٣

10.5K 580 267
                                    

(باريس ، فرنسا)

استطاعت ايلا ان ترى من النافذة التي تجلس بجوارها الليل يهتك الصبح والغيوم تطفو حبلى بالمطر في السماء،  وقد حل المساء ليلكيًا شفافًا ، كوب القهوة امامها ساخنٌ يتدفق البخار منه . وتمامًا مقابلًا لها يجلس السيد المحامي بيير يتحدث منذ ساعة عن حقها بوراثة الملايين التي خدع جدهُا -المزعوم- جدتها واخذها تاركًا الاخيرة حَبلى ووحيده لتربي ابنتهما الوحيدة جوليا.
صار لونُ السماءِ في ذات المساء داكنًا لدرجةٍ اثارت فيها الاحساس المشبع بالكآبة ، وأحست بروحها ايضًا تشتهي البكاء والنحيب أسفل سريرها ، لا شيءٍ سوى لانها تحس بكمٍ لا يستهانُ بها من المشاعر السوداء والثقل وقد حط فوق كاهِلها

كان السيد الشاب بيير ما يزال يروي باسهابٍ الحقائق الفضيعة والمخزية في الان ذاته الى حد لا تستطيع تحمله لكلٍ من ماضيّ جدتها و هذا السيد 'آندريه مانويل' الجالس بسكون وصمت ، و قد تضمن الحديث امها في مواضع كثيرة  ، وفي كل مرةٍ يذكر فيها إسمُ جوليا كانت شفتيها تصبحان معًا ملتصقتين كخطٍ رفيعٍ يعتلي وجهها لأنها دون شعورٍ بات تقضم كلتاهما بالتناوب كردِ فعلٍ لا ارادي نجح دون نيةٍ منها بأن يشتت بييّر تمامًا.

والاسوأ ان جدتها تبدوا متصالحة تمامًا مع كل ما يُقال ، لا تدري إن كان الأمر أحد دراساتها الفلسفية لكنه يزعجها بطبيعة الحال ، إن كل شيءٍ لا تفهمه يثير فيه شعورًا بالحمق والغضب ، راقبتها تحتسي قهوتها ذات الرائحة اللاذعة في الانف تمامًا كطعمها ، و كأن لا هم فوق كاهلها ينوح ، بل وكأن الموضوع لا يمت لها بأي صلةٍ لا من بعيد ولا من قريب
اما الرجل الاخر المدعو بمانويل -وقد عاد مجددًا من سيارته- يجلس على كرسيه الالكتروني مقابل جدتها وما بينهم سوى الطاولة والعديد العديد من الجدران اللامرئية العالية.
يتبادلون النظرات الصامتة بينهما او فيما يبدوا كحديثٍ خاصٍ لا يجسران على البوح به علانيةً ، كالحاجز حط يفصل بين الرجل وجدتها من صوب وهي المحامي في الجهة الأخرى .

تجاهلت ايلا السيد بيير ولا شيء يتردد في اذنها سوى كلمة "شقيقيكِ" التي نطقها ، ان هذين الشخصين المجهولين التي تحمل دماءهما نفسها في عروقها ولم يحدث وان قابلتهما طوال حياتها ، يشكلان معًا الصلة والروابط العائلية الوحيدة بالاضافة الى جدتها من والدتها ،هما الامنية التي نفثت بها امام نيران ليلة رأس السنة مرارًا وتكرارًا دون كللٍ أو ملل.

لطالما كانت ايلا فتاةً وحيدة داخليًا واجتماعيةً خارجيًا ، ضدان يتصارعان في جسدٍ واحد، شمس طفولتها غربت تمامًا أسفل جبلٍ عملاقٍ كان هو موت أمها وانزواء جدتها في اعمالها الاضطرارية لتستطيع الصرف على كِلتِاهما، لا زالت تتذكر تلك اللحظات عندما تقضي الاعياد وحيدةً تحتضن جسدها قرب مدفاءةِ بيت الجيران عندما لا يكون لجدتها خيارٌ سوى تركها هناك ، هم كانوا ودودين تِجاهها وطيبين ، لطالما كانو كذلك .. لكن رغم ذلك ورغم الكثير تحس ان مكانها ليس معهم ، كانت تريد ان تكون في بيتها مع جدتها تأكل كعك الليمون الشهي الذي تعده. وامها تضحك احدى ضحكاتِها النادرة الحزينة وتحكي لها حكاية بينوكيو -ككل سنة- لكي تجعلها تكف عن تلاوة الكذبات لتحصل على المزيد من الكعك.

(متوقفة) vanilla scentحيث تعيش القصص. اكتشف الآن