-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن شاء الله تكونون بخير وصحة وسعادة ()
المدخَل للـ الأخطل الصغير.
عِشْ أَنْتَ إِنِّى مِتُ بَعْدَكْ
وَأَطِلْ إِلَى مَا شِئْتَ صَدَّكْ
كَانَتْ بَقَايَا لِلغَرَامِ
بِمُهْجَتِى فَخَتَمْتُ بَعْدَكْ
*
أَنْقَى مِن الفَجْرِ الضَّحُوْكِ
وَقَدْ أَعَرْتَ الفَجْرَ خَدَّكْ
وَأَرَقُ مِنْ طَبْعِ النَّسِيْمِ
فَهَلْ خَلَعْتَ عَلَيْهِ بُرْدَكْ
واَلَذُّ مِنْ كَأْسِ النَّدِيْم
وَقَدْ أَبَحْتَ الكَأْسَ شَهْدَكْ
*
مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ عَدَلْتَ
أَمَا رَأَتْ عَيْنَاكَ قَدَّكْ
وَجَعَلْتَ مِنْ جَفْنَيَّ مُتَّكَأً
وَمِنْ عَيْنَيَّ مَهْدَكْ
روَاية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية ، بقلم : طِيشْ !
الجُزء ( 59 )
كنت بسوي لكم مفاجئة يوم الإثنين : ( بس ماش فيه أحد داعي علينا :p على العموم إن شاء الله أحاول اضبط الوضع وأقولكم، بالنسبة لتعليقاتكم كان ودِّي أعلق عليها بس ما أمداني لكن برِّد على شيء، اللي يقولون الجوهرة حامل : ( ليه دايم الغثيان والدوخة مرتبطة بالحمل : ( طيب والله فيه مليون شي يخلينا ندوخ *فيس متعقد* ، يعني وش هالسرعة اللي بتحمل فيها. غير كذا، أنتم تعرفون أننا دخلنا بالقسم الأخير من الرواية والله يتممها على خير إن شاء الله يعني ممكن نآخذ وقت في هالقسم يتعدى الـ 15 بارت إذا ما وصلنا العشرين ، فأتمنى جد أنكم توقفون معاي زي ماعودتوني بدعمكم في هالقسم الأخير و إن شاء الله أني ماراح أخيِّب الظن. ( )
أخذ نفسًا عميقًا ليرتدِي جاكيته وصدره مازال يؤلمه في كل حركة. يعرفُ أنها ستخرج غدًا لذلك بخطواتٍ خافتة أتجه إليْها قبل أن ينتبه له أحدًا بوقتٍ محضُور من الزيارات، فتح الباب بهدُوء ليطل برأسه عليها، كانت مستيقظة تنظرُ للشباك ودمُوع السماء التي تتساقط عليه ، كانت في أوَّجِ سرحانها وغيابُ الوعي عن واقعها، أفكارها المُزخرفَة بأسماء الكثير والكثير، وتنتهي بك يا عزيز! تنتهِي بعينيْك الداكنتيْن ولمعةُ الوحشة بها، كانت مُكابرتِي فخ! كان تجاهلِي لك كذبة! صدقتها ولم تخطُو خطوةٍ لإدانة هذه المسافات المُزيَّفة، كُنت أنتظرك، أنتظرُ إعتذارك، أن تقُول " مللنا المكابرة تعالي نبني في هالبلد حُبنا " ، تبتزُ قلبي يا عزيز بكلِ أوجاع الدُنيا، أُريدك! أنت تعلم جيدًا أنني أريدك ولكن تعلمُ أكثر أنني قادرة على العيش بعُزلة ولا أعيشُ مع الذل حتى لو كان على حساب قلبي! لا تبتز هذه القناعات وتجعلنِي أطلبُ الطلاق بلذاعةٍ تخضعُ لها، لا أُريد والله وأنت تعلم كم أُحبك، كم أشتاقُ لك، كم أحزن منك وكم أخافُ عليك ، تعلم يا عزيز أنني أُجَّن بعشقي لك.
أقتربت خطواته لتلتفت إليْه، كانت عينيْها السمراوتيْن مُتلألأة بالدمع المُكابر مثل قلبها. جلس على طرفِ السرير بجوارِها : تبكين ؟
رتيل بقوَّة تضجرُ منها حواسَّها : لأ
عبدالعزيز : عيونك تقول شي ثاني
رتيل تنهَّدت لتمسح دمعٌ لم يسقط بعد، ضغطت على عينيْها لتفتحها بهدُوء : والحين وش تقول ؟
عبدالعزيز بإبتسامة خافتة : تقول حنِّيت
رتيل توترَّت من عُريْ حزنها وبمثل خفوته : لمين ؟
عبدالعزيز هز كتفيْه باللامعرفة : أنا أسألك مين ؟
رتيل لوَت شفتِها السُفليَة وهي تُصارع جيُوش الحزن في قلبها، نظراتها تلتصقُ بعينه : بتطلع ؟
عبدالعزيز صمت لثوانِي كثيفة مشتتًا نظراته على كفِّها، رفع عينه : ايه
رتيل بلعت ريقها : بحفظ الرحمن
عبدالعزيز : بس ؟
رتيل شدَّت على شفتيْها، يُريد أن يبكيها بكُل الدوافع التي تعرفها ولا تعرفها أيضًا، هزت رأسها بالإيجاب ولو نطقت حرف ستغرق ببكائها والجوُ الماطر يستنزفُ دمعها.
عبدالعزيز يقف ليقترب منها، أنحنى لتُغمض عينيْها بخفُوت، قبَّل ما بين حاجبيْها، هذا المكان الذِي مازال أثرُ الجرح به، الجرحُ الذِي يجهله ولا يعرفُ عنه شيء سوَى أنها سقطت عليه ولا يدرِي بأن خبر زواجها منه كان سببًا للندبَة المالحة. أشعرُ بالإنتماء لهذه الجهة المقدسة، تحديدًا ما بين حاجبيْك، أشعرُ بأنها ليْ وحدِي ولا تخصُ غيري، عاد بخطواتِه للخلف، نظر إليْها لثوانِي أرعشت قلبُ رتيل، خرَج وبمُجرد خروجه سالت دمعتها المحبُوسة في محجرها، سحبت أقدامها لتلتوي على نفسِها وتضع جبهتها على ركبتيْها، حزينَـة وغارقة ولا أُريد شيئًا إلا أن تسهر معي هذه الليلة وتُجالسني، كان صعبًا أن أطلب منك.
،
متوتِر، يشعرُ بأن قلبه سيقتلعُ من مكانه أو رُبما ضخُّ الدم سيغيَّر مساره بمُجرد ما ينظرُ إليْه عبدالرحمن، 29 سنَـة مضت من عُمره لم يراه بها أحدٌ من معارفِ والده طبيعي جدًا أن لا يعرفه وطبيعي أكثر أن يندهش الجميع إن سمعوا أنَّ لرائِد إبن.
صمت قليلاً حتى أكمل : مالي في المقدمات يا بو سعود ، إحنا جايينك وطامعين بالقُرب، نبي بنتك الكبيرة لولدنا مشعل
عبدالرحمن بإبتسامة لم يُخفي تفاجئه : وألف نعم فيكم
محمد : الله ينعم بحالك، و مشعل الحمدلله معه دكتوراه علوم سياسية من جامعة بريستول ومستقر في لندن وكوَّن نفسه بنفسه مو ناقصه إلا بنت الحلال و ماراح نلقى أحسن من بنتك له
عبدالرحمن بإعجاب لهذا الصامت أمامه ، يبدُو من النظرة الأولى أنه خجُول : ماشاء الله تبارك الرحمن، وإحنا يا بو مشعل نشتري الرجَّال بأخلاقه .. بالنسبة ليْ يبقى رآي البنت هو الأول والأخير ... والله يكتب اللي فيه الخير
محمد : تآخذ راحتها بالتفكير لكن ودِّي أقولك أنه مشعل ناوي يستقر في لندن عشان شغله إن كان مافيه مانع ..
عبدالرحمن أخذ نفس عميقًا، هذا الأمر يجعله يغرق بتفكيره كثيرًا وليس من السهولة أن يضع إبنته في خانةٍ تجاور شخصٍ يجهلُ عائلته ولم يسمع بها من قبل : مثل ما قلت لك يبقى رآيها الأول والأخير ... ما سمعنا صوتك يا مشعل ؟
فارس بلع رجفةُ حنجرته وبنبرةٍ مُتزنة مُبتسمة : أنا تحت أمرك
عبدالرحمن بإبتسامة صافية : الله يزيدك من فضله، كم صار لك هنا ؟
فارس : بلندن من فترة دراستي وهالفترة بباريس عشان أبوي .. الوالد يشتغل في البنك الإسلامي
محمد : وطبعًا جبته بس عشان نخطب له بنتك الله يحفظها
عبدالرحمن بنظرة مُدققة لفارس : و أنت يا مشعل ماشاء الله دكتور وتخصص مرغوب! ليه ما فكرت بالزواج من زمان ؟
فارس شعَر بالورطة الحقيقة، أردف بإتزان : كنت مشغول بدراستي وبعدها كوَّنت لي تجارتي الصغيرة بلندن فما كان عندِي الوقت الكافِي أني أفكر بالإستقرار، وهالفترة حسيت بحاجتي للزوجة اللي تكملني وأكمِّلها
عبدالرحمن رفع حاجبِه حتى يستشفِ شخصيته من أسئلته : و حاط في بالك مواصفات معيَّنة ؟
فارس بثقة : أهم شيء تكون متعلمة وقايمة في نفسها وأظن عبير في هالصفات
محمد دعسَ على قدمِه من أنَّ " عيدًا " سيأتِ مُبكرًا من كلمات فارس.
عبدالرحمن أبتسم : عبير!! واضح أنك مآخذ فكرة كاملة عنها
فارس دُون أن يرتبك، أردف بإتزانٍ كبير : إلا الزواج ما ينبني على أراء الغير، لازم شي محسوس ويكون عن إقتناع
عبدالرحمن : و وش الشي المحسوس اللي خذيته عن عبير ؟
فارس صمَت لثوانِي مُرتبكَة حتى أردف بمحاولة تخفيف حرارة جسدِه التي بدأت تفور : خذينا السي في الكامل عن بنتك طال عُمرك
ضحك عبدالرحمن ليُردف : وأنا طمعان أقرأ السي في !
فارس بإبتسامة وديَّة : السي في الله يسلمك يقول أظفُر بذات الدين لكن الطمع خلاني أقول أظفر بذات الدين والجمال والحسب و هذا التعريفْ ما يرادفه باللغة إلا بنتك
أبتسم عبدالرحمن حتى بانت أسنانُه وهو ينظرُ إليْه بإعجاب كبير : ماعليك زود يا مشعل
،
تضع آخرُ أغراضها في الحقيبَة، بعد عدةِ أيام سيكُون حفل ختام الدورة والتدريب الذِي أستغرق أكثر من ثلاثِة شهور، شعرت بالإنجاز بأنها حققت هذه الدورة بمستوى عالٍ، ستفتقد الأجواء الفرنسيَة، والإستيقاظ على رائِحة الخُبز والمكرون، تحتاج أن تسيرُ وتركض إلى مالانهاية في طُرقِ "كَان" حتى تستغلُ كل ثانيَة بهذه الأجواء الماطرة وضحكاتِ السماء وتوهِجها.
خرجَت من شقتها وهي تلفُ الوشاح حول رقبتها، مرّ على بالها إتصال منيرة ليتعرج جبينها، تنهَّدت لا تُريد التفكير بها أو بكلماتها.
نظرت له بدهشَة : إستاذ نواف!!
نواف الذي كان سيدخل إلى العمارة : أهلا ... نفض قميصه المُبتَّل.
افنان تتشابك كفوفها بربكة : هلابك
نواف : شفتك ما جيتي اليوم قلت أجي وأتطمن من باب الزمالة *أردف كلمته الأخيرة بسخريَة يُحرج بها ملامح أفنان بعد كذبتها*
أفنان : خلصت شغلي أمس وماكان عندِي شي اليوم
نواف أخذ نفس عميق : دام كِذا تآمرين على شي ؟
أفنان بإندفاع عفوِي لم تقصد به شيء: ليه ؟
نواف رفع حاجبه بدهشَة لتلتقط أفنان حُمرة وجنتيْها، أكملت قبل أن يُعلق : أقصد يعني .. بحفظ الرحمن ...
شتت نظراتها وهي تنزل آخر عتبات الدرج مُتجهة للخارج.
نواف من خلفها : أفنان
ألتفتت عليه ، أقترب منها والأمطار تُبللهما : ودي أقولك شي
أفنان : تفضَل
نواف : يعني .. آسف على اني أحرجتك بسالفة الأوراق .. ماكان قصدِي أفتش بملفك وأشوف بياناتك
أفنان تُقاطعه : لا عادِي حصَل خير و .. أصلا نسيت الموضوع
نواف بإبتسامة : أشوفك على خير
أفنان أكتفت بإبتسامة خافتَة وأنسحبت بهدُوء للسير على الرصيف بطريق يُعاكس طريقه، شعَرت أن نبضاتها ستخرج من مكانها بمُجرد أن صوته مرّ عليه، " وش فيني أنا !! " مُجرد إعجاب عابر وسيمُر أنا أثق بميُولي وقلبي، دائِمًا ما تبتسم عاطفتِي ودائِمًا ما تنسى. ونواف إحداهم.
،
وليد خمَّن من صاحب هذا الصوت ليُردف : إيه معاك وليد
ناصر أخذ نفسًا عميقًا : أنا ناصر، أتوقع فيصل خبرك عني
وليد صمت لثواني طويلة ليُردف : إيه .. وصلت باريس ؟ *سأله وهو متأكد أنه وصَل من الرقم الفرنسي الذي ظهر على شاشته*
ناصر : إيه
وليد : طيب .. هي الحين في شقتها ... راح أرسلك العنوان
ناصر بصوتٍ ينخفض تدريجيًا : أنتظرك
وليد : مع السلامة .. وأغلقه. كتب له رسالة نصيَة وقلبُه ينبض في كل حرف وكل كلمة ويضيق أكثر بالنقطة التي تُنهي السطر، كُنت أخشى النهايَة، يُرعبني جدًا الكوبليه الأخير، ليت الساعة تتنازلُ عن مبادِئها وتُخفف من سُرعتها، أحتاج أن يتلاشى ناصِر ولا أراه، أحتاج ذلك بشدَّة وأنا أعرفُ عن المستحيلات في هذا العالم. يا فجوة الحُزن التي نمَت بيْ.
دقائِق وهو يسيرُ على الرصيف، حتى أضاء هاتفه بالرسالة، قرأ لتتوهجُ عيناه المُحمرتيْن، قريب جدًا منها، عاد بخطواته ليعكس خط السير مُتجهًا للجهة الأخرى، يعدُ الخطوات ولولا العابرين لركَض بشدَّة نحوها، أدخل يديْه الباردة في جيُوبه وملامحه شاحبَة بعد ان فقد دماءه إثر نزيفه الباكي، يشعُر بأن قلبه سيتوقف عن النبض، لا يعرف كيف سيراها بعد كل هذه الفترة! شيء من المستحيل يحدُث الآن أمامه، ينظرُ للعمارة ليدخلها بعد أن بلله المطر، أتجه نحو المصعد و ضغط على الدور الرابع، ثواني وأقلُ من أجزائها ليسير بإتجاه غُرفتها، أوَّدُ لو أنني أصرخ لمن حولِي وأنادي عليْك.
و بأجزاءِ الثواني كانت تُخطط للخروج، فتحت الباب لتنتبه أنها نسَت هاتفها، تركت الباب المفتوح طرفه لتعُود لغرفتها وتبحث عن هاتفها.
وقف عند الباب المفتوح، و تُفاحة آدم التي تُزيِّن عنقه تتحشرجُ ترتفع قليلاً وتهبط كثيرًا، دفع الباب بخفُوت لينظُر للصالة الخاليَة، ألتفت لطاولة المطبخ التي عليها جاكيتها، أقترب منه ليُلملم بين كفيّه ويُقربه من أنفه، هذه غادة!! ، كتم نفسه برائحتها و قبائلٌ بقلبه تتساقط حُزنًا، سمَع خطواتِها الخفيفة، ألتفت ليراها عند أحدِ الرفوف القريبة من النافذة، لا يرىَ سوى ظهرها، أطال نظرَه حتى خشيَ أن يسقُط من الحشُود التي تُصيب قلبه بمُجرد ما إن رآها، ترفع شعرها الأسود بيديْها جانبًا بعد أن أزعجها وهي تحاول البحث عن هاتفها، تأفأفت ليبلع ريقه الواقفُ بكامل إتزانه أمام جسدِها المُصيبة، هذه " الأفأفة " لا تمرُ إلا من نبرتها، هذا الليلُ البارد هوَ شعرَها، هذه البيضاء الشهيَّة هي مُرادف لشخصٍ واحد، هي غادة ولا غيرُ الغادة من تستعمرُ البياض في كفيَّها و عرقُها النابض خلف رقبتها، ثبِّت يقيننا يالله ما عاد بأجسادِنا قوَّة تتحملُ مجرَّة بأكملها تلتوِي حول جسدِ أنثى، ترك الجاكيت على الكُرسي ليقترب بخُطى لاصوت لها، اللهم أنَّ هذه الأنثى تُزيد إيمانِي بك وبقُدرتك، هذه الأنثى التي لا أعرفُ ممن خُلقت، هل خلقت من ماءٍ وتُراب أم خُلقت من حباتِ التُوت ؟ هل خُلقت من طِين أم خُلقت من ماءٍ شفاف يُشبه شفافيه عينيْها. على بالِي أن تتلبسنَا السماء ولا تجرحنا الأرضِ بتقاطعاتِ طرقها، على بالِي " أحبك من جديد ".
ألتفتت لتتجمدُ عيناها عليه، ألتصق ظهرها بالنافذة بعد أن أطلقت شهقَة خافتة مُرتعبة، بعد الفترة التي شعَرت بأنها سنين وسنين منذُ 2007، مازال هذا الأسمرُ الذِي أتسابق من أجله إلى النافذة حتى أراه واقفًا مع عبدالعزيز، مازالت هذه العينيْن اللذيذة التي تُشبِه جدائِلُ ليلٍ دافىء، هو ذاتُه ناصِر فارسُ أحلام الصِبَى، أوسمُ رجال الكون بعيني، أجملُ الرجال على الإطلاق بعينِ هذا الكون، أنفُه الشاهق وعوارِضُه الخفيفَة التي تتزيَّن بسكوكة، هذا هو ناصِر لم يتغيَّر سوَى أنه أزدادْ عِرضًا ووسامةٌ، وسامةُ الناضجين التي تقتلُ تمايل النساء من حوله، تقتلهن حتى يسقطن موبوءات به، أبناءُ الثلاثينات لا يعرفون أنهم يُصيبوا الفتيات بنظراتهم، ولن يعرفُوا أبدًا معنى أن تكُن ثلاثينيًا أسمر، معنى أن ترى الوسامةُ تنضج أمامك.
كان ينتظرها، ينتظرُ أن تركض لأحضانِه ولكن نظراتها كانت أكبرُ جرحٍ تلقاه في حياته، كانت نظرات تتعرفُ عليه فقط، يا عذابُ عيني وصدرِي الذي يشتهيك، يا عذابُه وأنتِ بعيدة. هل تأتين أم أأتِ ؟ أنا الذِي أمُوت بك في الحياة مئة مرَّة وأعيشُ على صوتِك، هل تقتليني بموتٍ جديد أم أنا الميتُ على كل حال ما ضرَّني أن أحفر قبري!
همست ببحةِ السماء الماطرة وعينيها تتدافعُ بها الدمُوع : ناصر!!!
توسَّل إليْها بعينيْه المُشتاقة، و ذليل العاشقين عزيز يا غادة. يشعرُ ركبتيْه تخونه وهو يحاول أن يُصدِّق بأنه يراها، هذه هيَ، بلع غصَّةُ الحنين الذي مضَى، " لِك في حشرجَة الصُوت حُب ما أندثَر، خلنَا نبني فيه من هالصحرآ بلد ، لِك في وسِط هالقلب من الحنين سمَاء تستحضِر كل ما مرَّها صوتِك ، خلنَا نلملم كفوفنا ونجمِّع بكي السمَا، خلنَا نغتسِل من مواجعنا ونبتسم لأجل حُبنا، يا جنُونِي ، لِك مقطع قصِيدة ما تمُوت لو مرضت، لو رحلتِ يجيني طارِيك عسَّاس لأجِل يثُور الحنين ويبكيك "
هذا إسمِي " ناصِر " الذي نسيتهُ بين شفتيْك في يومنا الأخير، هذا إسمي الذي أشعرُ بفخره وهو يمرُ على لسانك، هذا إسمِي الذي أناديه ولا أسمع صداه بعد أن خطفتِ الصدى وكل شيء بعينيْك، هذا الصدى استرده الآن.
لم تقوَى، تشعرُ بقلبها الذِي يركضُ إليه ويصطدمُ بصدرها بشدَّة لا طاقة لها بها، جلست على ركبتيْها وهي تنظرُ لجمُودِه أمامها، أخفضت رأسها ليُدثِّرها شَعرها وتتساقطُ دموعها المالحة.
عاد خطوةٌ للخلف، هذا البُكاء المالح أعرفه، أعرفُ كيف العينيْن تتلألأ كـ ليلٍ يغيبُ به القمر وتُرثيه النجوم ! " يا غايبة عنِّي، ردّيني ويَاك، لِك في نبرةِ الصدر موَّال حزين، رجعِّيه معاك يا غادة "
وضع يديْه على رأسه وأنظاره على الأرض، هذه حقيقَة، هذا الألمُ بعينِه يواجهه، " تعالِي " أنقذِي حياتي من الحياة دُونك، أرتفع ضغطُ دمِّه الذِي يتفجرُّ بحُمرةِ جسده المريض بها، نزف أنفُه للمرة الثانية، يا حُزنِي كيف لأمرِ عودتك يُلخبط هذه الدُنيا ويجعل كل شيء .. كل شيء بلا إستثناء يبكِي .. مطرًا ودمًا. أرفقِي بيْ! وأنا أعترفُ بقدرِ الدماء التي تفُور على غيابك ، أعترفُ بلهجةِ نجد التي جفَت مثل ما جفوتِ ، أعترفُ بنبرتِك وأنتِ تُرددين البيت الشعري الذي تُفضلينه " فينيّ بـدو مـاتـوا ظمـا لـ المواصيـل وَ وجيههـم من لاهـب الشـوق سمرَا "، من لاهِب الشوق سمرَا يا عين ناصر، قلبهُ يبتهِّل وعيناه تحكِي، أعيانِي الوقوف ردِّيني بخُطاك، أروِي عطش فقيرٍ يا غادة، أرويني يا غنيَّة وعيُونك على غناك ترفع السبابة، يا كاملة الزين وش بقى من الزين ما أستحلتَه ملامحك، يا كاملة الوصف سقطت الأوصاف من بعدِك، أنا الذِي لا أعرفُ من الأوصافِ غيرك ولا أعرفُ كيف أصف إلا بـ " جميل جدًا يُشبه غادة ".
أختنقت، هذا الهواء يهربُ من الشقَة، لم يعدُ لها قدرًا تستطيعُ التنفس به، أحتاجت أن تعانق أيّ شخص، أيّ أحدٍ يُخبرها بأنه معها، بأنه بجانبها، بعد كُل هذا تراه، هو زوجها! هو الذِي تُحب ولكن .. لا مجال للأسئلة كيف ومتى! 5 سنوات لا أعرفُ عنها شيء، بإنكسار رفعت عينيها إليْه ، أستسلم تمامًا، خُذنِي إليْك، خُذني لصدرِك، لقلبِك، لبين ذراعيْك ولا تُخرجني لهذه الدُنيا أبدًا.
ناصِر ينخفضُ صوته مرضًا و ذراعيه تسقطُ على جانبيْه دُون حِراك، طالت نظراته وهي تسرقُ من بينهم زمَن وعُمر، تنظرُ لصدرِه ولمعطفه، عقلُها الواقف عند عتبَةِ زمنٍ مُعين طلّ عليه بتطفُل لثوانِي قليلة مشهدٌ فات من عمرهما، مشهدُ من الحياة البائسة، مشهدٌ حشَر بها جسدِها الغضّ في معطفه وسَار معها على الطريق الممتلىء بالثلوج : يا رب العباد !!
بكلمتِه المبحوحة في صوتِه تزايد فوضى دمعها على ملامحها البيضاء، لتُردف بضِيق الكلمات بعد صمتٍ دام أكثرُ من ثلث ساعة ولا يحضرُ سوَى بكاء الأجساد في حين كانت ملامحُ ناصِر مُتجمدة مُحمَّرة والأكسجين يبدُو أنه لا يصلها : آسفة
لم يفهم أسفها، لم يفهم ما تعني، بنبرة غاضبة تشتدُ كثيرًا : ليـــه ؟
غادة تُشتت نظراتها المُتضببة بالدمع، تنزوِي في زاويـة الصالة : أنتظرتك، لكن ... مقدر .. مقدرت أتذكرك
يسترجعُ نظراتها الأولى، حُرقـة عينيْها التي تنظرُ إليه، أبتسم بسخريَة وهو يشعرُ بأن غليانٍ في رأسه وكأن نزيفًا يُدغدغ خلايا مخه : أنا ؟ مقدرتِ تتذكريني أنا!! أنتِ غادة أو مين ؟
صرخ بقوَّة فرغ بها غضبه : أنا ناصر!! .. "ينخفضُ صوته المكسور " ناصر يا غادة! .... كيف تضيعين مني !
غادة بلعت غصتها بصرخه لتُردف بكلماتٍ سريعة حتى تتفادى عينيْه الغاضبة : ما أتذكر سنواتي الأخيرة معك .. والله ما أتذكر
ناصر يقترب بخُطاه إليْها لتنكمش حول نفسها، أقترب حتى جلس بقُربها وعيناه تفيضُ بالحمرة : طالعيني، قولي أنك غادة اللي أعرفها .. اللي أنتظرتها .. اللي مشتاق لها كثييير
غادة تشد على شفتيها حتى لا تنطلقُ شهقاتها العالية، نظر لشفتيْها المرتجفة، أنتظر جوابًا، أنتظر أن تقول له " غادتِك "، تمرُ الثواني لتشطره أنصافًا دُون أن يسمع منها ما يجعله يصطبر على اللحظات التي مرَّت دونها : غادة!!
غادة ببكاء : أرجوك لا تضغط عليّ! أنا ما أعرفك .. ما أعرف إلا أنك صديق عبدالعزيز ...
بتملُك شدَّها ليُوقفها حتى لاصق صدره صدرها، عانقها حتى أوجعها بشدَّةِ عناقه، أضطرت أن تقف على أطراف أصابعها لتستنشق رائِحة العُود التي خلف أذنه، ألتوت أقدامه التي تخشبَّت بحقيقة ما يرى، ومازال يُردد " ثبِّت يقيني يالله " ، سقطت معه على الأرض وهو يتنفس عنقها وشعرَها، هي رائِحتها لم تتغيَّر، هذه الرائِحة التي أدُوخ بها وأتجدُد عشقًا، يالله! قليلاً من الصبر والرحمَة. دمُوعه التي هطلت بإستمرار طوال الأيام الماضيَة لم تهطل وهو يعانقها، كان جامِدًا ماعدا قلبه وعرُوقِ دمه التي تثُور عليه وتعلنُ الهرولة لجسدِ غادة.
حفرت أصابعها على ظهره، أشعرُ بإنتمائِي لك، رائِحة الماضِي التي أشتاقتها تتنفسها، أنت الذِي أجهلُ صفاتِه وحدُود شخصيته، " وَدِّيني " مثل ما تُريد وتشتهي. يالحياة، يا ذرات الأكسجين التي تطوف حولِي بعناقك وتقتلنِي، " ودِّيني .. وخذني لك "
مرَّت الدقائِقُ المُتعبة الذابلة بسُرعة، أطالُوا العناق حتى تيبَّست أجسادهم المرضي عنها بالحُب، صوتُ بكائها الذِي لم ينقطع في حضرةِ صمته الذِي مازال مفجوعٍ بها، حاولت أن تُبعده ولكن كان يُحكم قيده عليها، كان يُوصل لها مقدار شوقِه وهو يُدخلها بجسدِه
بخُطى الكلماتِ الميتَة التي تحاول الحياة : لا تكذبين! لا تكذبين وأنا اللي أنتظرتك
غادة في غياب الوعي التام، لا يحضرُ سوَى قلبُها وضباب يُغطي عينيْها الممتلئة بالدمع.
ناصِر بنبرةٍ عالية تحشرج بها الحنين : وش سويتي بدوني؟ وين كانت أراضيك! وينها يا غادة
ينخفضُ صوتِه بحُزن وهو يكتمُ نفسه بعنقها، لا يُصدق إلى الآن بأنها غادة ، بدأ هذيانُه ولا يعرفُ بأيّ الكلمات ينطق : وأنا لما جيت أعانقك خذوك منِّي .. خذوك ..... يا زُود حزني فيك وشلون خذوك مني
غادة ببكاء عميق، تُخفض رأسها لتغرق ملامِح ناصِر بشَعرِها، تقاطعت كلماتها بتأتأةِ الحنين : مدري والله مدرِي وش كنت ووش صرت .. أنا ما أتذكر شيء
أبعد جسدها ليصرخ واقفًا وهو يُشارف على السقوط، أضطرب بسيْره وهو يعُود مرةً للخلف ومرةً لليمين : كذابة!! أنتِ ما تعرفين وش قاعد تسوين فيني! حرَّة قلبي في موتك كانت أهون من الحين .. ليه .. بس أبغى أسألك ليه غبتي كل هالمدة ؟ وين كنتِ فيه ؟
غادة تُغلق أذانها بكفيّها : ما أعرف .. أتركني
ناصر : يا قو قلبك وشلون هان عليك ... وين حبنا ؟ كيف تنسيني بهالسهولة!
غادة جلست على الأريكة وهي تنحني بظهرها وتغطي وجهها بكفيّها، غرقت ببكائها بينما غرق صوت ناصر بحُرقة الذي مضى دونها.
ناصر ينظرُ لها بضُعف، برجاء : نسيتيني؟ نسيتي ناصر يا غادة!!
غادة أعتلى صوت بكائها بعتابه الحارّ، أكمل بصوتٍ يرتجف به الحب : ما فكرتي تتصلين؟ ما فكرتي تقولين اللي محترق بغيابك وش مسوي؟ ما أصدق أنك تكونين بهالأنانية!
صرخ : بهالحقارة يا غادة!! ..... دفعَ الطاولة الزجاجية بقدمِه غاضبًا يكاد يجنّ جنونه ليتناثر الزُجاج ....
بجنُون الصابر الذِي أنفجر : كملتي حياتك بدوني وأنا أستخسرت الضحكة على نفسي بدونك!! .. مستحيل تكونين غادة! ليتني ما عرفت بوجودك .. ليتني صدقت كذبة موتك ولا شفتك تنكريني كذا ....
شعَر بالغثيان وأنّ الإختناق يقتربُ منه، خرج بخطوات سريعة من الشقة وهو يسيرُ للأسفل مُتجهًا للخارج، بسرعتِه كانت دماءه تنزف وتفُور، " هذه كذبـة " . . " يا حسرة قلبي من يشفي له طعونه ".
،
تحت فراشها بعد أن نامت بُضع ساعات حتى أستيقظت على أذانُ الفجر، صلَّت وعادت لدفء سريرها الذِي ينبعثُ منه ضوء هاتفها، تقرأ ما يخصُ إستفساراتها التي لم تتجرأ أن تنطقها، كانت تعلم جيدًا أن تُركِي لم يُبقِي لها شيئًا يُساعدها على الأمل، تفهمُ نظرات سلطان الذِي لم يكُن ينتظر منِّي شيئًا ولكن أن يعرف الحقيقة أمرٌ هيِّن ولكن أن يُجرب بنفسه مالحقيقة سيشعرُ بقهرٍ يتجدد في داخله، أفهمُ جيدًا شعُوره وأفهم جيدًا شعُوري الذِي لم يتنازل ويفهمه، لم أكُن بِكر رُغم أنك أول رجلٍ في حياتِي، رُغم ذلك أنا أراك كل الرجال، كلهم بلا إستثناء، ولكن مرّ على ذلِك وقتُ طويل، مرّ الكثير الذِي جعل جسدِي يتكورُ حول نفسِه ويبقى لرجلٍ واحِد وهو أنت، لم أنقص شيئًا، مازلت فتاتُك ولا يُحدد ذلك " غشاء "، لا يُحدد ذلك فقدِي لبكارتي، ما دُمت بنتًا لم يلمسها من الرجال أحدًا، من لمسنِي لا يمتُ للرجولة بصلة وليس محسوبًا عليكم، لذلك لا تسألنِي من لمسِك قبلي؟ لم يلمسنِي أحدًا، فقط أنت. وأنا الضائعةُ بك ومنك.
تركت هاتفها بعد ان قرأت سبب شعُورها بأنها بِكر رُغم أنها ليست بِكر رُغم أنها رأت الآثارُ على مفرشها، كان السبب بسيطًا جدًا ، بسيطًا لجعلِ قلبها الطِفل يفهمُ أشياءً لم تفهمها من قبل، مازلت يا تُركي تحضرُ فيني، أنا التي لم أكُن شخصية جبانة وضعيفة مثل ما أنا أخافُ الآن حتى من ظلِّي، أخافُ من الأصواتِ الغريبَة والحركات المُباغتة. أبعدت الفراش لترفع شعرها الطويل للأعلى كذيلِ حصانٍ، أقتربت من المرآة تُدقق في ملامحها البيضاء الشاحبة، أخذت نفسًا عميقًا، لم يعُود إلى الآن ؟ رُبما أستغرق وقته في العمل أو رُبما لا يُريد أن يراني، أكثرُ شيئًا يجرحُ أنوثة المرأة أن يُقابلها الرجل بالرفض. هذه الإهانة لا تتقبلها أيّ أنثى كيف بأنثى وهبتهُ كل شيء ومن ثم رفضها؟ رُبما نَدِم على الليلة الفائتة ؟ ولكن رفضته! رفضتهُ بكل شيء أعطاهُ الله لها، لم أستسلم له ولكن تبقى قوته ورجولته فوق كل شيء، ورُغم كل هذا يرفضني الآن؟ يرفضني وكأنني أريده رُغم أنني لم أصرِّحُ بذلك، لم ألفظها من بين شفتيّ.
نزلت للأسفل في عُتمة الطابق الأول، دخلت المطبخ لتفتح نُور الجهةِ اليمين فقط ويبقى بقيةُ أجزاء المطبخ مُعتمة، أخذت قارورة مياه زمزم الكبيرة لتُفرغ نصفه في كأسِها، تمتمت بهمس : اللهم أني أسألك علمًا نافعًا ورزقًا واسعا وشفاءً من كل داء.
بخطواتٍ هادئة كان يُراقبها بعد أن دخلت المطبخ، خلف جسدِها يسحبُ الكأس من يدِها ليضعه على الطاولة قبل أن يسقط من فرط فزعِها، ألتفتت عليه لتلتصق أقدامه بأقدامها، أشتد خوفها وطريقة سيرهُ إليْها تُشبه شخصًا تُبغضه، نظرت إليْه برُعب وصدرها يهبط ويعلُو بكثافة.
سلطان أطال نظره لثوانِي وهو يشعرُ بقلبها الذِي سيخرج من مكانه، عاد عدةِ خطواتٍ للخلف ليلتفت للطاولةِ الأخرى ويسكبُ له من الماء، بالصوت اللامُبالي يقذفها : نمتِ اليوم كله وتوك تصحين!
الجوهرة بلعت رجفة ريقها، صمتت طويلاً حتى تُجهِّزُ جيوشِ كلماتها الساخرة : أجاري زوجي اللي ما يرجع الا متأخر
دُون أن يلتفت إليْها وهو ينحشرُ في العتمة ،ينظرُ لكأس الماء : و نعم الزوجة
الجُوهرة صمتت وهي تتأمله، هذه القوة التي ترتديها قليلاً وسرعان ما تتلاشى، ليتك تعرف أن المؤسف في كل شيء أنني أحببتك قاسيًا ولم تنظرُ إليّ إلا جريحة، ولا أعرف إن كنت تحبني أيضًا جريحة.
ألتفت عليها بعد أن أفرغ المياهُ في جوفه : وش تنتظرين ؟
الجوهرة شتت نظراتها لتلفظ ببرود : ولا شيء بس كنت أفكر بكتاب أقرآه
سلطان ودّ أن يُحرجها : ووش الكتاب ؟
ونظراتها مُعلقة في عينه : بصعد وبشوف أيّ كتاب أقرآه
سلطان و مزاج " الإستلعان " يُرفرف به : وكل هالوقت تفكرين كيف تصعدين فوق ؟ محتارة الدرج ولا الأصنصير ؟
أحمرَّت ملامِحها من طريقه تحجيره لها، بسخرية رُغم جمود ملامحها : تصدق! كنت أفكر كيف أصعد
سلطان ألتفت بكامل جسدِه ليسند ظهره على حافةِ الطاولة : طيب .. وش تنتظرين ؟ لا يكون خايفة تصعدين لوحدك
الجوهرة لوَت شفتِها السُفلية لتجذب أنظار سلطان لشفتيْها، بخطواتٍ مُتنرفزة صعدت للأعلى، له قُدرة رهيبة في إستفزازي بأبسطِ الأشياء، صعدت للدور الثالث الذِي تخافه، قاومت كل شيء حتى تتجه نحو مكتبته التي شتمتها في داخلها كثيرًا.
صعد خلفها والإبتسامة تُزيِّن محياه، شعَرت بخطواته ولكن تجاهلته تمامًا وهي تقف أمام رفّ الكُتب.
سلطان من خلفها : محتاجة مساعدة ؟
الجوهرة بحدَّة : لا
سلطان بتملُك حقيقي، يتجه نحوها ليسحب إحدى الكُتب وينظرُ لعنوانها : أقرأي هذا
الجوهرة : ماأبغى
سلطان بصيغة الأمر : قلت أقرأيه
الجوهرة نظرت إليْه : خلاص ماأبغى أقرأ شي
سلطان يضع الكتاب في مكانه : يكون أحسن
الجوهرة : يعني المسألة عناد!
سلطان يجلس على الأريكَة التي في الزاويـة : مُشكلتك ما تعرفيني زين
وهذه إهانةٌ اخرى، أن تتهمني بجهلك وأنا التي أعرفُ كل شيء عنك، شعَرت بالدماء وهي تسيلُ من أنفها، بحثت بعينيْها عن مناديل حتى أتجهت نحوه بقُربه كانت علبة المناديل.
بصوتٍ مُربِك لحواسها : ما تنزفين إلا بالبكي والخوف! وأنتِ لا بكيتي ولا خفتِي!! وش صاير لك؟
الجوهرة ترفعُ رأسها لتوقف النزيف، مرَّت ثواني طويلة حتى تقع عيناها عليْه : أنت اللي مشكلتك ما تعرفني
سلطان بهدُوء : عرفيني عليك! وش سبب هالدمَ ؟
الجُوهرة بقهر : رفعت ضغطي ... وأتجهت نحو الدرج ليُراقبها بعينِه، وضعت يدها لتقف طويلاً، شعَرت بأن إغماءة تتسلل إليْها.
سلطان بِـ شكْ وقف وأتجه إليْها لتلتفت إليْه : دوخة بسيطة ... ونزلت ، لم يُطيل وقوفه حتى نزل إليْها، سُرعان ما أنزوَت في الفراش وغطَّت وجهها به.
أخذ نفسًا عميقًا ليجلس بقُربها ويُبعد الفراش بعد أن نزع حذائه العسكري : كليتي شي ؟
الجوهرة ألتزمت صمتها
سلطان : على أكلك العصر ؟
الجوهرة : ما أشتهيت شي
سلطان : طبيعي بتدوخين وأنتِ ما أكلتِ شي .. قومي أكلي لك شي ولا تكذبين وتقولين أنك بتنامين وأنتِ توّك صاحية
الجوهرة أستعدت بجلستها لتنظُر إليْه : من مبدأ إيش مهتم في أكلي؟ من مبدأ أنك شفقان ولا تحس بتأنيب الضمير ولا ...
يُقاطعها بحدَّة : من مبدأ ما يعنيك
الجوهرة بعناد : ومن هالمبدأ أنا ما ودِّي آكل
سلطان بتهديد : تعاندين كثير وماهو من صالحك!
الجُوهرة ترفعُ كلا حاجبيْها بطريقةٍ مُستفزة لسلطان، تعابيرُ وجهها هذه المرَّة فزَعت لصوتها الذي دائِمًا مايكُون في محل جُبن.
نظر إليْها بتعجُب، ليشدّ على أسنانه ومن بينهُما أتى صوته حادًا غليظًا : بالله؟
الجوهرة شعَرت بالخوف ، ولكن تظاهرت بعكسِ ذلك مُشتتة نظراتها
مسكَ ضحكتِه، لأولِ مرَّة يشعرُ بأن نظراتِه تُرعبها : عندِك شي تبين تقولينه ؟
الجُوهرة دُون أن تنظر إليْه : ممكن تتركني أنام
سلطان دُون أن يحبس إبتسامته : قوليها وعينك في عيني وبعدها بتركك
الجوهرة لم تفهم مزاجه هذه الليلة، ألتفتت عليه لترمش أكثرُ من مرة في الثانية
سلطان غرق بضحكته الطويلة ليُردف : تصبحين على سعادة
الجوهرة عرفت لِمَ يضحك، كان واضحًا جدًا أن ملامحِي الشاحبة مُرتعبة، يشعر بالإنتصار لنفسه لأن أستطاع ببساطة أن يفرض قوته عليّ، ما أشدُ قسوتِك يا سلطان.
،
تضع رأسها على صدرِه الدافىء وشعرها الطويل ينسابُ على ظهرها جانبًا، خلخل أصابعه البيضاء في شعرَها و الصمتُ مترسب في حناجرهم، رفعت عينها له ليبتسم : وش تفكر فيه ؟
عبدالرحمن بتنهيدة : اليوم جو ناس يخطبون عبير
أتسعت إبتسامتها لتُبعد رآسها وتتربع على السرير بجانبه: مين ؟
عبدالرحمن : ما أعرفهم واضح عايشين حياتهم برا إسمه مشعل المحمد .. عنده دكتوراه في العلوم السياسية ومستقر في لندن
ضي : ماشاء الله ، الله يكتب لهم اللي فيه الخير .. لآيكون منت موافق؟
عبدالرحمن : مدرِي عايلة ما أعرفها ولا أدري وش طبايعهم ولا عاداتهم
ضي : تحسسني أنه دايم زواجات القبايل ناجحة! هذا هُم يعرفون عادات بعض ويا كثر ما يحصل الطلاق، دام مؤهلاته كويسة ماشاء الله ومستواه كويِّس وأخلاقه زينه خلاص .. لاتوقف نصيبها .. بالنهاية أنت ماراح تجلس لها العُمر كله
عبدالرحمن : وش يعرفني عن أخلاقه! أقولك الرجال ماعندي أيّ خلفية عنه ولا عن عايلته، تبيني أرمي عليه عبير وبكرا تجيني تشتكي منه ؟
ضي : أسأل عنه، كلم أبوه وقوله وين ساكنين وفي أيّ حيّ ووين يشتغل! وروح للأماكن هذي وأسأل عنه
عبدالرحمن : أنا لما شفته أرتحت له ، يعني حتى كلامه وأسلوبه جذبني لكن ما أدري وش ممكن يصير بعدين
ضي : يا عبدالرحمن يا حبيبي! كم مرة خطبوا عبير وتردّهم وأنت تعرف قبايلهم وعوايلهم، بكرا ذنبها بيكون في رقبتك وعبير وصلت لعمر محتاجة فيه لشخص ثاني يكملها
عبدالرحمن وكلمات ضي تُقنعه وتجعله يعيش الحرب بين قناعاته وخوفه من المستقبل.
أكملت : وهذي رتيل تزوجت! أكيد بتتحسس أنها الكبيرة وإلى الآن ما شافت حياتها ، أنا يمكن ماأفهم عبير كثير زي ماأفهم رتيل ، ويمكن حتى كلامها معي أحيانًا أحسه تتحاشى تتعمق فيه لكن واضح جدًا حاجتها لشخص ثاني
عبدالرحمن تنهَّد : أمرنا لله بسأل عنه وأشوف
ضي بإبتسامة متورِّدة : خلنا نفرح فيها وننبسط، يكفينا اللي جانا
،
أقترب فجرُ إسطنبُول وخفتت أضواء الصخب في شوارعها المُزدحمَة الراقصَة بتنغنج.
بعد أن أستغرقت بالتسوق ساعاتٍ كثيرة لم تملّ منها، كانت تُفرغ غضبها وحُزنها بالشراء، لم تستفد منه شيئًا، لم يكُن لها الزوج التي تطمح، ناحت أحلامها بجانبها ومازالت واقفة على قدمها، مازلت أكابر وأحامل على حُزني، كثيرٌ عليّ أن تُحزني هكذا.
نظرت إليْه وهو يُرتب بعض حاجياته في الحقيبة الاخرى، بللت شفتيْها بلسانها وهي تأخذ نفس عميق حتى تتحدث معه، أتكأت على الجدار : ريَّان
دُون أن يلتفت عليها : نعم
ريم تحاول أن تُمهِّد له بتبسيط الطلب : بعد ما نرجع إن شاء الله، أبغى اجلس كم يوم بالرياض ماابغى أروح الشرقية على طول
ألتفت عليها : كم مرة تناقشنا بهالموضوع!
بلعت ريقها بربكة : طيب أنا أناقشك الحين عشان نتفاهم
ريَّان بحدة : لا
ريم : طيب ليه؟ عطني سبب وأقنعني
ريَّان : ماني مضطر أعطيك أسباب
ريم شتت نظراتها : ما يصير كذا لازم نتناقش تعطيني أسبابك وأعطيك أسبابي وبعدها تقرر
ريَّان : ريم لا تكثرين حكي وفلسفة على راسي قلت لك اللي عندي
ريم : وأنا ماني موافقة
ريان رفع حاجبه : نعم ؟
ريم : اللي سمعته .. ماني موافقة أرجع الشرقية على طول بدون لا أشوف اهلي
ريان : لآحقة عليهم
ريم بقهر : طيب ليه تمنعني كذا! ليه تعاملني من الأساس كذا
ريَّان : تعرفين أنك تجيبين النكد!! ... وأستلقى على السرير لينام دُون أن يعير نقاشها أيّ إهتمام.
ريم بقوةِ شخصيتها التي تتذبذبُ كثيرًا أمام رجلٍ يُحييها لحظات ويُميتها أيام، تكتفت : هالحكي ما يمشي! لك شخصيتك ولي شخصيتي ما يصير تعاملني كأني أشتغل عندك وتفرض شخصيتك على شخصيتي ..... ريان أنا ماأعرف وش فكرتك عن الزواج! من جينا هنا وأنت يوميًا تبكيني وتضايقني ... والله لو أني ذابحة واحد من أهلك ما تسوي كذا! صارحني وقولي وش مضايقك فيني .. يمكن أقدر أغيره أو يمكن أنت فاهمه غلط .. بس هالطريقة ما تمشي أبد .. كيف بنعيش إذا إحنا نكتم على نفسنا وكل واحد يعيش لحاله .. الزواج شراكة نكمل فيه بعضنا ونستقر .. لكن ........
بربكة شفتيْها : ما أطلب منك شي كثير.. بس أبي أفهمك ! فهمني وش يعجبك وش اللي يرضيك وأسويه
ريَّان أستعدل ليسند ظهره على السرير : خلصتي ؟
ريم بتوتر : إيه
ريَّان عاد للإستلقاء : تصبحين على خير ..
أتسعت محاجرها وهي تنظرُ إليْه، رُغمًا عنها تدافعت دموعها لتسقط على ملامحها المُتيبسَة بحركته الأخيرة، كيف تتغاضى عن هذه الإهانة؟
،
يقرأ بعض الرسائِل التي أتت بالظرف البُني، رفع عينه لسعد الجالس أمامه ويبدُو النعاس يقترب منه : أحرقها
سعد بدهشَة : ما تحتاجها ؟
مقرن بهدُوء : لآ ماأحتاجها ... عبدالرحمن وسلطان صاروا يشكون فيني .. أستغفر الله بس
سعد : حسبي الله على أمل هي اللي شككتهم فيك ما يدرون أنك تخاف عليهم أكثر منهم
مقرن : وصلنا لنص الطريق مقدر أبعد وأوقف، يحسبوني خاين!! يا كبرها عند ربي
سعد : لا تهتم! دامهم ما قالوها في وجهك أتركهم .. أكيد بيتراجعون أو ما عندهم دليل يثبت هالشي
مقرن : كلها يومين وراح يواجهوني، لكن أنا مازلت أبغى أكمل اللي بديته، كل شخص لازم يتعاقب بذنبه واللي سببوا حادث أهل بو عبدالعزيز راح ينكشفون إذا مو اليوم بكرا
،
فِي يومٍ جديد، الساعَة تُشير للثالثة عصرًا بتوقيت باريس، يجلس بمُقابل والده وضحكاتهم تتواصل دُون إنقطاع، ألتفت عليه : الله لا يشمت العدو فينا
دخَل إحدى رجاله الذِين يبغضهم فارس : إلى الآن جواله مغلق
رائد بحلطمة : أستغفر الله!! وش صاير له ذا قطع فجأة
فارس : مين يبه ؟
رائد : واحد نشتغل معه
فارس بهدُوء : أنا أسألك عن إسمه
رائد بسخرية : كنك بتعرفه!! صالح
فارس عرف أنه عبدالعزيز ليردف : وش فيه ؟
رائِد : عندنا شوية شغل وكنا متفقين على اليومين اللي فاتت لكن أنقطع فجأة
فارس : يمكن سافر
رائد : أنا أظن كذا! يسويها هالنكبة
فارس بإبتسامة يُغير أجواء والده المشحونة بالعمل : تدري يبه أحس مبدئيًا بيوافق على شخصي لكن ممكن يتردد بموضوع أنه ما سمع في العايلة ومايعرفها
رائد : ولا يهمك كل شي مرتب، بيسأل وكل علومك الزينة بتجيه
فارس بهدُوء : طيب وعبير ؟ ماراح اقولها أني فارس
رائد بإندفاع : أنحرك قدامها لو تقولها أنك فارس، أتركها مع أبوها
فارس بضيق : وافقت على طريقتك بس طبعا ماراح أكذب عليها
رائد : لاحول ولا قوة الا بالله .. لا تطلعني من طوري وش قلت لك أنا!!
فارس وقف بعصبية : عن إذنك .. وخرج وهو يُفكر كيف يُخبر عبير متجاهلاً سلطة والده، من المستحيل أن يبدأ حياتها معها كذبًا وبسخريَة نبرته الداخلية " هذا إذا وافقت عليّ ! " ، يا رب قلبُها أجعل الخيرةُ بجانب قلبي.
،
يطرق الباب، مرةً ومرتيْن وثلاث وفي كل مرَّة تحتدُ ضرباته عليها، تفكيره الأبيض أستعمرتهُ خلايا السواد والحقد، يشعرُ بأنه كبت نفسه لعهُود طويلة، لن يُبعدها أحدًا ولن يأخذها أحدًا، هي تخصني وحدِي، الذِي يحب لا يضر من يُحب ولكن الذي يُحب يسرق من يحب دُون أن ينتبه هل يضره أم لا! لو أُخبر عبدالعزيز لجنّ جنُونه، لستُ انانيًا حتى لا أخبرك يا عزيز ولكن هذه الفترة أنا أحتاج غادة ، أحتاج عقلها أن يكون ليْ فقط حتى أروِّض نسيانها، كيف تنساني بسهولة؟ هل تكذب أم أنها تحاول أن تُخبرني أنها تريد الإنفصال بطريقةٍ مهذبة، كيف أستطاعت العيش كل هذه الفترة دُون أحدٍ ؟ أنا آسف يا غادة إن كنت سأقهرك! إن كنت سأضرك فأنا لا أعرف طريقًا متزنًا أكثرُ من ذلك.
فتحت الباب ليدخل دون أن يترك لها فرصة الإختيار، بكلماتٍ هادئة : جهزي أغراضك وبتروحين معي
غادة برعشة شفتيْها وأصابعها تتشابك مع بلوزة بيجامتها: وين أروح ؟
ناصر جلس ليرفع عينه التي باتت لا تُفهم : عندك 10 دقايق حتى تجهزين نفسك ولا بآخذك بشكلك هذا
غادة التي لا تعرف عن هذه القساوة شيئًا أردفت : كيف تآخذني! لو سمحت يا نـ
قاطعها بغضب : قلت لك 10 دقايق
غادة بأعصابها المُتعبة تحشرجت دموعها : لا تضغط عليّ! شوف أوراقي الطبية وتأكد بنفسك
ناصر بمثل حدتِه مُتجاهلاً كلماتها : 9 دقايق
غادة بضيق : وين عبدالعزيز ؟
ناصر وقف : يعني ماتبين تآخذين معاك شيء
غادة بغضب : ليه ما تفهمني! أنا ماأعرف مين أنت ولا مين ......
ناصر يُقاطعها بعصبية بالغة أعتلى بها صوتُه لآخر مدى : لا تقولين ماأعرفك! .. أخلصي عليّ !!!
غادة برجاء : لو سمحت!
ناصر يُمسكها من زندها ليشدَّها نحو غرفتها : 5 دقايق ألبسي فيها وأطلعي لي
غادة تتساقط دمعاتها الحارَّة، رضخت لصوته الغاضب وهي تعود خطوةٍ للخلف من صوت الباب الذِي أغلقه بقوَّة، نزعت بيجامتها لترتدِي على عجل أول ما رأته أمامها في الدولاب، أخذت معطفها الأسود الذِي يصل لمنتصف ركبتها، سحبت الإيشارب لتلفه وتُغطي شعرها الداكن، ودَّت لو أنها تهرب، لكن لا مفر وهو جالس بالصالة، خرجت له بتشتيت نظراتها، بغضته لتصرفه معها ولحدةِ كلماتها وقساوتِه.
وقف : بإسم مين الغرفة ؟
غادة : وليد !
أمال فمه : ومن متى المعرفة معه ؟
غادة : دكتوري
ناصر بعصبية : دكتورك!! وطول هالفترة كنتي عنده
لم تُجيبه حتى صرخ عليها : كنتِي عنده؟
لم تعتاد أبدًا على هذا الصراخ لتنطق بملوحة دمعها : لا بس .. بس كان معاي لأن ما كان فيه أحد جمبي
ناصر يفتح الباب ليُشير لها بعينه اللاذعة أن تخرج، أتجهَا لشقتِه وهو يفكر بطريقة يخرج بها من باريس! يجب أن يخرج بأسرع وقت قبل أن ينتبه عبدالعزيز. كيف يُخرج لها أوراقها الرسمية ! يجب أن يتحدث مع والده هو الوحيد الذِي يملك الواسطة في هذا الموضوع.
بُضع دقائقٍ حتى أوصلها لباب شقته، ألتفت عليها وهو يدخل : دايم تعيّشيني بالتناقضات! تغيريني كثير، تخليني أتصرف بأشياء ما ودي أتصرف فيها .. لكن تحمَّلي! تحملي يا غادة مسألة أنك ما تتذكريني ...
بحدَّة يكمل : تنسين الكون كله بس ماتنسيني.. لكن أنتِ اللي تبين هالشي .. أنتِ بنفسك تمشين لهالطريق وودك فيه !! لا تحاولين تتأملين شي مني .. مثل ما خسرت بتخسرين معايْ! إذا كنت أنا بضيع راح تضيعين معاي ... وأعتبري هالشي مثل ماتبين .. أعتبريه حتى تهديد ...
،
أرتدت الجاكيت بصعُوبة وهي تتذمر : أستغفر الله ليت إيدي اليسرى اللي أنكسرت
عبير : الحمدلله بس أنها عدت على خير!
رتيل بضيق : الحمدلله على كل حال بس يختي وش ذا كيف أصبر كذا! ما أعرف أسوي شي بإيدي اليسرى
ضي تُغلق حقيبة رتيل لتُردف : يالله مشينا ..
رتيل : ابوي وينه ؟
ضي : مشغول .. وبعدين أنا ما أكفي ؟
أبتسمت : إلا تكفين ونص بس أستغربت أنه ما جا
عبير : عبدالعزيز ما جاك الصبح ؟
رتيل هزت رأسها بالرفض لتخرج من غرفتها الكئيبة وحامِي الرقبة بدأ يُضايقها، أتجهتَا للخارج و بأولِ خطوةٍ تحت السماء الغائمة كانت أمامهم أثير.
دبّ الشك في قلبها من وجودها في المستشفى على الرغم من خروج عبدالعزيز، بإبتسامة تُخفي الكثير : مساء الخير
رتيل ببرود : مساء النور
أثير : الحمدلله على سلامتك
رتيل ودَّت لو تنطق " الله لا يسلمك " : الله يسلمك
أثير بإغاضة : الله ستَر وماراح فيها وجهك ..
عبير شعرت بالقهر يفيضُ بها فكيف رتيل! ، كانت ستسحب رتيل وتدخلان السيارة ولكن رتيل بدأت بالحرب الكلامية المُستفزة : غلطتي في المكان اللي تتشمتين فيه! إذا عبدالعزيز مزلِّب فيك فمشكلتك مع عبدالعزيز ماهي معي!
ضي مسكت ضحكتها وهي تشتت نظراتها للطريق، بينما عبير أتسعت بإبتسامتها وهي تتكأ على باب السيارة.
أثير بنبرةٍ مُتغنجة : الله أعلم مين اللي مرمي على جمب ومسحوب عليه! عاد تصدقين كنت متوقعة أني بدخل منافسة بس للأسف نافست نفسي لأن محد جمب عبدالعزيز غيري ومحد عايش مع عبدالعزيز غيري ! لكن أنتِ يا قلبي وش موقعك بالإعراب! زوجة فقط وبالإسم لكن فعليًا مافيه إلا زوجة وحدة اللي هي أنا
رتيل أمالت فمها وهي تشدُ على شفتِها السفليَة، ضحكت بخفُوت لتردف : تنافسين نفسك!! عفوًا بس مين قال أنه لك وجود عشان أنافسك! أنا لو أبي عبدالعزيز يجيني قدرت أخليه يجيني ولا تحاولين تشككين عشان ماتحطين نفسك في مواقف بايخة!
عبير مسكتها من معصم يدها اليسرى : ما نبغى نتأخر
رتيل بخبث : تهنِّي فيه فعليًا " أردفت كلمتها الأخيرة وهي تقلد نبرة صوتها "
ركبُوا السيارة لتتحرك مُبتعدين عن المستشفى، أطلقت ضي ضحكاتها : هههههههههههههههههههههههه بدآ شغل الضراير
رتيل : شفتوها! انا ماتحرشت فيها بس هي اللي تحرشت وتتحمَل! قال أنافس قال!! مدري وش جايبها
عبير : ما أتوقع جاية عشانك وكيف تدري بموعد خروجك أكيد جاية عشان شي ثاني
رتيل صمتت قليلاً لتُردف بخوف : لآيكون حامل!
عبير : هههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههههه هههههههههههههههه وش هالدجاجة اللي بتحمل بهالسرعة
رتيل : تسويها الحيوانة ذي! بس لا ما أتوقع .. لا مستحيل أنا متأكدة
عبير : تراها عايشة معه يعني خلاص ! إذا مو اليوم بكرا
رتيل بتوتر وهي تتذكر كلماته في الرياض " ماراح تكونين أول بنت في حياتي " ، أخذت نفس عميق : حيوان لو يسويها
ضي : تآخذين بنصيحتي؟
رفعت عينها لها لتُردف ضي : أنسي اللي فات، أدري جرحك!! ممكن ذلِّك لكن أنتِ بعد ما قصرتي.. أقطعي هالشر ولا تتركين أثير تتمكن منه، حتى لو ما يحبها إذا عطته كل شي طبيعي بيميل لها .. رتيل فكري بالمستقبل وش تبين تصير حياتك؟ قاعدة تضيعين عمرك بهالمُكابرة
رتيل بقهر : انا ما أكابر وأفكر بالمستقبل! ودام هو أختار حياته مع أثير بكيفه .. أما أني أتنازل لا والله ماني متنازلة ! يتحمَّل كلامه معاي
عبير : في ذيك الفترة كل الظروف كانت تجبره وتجبرك بعد تتصرفون كذا! وأصلا كانت أعصابكم تعبانة .. لآتزيدينها أكثر
ضي : صادقة عبير .. رتيل ليه تبين تخسرينه ؟
رتيل تنهدَّت : هو خسرني ماهو أنا
ضي : طيب تنازلي لو شوي.. ماأقولك سلمي نفسك له بس يعني شوية تنازل تخلينه هو بنفسه يشوف رغبتك وتتقدمون بعلاقتكم
رتيل : أنتم ما تحسون فيني! أقولكم قهرني ماكان يخليني أنام ليلي من قهري منه .. وفوق هذا كان يذلني بكلامه وعايرني بأسوأ الأشياء وبعد كل هذا أتنازل! لا والله ماني متنازلة لو يصير اللي يصير ......
ضي بضيق : بس أنتِ تحبينه ؟
رتيل بلعت غصةُ صوتها : اللي خلاني أحبه يخليني أحب غيره
ضي : ببساطة كذا ؟ يا قو قلبك يا رتيل .. تخسرين سعادتك عشان ..
قاطعتها : عشان عزة نفسي! مسألة أني أهين نفسي عشان قلبي هذي مستحيلة وما هي صايرة، إن تنازلت مرة بيخليني أتنازل كثير وبيذلني كثير لأن داري أني بالنهاية راح أتنازل لكن هالحكي ما يمشي معي ! بخليه يدفع ثمن حكيْه ويعرف قدره ومن خسر بأفعاله
عبير عقدت حاجبيْها : عُمرك ما كنتِ شخصية ماهي متسامحة!
رتيل : مقهورة منه ودفاعكم عنه يقهرني زيادة
ضي : انا ماأدافع عنه بس أنا أشرح لك من وجهة نظري، إثنينتكم غلطتُوا! صلحوا أغلاطكم وعيشوا زي هالعالم والناس
رتيل تنهَّدت : ممكن نسكر الموضوع!!
،
في سكُونِ ليلِ الرياض، رفعت شعرها المموَّج جانِبًا وهي تخط الكحل على جفنها، أرتدت فستانًا ناعمًا يصِل لمُنتصف الساق ويُظهر إنتفاخ بطنها الخفيف، تعطرت وهي تنظرُ لنفسها نظرةً اخيرة، ألتفتت على الطاولة التي جهزَّتها بالعشاء الذي لم تطبخه منذُ فترة طويلة، أتجهت لهاتفها حتى تُخبره كتبت له بالواتس آب " يُوسف "
دخَل للمحادثة وظهرت علامةُ الصح المزدوج كنايةً أنه قرأ ولكنه لم يرد، شعَرت بحجمِ زعله لتتصل عليه ولولا أنها تخجل أن تنزل في هذه الساعة للأسفل لكانت نزلتْ وتحدثت معه فالأكيد انه بالمجلس الآن أو رُبما مع هيفاء، مرةً ومرتيْن ولا يُجيبها حتى أعطاها " مشغول " ، كتبت له بالواتس آب " تعبانة حيل " أبتسمت وهي تراقب شاشتها حتى لاحظت الصح المزدوج، كانت ستكتب له بعد أن أستغرق الثواني ولم يُجيبها لولا أنه فتح الباب لترفع عينها بإتجاهه.
نظر إليْها بعد أن أنقبض قلبه خشية أن يُصيبها شيء، ضاعت نظراته في عينيْها السوداوتيْن، هذه الأنيقَة كم من مرَّة يجب أن نُخبرها أن اللون الكُحلِي فاتِنٌ على جسدها الأبيض! أقتربت بخطواتها وأصابعها تتداخل في بعضها البعض : آسفة
يُوسف شعَر بأن شيءٌ غريب بهذا العالم يحدث، إعتذارها الذي لم يتخيَّل أنه سيحدث حدث! أبتسم : مين داعي لي اليوم !
أتسعت إبتسامتها حتى بانت غمازةُ خدها الأيسر : يعني رضيت علينا ؟
يُوسف يقترب حتى لاصقت أقدامِه أقدامها : أطلع حيوان إذا ما رضيت
ضحكت بخفُوت و ملامِحها البيضاء تسرِي بها الحُمرَة خجلاً، قبَّلها بالقُرب من عينيها التي تقتله أكثرُ من مرَّة، وهي التي تحكِي وتبكي وتُثرثر وتعتب وتغضب وتضيق وتحزن في عينيْها، هذه السوداويتيْن يملكان سحرًا حائلي.
مُهرة بخجَل تُمسك معصمه لتتجه معه نحو الطاولة التي جهزتها : بذوقِّك طبخي اليوم
يُوسف ينظرُ للأطباق التي منظرها بحدِ ذاته يُشبعه، بعد يومٍ أحتد به مزاجه كانت الراحة في ختامه، إبتسامتها لوحدِها تُدخل الفرح لقلبه، والغمازة التي لا تظهر كثيرًا أمامه يشتاقُ إليْها.
،
واقفًا مُتكىءً على مكتبِه، بدأ يحك عوارِضه كنايةً عن غضبه وهو ينظرُ لمتعب الذِي بلع ريقه بصعُوبة بعد أن خلى المبنى وأنتهى الدوام الصباحي، أردف : أيوا وش أسوي ؟
متعب : يعني لقيتها .. الحمدلله
سلطان بسخرية : كذا نزلت من السماء
متعب إبتسم إبتسامة بلهاء ليُردف : سبحان الله
سلطان بهدُوء : يا سبحان الله ! كل شيء هنا صدفة وينزل من السماء ....
متعب : تعرف يا بُو بدر احيانا الواحد من كثر الضغط يضيِّع وينسى .. ولا أنا والله كنت أعرف أنه الملف عندِي بس سبحان الله ما لقيته الا اليوم
سلطان يهز رأسه مُستهزءً بكلماته ليُردف : وأنا ما أقتنعت بالعذر! قلِّي شي ثاني يقنعني ولا .. أنت تعرف وش بسوي
متعب : هالحين تؤمن أنه الله أحيانا يرسل ملائكته على هيئة بشر ، يعني ممكن أحد لقى الملف وحطه لي
سلطان يمسح على وجهه : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه ، متعب لا تخليني أفصل عليك! ملف فجأة يختفي بعدها يطلع ..
متعب أرتبك : طيب هالحين فكِّر بالمعنى مالنا دخل بالوسيلة .. والمعنى أنه وصل الملف
سلطان يتجه ليأخذ هاتفه ومفاتيحه بعد إنتهاء الدوام بالنسبة له : طيب يا ولد إبراهيم .. حسابك ماهو الحين حسابك بعدين لا فضيت لك ....
خرج ليسير خلفه متعب : الله يشهد أني بحثت عنه وأنت شفتني يوم كنت أدوّره
سلطان : كل غلطة يتحملها صاحبها
متعب بضحكة حاول يستعطفه : ترى المعاش بحّ
سلطان كتم ضحكته ليلتفت عليه قبل أن يدخل المصعد : عزابي ماعندك لا شغل ولا مشغلة! وين يروح ؟
متعب : قطية إستراحة
سلطان بإبتسامة : مشكلتي أحبك ولا كان هفيتك الحين باللي معي *أشار لهاتفه*
متعب تنهد براحة أن أبتسم هذا يعني أن الأمور محلولة : أدفع عُمري كله عشان تبتسم .. يعني أتطمن على أموري
غرق بضحكتِه الطويلة ليُردف : ما أعصب الا لما تعصبني أنت وأحمد! ولا أنا هادي
متعب : ما ودِّي أكذبك طال عُمرك لكن قوية والله
سلطان يضغط على زر الطابق الأول : ههههههههههههههههههههههههههههههههه أنا أوريك القوية بكرا ! تجي بلبسك العسكري بخليك تتدرب معي
نزَل للأسفل ليتجه نحو سيارتِه السوداء، دقائِق قليلة حتى خرج من منطقة عملِه ليدخل في شوارع الرياض الصاخبة، أضواء السيارات تُغرقه في التفكير، تتشابك في داخله ألف فكرة وفكرة، إبتداءً من الجوهرة نهايةً في مقرن، مسك هاتفِه ليدخل الواتس آب ينظرُ لآخر دخول لها، قبل دقيقتين! لم تنام بعد.
تمرُ التقاطعات بخفَّةِ تفكيره حتى ركَن سيارته أمام بيته، خرجت أمامه العنود، تجاهلته تماما وهي تركب السيارة التي تبعد عن البيت عدة خطوات، ألتفت ليرى بها " ماجد "، عقد حاجبيْه بغضب وهو يفتح الباب ويبحث بعينه عن حصَة ، تقدَّم لها بالصالة دُون أن ينتبه للجوهرة الجالسة خلفه : كيف تطلع معاه بنتك ؟
حصَة : قول السلام طيب
سلطان تنهَّد : وش هالمصخرة اللي قاعدة تصير
حصَة : أنا رفعت إيدي منها! كيفها هي وأبوها
سلطان صمت قليلاً ليُردف : على يوم بتنذبح .. طيب وين الجوهرة ؟
قبل أن ترد عليه حصَة التي أتسعت بإبتسامتها، أتى صوتُها من خلفه : أنا هنا
ألتفت، يكرَه أن يقع في فخِ الغباء ، قطعت إنظاره الموجهة للجوهرة : تعشيت ؟
سلطان : لآ
حصَة : أجل بروح أحط لكم العشا
الجوهرة وقفت : خليك حصة أنا بروح أجهزه
حصَة تدفعها برقة لتُجلسها وبنظرة ذات معنى : خليك أنتِ في نفسك ... وخرجت.
سلطان جلس وهو يسند ظهره على الكنبَة بتعب، بعد أن مدَّد يديْه وفرقع أصابعه ألتفت عليها : متى صحيتي ؟
الجوهرة : ما نمت العصر.... أبوي نهاية هالأسبوع يبغى يرجع الشرقية ... كلمته وقلت له أني برجع معه
سلطان بجمُودِ ملامحه : وش قلتِي له ؟
الجُوهرة تعرف أسلوبه جيدًا، يُحب أن يسأل حتى يستفرد بغضبه، أرتعش لسانها : قلت أبغى أرجع معه
سلطان : وقررتي من كيفك!
الجُوهرة : بيت أهلي ما أحتاج أستأذن فيه
سلطان بغضب : لا! ومرة ثانية ما تفكرين من كيفك وتقررين وين بتروحين ووين بتجين
الجُوهرة بحدةِ كلماتها وهي تُمثِّل البرود في ملامحها : أنا قلت لأبوي وأنتهى الموضوع
سلطان صمت حتى وقف والغضب يفيض به : كيف يعني أنتهى الموضوع! أقسم بالله لو تعتبين باب البيت ماراح تلقين في وجهك الا القبر
الجُوهرة بربكة وهي تُشتت نظراته بعد أن أقترب منها: طيب أبغى ارجع! صار لي فترة طويلة ما شفت أمي
سلطان بحدة كبيرة : قلت لا ! تفهمين عربي ولا لأ ؟
الجُوهرة وقفت تحاول أن تتخلص من خوفها منه : لا ما أفهم! أبغى أرجع
سلطان يحاول أن يُمسك أعصابه أمامها : ناوية على نفسك اليوم ؟
الجوهرة : ليه ما تفهم أني ...
قاطعها بعصبية : قلت لا ! أنتهى النقاش بالنسبة ليْ! ثاني مرة ما تفكرين من نفسك ... لأنك ما تعيشين لحالك فيه عالم حولك تستأذنين منهم
الجُوهرة أمالت شفتِها السفليَة، تُجاهد أن لا تبكِي بعد توبيخه لها، أردفت بهدُوء : طيب أنا الحين أستأذن منك !
سلطان : وأنا وش قلت ؟
الجُوهرة : بس ما عندك أيّ مبرر! هذولي أهلي ومن حقي أشوفهم
سلطان : وتوِّك تفكرين فيهم .. تلعبين على مين بالضبط ؟
الجوهرة رفعت عينها له بدهشَة لتندفع بكلماتها : طول وقتي أفكر فيهم! ولا أنت أصلا تجلس بالبيت ولا تجلس معي عشان أقولك وش أفكر فيه ووش ما أفكر فيه .. حلوة ذي تغلط وتحط غلطك عليّ
سلطان يُمسكها من معصمها بغضب ليخرج بها متجهًا للأعلى
الجوهرة بخوف : راح أصرخ لحصَة . . . . .
،
لم تتوقع أن يحتال عليها بهذه الصورة ولم تتوقع أن يكذب عليها والدها حتى تلتقِي بعبدالعزيز وقفت أمامه وهي تشتدُ غضبًا من تصرفات الجميع بحقَّها : وش تبي ؟
عبدالعزيز : ممكن تجين معاي ماراح نطوَّل ، نص ساعة وبنرجع
رتيل : لآ مو ممكن
عبدالعزيز : طيب كيف نخليه ممكن ؟
اعطته ظهرها وهي تسير بإتجاه المصاعد الكهربائية، مسكها من معصم يدها اليسرى : رتيل .. بس شويّ
رتيل تنهدّت : أكيد وصلت لك الأخبار من حرمك المصون !
عبدالعزيز : ما وصل لي شي
رتيل : بحاول أصدقك .. تقدر تقول اللي عندك هنا لأني بنام
عبدالعزيز : فيه أحد ينام الحين ؟
رتيل : إيه أنا
عبدالعزيز بضيق : رتيل! لا تآخذين الأمور بإستخفاف .. جد عندي موضوع معك
رتيل بسخرية: موضوع زي مواضيعك اللي فاتت
عبدالعزيز ضحك ليُردف بإغاضة : لا هالمرة الموضوع جسدي
رتيل ودَّت لو تصفعه، ضربت صدره بقبضة يده اليسرى : معفن ... مسكها وأحكم قيده على معصمها ليخرج بها إلى خارج الفندق ويغرقُ بضحكاته : أمزح
رتيل تشعر بأن أعصابها بأكملها مشدودة : مزحك ثقيل
عبدالعزيز : بعض مما عندِك
رتيل تنهدت : أستغفر الله العظيم وأتوب إليه .. يعني وين بتوديني ؟
عبدالعزيز : بما أنه ماعندي سيارة راح نمشي
رتيل : لوين . .
عبدالعزيز : شقتي
ألتفتت عليه بغضب و . .
،
تضع يدها على قلبها المُرتجف من حضُور الرجل الذِي سيقترن إسمها بإسمه، تشعر بأن قلبها سيقتلع من محجره، لم تُجرب النظرة الشرعية رُغم أنه سبق وتقدَّم لخطبتها، هذه المرة الأولى وتشعر بالضياع الفعلي : يممه قلبي بيوقف
نجلاء بضحك تستفز خوفها : حاولي تطالعينه طيب عشان تقولين لنا الأخبار
هيفاء : كيف أطلع له ؟ لا بطَّلت خلاص قولوا له يشوفني بالعرس
نجلاء : شكلك حلو والله خليك واثقة .. يالله روحي صار له ساعة ينتظر ومعاه يوسف
هيفاء : ومنصور ؟
نجلاء : لأ قال يوسف أقرب لهيفا عشان ما تنحرج
هيفاء : ياربي وش أسوي! يختي جتني أم الركب
نجلاء : هههههههههههههههههههههههه لا إله الا الله .. تعوّذي من الشيطان وأدخلي قبل لا تجي أمك وساعتها بتحسبك من شعرك
هيفاء تأخذ نفس عميق : يارب يارب ... طيب إذا سألني ما أرد عليه صح ؟
نجلاء تضرب صدرها برقة : ورآه! فاهمه الحيا غلط .. ردي عليه على قد السؤال
هيفاء تتجه نحو المجلس الجانبِي، وهي تقرأ كل آيات القرآن التي تحفظها، حتى فتح يوسف الباب الذي تذمر من الإنتظار وكان سيأتِ ليُناديها ولكن تفاجىء بوقوفها، توسلت إليْه بنظراته لأشياء لا يفهمها يوسف، أبتسم ليُهلِّي بها مُستفزًا كل أعصاب هيفاء : هلا بالشيخة ....
رفع عينه فيصل لتلتقط حضُورها . . .
،
يتأملُها، يُطيل نظره بها وكأنه يستكشفها من جديد، مازال يشعُر بغربةِ جسدها عنه، يراقب تفاصيلها الصغيرة التي مازالت تحتفظ بها ولم تتغير بعد، تُشتت نظراتها من ربكة عينيْها التي تحدق بها.
ناصر بهدُوء : ماراح تقولين لي وش سويتي في غيابي ؟
غادة بمثل هدوئه : ما أتذكر
ناصر الذي لا يستطيع أن يستوعب أو يُفسِّر أو حتى يُجمِّع بعقله الذي مازال تحت تأثير الصدمة حتى لو كانت ملامحه تُوحي بغير ذلك، لا يستطيع ان يتزن بتفكيره أو يصِل الخيوط ببعضها، كم يلزمني من الوقت حتى أستوعب وأفكر بطريقةٍ لا تتحمل غبائي في هذه الدقائق، نظر إليها بحدة حاجبيْه : ليه تكذبين ؟
غادة بقهر : ما أكذب قلت لك ما أتذكر
ناصِر يضرب بكفِّه على الطاولة غاضبًا : تكذبين! من عيونك واضح تكذبين .. انا أعرفك أكثر من نفسك وأعرف كيف تكذبين
غادة بنبرةٍ لم تقصد بها الإستفزاز : لا ماتعرفني! لو تعرفني ما كان كذبتني وخذيتني كذا
يقترب منها ليحاصر كتفيْها وهو يُمسكهما بيديْه : أنتِ ما توعين لحكيْك ولا تعرفين وش قاعدة تقولين!!! .. غيروك .. واضح أنهم غيروك
غادة بضيق : أتركني أروح .. ما أبغى أجلس هنا ..
ناصر : لمين بتروحين! ماعندك أحد غيري
غادة : عندي وليد ....
ناصِر وقف وهو يشعُر بأن الدُنيا بأكملها تتجمَّد أمام عينِه . . . . . .
،
يضع شريحةُ هاتفه الأخرى التي لا علم لوالده بها، يجلسُ بالمقهى المعتاد وبالكرسي المعتاد أيضًا، الكُرسي الذي يخص العبير، كتب رسَالةً إلى الإسم الذِي رمزهُ بـ " عزيز "، " أحتاج أشوفك ضروري، والليلة إذا أمكن .... فارس "
،
مُقتطف/لمحة " بحماس تتكلم غاضبَة وهي تندفعُ بالكلمات الحادَّة ومن فُرطِ الإندفاع تفتحت أزارير قميصَها، لم يستطع الوقوف وهو يجلس على الأريكَة غارقًا بضحكاته : كم مرة قلت . . . . "
.
.
أنتهى ، نلتقي إن شاء الله.
.
.
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()واسفه عالتأخير تعرفون عندي اختبارات ومع ان بكرا اصعب اختبار الا اني حاولت ما اخيب ظنكم ان شاءالله ..
لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.
و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.
أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة
*بحفظ الرحمن.
أنت تقرأ
لمحت في شفتيها طيف مقبرتي .. تروي الحكايات ان الثغر معصية
Romanceلمحت في شفتيها طيف مقبرتي .. تروي الحكايات ان الثغر معصية ( للكاتبه : طيش )