7#

489 59 116
                                    


كُنا في منتصفِ نوفمبر..
في ليلةِ السبتِ تلك، هطلَ المَطر..

لطالما ظننتُ بأنّ أمطارَ نوفمبر عجيبة.
إنّ نوفمبر بشارةَ الشتاء التي تخبرُ بقربِ البرد، نوفمبر يعني ارتداءَ ملابسٍ أدفأ، يعني سقوطَ الثلجِ الأولّ.. برهانٌ يؤكدُ أنّ الشتاءَ على بعدِ خطواتٍ من تجميدِ المدينةِ بأكملِها.

ولكن في ذلك اليوم.. أمطرت ولم تُثلِج. كانَ ماءً ذاكَ الذي انهالَ من السماءِ وليسَ ثلجًا..
وفي كلِّ مرةٍ تمطرُ فيها في نوفمبر، أشعرُ أنّ شيئًا كان لا يزالُ دافئًا كفايةً ليجابه بردًا مستعدًا لاحتوائِنا.

كانَ الليلُ قد حلَّ وقد غلفت الظلمةُ السماء، ولم تنر الطرقاتُ إلا بعضُ أعمدةِ الإنارةِ لمن كانوا لا يزالون خارجًا، إلا أنني شككتُ بأنّ أحدَهم كان سيخرجُ تحتَ ذلكَ المطرِ الغزيرِ في تلكَ الساعة، وكانَ وقتُ حظرِ التجوال قد شارفَ على أي حال.

كنتُ مستلقيةً على سريري أبحلقُ في سقفَ الغرفةِ شاردةَ الذهنِ وأنا أصغي لصوتِ القطراتِ وهي تضربُ زجاجَ النافذةِ، صوتُها كلحنِ طبولٍ يبعثُ الاسترخاءَ فيَّ كلِّ ما استمعتُ له في الليل.

لطالما أحببتُ المطر.. خاصةً في نوفمبر.

عقاربُ الساعةِ راحت تدق، وملأ صوتُ المطرِ رأسي حتى أثقلَ جفنيّ. لم أعلم كم كانت الساعة، ولكن كان لابد أنّ أكونَ نائمةً في ذلك الوقت.
ولكن قبلَ أن أسمحَ للإرهاقَ بأنّ ينتشلني كليًا حتى، سمعتُ صوتَ طرقٍ على النافذة، وكان أقوى من طرقٍ قد تحدثُه قطرةُ مطر.

فتحتُ عينيّ ونهضتُ منتظرةً إشارةً أخرى، فقد قلتُ  لنفسي بأنه ربما مجردُ غصنٍ ضربَ بالشجرةِ إثرًا لتلكَ الرياحِ العاتية، ولكن الصوتَ نفسَه تكررَ مرةً أخرى.
عبستُ قليلًا محدقةً في زجاجِ النافذة. لم يكن هناكَ عليها إلا ستارةٌ رهيفة، حتى أنني استطعتُ رؤيةَ الأنوارِ العابرةِ وظلُّ الشجرةِ القريبةِ.

هذه المرة، رأيتُ شيئًا بأُمِ عينيّ رُميَّ على نافذتي. أفزعني صوتُ ذاكَ الشيءِ حينَ لامسَ الزجاجَ ولكنني نهضتُ وتركتُ السرير.
كانَت قطراتُ المطرِ لا زالتُ ترنُ على النافذة، ولم يكن هناكَ أيُ صوتٍ إلا من صوتِ أنفاسي المتهدجة.

انتظرتُ لثوانٍ يسيرة قبل أن أشقَ طريقي بفضولٍ وتوجسٍ نحو مصدرِ الصوت. كنتُ أعلمَ بأنّه ما من شيءٍ في هذا المجتمع، وأن الناسَ لا يحملون نوايا سيئة وبأنني آمنة.
بقيتُ أكررُ ذلكَ لنفسي حتى وصلتُ للستارةِ واختلستُ النظرَ من خلالها للشارعِ أمام غرفتي.

كانَ هناكَ أحدٌ في الخارج، يواجه نافذتي ويقفُ تحتَ المطر، وبالطبعِ لم تخطئُه عينيّ ولو لثانية، فلن أخطئه ولو في أي وضعٍ آخر ممكنٍ كان.
لم أكن متأكدةً من أنّه رآني أم لا.. ولكن علمتُ ماذا يريد.
لذلك ذهبتُ إليه.

مَطرُ نوفمبرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن