٨

6.5K 575 155
                                    

-لطفًا ، تعليق بين الفقرات و تصويت قبل القراءة-

استفاقت آيلا في ساعةٍ متأخرةٍ من انبثاق الفجر ، كان الأفق المطل من النافِذةِ يتشح بزرقةٍ ضبابيّة و الشمس تنشر في الوجود دفءً يجابه برودة الصبح اللذَّاعة ، و سمحت النافذة النصف مفتوحة للأشعة الصفراء حرية أن تتسلّل عبر قماشِها ، ونثرت عناقيد الجهنمية المتسلقة على الجدران خارج غرفتها رائحةً عذبة مختلطةً برائحة الياسمين وأنفاس الصبح المتمحضِلة ، راقدةً في فراشها بكامل ملابسها وحتى بفردتي نعليِّها امعنت النظر بالسقف واستجمعت نفسها ، لقد نامت نومًا هنيّئًا عميقًا ، كيف كانت احلامها ؟ لا تعلم فقد رأت في منامِها هواجس خفية وظلال ناعمة تداعب وجنتيها بحذرٍ شديد ولمسةٍ لطيفة حانيِّة ، ثم غمرها الدفء الذي ما لبث ان عزز فيها كسلها و ساعدها على ان تحظى بنومٍ عميق لم تذقه مذ ان غادرت منزلها الباريسي المحبب ، ذاك المنزل حيث كل شيءٍ مفعمٌ بالسلام والهدوء والطمأنينة وقد استغرقوا في جمود وتبطّلٍ وسعادة ، في دائرة معارف غنيِّة وقيّمة وجميع من فيها اشخاصٌ رائعون ومسالمون بدورِهم

انقلبت على جانبها حتى تستطيع ان ترى الضوء يتسرب من خلف الستائر المعتمة ، وفكرت بمشاعرها المبعثرة الصعبة واحساسها القوي الذي يصفع وجهها بقوة ، انها ليست في باريس بعد اليوم ، انها هنا في لندن ، في هذه المدينة القاحِطة التي يحيك فيها المتآمرون الدسائس وضحاياهم يشربون وينامون ، مدينة الكَذَّبة المدعين

الذين لربما قتلوا امها بدمٍ بارد وتسببوا بعيشها بعيدًا عن اخويّها ، و على ذكرِ هذين الإثنين ، داهمتها غمامة كآبة وهي تفكر بوعدها الذي قطعته على جدتِها ، اخبرتها انها ستحضر جايك وجون إليها ، كيف ذلك وإحداهما في غيبوبةٍ الله وحده يعلم متى تنتهي ، والأخر معطوب ذي ملامح تعِبة حتى يخيل للمرء انه يقابل الموت في الليلة آلف مرةً ، اخرجت تنهيدةً من صدرها ، وهنالك ابوها ذلك الرجل الذي يظهر انه لا يريدها على الإطلاق ، وكأن وجودها بذاته ينغص عليه عيشه و يفسد صحو مزاجه ، اعتدلت في موضعها و
مدّت يدها تبحث عن حقيبتها الصغيرة بالقرب من المنضدة ، وعثرت عليها واقعة على الارض مع معطفها ، انقلبت اكثر حتى وصلت لحافة السرير لا تنوي ترك البقعة ذات الدفء اللذيذ ، وفتشت داخل الحقيبة وعينيها مسترخيتين حيث اعتادتا على الضوء اخيرًا ، كانت الساعة تشير الى السابعة صباحًا بتوقيت لندن ، أي أن باريس الآن تنعم في نوم الساعة السادسة هذا وإن لم تكن بوادر الإستيقاظ قد بدأت تدب في شوارِعها بالفعل ، لكن جدتها كسيدةٍ ارستقراطية نبيلة تتبع نظامًا واحدًا منذ ايام تدريسها للفلسفة في هارفرد ، الاستيقاظ المبكر كان على رأس هذا النظام التعسفي الغريب ، الذي لربما كان كل شيءٍ قابل للتغير الا هو ،
استمعت بهدوءٍ الى صوت رنين الهاتف ، وهي تأمل في داخلها الا تلاقي ردًا على الإطلاق. فماذا عساها تقول ومن اين تبدأ ، لحيظاتٍ مرّت وقد سقطت في دوامةٍ من الأفكار انهاها صوت الصافِرة تنوه بإستقبال رسالةٍ منها إن وجدت و تخبرها بأن جدتها ما تزال نائمةً لحسنِ الحظ
بقيت تحدق في الشاشة بصمت ، ثم بحركاتٍ رشيقةٍ من اصابعها دخلت على رقم صديقتها وجارتها فايَّ وكتبت رسالةً قصيرة "صباح الخير ، امل انكِ مستيقظة أو على وشك ذلك فالجدة آلين مرأة لا تسمح بالتقاعس ، إن عدتِ من الريف اليوم او بعده ستكون صدمةً لك عندما تعرفين انني ذهبت بالفعل الى لندن ، هاها ، من كان يتوقع ، هاه؟
على كلٍ اشتقت لكِ ، إن قابلتِ جدتي في المحل اخبريها انني افقتدها جدًا وأن كل شيءٍ يسير على ما يرام وانني أحبكما."

(متوقفة) vanilla scentحيث تعيش القصص. اكتشف الآن