Part 80

78.1K 600 214
                                    

-

النهاية | الجُزء ( 80 )

ذقنا الوصال فهل نطيق تباعدا؟

هل بعد أصل الصوت يدوينا الصدى؟

ما ظل شبر في ولاية خافقي

إلا على حكم الفراق تمردا

إن لم تكن ترضى بعيشك داخلي

امض.. ويرضيني أنا فيك الردى

ماكنت ممن يمنحون قلوبهم

فسرقت قلبي عامدا متعمدا

لو خيروه الآن أين مقامه

لاختار صدرك دون أن يترددا

فلإن قبلت به فقد أهديته

وطنا.. وإلا قد يعيش مشردا

أهوى الجماعة لا أطيع تفردا

لكن حبك في الفؤاد تفردا

لا لن يموت الحلم قبل ربيعه

مادام فينا الزهر يحتل المدى

سبحان من بث الحياة بوجهها

ورد.. وزاد من الحياء توردا

سمراء يستسقي البياض ضياءها

فإذا سقته من الضياء… تنهدا

نور على نور يكون حضورها

أنا منذ لقياها نسيت الأسودا

* محمد أبو هديب.
،

بعد وقتٍ تغربُ به السمَاء كانت يديْها تشرقُ بملامسته، لا تسمع سوى صوت دقَات قلبه المنبعثة من الجهاز المجاورُ لها، نظرت إليه بلهفَة جعلتها لا ترمش إلى بعد أن يتعب جفنها ويُسقط دمعة، أندلع في قلبها ألف سؤالٍ وسؤال، أرادت أن تصرخ من هذا الوجَع و تقول " ليه كنت هناك؟ " كانت بحاجة أن تسمع جوابًا يُرغمها على النوم براحة، ولكن لم يُجيبها إلى صدى رسائلٍ لا تدري توقيتها بقدر ما تدري أنها تحملُ الكثير من قلب فيصل.
أنحنت لتُقبَل ظاهر كفَه بدمعٍ يسبقها للتقبيل، لو أنني أملك سحرًا يُشفيك غير الدُعاء، لو أنني فقط أستطيع إخراجك من كومة هذه الأجهزة و هذا الألم. أتشعرُ بمن حولك؟ أم فقدت الإدراك والشعور؟ لو يخرج صوتي بكلمة أتصل إلى مسامعك أم يردَها الصدى بخيبة؟
هيفاء بهمسٍ تُخفضه وتيرة البكاء : أثق فيك وبصدَق إني فاهمة كلامك اللي بالكُتب غلط، وأدري إنك مستحيل تكون كِذا، لأنك غير في كل شي، فيصل تحمَل! عشان خاطر نفسك اللي نبيها ومشتاقين لها، حتى ريف فاقدتك! . . يارب إنك تسمعني، يارب إنك تحس فينا، يارب إني أحبك ولا أبي أبكِيك أكثر من كِذا . . يارب يشفيك ويساعدنا إننا نصبر وننتظرك، . . لو تدري بس إنه إنتظارك كِذا يحرمنا من كل شي يتعلق بالحياة، لا أمك بخير ولا ريف بخير ولا أنا بخير! أحس أحيانًا إنك حياتنا في صدرِك، ومسألة تعبك تخنقنا والله قبل لا تخنقك . . . . . على فكرة مرضك ما يتعلق فيك بروحك وتعبك ما يخصَك بس! فيه ناس ساعاتها ما تمشي الا بعيُونِك و يومها واقف لو غبت عنها دقيقة وعلى فكرة فيه ناس ما تبكِيك، هيَ تمُوتِك.
توقَف يُوسف عندما همَ بالدخول ليناديها وهو يسمع جُملتها الأخيرة " فيه ناس ما تبكِيك، هيَ تمُوتِك "، نظر إليْها وهي تحتضن يدِه الباردة بين كفيَها المحترقتيْن بالبكاء، وصوتُها الذي كان يضحك كثيرًا أصبح يئن بوجعه وهذا ما لا أتخيلهُ يليق بهيفاء الناعمة الصاخبة بجنُونها.
هيفاء ببكاء عميق بحَ به صوتها وهي تضغطُ على كفَه : ريف تقول فيصل قالي لا أشتقت أطالع بعيون اللي أحبهم وأنا بقولك رجَع لنا عيونك خلنا نعرف نشتاق . . .
عاد يوسف بخُطاه للخلف، فتح أول أزارير ثوبه بعد أن أختنق من كلمات هيفاء التي تُصيب قلبه بوجعٍ ضيَق، اقترب من والده : بتمشي؟
عبدالله : إيه عندي شغل ضروري، خلَك مع أختك وإذا جاء منصور يجلس عند فيصل وأنت أرجع أرتاح
يوسف : طيب . . أقترب الدكتور قبل أن يذهب عبدالله : السلام عليكم
: وعليكم السلام
الدكتور : كنت جايَ أشوف فيصل وزين لقيتكم،
عبدالله : عساه خير يا دكتور
الدكتور : خير إن شاء الله، أنا اقترح يجون أهله ويزورونه بإنتظام، عشان يسترجع وعيْه لازم يحس بالناس اللي حوله، لأن نصف علاج المريض يعتمد على نفسيته، وفيصل محتاج يحس بأنه فيه أحد حوله، لأنه حسب الفحوصات اللي أنعملت له في هالصباح كل أعضاءه الداخلية تعمل بصورة طبيعية ولله الحمد وقدرنا نسترجع الدم اللي فقده، لكن فقدانه للوعي إلى اليوم يخلينا نستخدم العامل النفسي وهو مهم جدًا
عبدالله : ما تقصَر يا دكتور، يعني من بكرا نخلي أهله يزورونه؟
الدكتور : هذا الأنسب راح يُنقل لجناحه بكرا وممكن تزورونه لكن تفعلَون جانب الزيارة بأنكم تسولفون وتخلقون جو من الحياة في غرفته و إن ربي كتب هالشي بيسهَل علينا كثير
عبدالله : شكرًا لك وجزاك الله خير
الدكتور : واجبنا . . تركهم ليلتفت إلى يوسف : لازم أمه وأخته يزورونه بكرا
يوسف تنهَد : بكرا قبل لا أجي هنا أمرَهم وأجيبهم معي


،

وقفت بجمُود لترفع حاجبها بإستفهام : كيف يعني؟
نايف بلع ريقه : أعتذر، لكن حصل هالأمر وخلانا نأجل علمكم فيه لين بو سعود يجي وبنفسه يآخذكم
عبير تدافعت الغصَات عند لسانها : والحين؟ ماراح نروح لها؟
نايف : الوضع أصعب من إنا نطلع من الفندق، اتمنى تتفهمين هالشي، و أختك إن شاء الله ماراح يجيها شي والحراسة مشددَة عليها . . .
قاطعت كلماته وهي تسيرُ بإتجاه الغرفة و عيناها تغرق بالدمع، فتحت الباب وبمُجرد أن تقدَمت خطوة للامام، جلست على الكرسي وهي تُنحني رأسها وتبكِي بشدَةٍ تجعلُ من التخمين السيء حقيقة في عينِ غادة و ضيَ.
اقتربت منها ضي : وش قالك؟
عبير ببكاء ينحنِي للبحَة خاضِعًا : يكذبون! أمس يقولي رتيل مافيها شي والحين يقولي رتيل بالمستشفى!! وعليها حراسة! طيب وإحنا؟
ضيَ تجمدت عيناها ناحية عبير من لفظ " المستشفى " الذي يسترجع كل فكرة سيئة ويحشرُها في محاجرها حتى تنتفض برعشة البكاء، برجفة : حالتها سيئة؟
عبير بغضبٍ يرتجفُ بعينيْها الدامعتين : ما قالي شي، ما أستغرب يجي بعد شويَ ويقولي حكي ثاني! ياربي لا يصير فيها شي، يارب لا
ضي مسكت رأسها وهي تتجه ناحية النافذة، شعرت بالدوَار : وش صار بالضبط لها؟ لا يكون راحت لأبوك!! يارب ارحمنا من التفكير
غادة أخذت نفس عميق بعد أن نشفت دماءُها بالبُكاء، وضعت يدها تحت خدها لتغرق بخيالاتها المُوحشَة.
ـ ليلة الحادث ـ الساعة الثالثة فجرًا.
يقترب من عينيْها، يُشير إليها بالقلم : تسمعيني؟
إلتفت عليه الدكتور بحدَة وهو يلفظُ بالفرنسية : وجودك هنا لا نفع فيه، أرجوك غادر حالاً الغرفة.
الرجُل الأسمر الطويل أقترب منه بتهديد بالإنجليزية : سننقلها حالاً لمشفى ثانٍ ولا أريد إعتراض
نظرت إليهما بضباب رؤيتها التي لا ترتكز على شيءٍ واحد في الدقيقة الواحدة، سالت دمعةٍ أصطدمت بالكمام الذي يمدَها بالأكسجين.

مسحت وجهها بكفيَها، إتجهت ناحية الحمام لتُبلل ملامحها بمياهٍ باردة، نظرت إلى إنعكاس صورتها بالمرآة، إلى الشحُوب الذي يخطَ محاجرها.
لم أفقد الذاكرة في تلك الليلة! كيف فقدتها؟ أو رُبما أنا أتخيَل أحداثًا لم تحصل ولم أستيقظ ليلتها، ولكن أذكر تلك الملامح جيدًا، كان معي ورافقني لأيامٍ طويلة، ولكن كيف جئتُ لميونخ؟ كيف رحلت ببساطة دون أن أسأل؟ كيف أنخدعتُ بأمي؟ من أنا بين هذا الحشد؟ لستُ رؤى و لستُ غادة، لا أملك ماضِي رؤى و لا أملك حاضر غادة، أين مستقبلي بينهما؟ ضعت! أتُوه بين وجوهٍ أعرفها ولكن لا تستدلني على شيء، أشعرُ بشعورٍ يُشبه الوحدة ولكنِي لستُ وحيدة، هذا الشعور الذي يجعلني أشعرُ بأن روحي ليست معي! وهذا يؤلمني يالله ويُفقدني قوتي لمواصلة الحياة، أُريد أن أعرف كيف فقدت حياتي؟

على بُعدِ خطوات، أخذت عبير معطفها وخرجت دون أن تلفظ كلمة، إلتفتت ضيَ على وقع الباب وهو يُغلق، نزلت للأسفَل في وقتٍ كانت هُناك خطوات تهرول على الطريق المجاور.

قبل ساعتين، نظر إليه بدهشة : وشو؟
عبدالمجيد : إلى الآن ما نعرف وش صار! بيجينا العلم بعد شويَ
فارس أقترب منه بغضب : إلا تعرف! وش صار لها؟
عبدالمجيد : فارس . .
فارس بصراخ جنَ جنونه بعد أن واجه ضغطًا نفسيًا لا يُحتمل : الله يآخذ فارس . . الله يآخذه
عبدالمجيد بضيق أبتعد عنه وهو يُكمل بهدوء : والله ماني عارف وش صار، اللي وصلني إنه بنته بالمستشفى وأكيد أنه عليها حراسة، تطمَن
فارس : أنا رايح . . . شدَه عبدالمجيد من ذراعه : وين بتروح؟ فارس أنت الوحيد اللي بتوَقف أبوك
فارس بغضب يبتعد: آسف . . . تركه وهو يسير على الطريق أمام عينيه، عبدالمجيد بغضب ضرب السيارة بقبضة يدِه.
: الله يعيني عليك يا فارس!!

نايف : لو سمحتِ
عبير : ماراح أتحرَك لين توديني لرتيل
نايف برجاء دون أن ينظر إليها : الوضع متوتَر مقدر أطلَعك لأيَ مكان، عشان سلامتك لازم تجلسين هنا
عبير بغضب : هذي السلامة اللي وراها طاحت رتيل أنا ما أبيها
نايف بلع ريقه بعد أن جفَ بالرجاء : أنا مأمور مقدر أتصرف من كيفي، وأبو سعود لو عرف بكون في ورطة لأن . .
تٌقاطعه عبير برجاءٍ أكبر : تقدر تتصرف وتخليني أشوفها لو نص ساعة بس! وبعدها ماراح أقول لأبوي ولا لأحد
نايف مسح على رأسه وهو يشدَ على شعره حتى كاد يُقطعه بأصابعه الحادة : آسف والله ما أقدر
عبير عضَت شفتها السفلية بغضب لا تقدر على حبسه بداخلها، نظرت إلى الباب الزُجاجي الذي يكشف الشارع المقابل للفندق، أتى صوتُه الضيَق : لو سمحتِ أرجعي للغرفة
عبير بخُطى غاضبة إتجهت إلى المصاعد، وقفت تنتظر المصعد حتى شعرت بجسدٍ يُلاصقها من الخلف ويدِه تلفَ معصمها، بلعت ريقها بصعُوبة دون أن تلفظ حرف واحد وهي تقشعرَ من الخوف، أول دعوةٍ أرادت أن تُستجاب، أن يراها نايف ويُساعدها دون أن تناديه وتلفت الأنظار.
أتى صوتُه حارِقًا لكل صوتٍ يضجَ بداخلها ولكل دعوَة أبتهَل بها قلبها : تعالي . . . . سحبها نحو الممر الخاص بالعاملين في الفندق، إلتفتت لتراه ويهبطَ الخوف من عينيْها، تنهدَت براحة وهي تُشتت نظراتها.
فارس بعد أن أصبح يُقابلها ويفصلهما بعض السنتيمترات، بسؤالٍ يُدرك إجابته ولكن أراد أن يسمع صوتها : كيفك؟
نظرت إلى عينيْه المُبعثرة لكل إتزانٍ تطمحُ إليه.
كيف تكون الإجابة على سؤالٍ يُخلخل قلبي بملوحةِ الدمع؟ لمْ تموت الأسئلة بداخلنا ولكن أضعفتنا الأجوبَة التي لا نلقى لها نبرة تُحييها، مرَ وقتٌ ليس بالطويل عليك! ولكن أشعرُ بأن عُمرًا مضى وأنني كبرتُ فجأة! فوضوية هذا الحُزن تجعلني أشعرُ بأن أيامي معدودة وأن عُمري أنتهى، هل نحنُ نموت يا فارس؟ لا شيء يُصادق على أيامنا، وكل ساعة تمرَنا تشطرُنا، لا الفرحُ يجيء بنا ولا الحياة ترتكبُنا، إن الموت وحدُه هو من يُصادفنا! وهذا الموت تخضعُ له روحي ويأبى جسدِي، هل نحنُ نموت؟ أم أن الحُب كان أقسى من أن نواجهه.
سقطت دمعَة و مضت معها الإجابة، أقترب فارس ليسحبها إليْه رُغمًا عنها، عانقها وشدَ على جسدها بعناقه.
أعرفُ الإجابة جيدًا، ولكن أشتقت لنبرة صوتِك المُكابرة وهي تحبس الوجَع في أوتارها.
رُغمًا عني يا عبير، أنا مهما صابتني الردَةُ عن عينيْك خضعتُ إليكِ مرةً أخرى بخشوعٍ تام، رُغمًا عني تتجددين في داخلِي كُلما حاولت أن أجفف جذُوركِ وأخنقها، رُغمًا عني، أقُول سأترك الحُب وأعود إليكِ، رُغمًا عني! أًصافح طريقًا لا تعرفينه وأظنُ أنني سأنساك به ولكنني أزرعُكِ به حتى تشبَعت أرضِي بظلالِك، يا إنشراح عُمري، ردَ الله عليَ هدايته.
تجمدَت يديْها الذابلتين دون أن ترفعها وتُبادله العناق، أغمضت عينيْها على كتفه لتُبلله معطفه بدمعها، رفعت يدِها بعد ثوانٍ طويلة لتُعانقه بشدَة وهي تقف على أطراف أصابعه وتصِل إلى مستوى طُوله.
أحتاجُك! هذه الكلمة هي حالي في هذه اللحظة يا فارس، لستُ بخير أبدًا! و صدرُك ـ بكاء ـ يستفزُ عيني حتى تبكِيك، من يدلَني لطريقٍ لا يستذكرُك به قلبي؟ من يُعرَفني على سماءٍ لا ترفعُ رأسك إليها؟ من ذا الذي يُقاومك؟ و كل رجفةٍ أبقت أثرها على قلبي أصلُها عيناك، من ذا الذي يقدر على مُقاومة الحشد الذي تجيء به في كل مرَة، لا تأتِ لوحدك، يسيرُ من خلفك حُبٍ يتمكَن من جسدِي ويَضعفه، أنا أحتاجُك! وأشعرُ بأن قيمتي تهتَز كلما باعدت بإهتمامك عنَي، قيمتي التي أعرفها ويستنطقها قلبِك، هذه الرعشة التي تغمس جسدِي بك، أتقصدُ بها عناق؟ إن ظننتها عناق فأنَي أظنها ـ رعشة أحبك ـ التي ينطقها جسدِي بصورةٍ تبعثرها خلايا الحسَ المنتشرة فيَ.
فارس أبعدها قليلاً ليُلاصق جبينه جبينها، أدخل يديَه من تحت حجابها وهو يُخلخل شَعرها الناعم بهمسٍ : أحاول أمثَل قُدرتي بأني أتجاوزك، لكن كل مرَة يتوَحد فيني قلبي لمَا يستذكرك، بغى يوقف قلبي لمَا قالوا لي إنك بالمستشفى لين رحت وتأكدت بنفسي
أغمضت عيناها بحشرجة الغصَات المحمَرة في محاجرها، تسقطُ الدمعة تلو الدمعة و يتبعها الضياع برجفة رمشها.
فارس قبَل جفنها : ما عاش حزنٍ في عينك، ما عاش و يا عساه ما ينخلق.
أخفضت رأسها وهي تعضَ على شفتِها السفلية حتى لا يخرج أنينها، ورُغما عن محاولاتها البائسة بكَت بصوتٍ مسموع، بحركةٍ من تدبير قلبها الذي يُقمع عقلها في هذه اللحظة، لامس رأسها وسط صدره وهي تنهار ببكاءها أكثر وأكثر، وضعت كفيَها على معطفه، شدَت عليه وكأنها تُريد أن تغطي نفسها بمعطفِه وتنسَى أنه ـ فارس ـ الذي تحدَث مع مئة فتاةٍ قبلها والذي سكَر على أصواتهن، تُريد أن تنسى أنه إبن رائد و أن الذي أمامها هو ـ فارس الذي تُحبه وفقط ـ.
فارس بضيق طبع قُبلته على رأسها، لم تكن قُبلة بسيطة، هذه القُبلة كانت حديث قصير مضمونه " أنا معك ".
يارب! لا أُريد أن أنهار أكثر، ساعدني حتى أتحمَل قسوةُ هذا الحُزن و هيبة كلماته التي تقتلني ببطء، هذه المرَة لا أُريد قوَة مُفرطة، أُريد فقط ضعفًا يقتل أحاسيس الخوف/البُكاء في داخلي، أُريد قلبه يالله الذي يجيئني مُخضرًا والأرضُ خرَاب، قلبه الذي يُدثرني و الدُنيَا عُراة، هو الذي كان يخترعُ من أجلي ـ شيئًا ـ من العدم، وأنا التي كُنت أرى ـ العدم ـ كلما تضاءلت فرصة عيناه في لقاءي.
فارس : عبير . . أبعدها ليرفع رأسها إليه وينظر لعينيْها الغارقة، نزلت أصابعه ليمسح بكفَه بُكاءها.
عبير بنبرةٍ تتحشرج بإختناقها : شفت رتيل؟
فارس : سألت في البداية عن حالتها وقالوا لي إنه حالها تمام وبعدها لمَا حاولت أستأذن عشان أدخل عرفت إنها رتيل
عبير بضيق تمتمت : يارب بس
فارس : تطمَني! لو صاير شي كانوا قالوا لي
عبير : أبي أشوفها! تقدر توديني لها؟
فارس : الطابق اللي هي فيه موزعين عليه رجال أمن كثير
عبير ببكاء تتوسَله : بموت يا فارس لو صار فيها شي
فارس بحدَة طوَق وجهها بكفيَه، أراد أن يُخمد إنهيارها: مو صاير لها شي، لا تفاولين على نفسك وعليها
عبير : بس بشوفها شويَ، لا شفت أبوي ولا عرفت شي عنه ولا شفتها، تكفى حط نفسك بمكاني! بختنق والله من كل هذا
فارس : أبُوك مافيه الا كل خير ومعه سلطان الحين و عبدالعزيز بعد وناصر وكلهم بخير
عبير بلهفة : شفتهم؟
فارس : ما شفتهم بس واصلتني أخبارهم
عبير : أبوي بخير؟
فارس : إيه والله العظيم مافيه شي، أهدِي! . . . لا تبكين
عبير أبتعدت بُضع خطوات عنه وهي تمسح دمعُها بأطرافِ أصابعها، فارس بأنفاس متهيَجة مضطربة : أنا نفسي مو عارف وش راح يصير بكرا ولا اليوم حتى! بس عارف شي واحد، إني مقدر أترك أبوي ولا أبوك يقدر يبعدِك عنه عقب اللي صار، والله ما عُمري خضعت لأحد ولا عُمري حاولت أترجَى أحد لكن مستعد أسوَي أيَ شي عشانِك، عبير! أختار إني أموت معاك ولا أموت وأنا أشوفك لغيري، مقدر والله مقدر أتقبَل فكرة إنك مو ليْ،
تحشرج صوتِه بشفافية الكلمات وحُزنها، أكمَل : كل شي ضدَي! ويوم توقعت إني راح أقدر أهرب منك زدت بجنوني، فيني رغبة بتملكِك رهيبة وأدري إنك ماراح ترضين! لأنك ببساطة أقوى مني، وقادرة بسهولة توقفين مع الكل ضدَي، وقادرة تبعدين قلبك عن الإختيار لكن أنا مقدر! لأني ما جرَبت الحُب قبلك ويوم جاني ما جرَبته! أنا مرضت فيه . . .
عبير أخفضت رأسها ويديْها تتشابك فيما بينها، وكل دمعةٍ تسقطُ منها كانت تحطَ على كفَها، لستُ أقوى يا فارس أن أسمع منك هذه الكلمات ولستُ قادرة على الوقوف ضدَك، وكل ما كنت أقوله سابقًا حاولت أن أُخضعه لسيطرتي ولكن فشلت! فشلت والملاذُ، الحياة والدارِ عيناك و ما بعدُها موْت و ما قبلها ظِلٌ أنتظر ميلاد جسده.
فارس أنتظر كلمة أخيرة، أراد أن يسمع منها لو " أنا معك "، ياللخيبة! لا تفعلي بي كل هذا بدفعةٍ واحدة وأنا رجُلٍ لا أقدر على هذا الوجَع.
أخذ نفس عميق ليُردف بوداعٍ يُبعده عدَة خطواتٍ للخلف : ما كنت راح ألقى عقاب في حياتي أقسى من صمتك! ندمت على ذنوبي اللي قبلك وإلى الآن ندمان، وأظن الحدَ في الدنيَا على عيُونِك كان حزني عليها وياليتها تكفَر أفكارك السيئة عني.
عبير رفعت عينيْها للأعلى حتى تُخمد نارُ الملح المندفعة في محاجرها، ببحَة : أرجُوك لا تكمَل
فارس بغضبٍ ينفجرُ بوجهها وعروق رقبته تتضحَ مع كل شدَة تعلو كلماتِه : هي مرَة بالعُمر! وعُمرك مرَة، ليه تبخلين على نفسك وتذبحيني؟!!!! أقولك تعبان، أحس روحي بتطلع لمَا أفكر بحياتك بعدِي! أنا ما يهمني تكونين مبسوطة مع غيري أو لا، ماراح أقولك دام أحبك أتمنى لك السعادة مع غيري! أنا ماني مثالي لهدرجة ولا أتقبَل هالشي بسهولة
بصوتٍ ـ أنهَد حيله ـ أكمل وهو ينظرُ لعينيْها : أنا السيء في كل شيء لكن أنا اللي أحبك فوق كل شيء! . . بتحنَين؟ لكن ماراح تلقيني و بحَن لكن بلقاك! بلقاك في مُوتي اللي ما تنازلتي عشاني للحظة وقلتِي أبيك يا فارس، محتاجتك يا فارس، أحبك يا فارس اللي ما سمعتها منك!! ما تنازلتي يا عبير! انا اللي أتنازل في كل مرَة وأنا اللي أخضع لصمتك وبرُودِك اللي تحرقيني فيه! والحين أقولك ما أدري وش بيصير اليوم أو بكرَا وما تنازلتي عشان كِلمة! علميني هالقساوة كلها من وين جايبتها؟ أبوك وهو أبوك ما قسى مثل قسوْتِك!!
عبير أعطتهُ ظهرها وهي تُغطي ملامحها الباكية والمُنهارة بشدَة، كررت بصوتٍ مبحوح يكاد لا يُسمع : يارب أرجوك، يارب . . أرجُوك . . . ساعدني، يارب ساعدني
فارس بحدَة كلماته المجروحة بصوتِه : فمان الله . . مثل ما تبين
عبير ببكاء تمتمت وهي تضع يدها على قلبها الذي يرتجف بحدَة، يارب أجعلني أنطقها قبل أن يذهب، يارب أجعلني أنطقها، يارب ساعدني.
فارس وقف لثوانٍ طويلة على أمل أن تلتفت ولكن لم تفعلها، أبتعد أكثر مقتربًا من الباب إلى أن أتى صوتها المبحوح الضيَق بكلماته : آسفة
فارس تجمدَت خُطاه دون أن يلتفت عليها، ويدِه على مقبض الباب.
عبير بضياعٍ تام : ما أعرف أشرح شعوري بالضبط! ولا أقدر أتصرف بناءً على هالشعور، إذا كان فيه أحد سيء في علاقتنا فهو أنا، ولا أنا جرَبت الحُب عشان أعرف كيف المفروض أتصرف فيه! ولو غيرك كان خسرته من زمَان لأني مقدرت أبادله هالشعور صح، بس أنت معايَ، أحس بحياتي لمَا أعرف إنه فيه شخص ينتظرني ويحبني، وباليومين اللي فاتوا فقدت هالشعور! قيمتي وحياتي كلها مرتبطة فيك، و قلبي معاك و ربَ اللي خلق فيني هالرُوح، إن الروح لِك تِشتاق! وماني قاسية لكن ماتعوَدت أشرح اللي في داخلي، ما تعوَدت أقول لأحد إني ماني بخير، ولو تدري أصلاً إنه خيري في عيُونك.
فارس إلتفت بكامل جسدِه، ليُقابلها على بُعدِ مسافةٍ طويلة، نظرت إليه بقشعريرة جسدِها وأنفاسها المتصاعدة المضطربة، أكملت ببكاءٍ تُجزم عيناه أنه لن يرى أحدًا يبكِي بهذه الصورة الواضحة القاسية رُغم رقَة دمعها، لن يرى أحدًا يبكِي كعينيْها التي تُبكي قلبه مع كل دمعة تجري مجرى الأكسجين في الدمَ : ما تعوَدت والله يا فارس! قريت الشِعر كثير وتعلمت اكتب اللي في داخلِي لكن ما عُمري تجرأت أقوله وأنطقه، ما عُمري حاولت أني أقول الكلام بإسترسال مثل ما أكتبه، لأني فاشلة بأني أتكلم عن قلبي، وهالشي هو اللي يخلي الناس تظن فيني إني باردة وما أحسَ! لكن والله أنَي ما كابرت على حُبك بإرادتِي، أنا اللي ما أعرف كيف أحبَ!
أقترب منها فارس دون أن يلفظ كلمةٍ واحدة ومع كل خطوةٍ يتقدم إليها كانت تُشتت نظراتها بعيدًا عنه، إلى أن لامس حذاءه حذاءِها، رفعت عينها بنظرةٍ تشرحُ هذا الحُب الذي لا تعرفه.
أرتفع صدرُها بشهيقٍ مُوجع بعد أن شرحت بتعبٍ وصعوبة مالذي في داخلِها له، وضع يدِه بجانبِ رقبتها وأكسجينه أصبح " زفيرُ عبير " في هذه اللحظة، ويدِه الأخرى صعدت ناحية خدَها، قرَبها أكثر حتى لامس أنفُه أنفها، أغمضت عينيْها بخضوعٍ تام بعد ان أغمض عينيْه.
نحنُ لا نقوى على رؤيـة الحياة بعينٍ مفتوحة، ولكن نشعرُ بها بـ / قُبلة. لم أكُن ممن يمنحَ قلبهُ ويُقدَمه لأحدٍ كان من كان، ولكنكِ اخذتِي قلبي عمدًا و أبقيتِي مسكنهُ في صدرِك، ولو ضللتِني يومًا و أضعتني، لأخترتُ السُكنى مرةً اخرى من شفاهِك، يا غِنى الحياة و رفاهيتِها المُتمثَلة بِك، يا تسبيح الله ليلاً ونهارًا عليكِ، يا " أُحبك " الأولى والأخيرة، ويا مَجد الحُب إن إلتفتت لهُ عيناكِ بدمعة.
أبعدَت ملامحها عنه دون أن تُبعد جسدها، لامس خدَه خدَها حتى لا تقع عيناها بعينيْه. كان صوتُ أنفاسها المضطربة بخجلها تصِل إليْه.
فارس لم يكن هادئ الأعصاب أيضًا، أضطرب بقُبلتها وكأنها قضمت على قلبه بشفتيْها.
عبير بلعت ريقها بصعُوبة لتبتعد خطوتيْن للخلف وهي تضع يدها على رقبتها التي تحترَق بحُمرة خجلها وربكتها، أخفضت رأسها ولم تتجرأ ولا لثانية أن تنظر إليْه.
يالله! على رجُلٍ ينفضُ القوانِين ويستبدلُها به، على رجلٍ يتشكَلُ بصخب رجالٍ كُثر، هذا الرجُل يالله ليس عاديًا، ولا أعرفُ كيف أُرتب الكلمات كصفَةٍ تنتمي إليه، كل الصفاتِ تسقطُ بحضرته وكل الأسماء لا تليقُ بتلقيبه، هذا الرجُل كيف لا أُحبه إن سألني عن هواه؟ كيف لا أحُبه و في عينيْه أسألُ نفسي أهذا حُبٌ أم سحر يجذبني؟
فارس قلَص المسافة التي أرتكبتها ليقترب مرةً اخرى ولكن هذه المرَة يديْه لم تقترب إليْها : مضطر أروح لكن بنتظرك دايم
حاولت أن ترفع عيناها ولكن في كل مرةٍ تتسلقُ بنظراتها ملامحه تقف عند شفتيْه ولا تقدر على تجاوزها والنظرُ إلى عينيْه مرةً اخرى، لم تكن قُبلةً عاديَة، هذه القُبلة أستحلَت كلماتي.
فارس بلل شفتيْه بلسانِه : حتى لو بعد سنين، بكون جمبك وبنتظرك . . . . بلهفَة عشقه كان باطن كفَه اليُمنى يُلامس ظاهر كفَها اليسرى دُون أن يخلخل أصابعه بها، رجفة أصابعها كانت تمتَد إليْه وحُمرة كفَه كانت أصابعه تلسعُها.
إبتسمت بلمعة العشق الذي يُضيء عينيْها وهي تنظرُ لكفَه كيف تخترقُ اعماقها.
فارس : بحفظ الرحمن
عبير سحبت شفتِها العليا بلسانها حتى تُقاوم ربكتها، رفعت عينها كنظرةٍ خجلى وأخيرة، نظرت إليْه بحوارٍ يُقيمه بسلطةٍ على قلبها المحمَر به.
فارس إبتسم على خجلها الذي يُلاحظِه بدقَةٍ أول مرَة، والحُمرة التي تتشرَب ملامحها ألا تعلم بأنها تسلب عقله؟ كان يليقُ بها في هذه الثانية أن يقول لها كما قال ـ محمد أبو هديب ـ " سبحان من بث الحياة في وجهها، وردٌ و زاد من الحياء تورَدًا "
فارس بعفويَة زادت غليان الدماء في ملامحها : يخي أنتِ جميلة والله
ضحكت وهي تُشتت نظراته بعيدًا عنها، ضحكت كضحكةٍ قصيرة مضت مُدةٍ طويلة لم تتغنَجُ بها، بصوتٍ خافت : خلاص . .
فارس يتلذذ بخجلها المصنَف كخجلٍ عربيٌ أسمَر لا يقدرُ أصحاب البشرة الشقراء على التلوَنِ به، هذا الخجل ملكٌ لنساءٍ الشرق عبر التاريخ بأكمله وبلا تعصَب : وش اللي خلاص؟ مني مالي خلاص أبد!!
عبير بربكَة كانت تنظرُ لأصابعها وهي تقتربُ لحظةٍ لأصابعه ولحظةٍ أخرى تبتعد وبنبرةٍ لا تسير بوتيرة واحِدة/ ولا تتزن : ما أحب أنحرج كِذا، لمَا قلت لي مرَة إنه عيوني أرق، طيب أنت الحين عيونِك مُصيبة تحرجني فيها.
فارس : أنتظرت كثير عشان أسمع منك هالكلام، أنتظرت 18 شهر، من أول مرَة شفتِك فيها
عبير وعيناها تتجمَد على صدرِه بعد أن أرهقها الصعود لعينيْه ـ الولعانة ـ : 18 شهر؟! وأنا أحس إنك تعرفني من سنين.
فارس أقترب حتى يُقبل جبينها، أطال بقُبلته حتى لفظ : يحفظك ربِي و يخليك
عبير بلعت ريقها مرارًا بصعوبة حتى تنطُق : ويحفظك
فارس شعر بأن العالم بأكمله يخضعُ له بمُجرد أن تسللت دعوةٌ قصيرة من بين شفاهِها، أبتعد للخلف حتى يخرُج وعيناه مازالت تحفَها، إلى أن اختفى تمامًا بنظرةٍ أخيرة من أمامها.
عبير وضعت أطرافِ أصابعها على شفتيْها وهي تأخذ نفسٌ عميق، لم تتوقع ولا للحظة أن ـ قُبلةً ـ منه تُجدد الأمل في قلبها على عائلتها وعليْه، لفَت حجابها جيدًا أن بعثره بقُربه، أغلقت أزارير معطفها رُغم أنه لا حاجة لإغلاقه ولكن شعرت وكأن قلبها يقفزُ من مكانه، بمُجرد أن خرجت وجدت المصعد أمامها فُتح لخروجِ أحدهم، ركبته بخطواتٍ سريعة قبل أن يراها نايف ويفتحُ معها تحقيقٌ مطوَل.

،

إبتسمت بعدم إستيعاب : وش قاعد تقول ذي؟
سارة بدهشة : أنتِ اتصلتي؟
أثير : لا، أصلاً شفت الظرف على الطاولة وأخذتها وبعدها رحت لبيتنا وما كلمت أحد، والظرف ما كان مفتوح! انا أول من فتحته
سَارة عقدت حاجبيْها : يمكن غلط منهم!!
الدكتورة بإنجليزية : نحنُ أرسلناه وسألتني عن رموز التحليل وأخبرناكِ به والتحليل كانت كل معلوماته طبيعية وانا متأكدة من هذا يا عزيزتي
سَارة إلتفتت لأثير : تتوقعين رتيل؟
أثير أخذت نفس عميق : كيف تقدر تغيَره والورقة مطبوعة طباعة ماهو بخط اليد عشان تقدر تغيَره!!
سارة : أنتِ وش عرَفك! هذي حيَة تقدر تغيَر بلد مو تغيَر تحليل!! روحي لعبدلعزيز وأفضحيها ولو عنده دمَ بيطلقها قدامك
أثير وقفت بغضب : أنا أورَيها، دام بنت اللي كلمتهم مافيه غيرها! هي اللي تبي تقهرني وتذبحني، الله يآخذها الله يآخذها ولا يبقَي فيها عظم سالم! . . أخذت شنطتها لتخرج بخُطى غاضبة.
سارة إبتسمت للدكتورة : شكرًا . . ولحقت أثير . . أثييير
أثير أجهشت عينيْها بالبكاء لتصرخ بوجهها : حقيرة! خلتني أشك في نفسي وصحتي عشان أيش؟ عشان عبدالعزيز يفضَلني عليها! مجنونة مهي صاحية . . بس والله لا أوريها، والله لا أذبحها بإيدي حتى لو كلفني هالشي خسارة عبدالعزيز، أنا أوريها
سارة : اهدي وتعوَذي من الشيطان، هي اللي بتكسب لو خسرتي عبدالعزيز، عيَني من الله خير وخليها تنفضح بهدوء قدامه وساعتها هو اللي بيقرر وعلى قراره أنتِ تصرفي بس لا تتصرفين بتصرف يخلَي الحق معها وهي ما تستاهل!!
أثير مسحت دموعها بكفيَها : ومسوية نفسها بريئة قدَام عبدالعزيز، والله عرفت من قامت تهددَني وتخوَفني بتهديداتها أنه وراها شي! وهذا هو صدقت توقعاتي! هالبنت مجنونة تسوَي أيَ شي بدون لا تهتم لأحد حتى لعبدالعزيز بس أنا رايحة لعبدالعزيز وربَك لا أطلع فيها عيوب الكون كلها وبتشوف
سارة بعد صمتٍ لثوانِ نطقت : مثل ما تبلَت عليك بالمرض، تبلَي عليها ومن له حيلةً فليحتال!
أثير تنهدَت : ماراح أندم على أيَ شي بسويه في حقَها، راح أوريها كيف تتبلى عليَ، وراح أورَي عز بنفسي، راح أخليه يختارني قدام عيونها وبتشوف

،

أتى سليمان مُقيَد اليديْن ليقف بينهما على بُعدِ مسافةٍ طويلة، اولُ من نظر إليها وألهبهُ بنظراتِه كان ـ سلطان ـ ، ومن ثُم تبعتها ضحكةً مُستفزة من رائد الذي لفظ بسخرية : طبعًا سليمان حبيبي بظرف يوم واحد وبجلسة وحدة قالي كل اللي يعرفه عنكم وعنَي حتى تتصوَرون! وقالي وش صار بعد الحادث ووش ما صار وكذبتوا فيه، قولهم سليمان وش قلت لي، أنا قلت لهم بعض المعلومات اللي أخذتها منك لكن لا ضرر من الإعادة فالإعادة إفادة . .
سلطان بسخرية : متوقَع إننا ننصدم إنه هالكلب علَمك؟ مفروض اللي ينصدم هو أنتْ! شخص بغمضة عين نقدر نمسكه ونعدمه قدام عيونك قدر يخدعنا لأكثر من سنَة، وأنت ياللي صار لك سنين تحاول وتحاول مقدرت تخدعنا بشي! ولمَا خدعتنا طلع ملعوب عليك!! لا تفتخر كثير فيه! هو لو عنده ذرة رجولة وشجاعة طلع قدامنا وما خاف من إسمه لكن يدري إنه ماعنده القوة إنه يواجهنا!
سليمان بإستفزاز رُغم الضرب الذي تعرَض له : لكن عندي القوة إني ألفَ عليكم كلكم وأضرب روسكم ببعض
سلطان بغضب لم يستحمَل أن يسمع صوته، أقترب منه ليدفعه ناحية الجدار دون أن يتدخل أحد، جلس رائد يتأمل بإبتسامة ما يفعله سلطان بسليمان، وضَع سلطان بباطن كفَه مفتاحٍ صغير ليلكمه بقوَة ويجرحه بذاتِ القوة من حدَة طرف المفتاح، أعاد لكمتِه مرةً اخرى على خدَه وهو لا يقدر على الدفاع عن نفسه.
سلطان شدَه من ياقتِه المبهذلة : حاول قد ما تقدر ما تحط لسانِك على لساني! عشان ما أقطعه لك
رائد ينظرُ للدماء الذي بدأت تغزو ملامح سليمان من ضربِ سلطان له : ما تتعطَل يا بو بدر!
إلتفت عليه سلطان بتقرَف : اللهم عافِنا مما أبتلاكم
رائد بهدُوء أستفزَ عبدالعزيز : عندِك خبر بعد أنه أختك ما فقدت الذاكرة عقب الحادث مباشرة؟ . . ـ بضحكة أردف ـ بعرف وش اللي صار بعد الحادث؟ لا أبوك مات بعد الحادث ولا أختك فقدت الذاكرة بعد الحادث! وش هالناس الوصخة اللي حتى شوفة اهلك حرمتك منها!
عبدالعزيز نظر إليه بجمُود دون أن يرد عليه بكلمة، أكمل رائد : أريَحك كِذا ببساطة اللي مات بعد الحادث أمك وأختك الصغيرة عدا ذلك هذا من المسرحية اللي كانت من إخراج اللي جمبك، أنا ما أقول من تأليفهم لأن المساكين حلفُوا وقالوا إحنا ماندري، لكن ما يقدرون يحلفون إنه جاهم الخبر من قبل فترة طويلة.
سلطان بسخرية يستهزأ به : وأنت كنت المنتج! تدفع فلوسك ولا تدري على أيش أنصرفت، دفعت رجالِك على الحادث وتحسب أنه حادث عدَى وأنتهى وبعدها تكتشف إنه رجالِك ما تصرفوا حسب علمك، تصرفوا حسب الكلب اللي قدامك! والكلب تصوَر إنه كومبارس! لكن قدر يلعب على مُنتج كبير! . . بحدَة أردف . . يا خسارة هالشارب عليك بس!!
رائد ببرود لا يخضع لإستفزازه : نقلُوها لمستشفى ثاني وهي في حالة حرجة، ولمَا تعرضت لمُضاعفات بنقلها دخلت غيبوبة شهر كامل يالله صحت من بعدها، ولمَا صحت صارت المسرحية الحلوة اللي كانت بإشراف مقرن، جابوا لها وحدة الله أعلم من تكون وقالوا لها أسمعي يا . . . رؤى! هذي أمك وإحنا راجعين لميونخ عند أهلك . . مين أهلي؟ أهل أبوك ما يبونِك لكن أهل أمك يبونِك، وهناك عاد جاهم ولد عبدالله القايد وتصرَف مثل ما يشتهي عشان يلعب بأختك بعد مثل ما يبي! كلَم صديقه اللي كان دكتورها النفسي، وش كان إسمه؟ . . . إسمه وليد! أووه قبل لا نكمَل القصة الممتعة لازم نذكر إنه وليد كان يعتبر زوج حرم سلطان المحترم! قالت لك زوجتك عنه ولا ؟ ترى يقولون كانت فيه قصة ممتعة أكثر بينهم! عاد الله أعلم وش نوع المتعة في القصة
نظر سلطان بنظراتٍ مصوَبة بحدة ناحية عينيَ رائد، وقلبُه يحترق ببركانٍ ينتشرُ كوباءٍ في كامل جسدِه، مررَ لسانِه على أسنانه العليَا وهو يحاول أن لا يتصرف بغضب ويندم بوجودِ ـ عبدالعزيز و ناصر و عبدالرحمن ـ.
رائد الذي أكمل فضائحه على حدَ تصنيفه : عاد هذا وليد كان متشفق على لسان عربي! ولمَا جته رؤى أو عفوًا غادة! قال جتَ اللي أبيها، هو ما كان يعالجها هو كان يطلَع جنونه النفسي عليها! عاد تعرفون تصرفات بعض الأطباء النفسيين والعياذ بالله . . أحيانًا الدكتور نفسه يحتاج دكتور يعالجه، الله أعلم بعد وش كان يمارس بعيادته مع أختك! وطبعًا كل هذا يا عبدالعزيز يا حبيبي كانوا يدرون فيه الإثنين اللي واقفين جمبك وأزيدك من الشعر بيت اللي كان يوصَلها للعيادة هو سعد نفسه اللي يشتغل عند أبوك قبل واللي يشتغل حاليًا عند سلطان و عبدالرحمن، اكمَل ولا تكملون عنَي؟
بسخرية أخذ كوب الماء ليشرب منه ويرفع عينه إليهم : لا هذي القصة لازم ناصر يسمعها بعد! وش رايكم يسمعها معنا؟ ويشوف زوجته كيف كانت؟ . . . . وجَه عينه للرجل الواقف أمام الباب . . جيب ناصر بسرعة . . . خلنا نخلَي ناصر يسمع بعد
عبدالعزيز ثارت غيرته على أخته وهو يحاول أن يكتم هذا البركان وهذه المآساة في قلبه، شدَ على شفتيْه بأسنانه حتى نزفت بتقطيعه لها، تذوَق طعم دماءه وهو يُريد أن يخمد هذا الغضب، مسك الكوب الزجاجي الفارغ، حاول أن يُفرغ غضبه وهو يُمسكِه حتى أنكسر بيدِه وتجرَحت كفَه بالدماء، إلتفتت الأنظار إليه، عبدالرحمن لم يكن قادرًا على الشرح أو حتى على قولٍ يُخفف وطأة هذه المآسآة على قلبه.
هل يشعرُ أحد بطعم الذلَ في دماءي؟ هل تثُور ثائِرته كالبركان مثلي؟ أم أنه أمرًا عاديًا قبلوا به في البدايَة فمن الطبيعي أن يقبلوه الآن؟ أيَ الرجال أمامي؟ أيَ عقلٍ يقبلُ بهذا؟ " يُبه " تعال! أنظر إلى من جعلتهُم أصدقاءِك كيف يتصرفون ويعبثون بأسمك معي! تعال أنظر إلى قلبِ إبنك الذي يُتأتئ الفرح ولا يجيئه، تعال! أشرح لهم أن إبنك لا قُدرة له على مواجهة الحياة دُونك! قُل لهم يا أبي! قُل لهم أَنَ عزيز إبني حُزنه قاسٍ لا يرحم صدرِه فكيف يرحمُ من حوله؟ قُل لهم إبني يبكِي دماءُه إذا جُرحت عيناه بمن يُحبهم، قُل لهم لا تجوز على الميَت سوى الرحمة، وأنا متَ من حدَة ما أسمع.
رمى بقايا الزُجاج من يدِه ليلفظ بحشرجة الغضب إلى عبدالرحمن : ندمان على اللحظة اللي قلت لك فيها يُبه! ندمان على اللحظة اللي صدَقتكم فيها! ندمان على اللحظة اللي متَ فيها وأنا أتوقع إني أعيش! ندمان على كل وقت ضيَعته معاكم! ندمان حتى على كل فكرة كنت أوصلها وأقول مستحيل! ما يضرَني شخص كان أبوي يصبَح عليه بعيونه! ما يضرَني شخص أجتمع مع أبوي تحت سقف واحد! لكن ضرَيتوني! ما حطيتوا لأبوي أيَ إعتبار، ولا حطيتوا لبنته أيَ قيمة، صح مين غادة؟ أبد مو لازم نهتم فيها، مو لازم نعلَم إنها عايشة، لأنها ماهي من لحمكم ودمَكم! عادي جدًا مين هيَ أصلا؟ أخت عبدالعزيز؟ ومين عبدالعزيز؟ زوجة ناصر؟ ومين ناصر أصلاً ؟
دخل ناصِر على كلماتِه ليقف وعينِه عليه.
أكمل : ضقت منكم أكثر من مرَة وكل مرَة أستحي أدعي عليكم، أستحي وأقول ربع أبوك وناسه كيف تدعي عليهم يا عبدالعزيز؟ لكن هالمرَة لأن أبوي كان يقول عنكم ينشَد فيهم الظهر بقول الله يكسر ظهرٍ تخدعون فيه الناس، والله لا يسهَل لكم طريق! . . نظر إليهم بحدَة صاخبة . . الله لا يبــــارك لكم في أيامكم الجايَة وعساكم تذوقون نص اللي ذقته في أهلكم وبناتكم . .
عبدالرحمن تصلَبت أقدامه من دُعاءه الغاضب، نظر إليْه : ماهو أنت اللي بتصدَق كل كلمة تنقال وأنت تدري مين يقولها! كيف تثق بحكيْه؟
رائد بنبرةٍ مستهزأة يُمثُل العطف بصوته : تؤ تؤ تؤ . . عيب يا بوسعود تكذَبني وقدامك سليمان بنفسه شرح لي كل شي وهو اللي أستعمل فيصل عشان يضغط على مقرن! ما يصير!!
سلطان وضع أصبعيْه في عينِه ليضغط عليهما بشدَة حتى يُعيد إليه التركيز.
أردف رائد : حيَ ناصر، طافتك القصة اللي تهمَك بس هذا ما يمنع إننا نعيدها لِك . . . كنا نسولف على زوجتك وحبيبتك، نرجع نشرحها ولا تشرح له يا بو بدر؟
سلطان تنهَد وهو ينظرُ للسلاح الذي يتوسَط مكتب رائد ويجلسُ هو خلفه.
رائد بضحكة : ويعجزُ سلطان بن بدر عن التعليق، ولا يهمَك يا أبوي أنا أشرح لك، غادة أو نقول رؤى تماشيًا مع الفيلم اللي صار من إخراج الجماعة اللي جمبك، ما فقدت ذاكرتها بعد الحادث، لكن لمَا نقولها للمستشفى الثاني عشان يخفونها وطبعًا لأني ما أحب أكذب بقول إنه ماكانوا يدرون لكن مقرن كان يدري وعاد الله أعلم إذا مقرن قالهم وهم ينكرون أو صدق ما قالهم، المهم إنه لمَا نقولها صارت لها مضاعفات تعرف كانت بحالة حرجة جدًا وهم أصرَوا على نقلها! دخلت بغيبوبة لشهر ولمَا صحت جابوا لها وحدة وقالوا لها تراها أمَك وسوَو لها مسح شامل لكم كلكم، وتدخل فيصل ولد عبدالله القايد وتراه من ربع اللي جمبك، وودوها لميونخ وعرفَوها هناك على دكتورها النفسي اللي إسمه وليد، هذا وليد الله يسلمك ما أحط في ذمتي لكن الله أعلم وش كان يسوي بالعيادة مع زوجتك وهم يجلسون يوميًا، رُغم أنه المعروف إنه الأطباء النفسيين اللي مايكونون بمصحة مفروض ما يقابلون مرضاهم يوميًا، لكن هو كان صبحه وليله معاها! وكان لها معاملة خاصة بعد وتطلع معه وتروح معه واللي يوصَلها كان سعد! اللي يشتغل مع المخرجين الكبار سلطان بن بدر و عبدالرحمن آل متعب . . . كانت كلماته شديدة السخرية . . . كل شي كان بإشرافهم وبمعرفتهم بمين وليد! حتى وليد نفسه كان الزوج السابق لحرم سلطان، يعني كان يدري مين وليد ويعرف وش سوَى! عاد أنا ما أدخل بالذمم وأقول وش كانت نيته إتجاه زوجته بس لو أحد بمكان سلطان ما كان سمح لطليق زوجته السابقة وهو ما بعد دخل عليها يعني مُجرد ملكة، يكون دكتور لبنت أعز أصدقائه، مفروض يخاف ويقول ما اسمح لدكتور له سوابق يعالج . . أو عفوًا هو ما يعالج هو كان يمارس العشق وأفلام الأبيض والأسود مع غادة
ناصر من دهشتِه لم يستطع أن يتفوَه بكلمةٍ واحدة، نظر إليهم واحدًا تلو الواحد حتى سقطت عيناهُ بعينِ رفيق عُمره، أراد أن يتأكد من عينيْه التي لا تُخطئ أبدًا، نظر للدماء التي تسيلُ من كفَه وأدرك أن ما يقوله حقيقة.
ضحك بجنُون غير مُصدَق، نظر للرجل الذي جلبه ولموضع سلاحه، اقترب منه بطريقةٍ لا يشكَ بها أحد، بظرفٍ ثانية وأقل سحب السلاح ليوجهه ناحية سلطان.
رائد أشار لرجلِه أن لا يقترب منه، وهو يستمتع بالفتنة المُقامة بينهم.
ناصر : سألتني وقلت تغفر لشخص غلط وأثَر بحياتك؟ وقلت لك لا مستحيل أسامح شخص ضرَني! وما كنت أعرف سبب سؤالك المفاجئ ليْ لكن الحين عرفت، عرفت إنك تلاعبت بحياتي ومن حقي الحين أتلاعب بحياتِك!! ماعندي شي أخسره، ببرَد حرتي وبيكفيني هالشي . . غيَبت زوجتي برضاك أكثر من سنَة وأنا بغيَبك عن الدنيا بكُبرها متعمَد وقاصد! . . . .
سلطان نظر لفوهة السلاح المصوَبة بإتجاهه، أتى صوت عبدالرحمن المقترب من ناصر : ماهو برضاه! أقسم بالله ماهو برضاه يا ناصر، كلنا كنَا نشوف هالشي بصالحكم، لو كان بإيدنا والله ما تصرفنا كِذا، يمكن أنت ما تشوف هذي مبررات كافية لكن أقسم لك بالحيَ القيوم إننا لو كانت الأمور بإيدنا بعد الحادث ما خبينا عنكم شي، وكنَا ماراح نخطط أننا نخبي عنكم حياة أحد فيهم! لكن كانت الأمور برا سيطرتنا، عرفنا عن الحادث مثل أيَ شخص في هالدنيا وعرفنا عن موتها بعد، لين جانا الخبر بعد فترة وأكتشفنا حياتها وبعدها وكَلنا مقرن يهتم فيها، ما كنا نبي شي واحد يضرَها، لكن الطرف اللي خلانا نمنع نفسنا من إننا نقولكم هو سليمان اللي كنا متوقعينه شخص ثاني! خفنا على حياتكم لو أجتمعتوا! كان لازم نبقى على خطتهم لين نتمكَن منهم ونفرض قراراتنا عليهم، لأن ولا قرار بعد الحادث كانت أسبابه من ظروفنا إحنا، كل الأسباب كانت بسببهم، . . . تعوَذ من الشيطان ونزَل السلاح
عبدالعزيز : ناصر
كل الأعين توجهت لشفاهِ عبدالعزيز ولما سينطقه، بهدوء أردف : لا تخليها في خاطرِك!
نظر إليه سلطان بصدمَة ليس بعدها صدمة، تبعتها صدمَة عبدالرحمن و حتى رائد كانت الصدمة واضحة بنظراته.
ناصر تأكد من وجود الرصاص وأصبعه يلامس الزناد.
سليمان لأنه أدرك لا أحد سيقترب منه نطق : مثل موتة مقرن بتكون موتتِك يا سلطان! لكن اللي ذبح مقرن من رجالي واللي بيذبحك ماهو عدوَك!!
سلطان تجاهل كلماته وعيناه بعينيَ ناصر، طال الصمت بنظراتهما وسبابة ناصِر تصِل للزناد بيُسرٍ وسهولة.
رائد أراد أن يضغط على ناصر ويستفزه حتى يُطلق عليه بسُرعة : وبعدها أيش صار؟ وليد حاول يتقدَم بزواجه عليها ويتجاهلون إنها مازالت على ذمتك وبينكم عقد زواج مصدَق، وطبعًا رضا غادة على هالزواج كان تابع من أمل اللي بدأت تشككه وتثير جنونها، طبعًا أمل في البداية اللي هي أمها كانت تتبع أوامر مقرن لأن مقرن تابع لفيصل وفيصل تابع لسلطان وعبدالرحمن واللي خابرهم! لكن بعدها أنحرفت شويَ عن الطريق لمَا على قولتهم رجع فيصل لعقله وترك سليمان، وخلَى سليمان يتدخل بموضوع غادة بعد ما رفع إيده منها عقب الحادث، ودفعوا لأمل عشان تجننها وتكرَهها بعُمرها! ويا حرام المسكينة وش كثر عانت و أنهبلت بعد!! لدرجة قالت خلاص بتزوَج وليد وكانت قريبة بزواجها من وليد بعد، وأكيد هالزواج أو خلنا نقول عرض الزواج ماجاء ببساطة، أكيد فيه أشياء كانت تصير بالعيادة بين 4 جدران مالهم ثالث!!
عبدالعزيز بغضَب خدع رائد بعينيْه ليأخذ علبة زُجاجية ويرميها عليه حتى أتت على كتفِ رائد، بخُطى طويلة سريعة شدَ على رقبة رائد وهو يحاول أن يخنقه بيديْه المُبللة بالدماء، من ذِكر أخته المُشين على لسانِه.
جاء رجل رائد من خلفه ليسحبه ويدفعه على المكتب ويجرحُ جبين عبدالعزيز بهذه الضربة، وقف رائد وبحدَة وصلت أقصاها أخذ قطعة من بقايا الزجاج وثبَتها بين أصبعيْه ليصفع عبدالعزيز بقوَة حتى يجرح خدَه.
عبدالعزيز دفع الرجل الذي حاول إيقافه وهو يرفسه حتى وقع على الأرض، تقدَم ناحية رائد ولكنه وقف عندما إتجه السلاح نحوه.
رائد بحدَة نظراته : إللي يلمسني يلمس نار بجحيمها! وشكلك بتلحق أبوك
ناصر إلتفت ليوجَه السلاح ناحية رائد ولكن يد سلطان من خلفه سحبته بقوَة، بدأوا رجال رائد بالتدخل جميعهم وهُم يُحاصرونهم بالأسلحة الموجَهة إليهم، أمام تهديد رائد بعبدالعزيز لم يكن بين يديَ سلطان أيَ حيلة، رمى السلاح في كفَ الرجل الذي أمامه.
رائد : ماهو أنا اللي بذبحك! هُم بنفسهم راح يذبحونِك، . . . عاد لكرسيْه وبسخرية . . أوَل نكمل الفيلم لين نوصل لهذا المشهد عشان يكون الكل على بيَنة
عبدالعزيز رفع عينِه للسقف وهو يحاول أن يمتَص غضبه متجاهلاً جروح وجهه : بيجي وقت راح أعرف كيف أنتقم منكم!! ووقتها مافيه شي بيردَني
عبدالرحمن أعطاهُم ظهره وهو يرفس بقدمه الأريكة، كل شيء يقع من بين أيدهم حتى الثقة من ناصر و عبدالعزيز سقطت ولا يُمكنها العودة بسهولة.
ناصر حاول أن يتقدم إلى عبدالعزيز ولكن فوهة السلاح ألتصقت برأسه. رائد : خلونا حلوين مانبي إشتباكات بينكم لين ننهي من سرد القصة والمسرحية مدري الفيلم كامل . . ماشاء الله أحترت وش أسميها! قصة ولا فيلم ولا أيش بالضبط! إن جينا للتمثيل أبدعتوا وإن جينا للحوار بعد أبدعتوا وإن جينا للإخراج رايتكم بيضا ما خليتوا بذرة شك في قلوب ناصر وعبدالعزيز . . . وصلنا لعند وليد وغادة، عشان ما نظلم حقهم وقتها عرف سلطان وبوسعود أنه اللي مع غادة ماهي أمها الحقيقة، لأن أمها ماتت بالحادث، وهذا الشي من تدبير مقرن! عاد الله أعلم إذا مقرن يتصرف بكل هذا من فيصل بس! يعني ما نشكك بمقرن كثير لكن كان يقدر يقول عن أمها دام قدر يقول عن غادة لهم! لكن المصيبة تدخل شخص ثاني! هذا الشخص أشتغل وياكم وحافظكم اللي هو عبدالمجيد، تقاعد بعد سلطان العيد بفترة وهو اللي أبعد فيصل عن خطأه اللي ارتكبه بحقك يا ناصر أنت وعبدالعزيز و ذبح غادة بعيونكم و عرَفها على وليد ووصلها لكل هذا، يوم أبعد فيصل تدخل عبدالمجيد بأمور مقرن وضغط عليه وهذا الشي ما قبله حبيبي سليمان وخلَاه يذبح مقرن، الصفة المشتركة بيني وبين سليمان إننا نذبح من يغدرنا! وهذا الشي ينطبق على كل من واجهناه بحياتنا الله يسلمكم، راح مقرن وبقيتوا أنتم تدورون وتحوسون وتقولون مين ذبح مقرن ومين تدخَل بشغلنا ومين زرع زياد بيننا ومين تعرَض لمنصور ولد عبدالله قبل سنَة، ومين ومين؟ وكل الإجابات هي سليمان! اللي ساعدني بدون لا يحس ويدري، حتى فهد اللي جا متأخر قدر يلعب في مخكم! . . بسخرية . . طبعًا قلتوا وش ذا الصدفة إسمه فهد بعد؟ لا يكون هو اللي أنذبح؟ وأكيد أنلعب على مخكم كالعادة! . . لكن خابت توقعاتكم لما عرفتوا أنه هذا الفهد تابع لسليمان وماله علاقة باللي صار قبل سنة، المهم ماعلينا لو بعدَد الحالات اللي أنضحك فيها عليكم بتعب! . . إلا ما قلتوا لي ما سألتوا نفسكم مين طلَع الجثث وحضَرها؟ حيَ الذكاء اللي في سليمان اللي تتهمونه بضعفه لكن مقدرتوا توصلون لذكاءه عشان تكشفونه! بعد الحادث مباشرةً لمَا أكتشفوا حياة سلطان وغادة، قالوا هذا الشي ما حسبنا حسابه، وعلى طول دخلُوا للجثث اللي في ثلاجة الموتى! وبسهولة طلعوا شهادة وفاة للجميع وبسهولة لما أكتشفوا أنه مافيه جثة يقدرون يحطونها بدال سلطان العيد لكن لقوا جثة بدل غادة، جابوا سلطان العيد بنفسه وشالوا الأجهزة منه وحطوه قدامك يا عبدالعزيز! تذكر لما جيته؟ شفته بعيونك وكان يعتبر حيَ، وبعدها مباشرةً بكم يوم توفَى! وأندفن بداله شخص ثاني! وصليت على شخص ثاني بعد!! هذا كل اللي صار بعد الحادث مباشرةً، وكان من تخطيط سليمان اللي أستعمل فيصل ومقرن و كان بمعرفة واضحة من عبدالمجيد اللي يعرف الحادثة من بدايتها إلى نهايتها لكن خبَى حتى على أصدقاءه! وحاول يتصرف من كيفه لكن ما نجح بأنه يوقَف شي واحد رُغم إنه عنده كل الأدلة بإدانتنا لكن مستحيل يملك الجرأة بأنه يضربنا لأن يدري وش راح يجيه!
سلطان بإبتسامة مستفزة : صحيح! عبدالمجيد ما يملك الشجاعة بأنه يضربكم بأدلته! برافو والله، تفتخر وأنت تسرد القصة بتفاصيلها رُغم إنك مخدوع فيها مثل ما إحنا مخدوعين
رائد بإبتسامة تُشبه إبتسامة سلطان : هذا أنا خذيت حقي والدليل سليمان قدامي ومربوط وبينذبح بعد! لكن أنتم وش خذيتوا؟ خذيتوا خيانة من مقرن وعبدالمجيد و خذيتوا غضب من ناصر و عبدالعزيز و جازيتوا كل اللي حولكم بالغدر! ما دافعتوا عن مقرن ولا فهمتوه وما دافعتوا عن عبدالعزيز ولا أحد!! أنا صادق ولَا؟
عبدالرحمن بإتزان : خلصت حكيْك؟ وصلت للي تبيه ولا باقي شي ما بعد قلته؟
رائد بضحكة : لا أبد كل التفاصيل ذكرتها ولله الحمد . . بس خلنا بعد نزيد من إدراك عبدالعزيز شويَ ونسأله كانه يدري عن صالح العيد؟ ولد عم أبوه؟
عبدالرحمن بغضب : رائــــد
رائد بسخرية : ضربنا الوتر الحساس شكلنا! . . يا شقاك يا عبدالعزيز حتى أبوك ما قالك حقيقة أهله!! وش هالدنيا اللي تلعب بالبني آدم بس!
أردف بتنهيدة : صالح العيد كان شريكي وأبوك تبرَآ منه تصوَر ولا حتى ساعده عشان كذا لجأ لي لكن بعد أبوك أعماه حقده وذبح ولد عمه بنفسه
عبدالرحمن : مين ذبح صالح؟ ما كأنه مات متسمَم وبإيدك بعد؟
رائد بإنكار : أبدًا ولا قرَبت منه، اللي ذبحه ولد عمه ما يحب أحد ينافسه، مُشكلة سلطان العيد كان أناني في كل حياته ولمَا جاء وقت يختار فيه أختار سلطان بن بدر عليكم كلكم لأنه كان يصدَر أنانيته لسلطان، وما حبَ احد يآخذ هالمنصب منكم عشان كِذا عصَب بو منصور وقدَم على التقاعد!
سلطان بسخرية من قهره الذي يُصاب به : تكذب الكذبة وتصدَقها!!
رائد بإبتسامة : قولنا كيف ترشحت لهالمنصب وفيه اللي أولى منك؟ مو كان بواسطة قوية من سلطان العيد اللي تقاعد وهو مسلَمك زمام الأمور بكبرها ومتجاهل الكل!!
عبدالرحمن : ترشيح سلطان جاء بموافقتنا كلنا لعلمك ولا تحاول تزرع الفتنة بيننا لأنك تبطي!
رائد : أيَ موافقة هذي اللي خلتكم تتهاوشون قدام الموظفين وصارت مشكلة بينكم وبين سلطان العيد؟ مو كانت عشان سلطان وأنه ما يستحق هالمنصب وأنه توَه صغير وغير مؤهل؟
سلطان بهدوء مستفز : إيه صح عليك! بس لأن اللي في مخك درج، ما تفهم وش سبب الهوشة صح فعشان كِذا تقول دام مافهمتها لازم أخترع لها سبب بمزاجي! محد تقبَل وجودي بالبداية بهالمنصب لكن ماهو عشانهم ضدَي! هُم ضدَ خبرتي القصيرة، لكن بالنهاية وقفوا معي وبو منصور ما تقاعد بعد تسليمي للمنصب، أشتغل معايْ إلى أن أختار طريق التجارة وتقاعد بعدها، وصالح العيد أنا بنفسي تسلَمت ملفه وكان متسمم! لأن عرفت أنه راح ينقلب عليك ويروح لولد عمَه لأنه بالنهاية الدم واحد والعرق يحَن! ولمَا جاك صالح العيد كان سلطان الله يرحمه يحاول بكل جهده إنه يوقفه عن العفن اللي يجي من وراك! لكن كان إختياره ومقدر يخضعه وهو رجَال يملك حق القرار، وأضطر يحاربه لأن ما ألتفت لإسمه ألتفت لوطنه.
رائد بهدوء : والله عاد محد بيصدَق هالحكي غيركم لأن ماشاء الله عندكم تاريخ مشرَف بالكذب وبالأفلام!!
ناصر نظر بصورةٍ أوقعت الشك في نفس رائد : رجعوه!!
عبدالرحمن بحدَة أنفجر بوجهه : قلت راح تطلعهم بمجرد ما نجي! خلنا على إتفاقنا
رائد ينظر إلى ناصر : رجَعه . . . قيَد الرجل أيدي ناصر بكفيَه ليأخذه للمكان الذي كان فيه ـ هو وعبدالعزيز ـ.
رائد وقف بتنهيدة : وأنا غيَرت إتفاقي! وبمزاجي . . . . . مسك هاتفِه ليقرأ الرسالة التي تأتِيه في هذه الأثناء، رفع عيناه بإتجاه عبدالرحمن : تبيني أقولك الأخبار ولا بدري عليها؟ أخاف يرتفع ضغطك ونبتلش!!
عبدالرحمن لا تركعُ نظراته بأيَ رجاءٍ لرائد، مازال شامخًا رُغم هذه الهزَات التي تُصيبه ومازال يحاول أن يُحافظ على هدوء أمام إضطراب الإستفزاز الذي تحت قدميْه ومازال يُفكر بإتمام الخطة نفسها رُغم كل شيء يحصل الآن.
رائد : بنتك . . كنا بنجيبها لِك لكن للأسف رجالِك أجبرونا نطلق الرصاص عليها
رفع عينه عبدالعزيز وهو يمسح باطن كفَه بقميصِه، لم ترمش أبدًا وهو يسمعُ رائد ينطق ببطء شديد حتى يستفزَهم أكثر : بنتِك رتيل!
عبدالرحمن كرر بصوتٍ خافت حتى يُصبره الله على هذه المصيبة : لا إله الا الله . . لا إله لا الله . . لا إله الا الله
سلطان : أنت اللي بديتها وترحَم على ولدِك!!
أنفجر رائد بضحكة طويلة : عفوًا؟ أترحَم على مين؟ وش هالتأخر المخَي اللي في راسكم!!
سلطان : طول السنين اللي فاتت ما تعرَضنا لأهلك ولا حاولنا ندخَل ناس مالهم ذنب بهالمشاكل! في وقت كنت تتعرَض لنا بأهلنا وتلوي ذراعنا فيهم! وصبرنا وقلنا مهما صار مالنا ندخل بناس ذنبهم إنهم يرتبطون بإسمك لكن هالمرَة أنت ما عطيتنا أيَ خيَار!!
رائد بسخرية : يُطلق عليكم الحين . . مُثيرين للشفقة بإمتياز! . . ولدي مات يا حبيبي، لكن دمه مايروح هدر، الكل بيدفع ثمن أغلاطه معي والكل بيدفع ثمن حزني على ولدي!! وكانت بدايتها بنتِك وبيجيك الدور يا سلطان!!
سلطان : مات؟ والله أنت اللي عندك تأخر مخَي!
عبدالرحمن لم تحملُه قدماه، جلس وهو يضغطُ بأصابعه على الأريكة.
يالله خُذ مني الإحساس إن صابها الوجَع والألم، يالله أذبح بيْ الشعور في الوقت الذي تمرض بها إبنتي ولا تجعل الحُزن يتحشرجُ بيْ ويُبقي روحي في المنتصف، لا أحيَا ولا أموت، هذا الشعور الذي يجيئني كلما غادرني من أُحب، يارب أرزقني الصبر وساعدني وأرفع عني هذا البلاء الذي يشطر ظهري وقلبي معًا.
عبدالعزيز أخذ نفس عميق، أنتهى برؤيـةِ فارس و عبدالمجيد، رائد وضع يدِه على الطاولة قبل أن تُضعفه قوَاه المُشتتة، يحاول أن يصدَق ما تراهُ عيناه، تجمدَت عيناه وتجمَد ماءُ محاجره مع نظراته الضائعة في ملامح إبنه.
هل ما أراهُ حقيقة أم من فرطِ الخيال، لو كان حلمًا يالله أدعُوك أن لا أستيقظ منه، هل هذه العينان التي تقتبسني صاحبُها إبني؟ أم من الأربعين الذين يشبهُونِه؟ ولكن من يقدر على أن يشبه نظراتِه الشفافَة والحادة في الوقت نفسه؟ من يقدر أن يكون جميلاً كأبني؟ وشاعِرًا كاتبًا كإبني أيضًا؟ من يقدر أن يعشق مثل عشق إبني ويحيَا في عينيْه ميلادِي؟ لم تمُت، وأنا الذي ظننتُ انَك غادرتني، كيف صدَقت أمر موْتك وأنا حتى لم أرى جثتك وضللتُ أبحث عنها! كيف خُدعت بموْتِك وأنا لا اقدر على العيْش بهناءٍ دُونك، أتدري أنك غيَث لقلبِ والدِك، وأنا في بُعدِك ـ جفافٍ ـ، أتدرِي أن الحُب في حياتي هو أنت وفقط، أتدرِي أيضًا أنني أشتقتُك.
رفع فارس حاجبه بإستغراب من نظراتِ والده، أقترب إليه بتوجس : يبه
حزين يا أبُوك! كل فكرة بعدِك تعبرني / صدَى. و أنا تعودتِك صُوت، وكل ضحكَة في غيابِك، وهَم و أنا اللي ما تروق لي الضحكات بلا صُوت، يا نبرة الحياة فيني لو تدرِي إنه الحياة ترتبط فيك، وأن أجمل العُمر في يديك، يا فارس! يا كل موانِي الفرح في صدرِي، ما هدَ شراعي غير / مُوتِك ؟ . . . و يالله على الحياة اللي تجيبها بقُربك.
تعلقت نظرات عبدالعزيز بعينيَ عبدالمجيد، كانت نظراتُه تنطق شرًا و حِقدًا.
سحبه رائد إليه ليعانقه بشدَة وهو يحاول أن يستنشق رائحته التي غادرتُه طوال الأيام الماضية، فارس استغرب من هذا العناق الشديد وهو يشعرُ بوجَعِ والده من عينيْه، همس في إذنه : وش فيك يبه؟
رائد بمثل همسه : حسبت إني فقدتِك، حسبت إنك ضعت من إيدي!
فارس قبَله بالقرب من عينيْه وبحوارٍ هامس لا يسمعه سواهما : صارت أمور كثيرة راح أقولها لك بس بطلبك شي
رائد : تأمرني،
فارس : أتركهم! . . أتركهم لو لي خاطر عندِك يبه
رائد أبعدهُ وهو ينظر إلى عينيْه بإبتسامة منتشية بالحياة : أهم شي إنك بخير
فارس إلتفت إليهم، نظر إلى عبدالرحمن بنظرةٍ شتتها بسُرعة، بعد أن صافحه بإسم ـ مشعل ـ لا يتجرأ أن يضع عينه بعينه بإسم ـ فارس ـ
عبدالمجيد : حسابك صار معايَ! وأتوقع فارس أكبر دليل
رائد فهم قصدِه، نظر إلى إبنه، فارس : يبه لو سمحت
رائد ومازالت عيناه تُثير الشفقة من شدَة عدم تصديقها لرؤية إبنه، ينظرُ إليه وكأنه للمرة الأولى يراه
فارس برجاء : يبه . .
رائد تنهَد : علَم ربعك ما عاد يتعرضون لطرف منَي وأوعدهم ما أتعرض لهم بشي
عبدالمجيد إلتفت لسلطان هامسًا : لا تهتَم! تقدرون تروحون الحين قبل لا يصير شي يعاكسنا
سلطان بمثل الهمس : ماراح أتحرَك وأتركه
عبدالمجيد بحدَة : سلطان!!
سلطان وتذكَر كلمة من عبدالمجيد قبل عدَة سنوات " عبدالمجيد : بصفتي مسؤول أنا قادر أأمرك، أطلع يا سلطان " : هالمرَة أنت منت مسؤولي عشان تأمرني!!
عبدالمجيد أدرك أن لا فرصة لإقناع سلطان في هذا الوقت الضيَق : عبـ
قاطعه قبل أن يُكمل إسمه : ومنت مسؤولي بعد ولا تقدر تتحكم مثل ما تحكمت بأختي
عبدالمجيد بدهشة ينظرُ إليهم، سلطان إلتفت لعبدالعزيز : ممكن تحكَم عقلك هالمرَة وتتصرف صح
عبدالعزيز بنرفزة : يخي أنا مستغرب من شي واحد! عقب كل هذا لكم وجه تأمروني!!! عُمري ماراح أشوف ناس ماعندها دم وحيَا مثلكم!!
رائد إلتفت لإبنه : شفت بنفسك! هُم ما يبون يتحركون
فارس : عبدالعزيز . .
عبدالعزيز نظر إليْهم : على فِكرة فارس اللي تصنفونه من ألد أعدائكم!! هو الوحيد اللي وفى ليْ وأنتم يا ربع أبوي ما قدرتوا تحسنُون ليْ بتصرف واحد!!
فارس حاول أن يبتعد من جهة والده ليقترب منهم ولكن يدَ رائد طوَقت معصمه : خلَك هنا
بإستغراب إلتفت من خوفه الكبير من تحركه بأيَ حركة بسيطة : يبه!!!
رائد بحدة : قلت خلَك هنا
رفع عينه لعبدالعزيز مرةً أخرى وسحب ورقة من مكتب والِده، كتبت عنوان الفندق : تقدر تروح لأختك أنت وناصر . . وين ناصر؟
رائد : الحين أطلعه
عبدالعزيز بعناد يُريد ان يقهرهم به كما أحزنوه : ماني متحرَك!


،

 مُرهق بالعمل لساعاتٍ طويلة، لا يرفع رأسه من على الأوراق، وفي كل لحظةٍ تمرَ ولا يسمعُ أخبارًا تجيء من باريس يشعرُ بأن الفرصة تتضاءل أمامه وتفقدُ نجاحها الذي عملوا من اجله لسنواتٍ طويلة، هذه المرَة لا حل وسط ولونٌ احادي يفصلهما! إما أبيض أو أسود وإما جنَةٍ او نار، رفع عينه لمتعب : وصل شي؟
متعب : لا! بس اللي عرفته أنه الكل مجتمع عن رائد
عبدالله : يارب أرحمنا برحمتك بس لا يصير شي يودينا في ستين داهية!!
متعب بهدوء : بديت أتفاءل! لو رائد بيسوي شي كان سوَاه من الصبح ما انتظر كل هالساعات
عبدالله : يمكن، إن شاء الله ما يصير الا كل خير . . خلَص أحمد من الأوراق؟
متعب : إيه كنت جايَ أقولك عنها، ليه ما نحقق مع أم فهد الله يرحمه؟
عبدالله : لأن مافيه فايدة من كلامها، كنت مخطط بس تجي الرياض أحقق معها لكن ما تركت فرصة وما أبي أجرجرها بطلب رسمي وإلى آخره وأنا عارف إنه لو عندها علم كان قالته لبنتها حتى!!
متعب : بس الولد طلعت سمعته بالقاع! أكيد أمه تعرف وعشان كذا تنكر وتتخبَى
عبدالله : الله يرحمه ويغفر له ماني قايل غير كِذا، المُهم أننا عرفنا سبب حادثة منصور وربَي يجيب سليمان على خير ونحاكمه
متعب : أنا قلت ممكن تعترف بشي ثاني يفيدنا أكثر،
عبدالله : مع أنه مافيه أيَ مجال للعاطفة لكن ما تنلام أمه، صدقني يا متعب لو جرَبت شعور إنه يكون لك ولد او بنت، مستعد عشانهم تتصرف بوحشية وعدوانية إتجاه الناس اللي حولك عشان تحميهم، ويمكن هي من النوع العدواني على الكل عدا عيالها!!
متعب تنهَد : يمكن، بس أنت قلتها مافيه مجال للعاطفة، وأنا مقدَر شعورها لكن هي خلتنا سنة كاملة ماندري عن هالأسباب! يعني أجرمت في حقنا بعد
عبدالله : هي ضرَتنا! ما نختلف بهالشي لكن عفى الله عنها وغفر لها
متعب إبتسم : الله يآجرك على نيتك . . تآمرني على شي قبل لا أطلع؟
عبدالله : سلامتك
متعب : الله يسلمك . . . أخرج عبدالله هاتفه ويتصَل على عبدالمجيد، أطالت الثوانِ بدقَاتِها حتى تأكد تمامًا أن عبدالمجيد أصبح عند رائد.
نظر إلى الساعة التي تُشير إلى العاشرة مساءً بتوقيت ـ الرياض ـ ، أخذ نفس عميق حتى وقف وترك كل شيء بين يديْه، عاد لطبيعة عمله والقرارت التي تأتِ مُفاجئة للجميع رُغم انها تسبقُ عملاً شاقًا وتحليلاً طويلاً، أراد أن يستشعر لذة الإنتصار بعد مشقة وعناء بإتصال من عبدالرحمن أو سلطان، لو وصلهُ خبر القبض عليهم لا يدري كيف سيصف شعوره؟ إبتسم من فكرة ـ إنتهاء شبح رائد الجوهي ـ من هذه الحياة، إنتهاء شخص أضرَ بالجميع وأضرَ نفسه وهو يُدرك أنه سينتهي يومًا ما، إما بالسجن أو الموت، يُريده حيًا حتى يُسجن وينال عقابه وجزاءه كما ينبغي ليكون عبرةً للجميع، لن يكون إنتصارًا فرديًا لو تحقق، هذا الإنتصار لو حدث سيكون فضله بعد الله لسلطان العيد و عبدالرحمن و سلطان بن بدر و مقرن و عبدالمجيد و سعد و متعب و أحمد و أصغرُ فردٍ هُنا رأى سهرهم حتى آخر ساعة من الفجر على هذا الأمن، يالله لو يجيء هذا الإنتصار خاليًا من الشوائب وأعني بالشوائب إصابة من يعنينا أمرُه، كل رجلٍ مرَ وذاق حلاوة معرفة الحقيقة رحَل، بدأها سلطان العيد وغادر، ثم أكملها مقرن وغادر والآن عبدالمجيد! و عبدالرحمن و سلطان بن بدر، أتمنى لا يغادرونا أيضًا.
خرج من المكتب ليتجه ناحية مكتبٍ مكتظ بالعاملين، وضع ورقة على الطاولة : هذا أمر مختوم بمُصادرة منزل رائد وسليمان
رفع أحمد عينه بدهشة من أمرٍ كان على رفَ الإنتظار لسنواتٍ طويلة خشيَة من القوة المتصلة ببعضها البعض، والجماعات المتكاثرة حولهم، كان لابُد من تدميرهم واحدًا تلو الواحد حتى يتم القبض عليهم بسهولة، كان لابُد من إستئصالهم من جذورهم وليس قطعهم بالقبض فقط! هذا الأمر يعني أن هُناك أخبارًا سعيدة من باريس، ولكن إلى الآن لم يصل أيَ خبر.
عبدالله : خلال ساعة وحدة أبي هالأمر نُفَذ على أكمل وجه
أحمد وقف بإبتسامة : أبشر خلال ساعة راح توصلك الأخبار الحلوة بإذن الله . . . خرج وهو يأخذ ورقة التبليغ، ليتم تنفيذها بصورةٍ فعلية وليست نظرية.


،

إبتسمت حصَة بدهشة وهي تنظرُ إلى عائشَة، وقفت : جد؟
عائشة تنظرُ للكتب التي بين يديْها : هذا ماما الجوهرة يعطي أنا، وفيه يقرآ . .
حصَة : إيوا؟
عائشة : وأنا يبي يصير مُسلم
حصَة وضعت يدها على قلبها وبإبتسامة لا تُفارقها : أحس بشعور أم العروس .. وش ذا الفرحة؟
ضحكت عائشة دون أن تفهم معنى كلماتها : شنو يسوي الحين؟
حصَة : يالله لك الحمد والشكر، قولي معي .. و لا أقولك خلَي الجوهرة تكلمك عشان تفرح بعد
عائشة وقفت بحماسَة وإبتسامتها تسكنُ ثغرها، رفعت حصَة هاتفها ومن شدَة الفرحة بدأت عيناها تدمَع بالإبتسامات الطويلة المستبشرة خيرًا.
تحرَكت الجوهرة بصعوبة من سريرها حتى تأخذ هاتفها الذي وضعته أفنان بعيدًا عنها، تمتمت وهي تسيرُ بتعبِ الحمل الذي يجعلها لا تطيق شيئًا ولا تُطيق رائحة عطرٍ في غُرفتها.
أجابت : ألو
حصَة : لا يكون صحيتك؟
الجوهرة : لا ما كنت نايمة، صاير شي؟ خوفتيني
حصَة بصوتٍ مُبتهج : مو صاير الا كل خير، عندي لك خبر حلو
الجوهرة : وشو؟
حصَة : أنتِ معطية عايشة كُتب عن الإسلام؟
الجوهرة : إيه عطيتها قبل فترة طويلة
حصَة : طيب كلميها . .
الجوهرة بعدم إستيعاب : ألو
بعد ثوانٍ قليلة أتى صوتُ عائشة الشغوف : السلام عليكُم
الجوهرة بإبتسامة : وعليكم السلام، وحشتيني والله يا عيوش
عائشة : انا بعد فيه يشتاق! أنا يقول حق ماما حصَة تو . . أنا قريت هذا كتاب كلَه
الجوهرة : إيه؟
عائشة : أنا يبغى يصير مُسلم
الجوهرة ضحكت بدهشة دُمجت بالفرح : تبغين تسلمين؟
عائشة : إيوا! والله أنا يبغى يصير مُسلم
الجوهرة بفرحة كبيرة سقطت دمعتها من فكرة أنها سبب بسيط لإسلامها : قريتي كل الكُتب اللي عطيتك إياها وعرفتي كل شي؟
عائشة : إيوا أنا يقرأ كله كتاب، شنو يقول الحين؟
الجوهرة بإبتسامة بدأ صوتها يرتجف : طيب قولي معاي . . أشهدُ
عائشة : أشهد
الجوهرة : أنَ لا إله
عائشة : أن لا إله
الجوهرة : إلا الله
عائشة : إلا الله
الجوهرة ببكاء السعادة التي تقعُ في قلبها : وأشهدُ
عائشة : وأشهدُ
الجوهرة : أن محمدًا
عائشة : أن مهمدًا
الجوهرة : رسول الله
عائشة : رسول الله
الجوهرة بصوتٍ تُقاطعه أنفاسها المضطربة بالفرح : الحمدلله . . الحمدلله . . . الحين روحي صلَي طيب، صلَي ركعة
عائشة بحماسة أنها تعلمت شيئًا : يقرآ فاتهة ؟ " فاتحة "
الجوهرة ببهجة : إيوا الفاتحة و تعرفين وش تقولين بعدها؟
عائشة : أنا يشوف صورة كيف يسلَي " يصلَي "
الجوهرة : تمام أنتِ الحين توضيتي صح؟
عائشة : إيه أنا يسوي وضوء قبل شويَا
الجوهرة : فرحتيني كثييير، مدري كيف بنام اليوم من الفرحة
عائشة : شلون ينام؟
الجوهرة ضحكت : لا ما أقصدِك! أقصد أنا لأني مررة فرحانة ماراح أقدر أنام . . فهمتي؟
عائشة : إيوا يفهم
الجوهرة : إذا أحتجتي أيَ شيء، أتصلي عليَ في أيَ وقت . . طيب؟
عائشة : طيب . . أعطت الهاتف لحصَة . . الله يجعله في ميزان حسناتك
الجوهرة : آمين، يا كثر سعادتي اليوم! أحس الأرض مو شايلتني
حصَة : ما صدَقت يوم جتني، وقلت لازم أتصل عليك وأخليك بنفسك تنطقين لها الشهادة
الجوهرة : يا بعد عُمري والله
حصَة إبتسمت : يالله ما نشغلك أكثر والوقت تأخر، تآمرين على شي يا رُوحي ؟
الجوهرة : سلامة قلبك
حصَة : الله يسلمك ، بحفظ الرحمن . . أغلقته لتخرج من غرفتها وتنزل بخطوات سريعة للأسفل جعلت صوتُ والدتها الحاد يأتِها بسُرعة : الجوهرة ووجع! تركضين وأنتِ توَك طالعة من المستشفى
الجوهرة نظرت للعائلة المجتمعة في الصالة، بإبتسامة شاسعة : الليلة من أسعد ليالي حياتي
عبدالمحسن إبتسم من أجل إبتسامتها : فرحينا معاك
أفنان بضحكة : لحظة خلينا نخمَن
والدتها : لا قولي وش تخمينه جعلك اللي مانيب قايلة . . وشو الجوهرة وقفتي قلبي؟
الجوهرة : توَ أسلمت شغالتنا في الرياض، عطيتها كتب قبل فترة لكن يومها طوَلت توقعت إنها ما أقتنعت بالإسلام أثاريها طول الوقت تقرأ فيهم
والدتها ببهجة : ياربي لك الحمد . . تعالي خلني أخمَك
الجوهرة بضحكة جلست على ركبتيها عند أقدام والدتها لتعانقها وهي جالِسة : يممه لو تدرين وش كثر فرحانة! أحس قلبي يرتجف من الفرحة
عبدالمحسن : يا عساها تشفع لك بإيمانها يوم القيامة
الجوهرة قبَلت جبين والدتها : آمين يارب . . ياليتها قدامي وأحضنها كِذا لين أقول بس! جاني شوق مفاجئ لشوفتها
عبدالمحسن : كلمتيها؟
الجوهرة بحماس : وخليتها تنطق الشهادة بعد . .
أفنان : الله يرزقنا هالفرحة بس! أغبطك جربتي فرحة إسلام شخص وجربتي ختم القرآن
الجوهرة : أنا شكلي بحسد نفسي الحين على هالفرحة، يالله لك الحمد والشكر
أفنان إبتسمت : آمين يارب . . بالله أسرقيها كم يوم وخليها تجينا
الجوهرة : ياليت والله
دخل ريَان وتبعته ريم : السلام عليكم
: وعليكم السلام والرحمة
رفع ريَان حاجبه من الضحكات التي تنتشر بالأجواء : فرحونا معكم
عبدالمحسن : شغالة سلطان أسلمت على إيد أختك
ريَان إبتسم : جد؟ . . الله يرزقك أجره
الجوهرة : آمين ويرزقك
ريم بإبتسامة : الله يديم فرحتك بس
الجوهرة : آمين . . ـ وبعفوية نسَت كل حزنٍ في حياتها ـ أحس بشعور إنها بنتي أو شي زي كذا، المهم سعادة كبيرة
أفنان ضحكت : شكل الوعي بيغيب من الفرحة!
الجوهرة بضحكة : تعرفين شعور اللي ودَك ترقصين ودَك تنقزين ودَك تركضين ودَك تفجرين طاقة الفرحة كلها
ريَان الذي لم يشاهد الجوهرة بهذه الفرحة منذُ مدةٍ طويلة، بإبتسامة : أنتظري لا ولدتي فجرَي هالطاقات الحين لازم تنتبهين للي في بطنك
الجوهرة إلتفتت عليه وأبتسمت : برقص مع ولدي أصلاً
أفنان : يخي ياليتها أسلمت من زمان دامها بتخلينا نشوفك تضحكين كِذا
والدتها : إيه والله، يا عساك دوم مبسوطة
الجوهرة أضاءت عيناها بالدمع، أردفت والدتها : قلنا نبي نشوفك مبسوطة مو تبكين
الجوهرة إبتسمت : والله مبسوطة
ريم : على هالفرحة بودَي لشغالتنا في الرياض كُتب عن الإسلام خلنا نجرَب شعورك
الجوهرة : أصلاً الدعوة إلى الإسلام واجبة، مايجوز إنه الخدم يرجعون لبلادهم وأنتم ما بلغتوا عن الإسلام بشي! بكرا الحجة بتكون عليك يوم القيامة
ريم أخذت نفس عميق : لا إن شاء الله خوفتيني، بكرا أكلم أمي تعطيهم كُتب . .
أفنان : أنخرشتي يا بنت عبدالله؟
ريم بضحكة : تحسبيني بجلس أطالعك! عاد كل شيء الا واجبات الدين مافيها إستهتار،
أفنان : عاد والله قبل كم سنة سوينا حملة بالجامعة، مدري العيب فيها ولا فيهم محد أسلم منها . . مع إنه الأسلوب كان لطيف
ريَان : أنتِ مو مكلوفة تخلينهم يؤمنون، أنتِ مطلوب منك إنك تبلغين الإسلام بحسب قُدرتك وصلاحياتِك يعني ماهو واجب عليك تروحين وتسافرين وتنشرين الإسلام لكن واجب عليك بمُحيطك إذا وُجد
أفنان : شكرًا على النغزة المبطنة، تطمَن ما عاد بسافر بدونكم
ريان بضحكَة صاخبة : والله ما كنت أقصدك بس أنتِ ينطبق عليك يحسبون كل صيحة عليهم
عبدالمحسن بإبتسامة : بالله؟ كأننا ما نعرف أسلوبك
أفنان : شفت حتى أبوي كشفك! واضحة أساليبك
ريَان إبتسم : أستغفر الله، والله ما كنت قاصدك كنت أقصد المضمون أنه واجبات الإسلام حسب القُدرة والشخص نفسه يعني أكيد واجبات الرجَال غير البنت
أم ريان : يا زين هاللمَة
أفنان : يمه أنتِ اليوم تحسسينا إننا عايلة ما نشوف بعض الا بالسنة مرَة،
أم ريان ضربتها على كتفها : إيه والله كلكم في غرفكم لا تطلعون ولا نشوفكم!! هذا وإحنا في بيت واحد
أفنان قبَلت كتفُ والدتها الذي يجاورها : نومي متلخبط ولا كان جلست عندك العصر
عبدالمحسن : الجوهرة تعشيتي؟
الجوهرة : مآكلة المغرب ونفسي منسدَة، . . وقفت . . بروح أنام
الجوهرة مشت بخُطى لا تتحكم بسُرعتها، والدتها : أمشي بشويش مو كِذا
الجوهرة بضحكة تسيرُ على أطراف أصابعها : كِذا يعني؟
والدتها : يا ملكَعة
الجوهرة إلتفتت عليها : امزح طيب . . تصبحون على خير
: وأنتِ من أهل الخير
صعدت للأعلى وهي تشعرُ بنشوة الفرح في قلبها، دخلت الحمام لتتوضأ، صلَت ركعة شُكر لله على هذه الفرحة التي تأتِها دون سابق إنذار.
لا أحد سيفهم معنى الفرح إن جاء من شخصٍ ليس بالقريب، يكون فرحًا شاهِقًا لا يُثبَط علوِه أحدًا غير الذي أوجده، لم أفرح كهذه الفرحة منذُ مدَة طويلة حتى شعرت أنني فعلاً انسى طعم الفرح ولكن أيضًا لا قُدرةً تُضاهي قوة الله ولا كرمًا يُضاهيه عندما يُرزق عبده، ممتنة لك يالله على هذه الليلة وعلى هذا العُمر بأكمله، مُمتنة للدين الذي يخلقُ من أبسط الأشياء، سعادة. ممتنـة للحياة التي بقدر ما تُحزني بأسبابٍ عديدة إلا أنها تُفرحني بسببٍ واحد، يالله! " وش كثر السعادة جميلة! "
في جهةٍ اخرى كانت تتحدَث مع إبنتها : و اليوم أسلمت
العنود ببرود : طيب الحمدلله . .
حصَة : الشرهة بس على اللي يكلمك ومبسوط
العنود : وش أقول يمه بعد، يعني ما تعني لي شي عشان أفرح لها . .
حصَة : المهم قولي لي وش أخبارك؟
العنود : بخير الحمدلله
حصَة : وماجد؟
العنود بحماس : عال العال، بيجيه نقل إن شاء الله لفرع الوكالة بلندن، متحمسة كثير أعيش هناك وأستقَر بعد، ماعرفت أتكيَف هنا أبد، على الأقل هناك عندي صداقات
حصَة : الله يسهَل عليكم، ولو أنه ودَي تتكرمين علينا وتجينا الرياض
العنود : والله يمه مشتاقة لك بس هرمون الكره للرياض مرتفع عندي!
حصَة بسخرية : مررة مرتفع ماشاء الله بس لو حفلة لصديقة من صديقاتك نطَيتي!!
العنُود : ولا تزعلين بقول لماجد يحجز لنا على الأسبوع الجايَ
حصَة : وش أبي في زيارة مو جاية من طيب خاطر؟
العنُود بضيق : يعني يمه وش أسوي؟ أقولك ماني طايقة الرياض وجيَتها ما يرضيك أقولك بجيك ومايرضيك بعد!!
حصَة : الله يصلحك بس،
العنود : آمين ويصلحنا كلنا . .
حصَة : طيب ماودَك تصيرين أم وتفرحيني؟ ودَي يجيني منك خبر يثلج الصدر
العنود بإندفاع : لا بسم الله عليَ
حصة بإستغراب : وش بسم الله عليك! هذولي نعمة من ربي وزينة حياتِك
العنود : معليش يمه بس أنا في الوقت الحالي ماني فاضية ولا أنا مستعدة لفكرة الأم والقرف ذا!
حصة : يارب لا تسخط علينا! أنتِ تتكلمين بوعيْك؟
العنود : أصلاً ماجد بعد ما ودَه، إحنا الإثنين ما يصلح نجيب عيال على الأقل في الثلاث سنوات الجاية بعدها إن ربي كتب ندرس مشروع العيال
حصة : تدرسون؟ . . خلف الله عليكم بس
العنُود : يمه لازم تحطين في بالك إني ماراح أجيب عيال بس عشان أجيب وبكرا الله يبلاني فيهم، أنا لا بغيت أجيب عيال أبي أجيبهم وأربيهم تربية سنعة وأدرَسهم صح، وبعدين يمكن أنا وماجد نتطلق! يعني لازم بعد أنا وياه نكون على وفاق
حصة : كل هالفترة وأنتِ منتِ معه على وفاق؟
العنود : إلا بس يعني مدري وش بيصير بعدين! ما أبي أحمل وبعدها الطفل يتشتت
حصَة : هذا الكلام ليْ ؟
العنود : لا طبعًا حاشاك، أنا بس أقصد فكرة تربية الطفل صعبة ومحتاجة دراسة قبلها عشان نقررها أنا وماجد
حصَة تنهدت : أنا أقول تصبحين على خير قبل لا يرتفع ضغطي


،

وضعت عبدالله الصغير في سريره الناعم، إلتفتت عليه : ليه ما تروحون الصبح؟ مو زين سفر الليل!
منصور : عشان نوصل الصبح ونلقاهم، لأن بعد مو معقولة نطق بابهم بليل ونقول نبي نشوف بنتكم!!
نجلاء : طيب براحِتك،
منصور إبتسم : يا زينك وأنتِ عاقلة
نجلاء رفعت حاجبها : ليه وش كنت طول الفترة اللي فاتت ؟
منصور : أبد هادية وما تتهاوشين مع مرت يوسف ولا تقولين لها شي
نجلاء : تتطنَز؟ لعلمك إلى الآن ما أطيقها بس متقبلتها بصدر رحب عشانِك أولاً وعشان يوسف
منصور : البنت ما تستاهل كل هالكره منك! لو كنتِ مكانها كان ذبحتينا! يعني فقدت أخوها وأمها ما وقفت بصفَها وش تبينها تتصرف معك؟ أكيد بتكون عدوانية!!
نجلاء : إيوا كمَل دفاع عنها وكأنها هي صاحبة الحق في الموضوع!!
منصور : أنا أدافع عن الحق، هي فعلاً ما تستاهل كل هذا
نجلاء : إذا رحت هناك خلَ بينكم ثالث
منصور تنهَد : شكرًا على ثقتك الكبيرة فيني
نجلاء : شفت زعلت من كلمة وأنت تقولي معلَقات وتبيني أقول ماشاء الله على حبيبي اللي يدافع عن الحق
منصور : نجلا يا روحي أفهمي! هذي زوجة أخوي اللي ما قصَر معي بشي ويوم أستفزعته فزع ليْ! وش تبيني أسوي؟ أشوفه مقهور وأسكت! طبيعي بروح لها وبفهمها
نجلاء : ويوسف يستاهل من يفزع له ما قلت شي، بس تقهرني لما تحكي عنها يخي لا تدافع وأنت ما شفتها ولا سمعت كلامها معنا
منصور : قلت لك البنت مقهورة طبيعي بتتكلم معكم كِذا! أجل تبينها تآخذكم بالأحضان؟
نجلاء أخذت نفس عميق : طيب طيب . . خلاص سكَر الموضوع ولا تتأخر على علي . . رفعت الفراش ودخلت به لتُغطي جسدها، نظرت إليه مازال واقفًا يتأملها : ماتضايقت تطمَن.
منصور إبتسم ليجلس على السرير، أنحنى بظهره ليُقبَل خدَها : تصبحين على خير
نجلاء إبتسمت رُغمًا عنها : وأنت من أهله ، أتصل علي بس توصل
منصور : إن شاء الله . . وقف وأخذ هاتفِه : فمان الله
خرج ليلقى يوسف بوجهِه، عقد حاجبيْه : وين رايح بهالليل؟
منصور بتوتر : آآ . . مشوار
يوسف : مشوار؟ الحين؟
منصور : بتحقق معي؟
يوسف تنهَد بتعب : حقَك علينا . . صعد الدرج ليتجه ناحية غُرفته، دخل وهو يضع قدمه اليمنى خلف اليسرى وينزع حذاءه ويُكرر الحركة مع قدمِه اليمنى، رمى نفسه على السرير بإرهاقٍ واضح دون أن يغيَر ملابسه، نامت عيناه لثوانٍ حتى اهتز هاتفه بجيبه، أخرجه دون أن يفتح عينه، أنزلق الهاتف منه بحركة يده التي دفعته ليصل لقدمه وببطء شديد كان يسحبُه بساقِه دون أن يُكلف نفسه بأن يجلس ويأخذه بيدِه، بعد دقيقتيْن وصل الهاتفُ إلى أصابعه، نظر إلى المكالمة الفائتة ـ علي ـ، دخل ـ الواتس آب ـ وكتب له " وش تبي ؟ صوتي ماله خلق يرَد "
علي " كنت بسألك عن منصور بس خلاص أذلف "
يوسف " وش مشواركم ؟ "
علي " مشوار خاص "
يوسف " مالي خلق أضحك والله "
علي " أصلاً أنت لك خلق لشي؟ "
يوسف " أقول علمني بس ماني نايم لين أعرف وش عندكم ؟ "
علي " هههههههههههههههه أذبح نفسك من الفضول "
يوسف " أخلص عليَ يا حيوان "
علي " تأدب معي وقول لو سمحت يا علي ممكن تعلمني وبعدها أفكر "
يوسف " يا حيوان ممكن تعلمنن ؟ "
علي " ذبحتك الحايلية حتى كلامك تغيَر! "
يوسف بقي لثوانٍ " متنَح " حتى أستوعب كلمته، إبتسم " شايف؟ بس لعلمك تراها ما تحكي حايلي . . يالله خذ وجهك معك "
علي " طيب يا ولد عبدالله "
يوسف أغلق هاتفه ووضعه جانبًا، نظر إلى الباب الذي يُفتح، إبتسم لوالدته : هلا يمَه
والدته : جيت أتطمن عليك، اكلت شي؟
يوسف : والله يا يمه ماني مشتهي شي، بنام عشان بكرا أصحى بدري و أوَدي أهل فيصل للمستشفى
والدته : شوف عيونك كيف ذبلانة؟ من قلة الأكل والنوم، قوم أكل لِك شي
يوسف برجاء : تكفين يمه خليني أنام والله ماني مشتهي! لو أشتهيت تعرفين ولدِك يهجم على الأكل
والدته أقتربت منه : حتى تعيجزت تغيَر ملابسِك؟
يوسف بإبتسامة : لأني ميَت أبي النوم
والدته ترفع الفراش لتُغطيه : نوم العوافي يا قلبي . . .


،

تكتفت وهي تنظرُ للفراغ الذي أمامها ولظلَ سارة فقط : أكيد رجعوا للرياض! وما كلَف عُمره يقولي تراني رايح!! الله يلعنه هو وياها
سارة إلتفتت بحدَة : أثييير! قولي أيَ كلمة معفنة بس لا تلعنين
أثير : أستغفر الله، يا عسى حوبتي ما تتعدَاها!! بموت من القهر ماراح أرتاح لين أشوفها!
سارة عقدت حاجبيْها : يمكن ما راحوا! يعني يمكن رجعت لأبوها وجلس معاها بفندق أو بأي مكان ثاني
أثير : متهاوش مع أبوها مستحيل يرضى يجلس عنده! أكيد رجع الرياض . . الله يقهرها مثل ما قهرتني
سَارة : أمشي نطلع وأوصلَك البيت
أثير ضربت بقدمها الأرض : يارب أرحمني بس . . .
في جهةٍ أخرى مازالت نائمة على السرير والسكينة تنتشرُ من حولها، يدخلُ عليها بين حينٍ وآخر ممرض يطمئن عليها ويخرج دون أن يصدر ضجيجًا يوقضها، ومازالت الأجهزة تتصلُ بيدِها وملامحها السمراء الناعمة يُغطيها الجهاز الذي يبعثُ الأكسجين بأسلاكِه. المنوَم كان أثرهُ قويًا لدرجة أنها بقيت نائمة إلى الآن منذُ الصباح.
وعلى بُعد مسافاتٍ طويلة، وتحت سقفٍ مختلف يضمُ ألوانًا من المتفجرات الغازيـة، وقف رائد وأنسحب من الغرفة مع إبنه وهو يُغلقها جيدًا و رجالِه الإثنين في الداخل يُراقبان الوضع عن كُثب، لفظ قبل خروجه : موعدنا الصبح راح أوقَع عقدي مع آسلي، وما راح تتدخلون بأيَ بضاعة مُشتركة بيننا. وهذا اللي أتفقنا عليه
عبدالرحمن إلتفت لعبدالمجيد : وش صار لها؟
عبدالمجيد : تطمَن هي بخير، تعرف أفلام رائد إصابتها مو كبيرة لكنه يبالغ عشان يستفزك
رفع عبدالعزيز عينه إليهما، ليقف ويتجه ناحية النافذة، أعطاهم ظهره وأدخل كفه المجروحة من الزجاج في جيب بنطاله وعيناه تتأمل سماء باريس المُضيئة بالنجوم.
سلطان أنحنى بظهره وهو يطوَق رأسه بكلتا يديْه، هجم عليه الصُداع ولم يُبقي به خليةً صالحةً للتفكير.
عبدالمجيد : سلطان . .
سلطان : مستحيل يصير فينا كل هذا! كيف نسمح له؟
عبدالرحمن : ماعاد بإيدنا حيلة!!
سلطان : إلا، لازم نتصرف ونوقَف هالفوضى!! هو عرف كيف يلوي ذراعنا لكن إحنا قادرين نلوي له ذراعه بعد!! ليتك ما جبت فارس! لو هددناه فيه مثل ما يستعمل أسلوبه الوصخ معنا!! كان ممكن نحلَ هالموضوع
عبدالمجيد : قلت لك لا تهتَم
سلطان بغضب صرخ : لا تقولي لا تهتَم، هذا شغلي اللي مكلَف فيه ماني جالس ألعب
عبدالرحمن بحدة : صوتِك!! . . لا يعلى
سلطان وقف وهو يتنهد : أستغفر الله بس!!!
إلتفت عبدالعزيز عليهم بنظرةٍ لا تدلُ على معنى ثابت إلا أنها تحملُ كرهًا شديدًا، عاد بأنظاره للنافِذة دون أن يشاركهم الحديث بكلمة.
عبدالرحمن نظر إليه وهذه الفرصة الوحيدة التي يستطيع أن يشرح له دون تدخل رائد بالمنتصف، وقف وأقترب إليه : عبدالعزيز . .
عبدالعزيز لا يُجيبه بشيء، أردف : أسمعني للآخر وبعدها أحكم على كيفك . . والله إني شايل همَك فوق همَي
ولا يُبادله بغير الصمت، واصل بحديثه : أنت تعرف نية رائد وتدري وش مقصده بكل هذا! يبي يشتتا ويضعفنا بضعف ثقتنا في بعض، حتى أستخدم سليمان اللي ضدَه معاه! كل هذا عشان يزعزعنا، ما كان عندنا علم بتفاصيل الحادث، عرفناها مثل أيَ شخص وقلت لك كثير إننا ما ندري، ولمَا عرفنا ما قدرنا نقولِك، أنت متخيَل إنه لو عرفت بموضوع إختك بعد الحادث، راح تجذب العيون كلها لِك وبهالوقت أبوك ماهو فيه عشان يحميكم ويشرح لكم! كان واجبنا إننا نبعدك عن هالأشياء ونحاول نوصل لوقت مناسب نشرح لك فيه كل شي، أنت فكَر لو عرفت وأنت بوسط معمعتك مع رائد و إنتحالك لصالح؟ وش كان بيصير؟ أنت عشان كلمة بسيطة مننَا رحت عند رائد وقلت له إنك زوج بنتي! أفهم يا عبدالعزيز إنك إنسان عصبي لو كنت إنسان هادي كان ممكن أشياء كثيرة تغيَرت، لكن كنَا ندري إننا ما وصلنا للحُب في قلبك عشان تتقبَل موضوع إخفاءنا لخبر أختك، كنا ندري إنك بتثور في وجهنا وتتصرف بأشياء الله أعلم وش كانت بتكون!! كل الظروف في ذيك الفترة خلتنا نقول معليش بنأجل هالخبر لفترة ثانية يكون عبدالعزيز جاهز لها، ما حاولنا نضرَك بشي! ولا خططنا للحظة إننا نضرَك! حتى في البداية يوم قلت لك إبعد عن أيَ علاقة وصداقة كان قصدي ما أوجعك! ماكنت أبيك تضيق وتحزن على أحد، كنت أبيك تشغل نفسك وتشغل يومك كله من صبحه لين ليله بالشغل، والله كنت أبيك مكان أبُوك الله يرحمه وكنت عارف إنه ثقتي بقدرتك على الشغل في محلها، ساعدتنا بأشياء كثيرة، لا تجي بالنهاية تبعثر كل شي . . لا تسامحنا لكن لا توقف ضدَنا! لا تشمَت أحد فينا!!
عبدالعزيز : خلصت؟
عبدالرحمن : أقسم لك بالعلي العظيم اللي خلق فيني هالروح وأنطق لساني إني أخاف عليك وكأنك ولدِي وإنه سلطان نفسه يغليك من غلا أبوك ولا حاول ولا حتى فكَر إنه يضرَك بشي بالعكس حتى حدَته معك كان يحاول فيها إنه يكسبك ويمحي كل الحواجز اللي بينكم! ولا واحد فينا حاول يضرَك أو يسيء لك . . أحلف لك بالله يا عبدالعزيز، و من حلف لكم بالله فصدقوه . .
عبدالعزيز إلتفت عليه بكامل جسدِه : أعرف شي واحد بهالحياة، إنه الجزاء من جنس العمل، اللي صار فيكم هالفترة أثق إنه جزاءكم وهذا أقل من اللي تستحقونه فعلاً
عبدالرحمن : عبدالعزيز اللي تسويه يكسرك قبل ما يكسرنا!!
عبدالعزيز : ما بقى فيني ضلع ما كسرتوه! وش باقي عشان أكسره؟
عبدالرحمن : حط عقلك في راسك وفكَر بمنطقية ليه سوينا كِذا؟ وبتعرف إنه كل شي وكل تصرف سويناه كان عشانِك وكل خطأ صار ماكانت بدايته منَا، لكن أشتركنا فيه لمَا عرفناه لكن بعد مو بإيدنا! أحيانًا نتصرف بأشياء خارج إرادتنا ورغبتنا، أبدًا ماكانت رغبتنا إننا نبعدها عنَك، لمَا جيت باريس كنت أقول لمقرن أشياء ماني مقتنع فيها لكن ماكنت أقدر أقوله الله يرحمه غير إني أشوفك مناسب وإنك أنسب شخص ممكن يخدمنا وإنه ما وراك احد! لكن هذا ما يعني إني بغيت مضرَتك وإنه حياتك ما تهمني، بعدها عرفت بموضوع غادة وماكان بإيدنا حلَ ثاني! ماكنا ندرِي عن سليمان وكنَا نتوقع إنه قوة رائد متشعبة وإنه في كل جهة راح يواجهنا هالرائد!! كان لازم نبعد إختك عشان ما يضرَها أحد، صحيح اعتمدنا على مقرن في هالموضوع لكن ما كنَا ندري بعد إنه مقرن مجبور وخاضع لتهديد من طرفهم! . .
عبدالمجيد وقف : أبوك يا عبدالعزيز ما تقاعد كِذا بدون سبب منطقي! تقاعد عشان يبعد الأنظار عنه ويشتغل براحته لكن مع ذلك قدر يتسرب خبر معرفته بأدلة قوية وشغله فيها لرائد اللي ظلَ يهددها فترة طويلة حتى يوم الحادث اللي دخل فيه سليمان على الخط، كل التفاصيل عن الحادث عرفتها لكن أعرف شي واحد، إنه أبوك الله يرحمه بعد تقاعده أشتغل و سلَمني كل شي، كنت معاه لحظة بلحظة وإحنا نكتشف أمر سليمان ونحاول نحاصره، لكن ما كمَل أبوك وأخذ الله أمانته، وكمَلت اللي بداه مع مقرن وكنت عارف إننا نرتكب أخطاء كثيرة بحقَك يا عبدالعزيز وبحق حتى سلطان وبوسعود، لكن كنَا مجبورين عشان نكمل بحثنا ونتصرف معهم، سليمان اللي أكتشفناه أنا وأبوك قبل أكثر من سنة، قبل كَم يوم عرفوه بوسعود وسلطان! يعني حتى خبر يهم شغلهم ويحدد مصيرهم توَهم يعرفونه!! يعني فيه أشياء ما نقدر نقولها ماهو رغبة منَا لكن غصبًا عنَا، ولو أبوك عايش كان بيقولك نفس الكلام! بيقولك إننا أحيانًا نضطر نخبي جُزء من الحقيقة عشان ننجح بشغلنا! فيه أشياء كثيرة شافوها سلطان و عبدالرحمن وأنخدعوا فيها مننَا لأن كانت المصلحة وقتها إنهم ما يعرفون! وأنت بعد المصلحة وقتها كانت تقولنا إنه ماهو لازم تعرف الحين! و كنَا بنقولك بوقت مناسب، لكن سليمان أستغل الفرصة وطلَعنا بعيونك ناس حقيرة ما تفكَر فيك والحين رائد بعد كمَلها . .
سلطان من مسافةٍ طويلة بعيدًا عنهم : أكرهنا ماراح نجبرك تحبنا، ولا راح نجبرك تسامحنا، نبيك بس تفكر بأسبابنا وتفهمنا
عبدالعزيز نظر إلى سلطان، أكمل بنبرةٍ صادقة : ماهو بإيدنا، ماهو كل شي نبيه يتحقق لنا عشان سُلطتنا، لا يا عِز! أحيانًا تتحقق أشياء كثيرة رافضينها لكن مضطرين نتعامل معها وتعاملنا معها ماهو يعني موافقتنا عليها ونفس هالشي ينطبق على غادة
عبدالعزيز : لمَا ماتوا أهلك كم ضلَيت ما تعرف بالموضوع؟ . . يوم . . يومين . . ثلاث . . أسبوع؟
سلطان : شهر ونص
عبدالعزيز : وأنا أكثر من سنة يا سلطان، حرقتوني! وتقولون معليش ماهو بإيدنا، تذبحوني وتقولون بعد معليش ما قصدنا نآخذ من عُمرك حياته، وأنا معليش بعد! لا تطلبون مني فوق طاقتي! لا تحاولون تقهروني اكثر بأسبابكم اللي ما تشفع لكم!!
سلطان : وهالأسباب اللي ما تشفع لنا تخلَيك ترفع سلاحك على واحد فينا؟
عبدالعزيز : أسألك بالله لو أنت مكاني كان تقبَلت الموضوع بصدر رحب؟ أنا لو بإيدي الحين أنهيكم من على هالأرض
سلطان : ماراح أتقبَل لكن ماراح أوقف ضدهم
عبدالعزيز : همشتَوني بما فيه الكفاية
سلطان بغضب والضيقُ يغزو محاجره : لا صار على كتفك أمن وأمان شخص واحد بتعرف شعورنا الحين فما بالك بأرض وخَلق!! لا عرفت قيمة إنك ما تقدر تنام من التفكير بتفهم ليه سوينا كِذا؟ بتعرف إننا أحيانًا نمشي ونكمَل وإحنا مقتولين من الداخل!! تحسب أبوك مايعني لي شي؟ أبوك كان كل حياتي، لو أقولك ربَاني ما كذبت! وأنا رجَال طول بعرض أعاد كل أفكاري وربَاني عمليًا، بعد الله هو صاحب الفضل باللي وصلت له الآن، وتحسبنا جدران مالنا إحساس؟ بعد وفاة أهلك كنا أكثر ناس منهارين من داخلنا! وأنا فقدت أبويْ! أبوي اللي ما حمَل دمَي لكن حملت قلبه معي وين ما رحت!! لو كان لي القدرة بأني أعرف أنه كل هذا راح يصير كان حبسته بعيُوني وما خليته يروح مكان! لو كنت أدري بموضوع سليمان كان حاولت أوقفه حتى لو على حساب منصبي!! مو وحدِك اللي واجهت الموت والفقد يا عبدالعزيز! كلنا فقدنا ناس نحبَها وكلنا جرَبنا الموت، أنا أسوأ شخص ممكن تقابله في الحياة العاديَة وأتمنى إني ماني سيء كثير بالحياة العملية! وش تبي؟ وش تطلب؟ تبينا نعتذر؟ أنا أقولها لِك قدامهم الحين أنا آسف، أنا آسف يا ولد أبُويْ! تبينا نبرر لك؟ بررنا لِك؟ وش تبي منَا بالضبط؟ تبينا نبعد عنك ولا عاد تشوفنا؟ أبشر، كمَل حياتك بالمكان اللي تبيه، ماعاد راح نتدخل فيك ولا راح نجبرك تشتغل أو حتى تجي الرياض، بس نبي منك شي واحد! لا تضيَقها في وجهنا! ماندري إحنا نحيا بكرا ولا نموت، لا تضيَقها علينا وأنت تدري إنه نيتنا إتجاهك سليمة من كل هذا.
عبدالعزيز وهذه النبرة الصادِقة تًضعفه و " آسف يا ولد أبُوي " مُتعبة بإتكاءها على قلبِه الهزيل.
للمرةِ الثانية يعتذرُ ليْ! وأنا الذي سمعتُ من الجميع أن ـ آسف ـ لا يعترفُ بها سلطان ولا تخرجُ من شفتيْه، ماذا يعني أن يقولها ليْ؟ ماذا يعني أن يخصَني بها؟ أُريد أن أصدَقك ولكن كل شيء بما فيهم قلبي يُقيم حاجزًا بيني وبينكم، أشعرُ بمرارةٍ أكبر من كل شيء، وأشعرُ أن الدمع يحتبسُ بقلبي ويملئه حُزنًا في هذه الليلة، أشعرُ بأنني أحتاجُ بشدَة لأبي، محتاج أن أضع رأسي في حُجره وأشرح له حُزني، ـ يُبه ـ أشتقت أن أقولها! يا مآساتي الكبيرة و يا حُزني! مهما قُلت أعتدتُ الفُقد تصفعني الحاجَة، الحاجة لكلماتهم الخافتة و سكينة حضورهم، لو أنني ظفرتُ بدقائق أخيرة مع أبي قبل أن يرحَل، قبل أن يُغادرني ويتركني على غصنٍ جاف، يُحييه بكاءي في كل مرَة، أشتقتُك هذا كل ما في الآمر.

--


ـ بقى الجُزء الأخير من النهايـة، معليش دلعوني شويَ وأصبروا عليَ :$ راح أتأخر فيه لكن إن شاء الله مو كثير، يعني بينزل قبل يوم الخميس أكيد بإذن الله عشان تقرأون هالبارتين بتركيز أكبر وأراجع البارت الأخير بدقة أكبر ومن الحين اللي تقرأ النهايه تقولي رايها فيها للحين امانه وادا شفت كومنت كثير بنزل البارت.

لمحت في شفتيها طيف مقبرتي .. تروي الحكايات ان الثغر معصيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن