كانَ الطقسُ لا يزالُ ماطرًا حينَ انتصبَ عقربُ الساعةِ أمامَ الثانية عشر وأنا أذرعُ غرفتي بتوترٍ وقلق.
تمامًا حينَ حلَّ منتصفُ الليل، حملتُ حقيبتي على كتفٍ وتركتُ الغرفةَ خلفي.
لم التفت للخلفِ بتاتًا، بل سرتُ في طريقٍ مباشرٍ نحو بهو المنزل، ولكنني توقفتُ عند غرفةِ المعيشةِ برؤيةِ إطاراتِ الصورِ المصطفةِ فيها.كانَ بها صورٌ لي معَه، صورٌ له ولعائلتِه وعائلتي، وصورٌ لنا مع صديقينا يورا وهوسوك كذلك.. انتشلتُ صورةً لجيمين بدونَ تفكيرٍ ووضعتُها في حقيبتي، ولم أغلقها إلا وقد تمعنتُ في ابتسامتِه الملائكيّة..
أخذتُ مظلةً معي هذه المرة، لأن المطرَ كانَ لا يزالُ غزيرًا ولم أرغب بأن أخضَّلَ تحتَ برودتِه مرةً أخرى، خاصةً وقد افترشَ أمامي طريقٌ طويلٌ كثيرًا.
تفحصتُ البيتَ مرةً أخيرةً قبل فتحي للبابِ والخروج، لامحةً رسالةً وضعتُها هناكَ لأيٍ يكن مَن سيعلمُ بالأمرِ ويجدُ البيتَ خاويًا من أصحابِه.ثمَّ وفي غمضةِ عينٍ.. رحلت.
تطلبَ مني الأمرُ ثلاث سنينٍ كي أفهمَ أنّ ذلكَ كانَ ما لَزمَ أنّ أفعلَه منذُ وقتٍ طويل.. ولكنني شعرتُ بالسعادةِ لأنني لم أرحل آنذاك، لأنّي لولا ذلكَ ما كنتُ عرفتُ أيًا من ما علمني إياه جيمين خلالَ تلكَ السنين المنصرمة.
معَه هو كبرتُ ووعت أفكاري على حقائقٍ كثيرة..
تركني جيمين برغبةٍ بالتغيير، برغبةٍ برفعِ آفاقِ حياتي.. باختياراتي الخاصّة.سرتُ بسرعةٍ قدرَ الإمكانِ مكسوةً بالأسودِ على أملِ أنّ أتسللَ مع الظلمةِ بدونِ أنّ يراني أحد، رغمَ أنه لم يكن من الممكنِ أنّ يكونَ هناكَ من مستيقظٍ في تلكَ الساعةِ أصلاً بعدَ حظرِ التجوالِ بوقتٍ ليسَ يسير.
سيستيقظون جميعًا في غضونِ ساعاتٍ يسيرةٍ انسياقًا وراءَ روتينٍ يوميّ، طوالَ حيواتِهم.. كأنهم سجناءٌ لروتينٍ يتوهمون أنّه سعادة.أهذا حقًا ما استحقوه؟ أهذه هي حياةُ السعيّ وراءَ السعادة؟ أتلكَ الحياةُ كافيةٌ هكذا؟
لطالما كانَ المجتمعُ هو من يحلُ لنا مشاكلنا من كبيرةٍ وصغيرة.. لم يسبق وأنّ أتخذنا قرارًا، أو أنّ حاولنا العيشَ لأنفسِنا.
المجتمعُ هو الذي يرسمُ لنا طريقَ الحياة، يغصُبنا على عيشِ شيءٍ يدَّعون بأنه السعادةُ المرجوةُ من الدنيا، يجعلُنا نتوهمُ أننا على ما يُرام، فيصبحُ لنا جميعًا نفسُ الفِكرِ والرأي.. وينعدمُ الاختلافُ فينا.
لا يوجدُ شخصٌ مختلف.. لا يوجدُ شخصٌ فَريد..لم استغرق وقتًا طويلاً حتى وصلتُ للحدود؛ لأن حيّنا قريبٌ منها إلى حدٍ ما.
شعرتُ برعشةٍ تسري في جسدي حينَ رأيتُ البواباتِ الضخمةِ شاخصةً أمامي.
لم يكن هناكَ إلا قليلٌ من البيوتِ القريبةِ فقط، أما ما تبقى كانَ مجردَ حقلٍ خاوٍ ينتصفُه طريقٌ يؤولُ في نهايتِه إلى حدودِ المدينة.. حدودُ منظمةِ المجتمعِ بأكملِها.

أنت تقرأ
مَطرُ نوفمبر
عاطفيةفي إحدى ليالي نوفمبر حينَ هلَّ المَطر.. فقدتُ جزءًا مني.. أمسى المطرُ ثلجًا.. وقلبي مليئٌ بكلِّ باردٍ في الدُنيا.. #أنا مترجمةٌ لهذه الرواية ليسَ إلا. #الغلاف من تصميم Hope_879 #This story is originally written by Marrilaure, an author here in...