مَطرُ نوفمبر

#18

دامت حياتُه ستةَ أشهرٍ فقط..

طوالَ تلكَ الستةِ أشهر، قمنا بفعلِ أشياءٍ كثيرةٍ أردنا فعلها معًا، واستغرقَ الأمرُ أسابيعًا حتى عادت البسمةُ لوجهي حينَ أراه.
طلبنا إجازاتٍ قدرَ ما استطعنا، وحمدًا لله كانَ المجتمعُ كريمًا معنا لحدٍ تغاضوا فيه عن بعضِ القواعدِ الرسيخة فقط بسبب وضعنا.

حظينا بإجازةِ نهايةِ أسبوعٍ مع يورا وهوسوك في مدينةِ جيمين. لم نبلغ أحدًا عن.. مصيرِ زوجي، وفضلنا أنّ يبقى الأمرُ سرًا في بادئِ الأمر.
تجولنا في المدينةِ جميعًا ثم ذهبنا لتناولِ العشاء في منازلِ أهالي جيمين وهوسوك.. كانتا ليلتانِ مليئتانِ بالحكاياتِ والضحكات..

- آوه يا دا يونّ! ألم تري صورَ جيمين حينَ كان طفلاً؟! لابدّ من أن أُريكِ إياها! قالت والدتُه وهي تركضُ نحو إحدى الرفوفِ الصغيرة على الحائط.

حملت البومًا كبيرًا وعادت مبتسمةً ابتسامةً واسعةً جعلت جيمين يئنُ ويتذمرُ في مكانِه.

- لا أظنُ بأنها فكرةٌ سديدة.. تمتمَ فضحكَ هوسوك بجانبِه ضاربًا على كتفِه.

- بحق الله تشيم! إنها مضحكةٌ جدًا! ولأكونَ عادلاً، لدي صورٌ هناكَ بالتأكيدِ أنا كذلك، لذلكَ لا تقلق، سأشاركك الإحراج.

- أيعني هذا بأنني سأحظى بفرصةِ رؤيتكَ طفلاً كذلك؟! ابتسمت يورا بجانبِ هوسوك، وهوسوك بدورِه التفتَّ إليها وقرَّبها إليه أكثر.

- لا تقلقي، سأحجبُ النظرَ عن عينيكِ كي لا يصيبكِ الإحراجُ بسببي كذلك.

امتلأت غرفةُ المعيشةُ بالضحكاتِ حينَ راحت والدةُ جيمين تقلبُ الصفحاتِ التي خزنت صورَ جيمين وهو يبكي أو يأكلُ طعامَه.
كانَ هناكَ صورٌ له في عروضِ الرقصِ الأولى له، وكذلك وهو يرتدي أزياءً تنكرية، وبالطبعِ كان هوسوك متواجدًا في أغلبِها برفقةِ بسمتِه الدائمة ووضعياتِه المعتادة.
بدا شعورُ العودةِ لبيتنا بعدَ رحلةٍ جميلةٍ كتلكَ غريبًا..

كنا على وشكِ الإحتفالِ بعيدِ زواجنا الثاني حينَ حلت اللحظةُ التي كنتُ أخشاها..
قبلَ ذلكَ بأيامٍ بدأ جيمين يصبحُ أضعفَ من المعتاد.. بالتأكيدِ خسرَ قوتُه وقدرةَ احتمالِه طوالَ تلكَ الأشهر، ولكن ذلكَ لم يكن بشكلٍ عنيفٍ وشديدٍ كالأيامِ التي سبقت إقامتَه في المستشفى، ولم يزد ذلكَ إلا منا خوفنا أكثر.

كانَ اليومُ الأخيرُ في بيتنا معًا صعبًا كثيرًا على كلينا.. جسديًا ونفسيًا..
حملتُه في أرجاءِ البيتِ طوالَ اليوم، وقد باتت ساقاه ضعيفتان لحدٍ عجزَ فيه أنّ يحركَ جسدَه بنفسِه، وكانَ تنفسُه أصعبَ كذلك حتى أصبحَ صوتُه يصدرُ صفيرًا متهدجًا.