًا وأكثرُ بكثير والله من " جدًا ".
يُوسف يترقبُ ردَّةِ فعلها، توتُره زاد وهو يؤمل نفسه على أن تُصدِقه : والله العظيم أنه ما قتل أخوك وأنا أحلف لك بالله يا مُهرة والحلف بالله ماهو لعبة ..
أخذت نفسًا عميقًا لتمسح دمُوعها المالحة التي تسربَّت تحت عينها، أيُّ هراء يجب أن أصدقه! لم أجِد من هذه العائلة ما يُسيء لها فعليًا، لم تكُن سوَى مُتعاطفة معِي وأيضًا يوسف! لا أعرف تماما ما شعُوره نحوي! أهو دور بطولي يقوم به من أجل أخيه ومازال أم مُجرد .. لا أعرف كيف أصنِّفه. لا شيء واضحًا بهذه الحياة وأنا أحمل بداخلي رُوح تنمُو كل يوم بيْ، الرحمة منك يارب.
يُوسف : مُهرة
مُهرة مازالت بصمتها، الوجع الذي ينمُو في داخلها كالجنين كيف تُجهضه بسهولة؟
يُوسف : حكمي عقلك!! وشوفي الموضوع من زاوية المنطق ماهو من عواطفِك
مُهرة أتجهت نحو الحمام ، أغلقته بإحكام وهي تُسند ظهرها على المغسلة وتغرقُ ببكائِها الخافت، أنفجرت وكأنها للتو أستقبلت خبر وفاتِه، تناثر دمعُها وكأنهُ لم يتناثر منذُ عقُود، تدافع بغزارة على ملامِحها النقيـة.

،

بصمتِ الطابق وإنزعاج أذنه التي توَّد أن تتداخل بها الأصوات، للسقف الأبيض الذي قاس أمتارهُ بعينه منذُ الصباح، بذاكرته التي تعُود إليْها ولقلبها الزهرِي، على دندنةِ البدر يغيب " كانوا الاحباب ظلك بعض احساسك ونورك ..ما عرفتك يوم كلك .. ياللي في غيابك حضورك .. انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم .. هذا إنتي .. قولي والله إنه إنتي .. وين غبتي ؟! .. عني هذا الوقت كله .. وين كنتي ؟! .. شيبت عيني طيوفك .. وما أصدق إني أشوفك .. ياللي قلبي في كفوفك .. نقش حنا .. وفي جديلك عطر ورد .. آتمنى .. لو تكوني في فراغ اعيوني معنى وفي سموم ضلوعي برد .. ليه تأخرتي علي .. وما طرى لك تسألي .. كنتي في غير الزمان ، وكنتي في غير المكان وانتي عمري كله عمري كله .. اللي باقي واللي كان .. انتظرتك عمري كله .. وانتي حلم .." أكملهُ بعزفِ رُوحه " أنتِ حلم ؟ و أنا اللي شبيه ظلالِك ألقى به جنُوني. أنتِ حلم ؟ وأنا اللي تركتْ الشعر بعدِك وأنا كيف أكتبه وعيُونك ما تقرآه ؟ أنتِ حلم يا غادة أو أنا اللي ما صادفني من هالحياة لحظة صادقة، أنتِ حلم ولا هالحياة دُونك هي الحلم ؟ هو صوتِك اللي سمعته ؟ هو أنتِ ؟ يا أجمل من وطى هالأرض ، يا أجمل من كسَر فيني عذاريب الوقت ، يا أجمل حلم مرِّني و يا كثره حظِّي يوم عينك مشتْ بخطاويها لعيُوني ".
دخَلت الممرضـة الهنديـة ذات الملامح الناعمة لتطمئن عليْه ، أردفت بلغة عربية ركيكة : محتاج شِي ؟
ناصر هز رأسه بالرفض لتنسحب بهدُوء ويعاوِد لقلبه الذي غرق بها، حاليًا أحتاج صفعة تُخبرني بأن ما يحدُث حقيقة.

،


تنظرُ من النافذة للأمطار التي تهطل بشدَّة، تسابقت الدعوات على لسانها العذب، صمتت لزمنٍ قصير أو طويل لا أعرف جيدًا كيف أحدده وهو يأتيني، يُشاركني دعواتِي ليس مُتطفلاً أنا بقلبي من أسيرُ معه وأتصادمُ أيضًا. يُجاور عقلي حدُ اللانسيان، أقصى الأحلام أن أراك، تحت غيمةُ الحُب أحتاجُك بجانبي، أحتاجُ أن أسمع صوتِك وأنا التي أدمنتُ نبرته ، كيف أشفى منك ؟ أعرفُ جيدًا كيف الحُب يؤذِي ؟ كيف أنه يتحشرجُ بيْ وكأني أحتضر لأني مارستهُ دون رضـا الله، أعرفُ كل هذا وأُعاقب بِك، بتعلقي، بحُزني الآن وإشتياقي، أتعاقب بطريقةٍ لاذعة تجعلُني أندم مع كل قطرة تنزل من السماء، تجعلني أندم على اللحظة التي سمحتُ لك بها أن تجتاحني وسمحتُ لقلبي أن يُغضب الله، أعُود لحياتي السابقة لكن بيْ شيءٌ مكسور! منك لله يا مجهُول لا أعرفُ منه سوَى صوتِه ورسائله المُتمدِدة على كفِّي، يا مجهُول لا أعرفُ سوَى أنهُ يُضيء عيني ويخدُشني بالنور دائِمًا. يخدُشني وأنا التي رضيتُ بالعتمة كيف أقبلُ بالنور بعد كُل هذا ؟ يالله في يومِك هذا أسألُك أن تُطهِّر قلبي منه ومن حُب أهواء الشيطان، يالله في وقتٍ إستجابتك هذا أسألك أن تُبعدني بينك وبين ما يُغضبك كما باعدت بين المشرق والمغرب، يا رحمن أرحمني من حُبِه.
بنبرةٍ دافئة :عبير
ألتفتت عليها وهي تمسحُ على وجهها تخافُ من الدموع المُباغتة الضيِّقة التي تهطلُ بلا حولٍ ولا قوة منها.
ضيْ : كلمتنا رتيل، هي في الطريق
عبير : الحمدلله .. أبوي وينه ؟
ضي : راح مع مقرن ، فيك شي ؟
عبير بتوتر : لا ، كيف رتيل يوم كلمتوها ؟
ضي : كلمها أبوك بس طمَّني وقالي أنها بخير
جلست لتُطيل النظر بشتات الغُرفة دُون أن تسقط على ضي، الشرُود هو محاولة ضائعة لإنكار الواقع.
ضيْ : تبينا نطلع نتمشى في هالجو الحلو
عبير تنهَّدت : لا ، طيب ممكن أسألك سؤال ؟
ضي بإبتسامة : إيه
عبير بربكة أصابعها : طبيعي انه بنت تتزوج شخص ماتحبه بس عشان تنسى معاه واقعها ؟
ضيْ صمتت لثواني طويلة حتى تقطعه : طبيعي إذا كانت متقبلة الزوج والحب يجي بعدين لكن الغير طبيعي أنه يكون هالزواج قايم عشان تنسى واقعها ماهو عشان قيمة الزواج نفسها والإستقرار و إلى آخره من أهداف الزواج ، وش فيه واقعك يا عبير ؟
عبير : ما تكلمت عن نفسي بس كان مجرد سؤال
ضي عقدت حاجبها : ممكن الحياة اللي تبينها ماراح تلقينها في الشخص الثاني اللي ناوية ترتبطين فيه بس عشان ينسيك الواقع!
عبير : طبعًا لا ، أكيد أني بفكر بمؤهلات الشخص اللي راح يتقدم لي
ضي بإبتسامة : اللي راح يتقدم لك!! واقعك يا عبير ماهو سيء لهدرجة
عبير أرتبكت من إندفاعها بالكلام لتُردف بإتزانٍ أكثر : ماهو مسألة واقع سيء أو كويِّس، أظن أني وصلت لعُمر يخليني أحتاج لشخص ثاني في حياتي
ضي : وعادي يكون أي شخص ؟
عبير : لا، بس عندي ثقة أنه من يجي عند أبوي يعرف على مين نوافق وعلى مين نرفض .. يعني أثق بأنه بيكون شخص مقبول
ضي : حاسَّة فيك، أعرف قدر حاجتك لرجَّال في حياتك لكن ممكن ما يرضيك أي أحد يتقدم لك بالنهاية هذا نصيب إلا إذا أنتِ تبين توافقين على أي أحد من باب أنك تتخلصين من قيود أبوك
عبير بهدُوء : أبي أوافق على أحد يشغل الفراغ اللي فيني، مثل ما الرجَّال لازم يحصِّن نفسه بالزواج أنا محتاجة أني أحصن هالقلب ..
ضي بإندهاش : ما جاء في بالي ولا حتى ممكن راح يجي أنك تشكين من فراغ العاطفة
عبير بلعت غصتها لتقف مُتجهة لهاتفها المُتصل بالشاحن : كلنا نشكي!!

،

على مكتبه يُرتب بعض الأوراق التي تُهمه، مُثبت هاتفه على كتفه : يا وليد أفهمني الموضوع ماهو بإيدي، قلت لك اللي عليّ
وليد : وعبدالعزيز ؟ وينه ؟
فيصل بهدُوء : مدري اللي أعرفه ناصر وراح يجيك يوم الإثنين
وليد : يالله يا فيصل كيف أتعامل معاه ! يخي تورِّط الواحد
فيصل : ليه تتورَّط معه ؟
وليد توتر ليُردف بمحاولة لتضييع كلماته : ماعلينا! كيف بكلمه عشان أخليه يدل المكان!
فيصل : تدري شلون؟ بشوف لي صرفة وأسافر معه
وليد : فهمته الموضوع كله وأنها فاقدة ذاكرتها ؟
فيصل : يعني ماقلت له كل شي، الرجَّال مصدوم وبالمستشفى قايلين لي أنه أنهار بعد ما رحت وحاسهُم !! الله يصبره ويعينه
وليد أخذ نفسًا عميقًا : طيب ومقرن كيف جاء إسمه عندها ؟
فيصل : تسألني وكأني أعرف كل شي .. خلاص يا عمِّي لا تدخل نفسك بهالمشاكل.. أهم شي أنك سويت اللي عليك
وليد : بالله ؟ يعني أشوف الغلط قدام عيني وأسكت
فيصل : أنت ما بإيدك حيلة عشان تتصرف!! أرجع ميونخ وشوف شغلك وأنسى الموضوع
وليد : يا هي سهلة على لسانك أنك تقولها كذا !! مع السلامة قبل لا ترفع ضغطي .. أغلقه دُون أن يسمع جوابه.
تأفأف، صعب إقناع وليد بأشياء وهميـة، يخاف أن يُخبر والِده بالموضوع ومن ثم يصِل إلى مقرن مرةً أخرى وعبدالرحمن .. يالله صعب عليّ أن أتخيَّل السيناريو الذي سيحدُث.
نزل للأسفل ليجِد والدته تُغلق الهاتف : هلا بالزين كله
أبتسم : هلابك
والدته : متى إن شاء الله تبشرني وتروح تخطبها مع عمك؟
فيصل : يمه هالأسبوع مشغول وبسافر لا رجعت إن شاء الله نزورهم
والدته عقدت حاجبيْها : لآ والله منت مسافر قبل لا تملك عليها
فيصل : الله يخليك لا تحلفين عليّ، بسافر كم يوم وأرجع ماني مطوِّل
والدته : لآ كم يوم ولا غيره! تملك وتسافر
فيصل تنهَّد : أستغفر الله العظيم وأتوب إليْه، يممه ماله داعي والله تعطلين شغلي كذا
والدته : هيفا أهم من الشغل !
فيصل بقهر يجلس : الله يهديك يا يمه!! كان مفروض أحطك أمام الأمر الواقع وأسافر
والدته : عشان أذبحك! هذا اللي ناقص بعد .. الحين وش له طاير ؟ خلاص أنتظر نفرح فيك بعدها سافر وسوّ اللي تبي
فيصل : يمه أنتِ اللي وش له طايرة!! هذا زواج خليني أفكر حتى ...
والدته شهقت لتضرب صدرها برقَّة : وشهو ؟ وأنا غصبتك مو فكرت وقلت أنك موافق
فيصل بإبتسامة : تفكير تحت الضغوطات وش أسوي بعد !
والدته : الشرهة مهي عليك الشرهة عليّ أنا
فيصل بضيق : أمزح يالغالية بس مستعجلة مررة يعني بكرا يقولون أهلها وش السبب اللي يخليك تستعجل ؟ هذا إذا وافقت البنت بعد
والدته : قل لهم بسافر وبيعذرونك

،

لملمت شعرها الفوضوي، ملامحها شاحبة خالية من أيّ شيء حتى شفتيْها بدأت تكتسِي ببعضِ الشحُوب ولون الزهر الفاتح، لم يأتِ إلى الآن! لا يهُم. فتحت النافذة الزُجاجية حتى يدخلُ لها هواءِ أسطنبُول البارد/المُنعش، تأملت النهار الطويل الذي تعيشُه ، الأفكار التي ترفضُ الغروب رفضًا قاطِعًا، كلمات ريـّـان القصيرة الخادِعة القاتلة، نبرتُه المُشكِكة التي تُمسك بقفازٍ من شوك ولا ترحم قلبها، أكان طلاقُه منها سببًا لذلك؟ لكن كان طلاقًا وأنتهى حتى أنهُ لا يُفكر بها أبدًا هذا ما قالته رتيل لهيفاء، هذا بالضبط ما أراح صدرِي تلك الليلة وهيفاء تُخبرني " مطلقها من زمان وتقول أنه مشكلة صارت بينهم وماعاشرته كثير أصلاً عشان ينساها بصعوبة، يعني مجرد نصيب ومالقاه معها .. لاتفكرين بالموضوع كثير دامك أستخرتِ ووافقتِ خلاص "
تنهَّدت وهي تراه يُقبل عليْها، بنبرةٍ مبحوحة : جوالي فصل وأبي أكلم أهلي
ريـَّـان وضع هاتفه على الطاولة التي أمامها : أستعمليه
ريم بضيق : عشان تتأكد ولا عشان تراقب إتصالاتي ؟
ألتفت عليها : أراقبك ؟ يا صغر عقلك بس
ثبتت في مكانه بشكلٍ أدق تجمَّدت وهي تسمعُ منه جملةٍ كهذه في أول أيام زواجهم، الكلام الناعم الذي أعتادت أن تسمعه من صديقاتها المتزوجات حديثًا لا تراه مع ريَّان أبدًا.
بلعت ريقها بربكة : عقلي مو صغير!! لكن أنت اللي تخليني أتكلم معك كذا
ريّــان تجاهلها بطريقةٍ لاذعة لقلبها وهو يسحب منشفته ويتجه نحو الحمام. نظرت للباب الذي أغلق، و رمشةُ عينٍ تفصلها عن دمعة حارَّة على خدِها الوردِي، كثيرٌ عليْها كل هذا! كثيرٌ جدًا أن يتجاهلها بهذه الطريقة. ما هذا الذنب العظيم الذي أرتكبته حتى يُعاملني بهذه الصورة البشعة لشخص يُفترض أن يقال عنه " مازال عريسًا ".


،

في أطرافِ ليل الرياض، يتراجع للخلف بعدةِ خطوات دُون أن يحدث أيّ صوت لتلتقط إذنه حديثهُم الخافت.
حصّـة : مدري والله يمكن أنتِ تحكمين عليه من موقف واحد أو إثنين، سلطان ماهو بهالصورة أبد .. أكثر شخص ممكن يمسك أعصابه هو سلطان
الجُوهرة وهي تحتضن الوسادة : أنتِ لو ما كنتِ هنا يمكن كان أنهبلت ..
حصة أبتسمت : بسم الله عليك، طيب وش رايكم تسافرون أيّ مكان ؟ يعني تغيرون جو ؟ مع أني دارية ماراح يوافق بس ممكن محاولة من هنا وهناك يوافق
الجوهرة : لا مستحيل ، وين نسافر وقلبه شايل عليّ !
حصة : رجعنا لنفس الموَّال! أنتِ وش يدريك ؟ ، طيب وش رايك تعزمينه على مطعم يختي أنا أحجز لكم طاولة ومستحيل يرفض .. عاد ماهو لهدرجة سلطان قليل ذوق !!
الجوهرة : قلت لك سلطان مستحيل ينسى !! ودامه ما ينسى أكيد بيجلس يذِلني ويذِّل طوايفي ..
حصة : الله أكبر يالشي العظيم اللي ما يقدر ينساه!! كل هالمشاكل صغيرة وبكرا راح تضحكون عليها لا عرفتوا كيف فرقتكم على تفاهتها .. أبدي بأول خطوة .. يعني مين يضمن عُمره ؟ هالدنيا كلها كم يوم عيشوها ولا تزيدون هالحزن عليكم
الجوهرة أخفضت نظرها لا جوابْ لديْها، هذه الحياة فعلاً قصيرة لكن هُناك غصَّة تُباعد خطواتهم ولا سُلطة عليْها.
حصَة : عشان حُبك له ؟
الجوهرة رفعت عينها لتلتصق بشفتيْ حصـة ، لا صوت يخرُج ويُدافع عن كبرياءٍ مكسُور، تتعرى تمامًا أمام عمتِه بجروحها.
أكملت : تحبينه ولا تكذبين عليْ ! أنتِ بنفسك قلتِ لي ؟ ليه تكابرين! دامك تكابرين أكيد سلطان بيكابر معك
الجوهرة بضيق حُنجرتها : ما أكابر لكن ماهو أكبر طموحاتي أني أعيش على مبدأ الحب بس!! فيه أشياء كثيرة أفقدها في سلطان وبنظري هي أساسية
حصة : عشانه ضربك ؟ طيب يمكن بلحظة غضب مقدر ..
تُقاطعها : مو بس ضرب! بس أنا وياه ما ننفع لبعض
حصة بهجُومٍ عنيف : إذا مالقيتي سبب قلتِ ما ننفع لبعض لو كل البنات يسوون زيِّك صدقيني 3 أرباع الحريم مطلقات !!
كلماتها الشفافة تخترق قلبه وتتوسَّدهُ بكل طغيان، بدأ يعزمُ على شيء واحِد فقط . . قدَّم خطواتِه بإتجاه الباب . .

،

أقترب من بارِيس ليُعيد للصوتِ مداه، يشعرُ بفرقعة أصابعها المُتمللة أو رُبما لايفهمُ توترها جيدًا، ألتفت عليها كثيرًا ولا يعرفُ لِمَ يأتِ في باله بيت شعرٍ يجعلهُ يبتسم حتى تكاثرت إبتساماته لضحكة من طريقة تفكيره وعقله يقرأ عليه " الشاهد الله من لمحت عيونك آمنت في سحر الجمال النجدي " ، ألتفتت عليْه : مريض يضحك لحاله ويبتسم لحاله!!
عبدالعزيز : ذابحك الفضول تبين تعرفين ليه أبتسم!!
رتيل بكذبٍ أنيق : ماني فضولية
عبدالعزيز : واضح !
رتيل تنهَّدت : متى نوصل وأفتَّك
عبدالعزيز بمحاولة إستفزاز : فرضًا يصير شي وماتوصلين
رتيل : تبيها من الله
عبدالعزيز يشرب من الماء البارد ما يرويه ليُردف بإنتعاش صوتِه : لا والله مشتاق لأثير .. أردف كلمته الأخيرة بضحكة صخبت بها السيارة.
رتيل أبتسمت حتى بان صفُ أسنانها البيضاء : أتصل عليها من جوالي لا يطلع قلبك من شوقك
عبدالعزيز ألتفت عليها بمثل إبتسامتها وعيناه تغرق بالضحك : والله شكله اللي بيطلع قلبه هو أنتِ إذا وصلنا
رتيل بضحكة طويلة : آآخ ياربي لا تطيح علينا السما !! ثقتك مستحيلة
عبدالعزيز : أعترفي قبل لا نوصل
رتيل : أعترف بأيش ؟
عبدالعزيز بسخرية : طيب أعتبري أنه خلاص ماراح تشوفيني بعد اليوم! الكلمة الأخيرة وشهي ؟
رتيل بنبرةٍ لاذعة : مع السلامة
عبدالعزيز ألتفت عليها : وبس ؟
رتيل هزت رأسها بإيجاب لتُردف : وأنت ؟
عبدالعزيز يُقلد صوتها : ماراح أقولك شي ..
رتيل ترفع حاجبها ليُكمل بصوتِه الواثق : أودِّعك على أساس أنك أيش ؟
رتيل فاضت بقهرها لتُردف : ماتعرف تعيش بدُون تجريح
عبدالعزيز بهدُوء تنهَّد : أظن أننا نتشابه بصفات كثيرة فما هو أحسن لك أنك تعايريني بشي أنتِ تسوينه
رتيل بحدَّة : وش اللي أسويه ؟ تعرف شي !! خلنا ساكتين أحسن ولا نسولف عشان نجرح بعض
عبدالعزيز : شفتِي ! أنتِ أعترفتي ، عشان أيش ؟ عشان نجرح ؟ ماهو عشان تجرحني !! شايفة الفرق
رتيل بضيق : عاد صراحتي هي تجريح لك لكن انتِ تجريحك ليْ مجرد إنتقاص وماله أساس
عبدالعزيز عض شفتِه السُفلية : قصدِك كذبك
رتيل ببرود مُستفز: لو بكذب كان كذبت من زمان وقلت لك أول ماجيت باريس وأظن تذكر كلامي
عبدالعزيز ألتزم صمته ليدُوس على دوَّاسة البنزين حتى يُخفف من سرعته ويفصله عن باريس بعضُ الكيلومترات، ضغط أكثر من مرَّة ولكن لا تعمل ولا تُبطء من سيرِ السيارة، شعَر بأن قلبه ينقبض وهو يُدخل يدِه في جيبِ بابه، أنتبه للورقة الصغيرة على جانب شباكه " هذه المرة أنت من يجب أن أشكره على غباءه "
بلع ريقه كيف يوقف هذه السيارة الآن ؟ سيدخل بطُرق باريس المُزدحمة سيتعدى الإشارات تباعًا فهذا الأكيد ؟ مالحل ؟
ألتفت لرتيل الضاغطة على أسنانها والغضب يتضح على ملامحها، لن يُخبرها ويثير رُعبها ، بدأت ذكريات حادث عائلته يتكرر عليْه، تقرير الشرطة الذي أخبره أن هُناك عطلٌ في الدوَّاسة جعلها لا تعمل، مثل العُطل ومثل الحركة القذرة! أنعطف يمينًا للشارع الآخر الذِي يؤدي للطريق نفسه الذي قطعه منذُ ساعات، هذا الشارع السريع هو الحل المؤقت.
ألتفتت عليه رتيل بعصبية بالغة : ليه إن شاء الله !!

،

يُدندن بالقلم على الطاولة الزُجاجيـة ، ينظرُ لإبنة مرةً وللنافذة مرةً أخرى، أفكاره تتشابك والشيطان صديق يجاور كل هذه الأفكار الخبيثة، رفع عينه له : فارس
: هلا
رائد : تبي تتزوجها
فارس بلع ريقه بصعُوبة لينطق : وشو ؟
رائِد : تبي بنت عبدالرحمن ؟
فارس بهدُوء : أكيد بس يعني مستحيل و ...
رائِد يُقاطعه : واللي يزوجِّك إياها ؟

.
.

أنتهى .

.
.


إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()

لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.

و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.


أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة


*بحفظ الرحمن.

لمحت في شفتيها طيف مقبرتي .. تروي الحكايات ان الثغر معصيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن