١٢

5.9K 511 333
                                    

-فوت قبل الشروع بالقراءة-
سبحان الله

--

بما يشبه الهذيان الإثيليّ استفاق جون ، يشعر بالبرد يتأصل في عظامة و برغبةٍ ملحةٍ لتقيؤ تداهمه و بشدّة ، تلاشى كل اثرٍ باقٍ للنعاس الذي كان هو السبب الرئيسي لجعل اليزابيث تغرق قلقًا وكل نصف ساعةٍ تاتي لتتأكد من النبض لولا انها انشغلت الآن ، كان يرتجف في مكانه و ذهنه يتخبط
دارت عينيه في محجريهما اول الأمر ، عندها استوعب انه في جناحة بغرفته وعلى سريره ، كل شيءٍ يبدوا طبيعيًا كما كان دائمًا ، لكنه ليس طبيعيًا بالمرّة .. يدرك ذلك ، هنالك شيء مختلف في نفسه وليس في المكان ، آلم هادئ في صدره ، ليس جسديًا بقدر ما هو آلم نفسيِّ ساحق ،
الباب مغلق و الرواق القابع خلفه يقبع في السكون والصمت و الغرفة نفسها تغرق في ضوءٍ سماويٍّ يتسرّبُ من مكانٍ ما ، بحث عن جهاز التحكم و اغلق التكييف ، ما تزال الغرفة باردة
كما هي لكن على الاقل توقف تدفق الهواء الذي كان يلفح جسده

تحفزّ قطه السيامي الرمادي عندما تنبه لحركة صاحبه المنهكة على السرير ، و استطاع جون ان يره في الطرف الاخر من الغرفة يقف فوق مجموعةٍ من الكتب ، عينيه خضراوين متقدتين و متوهجتين، في ايامٍ اخرى كان ليتذمر منه لأنه يقف على مجموعة كتبه الغالية

فتح جون فمه ، الذي كان ناشفًا للغاية ، وندّه بصوتٍ تعب "دانتي.. تعال هنا يا فتى."
لم يكن يحتاج القط الى اكثر من هذه الاشارة ليقفز من مكانه ويقطع المسافة بينهما ، صعد السرير و تجاوز الاغطية ليعتلي صدر جون ويستلقي بكسلٍ معتاد منتظرًا اصابع صاحبه ان تعبث به ، فسحبه جون اليه و قربه منه اكثر يحك المنطقة خلف اذنيه ، فغرغر القط بسعادةٍ وهمس الشاب في اذنيه بكلماتٍ عشوائية بالفرّنسية و الانجليزية كعادته دائمًا

عندما اصبح ذهنه صحوًا اخيرًا وقد اعتادت عينيه على الانارة الخافتة بما فيه الكفاية ليستطيع تبيُّن الأشياء ، بحث عن هاتفه وسط العتمة ، كان الوقت يشير الى ساعةٍ من العصر ، وكان الضمأ يجعله حانقًا ، تجاوز مرحلة الغثيان منذ فترةٍ و سار بخطواتٍ متعثِرةٍ عمياء ناحية الإنارة  ليضيءَ الغرفة ، و تناول بحركةٍ محمومةٍ قنينةَ ماءٍ لم يلحظ وجودها قبلًا ، فتحها و شرِبها بشراهةٍ حتى آخر قطرة
وعندها استعاد السيطرة على نفسه ، في البداية آلمه بطنه لأنه شرب سائلًا بهذا القدر على معدةٍ فارِّغة .. لكنه تجاوز الأمر ايضًا
ثم توجه ناحية الحمام يقاوم الجوع المقيت ، و خلع ملابسه و ادخل نفسه في كابينة الاستحمام تحت مياهٍ معتدلة، الاستحمام اعاد عقله في رأسه و قلص عضلاته وقبضها في الم هادئ و لذيذ ، جعلته الراحة التي أحس بها يفكر بالمهم ، تذكر ايلا التي لم يرها منذ ليلة أمس ، و اللوم يقع على الادوية التي اكسبته خمولًا وجعلته طريح الفراش برغبةٍ او بدون ، من العدل القول انه كان يفكر بها حتى في المنطقة الرمادية بين الوعي و اللاوعي و اليقين و اللايقين ، في تلك البقعة الغير واضحة المعالم ، يتذكر الطريقة التي يتجعد فيها انفها عندما تبتسم ، او طريقتها في ارتشاف كوب القهوة ، او حتى محادثتهما الاولى و الاخيرة في المقهى الصغير القابع على مقربةٍ من مستشفى آل سالفاتور الخاص ، يتذكر حتى تلك القلادة الذهبيّة التي طبع عليها شكلًا لوردةِ ، يتذكر هذا التفصيل جيدًا دون غيره .. كيف لا و قد كان لأمهما واحدةً مثلها ترتديها على الدوام ، بل انه لا يتذكر يومًا واحدًا لم تكن فيه بدونها
ايلا الحلوة المسكينة لم تكن تعلم في ماذا وقعت ، لو انه فقط علِّم بوجودها ، لو أنه علِّم ان كل ما يعرفه كان محض كذبةٍ مقيتة اخرجها احدهم بأنانيةٍ مطلّقةٍ يجب عليه ان يحاسب عليها ، لما كان ايًا منهما هُنا ، يده حطت على زجاج الكابيّنة المغشي تحت طبقةٍ من البخار ، اصابع يدع المشبعة بالماء حكت الزجاج بقوةٍ بإنفعالٍ خالصٍ و دون قصدٍ منه ، لكن عصبيّته لم تترك اثرًا ملموسًا في الزجاج ..
اطفئ رذاذ الماء ، و لف منشفةً على خصرِّه وهو يتوجه ناحية الدولاب يفتش عن ملابسٍ يضع نفسه فيها ، لم يكن يبالي لحقيقة انه مبلول .. وفي وقت متأخر تأسف على ذلك

(متوقفة) vanilla scentحيث تعيش القصص. اكتشف الآن