#11

330 44 22
                                    

قضيتُ الشهرين التاليين بيدٍ لا تفارقُ يدَ جيمين..
كانَ أمرًا مخيفًا، أنّ كيفَ استطاعَ في غضونِ وقتٍ قصيرٍ أنّ يجعلَ قلبي يدقُ في صدري كلما كانَ قريبًا.
باتَ من الأسهلِ أنّ ينزوي جونغكوك في زاويةٍ من زوايا عقلي بعدَ انتهاءِ المدرسة، خاصةً وقد أمسى جيمين كلُّ ما تراه عيني منذُ حينها..

- دا يونّ، بماذا تفكرين؟

فتحتُ جفنيّ على وجهٍ قريبٍ من وجهي فابتسمت.
لابدَّ من أنّه رأي العبوسَ الذي اعتلى وجهي عندما ظهرت صورةُ شخصٍ ما كانَ يجدرُ بي أنّ أفكرَ به في رأسي.

كنا جالسانِ في الحديقةِ المركزيّةِ على حشائشِ الأرضِ بأريحية، يمدُ هو ساقيه ويثبتُ جسده بذراعيه خلفَ ظهرِه، وأنا أريحُ رأسي على فخذِه وقد داعبَ العشبُ الجزءَ الذي كُشِف من ساقيّ.

كانت وضعيةً مألوفةً كثيرًا لذاكرتي.. ولكن جيمين أصرَّ على أنّ نسلتقي قليلًا تحتَ أشعةَ الشمس.
لم أستطع أنّ أرفض له طلبَه، ولكنني عجزتُ كذلكَ عن محوِ صورةِ جونغكوك بجانبي.

- كنتُ.. كنتُ أفكرُ بمراسيمِ عقدِ القران.

كانت نصفَ كَذبة.. فقد باتَ ذاكَ اليومُ الشغلَ الشاغلَ لتفكيري كلما أقتربَ أكثر.
خيلَ لي بأن أشهرًا قليلةً فقط مضت منذُ ليلةِ المأدبة، ولكن تسعةَ أشهرٍ طويلةٍ مرت.

قررَ المجتمعُ أن زفافنا سيقامُ في مدينةِ جيمين بما أننا سنعيشُ في مدينتي، ولم يكن أمرًا مقلقًا ومعقدًا كليلةِ المأدبة، فعلى الأقلِ كنا على علمٍ مسبقٍ بما نحنُ مقدمون عليه.

ستحضرُ عائلتانا، وكذلكَ أصدقاؤنا..
سأسيرُ طوالَ الطريقٍ إلى جيمين برفقةِ والدي الذي سيقبلُ على تكملةِ المراسيمِ بمصافحةِ يد زوجي، ثمَّ سيكملُ أحدُ ممثليّ مراسيم التزويجِ الحدث، وبعدَ تبادلِ النذورِ والخواتم.. سيختتمُ الحدثُ بقُبلة.

قُبلَتُنا الأولى..

ابتسمَ جيمين شاخصًا ببصرِه للسماء وأردف: مضت الأشهرُ المنصرمةُ سريعًا.. لا أصدقُ أن يومَ عقدِ القرآن على الأبواب.

أغمضتُ عينيّ مرةً أخرى، مسترخيةً بنغمةِ صوته العذبِ في أذنيّ.

- إنني متحمسٌ كثيرًا له.. ذلكَ يعني بأنّ حياتنا كبالغين ستبدأ حقًا..

همهمتُ له، وبعدَ صمتٍ قصيرٍ عادَ وطرحَ سؤالًا آخرًا.

- أتشعرينَ بذاتِ الشيءِ كذلك؟

فتحتُ عينيّ ورأيتُ نظرَه دانيًا إليّ، وخيلَ لي بأنني رأيتُ لمحةً من القلقِ تعبرُ عينيه، ولكنني طمأنتُه بابتسامة.

- بالطبعِ أفعل.. قلتُ وجلستُ مريحةً رأسي على كتفِه.

بقينا على تلكَ الوضعيةِ لوقتٍ وجيز، بدونِ حاجةٍ لكلماتٍ تملأ ذلكَ الصمت، ثمَّ اقتربَ جيمين مني أكثر بيدٍ تحطُ على يدي ورأسٍ مالَ على رأسي.

- أ.. أتخيفُكِ القُبلة؟ كانَ صوته همسًا خفيضًا حينَ تحدث، وكنتُ عالمةً بشخصيتِه كثيرًا لحدٍ استطعتُ فيه تخيُّلَ حمرةِ وجنتيه بدونِ حتى أنّ أنظرَ إليه.

ما عاد هناكَ شيءٌ لا نعرفه عن بعضنا بعد كلِّ هذا الوقت، ولم يساعدنا ذلكَ الوقتُ في معرفةِ بعضنا فقط، بل كذلكَ خلقَ بيننا رابطةً قوية.

رفعتُ كتفيّ على سؤالِه مبقيةً نظري معلقًا في الأفق البعيد حيثُ راحت الشمسُ تغيب.

- ربما قليلاً.. ولكن الحدثَ بنفسِه يخيفني أكثر.. لإنه.. أعني، أعلمُ بأنّ كلَّ شيءٍ سيسيرُ على ما يُرام، ولكنه خطوةٌ مهمةٌ في حياتنا، وهو أمرٌ مثيرٌ للقلق.

همهمَ جيمين وأحسستُ بإبهامِه ترسمُ دوائرًا صغيرةً على ظهرِ يدي.

- أعلمُ أنه كذلك، ولكنني أعدُكِ بأنه سيكونُ على خيرِ ما يمكن. نبسَ فأومأتُ ببطءٍ وأنا أشعرُ به يتحركُ قليلاً.

أبعدَ رأسه عن رأسِي ثمَ شعرتُ بقبلةٍ لطيفةٍ تحطُ على جبهتي فشعرتُ بقلبي يهفو في صدري..
كانت كلُّ لحظةٍ أقضيها معه كفيلةً بجعلي أغرمُ به أكثر، وفي كلِّ مرةٍ يكون فيها بجانبي.. يخيلُ لي أن جونغكوك غابَ من أفكاري وعقلي.

يخيل..

ولكن يثيرُ استيائي أنني في كلِّ مرةٍ أعودُ فيها لمنزلي بعدَ قضاءِ اليومِ بكلِّه معه، أكملُ اليومَ مع صديقٍ غائب، فأدركُ أنه قد حُرمَ على ذاكَ الانسانُ أن يتركني، أو أن يتركَ قلبي..

أسعدني جيمين، وأعلمُ أنني أسعدته كذلك، ولكن مهما تفاقمَ حبي لجيمين، يبقى دائمًا جونغكوك في جزءٍ خاصٍ به في عقلي، ولا أكفُّ عن اشتياقِه.

عجزتُ عن الكفِّ عن الاشتياقِ لعينيه ووجهه ولمساتِه.. لحضورِه بجانبي.
أنّ تعيشَ ثماني عشرةَ سنةٍ مع شخصٍ ثم يُنتزعُ منكَ فجأةً أمرٌ يغيُّرُ الكثير.. وأنا ما كنتُ، ولن أكونَ يومًا، على استعدادٍ لهكذا تغيير.

عجزتُ عن ذلكَ قبلَ شهورٍ طويلة..
ولا زلتُ حتى هذا اليوم..

****

مَطرُ نوفمبرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن