#4

538 59 77
                                    


تناثرَ النادلون مرةً أخرى في أرجاءِ القاعةِ الضخمة، ولكن هذه المرةِ لأخذِ الأطباقِ الفارغةِ من على الطاولات.
بمجردِ أن فرغت الطاولاتُ مما عليها، عادَ الحماسُ أقوى من السابق لأن الحفل على وشكِ أنّ يبدأ الآنَ رسميًا.

وقفَت ممثلةُ المجلسِ بالأضافةِ إلى بعضِ أعضاءِ اتحادِ المدينة أمام الميكروفون وحلَّ الصمتُ على القاعةِ بكلِّها وقد أصغت كلُّ الأذون لما هي موشكةٌ على قولِه.
كان المكانُ هادئًا لحدٍ أحسستُ فيه بأنني كنتُ أسمع صوتَ نبضات قلبي في ثنايا صدري، ولكني لم أعرف أكان ذلكَ نتاجًا للحماسةِ أم التوتر.

- أرجو بأنكم جميعًا استمتعتم بوجبتكم، والآن قد حانت اللحظةُ التي انتظرتموها بفارغِ الصبر. سيبدأ التوفيق بين الفتيان والفتيات بعد ثوانٍ قليلة. قالت الممثلةُ بابتسامة.

أحضرَ لها أحدُهم جهازًا لوحيًا فشكرته مبتسمةً.

- بما أنّ التوفيقَ يحدثُ الآن في كلِّ مجتمعنا، قد يُستغرَقُ بعضُ الوقتِ ما بينِ كلِّ إعلانٍ وآخر لأنّ التوفيق هذا يقامُ الآن في المدنِ المجاورةِ كذلك. لكن لن يكون هناكَ نسقٌ معينٌ للتسمية، لذا اصغوا جيدًا رجاءً وانهضوا حينَ يُنادى اسمُكم.

ازدردتُ ريقي وأنا أتفحصُ بنظراتي فتياتَ طاولتي وكيفَ نفدَ صبرهنّ وهنّ يحدقنّ بالمنصة. بعضهنّ تشبثنّ بالطاولةِ جيدًا، وبعضهنّ كنّ يتململنّ في مقاعدهنّ من فرطِ التشوق.
تفحصتُ بقيةَ الطاولاتِ حتى وقعَ نظري على أحدِ زملائي يمسكُ بقماشِ سروالِه ويعضُ شفتيه غافلًا.

لم أكن الوحيدةَ المتوترة..

حينَ وقعَ نظري على جونغكوك، كانَ يحدقُ مليًا في الطاولة مطأطئَ الرأس، ربما يحدقُ في ذلكَ الصندوقِ الصغيرِ أمامَه.
كان هناكَ ذلكَ العبوسُ الطفيفُ على تقاسيمِ وجهِه، كما لو أنّه يحاولُ أن ينفذَ بنظراتِه فيرى مكنونَ الصندوق.

رفعَ نظرَه فوجدَ عينيّ تتطالعانِه فتوقف نفسي في صدري للحظات.
تكورت قبضتيّ فوق فخذيّ وأنا أرسلُ له ابتسامةً صغيرة حتى ارتفعت أطرافُ شفتيه بشكلٍ لا يُلحظ.
بقينا على تلكِ الوضعيةِ لوهلة، غافلانِ تمامًا عمَّ يجولُ حولَنا حتى اندفعت موجةُ تصفيقٍ أيقظتني من شرودي وأعادتني للواقع على اختفاءِ وجه فتاةٍ من على الشاشة.

كانَ هناكَ فتىً يقفُ في منتصفِ القاعةِ بابتسامةٍ لم تبرح شفتيه. تصبغت وجنتاه بلونِ الخجلِ وهو يجلسُ على كرسيه مرةً أخرى وقد راحَ أصحابه يربتون على كتفِيه ويتهامسون بأشياءٍ استحالَ سماعُها من موقعي.
عادت الغرفةُ هادئةً مرةً أخرى والتفت الوجوه للمنصةِ انتظارًا للقادم.

مَطرُ نوفمبرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن