#22

347 42 3
                                    


كُنا في منتصفِ نوفمبر..
في تلكَ الليلة، هطلَ المَطر..

لطالما ظننتُ بأنّ أمطارَ نوفمبر عجيبة.
كانَ نوفمبر بشارةَ الشتاء التي تخبرُ بقربِ البرد، كان نوفمبر يعني ارتداءَ مبلابسٍ أدفأ.. يعني سقوطَ الثلجِ الأولّ.. برهانٌ يؤكدُ أنّ الشتاءَ على بعدِ خطواتٍ من تجميدِ المدينةِ بأكملِها.

ولكن في ذلك اليوم.. أمطرت ولم تُثلِج. كانَ ماءً ذاكَ الذي انهالَ من السماءِ وليسَ ثلجًا..
وفي كلِّ مرةٍ تمطرُ فيها في نوفمبر، كنتُ أشعرُ أنّ شيئًا كان لا يزالُ دافئًا كفايةً ليجابه بردًا مستعدًا لاحتوائنا.

ولكني لم أشعر بذلكَ يومَها..
في ذلكَ اليوم.. بدا لي المطرُ باردًا وعنيفًا، وكأنّه يزيفُ لنا الدفءَ حتى نكشفَ أجسادنا إليه، فيباشرُ بتعنيفنا بقسوة.

كانَ لابدَ أنّ أحضرَ معي مظلةً، ولكنني كنتُ دائمًا أنسى ذلك كلما خرجتُ من المركزِ الصحيّ، وبدا لي الطريقُ إلى مكتبي لإحضارِها طويلاً جدًا.
رفعتُ ياقةَ المعطفِ أكثرَ لأحجبَ عن المطرِ عنقي مكشوفةً تحتَ الغيث الغزير، منكسةَ الرأسِ لعلّي أحميه شرَ ضرباتِ قطراتِه.
هبت الرياحُ عاتيةً، تحملُ معها القطراتِ مندفعةً إلى جسدي بقوةٍ أكبر..
لم يعجبني ذلك.

لبدت الغيومُ السماءُ بكلِّها وغلفت الشارعَ بغمومِها..
كنتُ أسيرُ في الشارعِ مكتفيةً بالأنوارِ التي خففت من وطأةِ الظلمة، فقد غربت الشمسُ قبلَ ذلك، والمطرُ ذاكَ عسرَ الرؤيةَ أكثر.

- هانّ دا يونّ!

سمعتُ نداءً من مكانٍ بعيدٍ خلفي فتوقفتُ في مكاني واستدرتُ لعلّي استبينُ هويةَ مصدرِ الصوت.
رأيتُ ظلاً أسودًا يركضُ إليّ وهو يلوِّح بذراعيه فوقَ رأسِه.

- هانّ دا يونّ!

صرخةٌ أخرى أتت فعبستُ باستغرابٍ وحيرة، ثم بدأت الهيئةُ تتضحُ لي رويدًا حتى استبينتُ أنّه كان رجلاً.. لم يكن شخصًا قد وسبقَ ورأيتُه على الإطلاق.

وصلَ إليّ أخيرًا فتوقفَ لاهثًا أمامي معتذرًا عن جعلي انتظرُ تحتَ المطر، ثم أمسكَ بحقيبتِه وفتحَها مخرجًا رسالةً من داخلِها.
خائفًا من أنّ يفسدَ المطرُ الورقة، أشارَ إلى حقيبتي مادًا إياها إليّ.

- هاكِ، هذه رسالةٌ لكِ! يجبُ أنّ تخبئيها في حقيبتكِ الآن قبلَ تبتلَ أكثر. قالَ بصوتٍ عالٍ كي لا يعرقلَ سماعي لصوتِه صوتُ ضربِ المطرِ بقوةٍ على الأرضِ بدونِ رأفةٍ ولا رحمة.

أومأتُ بسرعةٍ وفتحتُ الحقيبةَ كي يحشرَ الرسالةَ فيها بعجلٍ، ثم انحنى لي مغلقًا حقيبتَه كذلك.

مَطرُ نوفمبرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن