الحلقة الثانية والأربعون : (الحقائق تتكشف )

9.2K 220 4
                                    


أسرع سليم مُنحنيا بجزعه ليحمل سهيلة بين ذراعيه وهو يهتف عاليًا علي العسكري ، بينما آتي العسكري ليأمره سليم بأخذ سهير كما كانت علي الزنزانة ..
أخذ سليم يضرب برفقٍ علي وجنتي سهيلة حتي أخذ زجاجة المياه ليفتحها ويقوم برش بضعة قطرات فوق وجهها ، فبعد عدة دقائق من محاولاته في إفاقتها إبتدت تفتح عينيها ببطئٍ حتي إتضحت الرؤية أمامها حملقت به لثوانِ ولا تزال في حالة ذهولٍ تــام !
آتاها صوته الأجش هامسًا : أنتي كويسة ؟
إنفجرت باكية بمرارة وتعالت شهقاتها التي كادت أن تشُق صدرها من شدة آلامها !
تعجب سليم ولقد شعر بشكٍ في أمرٍ ما راوده الآن ، عقد حاجباه ولقد إنتابته هو الآخر حالة من الذهول ... أخذ يرجع بذاكرته لسنوات عديدة والصدمة حلت علي ملامح وجهه فهل سهيلة وأروي هما ...... عند هذه اللحظة توقف عقله ليسألها بإستغراب تام : قولتيلي أختك إسمها إيه .. ؟؟
لم تجيبه بل ظلت تشهق ببكاء ، فأمسك ذراعيها وهو يجبرها علي الجلوس ليقول مُكررا بجدية : أختك إسمها إيه .. ؟!!!!!!
أجابته من بين شهقاتها : أروي ..
سهيلة وأروي !! لا .. أيعقل ..!
تركها ليخرج من المكتب ذاهبا بأقصى سرعة إلي الزنزانة لتجيبه سهير علي أسألته حتي يقطع الشك باليقين !!
فُتح باب الزنزانة ليدلف مصوبًا نظره عليها حتي وقف أمامها ، فوقفت هي بثبات ..
قال سليم وعيناه لم يطرف لهما جفنا : سهيلة وأروي ولاد مين ؟؟؟؟
صمتت لعدة لحظات فهدر بها صائحا : إنطقي !!!
حان الآن وقت الإعتراف فلا يوجد مجال للخفي أكثر من ذلك فإنها أدركت أنها النهاية لا محالة ، وبالأخير أردفت بنفس الثبات : ولاد دكتور مشهور في القاهرة إسمه مصطفي كارم !
إتسعت عينيه وهو يزدرد ريقه ، لقد تيقن الآن أنهما بنات عمه اللتين أختفتا منذ الصغر وعان الجميع من حينها وبالأخير فقدوا الأمل في إيجادهما فـ خيم الحزن عليهم حتي الآن ..
ساد صمت قاتلا في المكان لم يصدق سليم أنهما علي قيد الحياة وبعد تلك الأعوام المتتالية تظهرا الأختان !! فهل هذا حلم أم حقيقة ؟!!!!
لم يدري سليم بحاله إلي وهو يصفعها بقوة آلام السنين الماضية !! ثم هدر بها بإنفعال : كل السنين دي وهما عندك !!! إزاي ... إزاي قدرتي تخفيهم المدة دي كلها إزاي ... إزاي .. سينفجر عقله من الصدمة فكان أخر توقعاته أن يرى الفتاتان مجددًا بعد هذا العمر ولكن الآن عليه أن يعرف كيف أخفتهما وكيف تجرأت ، فراح يسألها مجددًا بشراسة : إنتي الي خليتي الخدامة تخطفهم من البيت وتهرب ؟!!!!!!!
أومأت رأسها وأجابته ببرود قاتل : أيوة أيوة أنا بس أنا ربتهم .. ربتهم ودخلتهم مدارس كمان !
قبض علي ذراعيها بعنف شديد هاتفًا بعنف أشد : دخلتيهم مدارس إزاي والإسم ، إسم سهيلة في التقرير ملهوش علاقة بمصطفي كارم !!!!!
ردت بنفس البرود : زورت شهادات ميلاد وغيرت الإسم عشان محدش يعرفهم ، وسمتهم علي أي إسم
صاح صافعا إياها مجددا وهو يسبها بعنف ، ليجذبها من خصلات شعرها ويدفعها في إتجاه العسكري قائلًا بلهجة آمرة : حطهالي لوحدها في أي داهية ومتغبش عن عينك لحظة فاهم !!!
أومأ العسكري ولقد نفذ آمره ، ليخرج سليم وهو يلهث ويمسح حبات العرق التي نبعت فوق جبهته بغزارة اثر إنفعاله الشديد ... إتجه إلي مكتبه ثم دخل وراح يحملق بها ، أهذه إبنة عمه سهيلة ... سهيلة مصطفي كارم !!
إقترب منها ولقد شرد بذهنه عندما كانت صغيرة تبلغ من عمرها ثلاثة أعوام فقط ، وكان هو يبلغ عمره ثلاثة عشر عاما .. يتذكرها عندما كان يمرح معها ويحملها رغم كونه طفل ... نفس العينان العسليتان .. ولون بشرتها ناصعة البياض !
ظل يتطلع إليها بصمت ولا تزال علامات الذهول طاغية علي وجهه !!
حتي مسحت سهيلة دموعها بإستغراب وهي تطالعه بتوتر ، فإبتسم هو وقال في ذهول: زعلانة عشان طلعت مش أمك !؟
حركت رأسها لتردف بعصبية : زعلانة إنها دمرتني ... زعلانة علي العذاب الي شفته !! و....
- سهيلة ... قالها وكأنه يستشعر كل حرفا ، ثم كرر بعدم تصديق: سهيلة وأروي !! ... معقول أنتوا عايشين بعد عشرين سنة أنتوا عايشين ؟!
عقدت سهيلة ما بين حاجباها في إستغراب .. فقال سليم بهدوء : سهير خطفتكم من أهلكم من عشرين سنة ! .. أنتي إسمك سهيلة مصطفي كارم ! ... ثم صمت ليستكمل : وأنا إسمي سليم محمد كارم !! ...
حدقت به ولم تفهم ماذا يقصد أو بالأحرى لم تستوعب ، ما الذي يتفوه به ذاك ؟!؟؟؟
إستأنف هو بتوضيح : زمان لما كنت صغير كنا عايشين كلنا في بيت كبير أنا وأبويا وأمي وعمي ومرات عمي وبنات عمي سهيلة وأروي .. كانت مرات عمي بتشتغل وبتسيب سهيلة وأروي مع الدادة ، وفجأة في يوم رجعت ملقتش الدادة ولا سهيلة وأروي ، فضلت تدور وإحنا كمان ندور ملكمش أثر ، الكل إتصدم مخلناش قسم بوليس إلا ودورنا فيه ، ولا أي مكان قلبنا القاهرة حتة حتة وبرضو مفيش فايدة حتي عمي نزل إعلان في الجرنال إن الي هيلاقيكم ليه مكافأة كبيرة ولكن لا حياة لمن تنادي ! وعدت شهور وسنين فقدنا الأمل وبعد عشر سنين من غياب سهيلة وأروي ماتت أمهم بحسرتها عليهم والاب عاش حزين العمر كله ، علي فراق بناته ومراته ! وأنا حزنت وأبويا وأمي والبيت بقي كأنه مهجور وفقدنا الأمل في إننا نلاقيكم تاني !
لم يظهر أي تعبير علي وجه سهيلة ، فلم تستوعب من الأساس ما قاله !! هل لهما أهل .. أب و أم !! وعاشتا محرومتانِ طوال عمرهما !!
كرر سليم بتفهم لحالتها : طبعا مش قادرة تستوعبي أنا زيك وأكتر .. بس دي الحقيقة أنتي بنت عمي .. بنت مصطفي كارم أكبر دكتور في القاهرة ..
.......................

حبيبتي الكاذبة -  الكاتبه فاطمة حمديحيث تعيش القصص. اكتشف الآن