الفصل الرابع
* جنون الغيرة *
تمسكت ميسون بصمتها فاقترب منها وابتسامة هادئة ترتسم على ثغره ثم حملها بكلتا يديه فتعالت شهقاتها
- نزلني يا فارس
- لا
هبط فارس الدرج ثم توجه إلى السيارة ووضع الجميلة بداخلها ثم هتف بجدية مصطنعة
- علشان تتعلمي تسمعي كلامي
قالها ثم توجه إلى الجانب الأخر من السيارة ودلف إليها وانطلق مسرعاً فخبأت ميسون عينيها عنه وأخذت تتابع الطريق فشاكسها حينما وضع يده على يدها
- إيه ده، سيب أيدي وركز في الطريق
- طيب بصيلي
- لا
- ماشي براحتك
ترك المشاكس يدها وانطلق بسرعة جنونية فتشبثت بذراعه من شدة خوفها
- فارس قلل السرعة شوية
- لا... زي ما أنتي ما بتسمعيش كلامي، أنا مش هسمع كلامي
- خلاص هبصلك بس هدي السرعة شوية
اتسعت ابتسامته ثم قلل السرعة امتثالا لرغبة جميلته..... وبعد دقائق ليست بالقليلة صف سيارته أمام مطعم فخم يطل على النيل ثم ترجل من السيارة وساعد الجميلة على النزول ودلفا سويا إلى الداخل فأخذت ميسون تتأمل المكان بعينيها
- إيه الجمال ده؟ أول مرة أشوف مكان ساحر كده، أكيد صممه فنان مش مهندس ديكور
- أنا اللي صممته على فكرة
- بتهرز صح ؟!
- المطعم بتاعي وأنا اللي صممت ديكوراته ونفذتها بنفسي
- هو أنت
قاطعها قائلاً : مهندس معماري والمكان ده بنيته وصممت ديكوراته علشان كنت ناوي أهديه لحد
- قصدك لواحدة، اللي يعمل حاجة حلوة كده وألوان زي دي تبقى هدية لواحدة
قالتها ميسون بغيرة واضحة فخبأ فارس ابتسامته حتى لا يغضبها فهو يعلم جيداً أنها سريعة الغضب كالأطفال
- ممكن نقعد علشان أنا جعان؟
لم تجيبه ميسون لكنها جلست علي أحد المقاعد فضرب فارس أحد كفيه بالأخر متعجباً على غضب الجميلة ثم ذهب إليها وجلس على المقعد المقابل لها، فهتفت متسائلة
- ليه مفيش ناس؟
- أنا أمرتهم ما يدخلوش حد غير لما نمشي
- ليه؟
- علشان تبقي معايا أنا وبس
- مجنون
قالتها بصوت خفيض لكنه وصل إلي مسامع فارس فهتف مازحاً
- حوشي اللي وقع منك
- إيه اللي وقع؟
- عقلك، بتقولي مجنون، أمال أنتي إيه؟
خجلت ميسون بشدة وخبأت عينيها عنه كعادتها فابتسم على خجلها
- يلا أحكيلي كل حاجة عنك على ما يجهزوا الفطار
- لا أحكيلي أنت الأول
- بس أنا اللي قولت الأول
- وأنا بأمرك تحكي
- أخدتي عليا بزيادة
- معلش استحمل شوية، كلها كام يوم وأمشي وترتاح مني
تغيرت ملامح فارس حينما سمع كلماتها فلاحظت ميسون ذلك لكنها تجاهلت غضبه واستطردت قائلة
- يلا أحكيلي بليز بليز بليز
- بس بس بطلي زن، أنا فارس الكافي وريث عائلة الكافي وعندي ٣٢ سنة، مش متجوز ولسه قايلك أني مهندس، مز وبتاع بنات على فكرة
رمقته ميسون بنظرة غيظ تجاهلها فارس وأكمل حديثه
- حبيت مرة واحدة في حياتي بس ماتت وقبل ما تموت حبت واحد غيري
قاطعته قائلة بحدة : ليها حق
- ههههههههه أنتي مصيبة
- أنا بتكلم بجد ليها حق تسيبك وتحب واحد غيرك لأن مفيش واحدة تقبل تعيش مع شيطان
- ماشي هعدي الكلمتين دول بمزاجي
شرعت ميسون أن تجيبه لكن قاطعها النادل حينما وضع الأطباق أمامها، وبمجرد أن غادر، نظر المشاكس إليها وهتف
- يلا دورك احكي
- اسمي ميسون عندي ٢٢ سنة في كلية آداب قسم فرنساوي، محبتش قبل كده خالص بس ليا معجبين طبعا و
قاطعها فارس قائلاً بغضب: معجبين مين أن شاء الله؟
تجاهلته ميسون وأكملت حديثها لكنه قاطعها مرة أخرى وكرر سؤاله بطريقة أكثر حدة
- موضوع ما يخصكش، أنا ما سألتكش حبيت مين؟
- حبيت يارا بنت عمي يلا دورك
- شادي أخو شريف جوز أختي ومراد صاحب شادي، بس أنا بعمل نفسي مش واخدة بالي وبطنشهم
- وجايه علي نفسك كده ليه ما تجيبي باقي العائلة الكريمة
- لا كده كويس
قالتها ثم بدأت في تناول الطعام لتتفادى النظرات النارية التي يرمقها بها ذلك الغاضب الجالس أمامها
*********************
بعد عدة ساعات من الثرثرة غادرت ميسون المكان برفقة فارس وعادت إلى الفيلا
- أنا هروح الشركة ومش هتأخر
- براحتك أنا هطلع أذاكر باي
همت ميسون أن تصعد الدرج، لكن أوقفها فارس حينما قبض يده على يدها ورفعها إلى شفاه ثم طبع على باطنها قبلة حانية فخجلت وحررت يدها ثم صعدت الدرج مُسرعة فكادت تسقط أكثر من مرة
- ههههههه أمال لو دوقت شفايفك هتعملي ايه؟
قالها فارس ثم غادر الفيلا بينما دلفت ميسون إلى غرفتها وألقت بجسدها على الفراش واضعة يدها على قلبها لتستشعر دقاته
****************
بعد عدة ساعات عاد الشيطان العاشق إلى الفيلا فوجد الجميلة تتلوا آيات من القرآن فجلس أمامها واضعاً قدما فوق الأخرى واصطنع الانشغال بهاتفه...... اختلس النظر إليها بين تارة وأخرى لكنه سرعان ما انتبه إلى صوت رنين هاتفها فالتقطه واشتعل غضباً حينما رأى اسم المتصل "شادي" و ما أن رفع عيناه عن الهاتف وجد ميسون تقف أمامه
- نعم، عايزة ايه؟
- عايزة تليفوني
- بيتصل بيكي ليه؟
- لما أرد هعرف
جذبت ميسون الهاتف من يده ثم عاودت الاتصال بشادي، فأجابها قائلاً
- السلام عليكم
- وعليكم السلام، أزيك يا شادي؟
- الحمد لله، أنتي أخبارك إيه؟
- كويسه الحمد لله وهرجع البيت بعد يومين
ظهرت معالم الغضب على وجه فارس بعد أن التهمت الغيرة قلبه فاقترب منه رفعت وهتف
- فارس باشا في عندك معاد مع
قاطعه قائلاً : الغي كل الزفت المواعيد
قالها فارس بحدة ثم غادر الفيلا صافعاً الباب خلفه بعنف فانتفض جسد ميسون وما أن أنهت المكالمة، اقتربت من رفعت
- هو في ايه؟!
- شكل التليفون اللي جالك عصبه شوية
*************************
في ذات اللحظة كان فارس يقود سيارته بسرعة جنونية ويتحدث مع نفسه
- الزفت ده بيتصل بيها ليه، لا وبتقوله هترجع بعد يومين وحشها الحيوان، بس ده في أحلامها مش هسيبها تبعد عن عيني لحظة ولو حكمت أخرجها بره البلد هخرجها
قال فارس كلماته ثم وجد نورا ساطعاً مسلطاً في عينيه ينذر باقتراب سيارة أخرى فأدار المقود بسرعة ليتفادى السيارة فانحرفت سيارته عن الطريق واصطدمت جبهته بالمقود حينما أوقفها.... لكنه أهمل جرحه وأعاد تشغيل السيارة وعاد إلي الجنية التي سرقت عقله وسيطرت على نبضات قلبه.... وبمجرد أن رآها جالسة على الأرجوحة الموضوعة إلى جوار المسبح بحديقة الفيلا ذهب إليها والغضب يملأ قلبه ويسيطر على قسمات وجهه، ولكن بمجرد ان اقترب منها ورأته بتلك الحالة، انتفضت عن الأرجوحة واقتربت منه وأخذت تطالع جرحه فتسارعت دقات قلبها خوفاً
- إيه اللي حصل يا فارس؟
انطلق اسمه من بين شفتيها بنبرة حانية تحمل قلق على جرحه فشعر فارس بحنان لم يتذوقه من قبل
- فارس أنت كويس؟!!
لم يجيبها لكنه اقترب منها واقتطف قبلته الأولى من شفتيها فحاولت تحرير جسدها لكنها لم تستطع.... انهال على شفتيها بالعديد والعديد من القبلات وأغرقتهما زخات المطر لكنه لم يهتم واستمر في تقبيلها محاوطاً جسدها بيديه وما أن شعر بارتعاش جسدها بين يديه، ابتعد عنها و تفاجأ بسيل من الدموع يغطي عينيها فشعر بألم يسري داخل قلبه لأنه سبب لها تلك الدموع
- أنا أسف
قالها الشيطان للمرة الأولى في حياته لكن الباكية لم تهتم لذلك وركضت من أمامه لتكمل بكائها في تلك الغرفة اللعينة بينما ألقى فارس بجسده في المسبح ليطفأ نيران قلبه التي أشعلتها دموع طفلته..... ومع الساعات الأولى للصباح داعبت الشمس عينيَّ الشيطان فاستيقظ من نومه بعد أن قضى ليلته على الأرجوحة، وما أن فتح عينيه سمع صوت ميسون تتشاجر مع أفراد الحراسة فذهب إليها
- لو ما سبتنيش أخرج حالاً مش هيحصل كويس
- ممنوع يا آنسة و دي أوامر فارس باشا
- طظ فيك وفي الباشا بتاعك
ما أن قالت كلماتها، قبض فارس يده على معصمها ثم أدراها إليه، وقبل أن تتفوه بكلمة واحدة حملها وأتجه صوب الفيلا ولم يعير صرخاتها أي اهتمام
- نزلني، يا أستاذ رفعت ألحقني
لم يستطع رفعت أن يحررها من هذا الشيطان فأكمل فارس طريقه وصعد بها إلى غرفته الخاصة وأغلق الباب بقدمه ثم وضعها برفق على الفراش وعاد ليغلق باب الغرفة بالمفتاح فتسارعت نبضات قلبها خوفاً
- لو قربت مني هرمي نفسي من البلكونة
- ممكن تهدي شوية
- افتح الباب و سيبني أمشي، أنا مش عايزة أشوف وشك
قالتها بغضب فبادلها بهدوء ونظر في عينيها قائلاً بحنان
- طلعي كل اللي جواكي
- أنت شيطان هو ده اللي جوايا
-عارف
- وبارد ورخم ومغرور
- برضو عارف
ازداد غضب الجميلة فهتفت بحدة وصوت عال
- أنا همشي من هنا ومش عايزة أشوف وشك تاني
- مفيش خروج من هنا
- هكلم شادي يخرجني من هنا
اشتغل فارس غضباً وفي أقل من ثانية اقترب منها فتركت الفراش وتراجعت للخلف حتى اصطدم ظهرها بالحائط، فأسرها بينه وبين الحائط
- ما اسمعش اسم راجل يخرج من شفايفك غير اسمي وبس
- ابعد عني يا حيوان
- أنتي ما تعرفيش أنا ممكن أعمل إيه علشان كده اسمعي كلامي أحسنلك وخروج من هنا مفيش
شعرت ميسون بالضعف في تلك اللحظة وانهمرت دموعها بغزارة على وجنتيها فابتعد عنها قليلاً وأزال دموعها بكلتا يديه
- سيبني أمشي أرجوك
- مقدرش أعيش من غيرك، غيرتيني في يومين
قالها فارس في نفسه ثم تستمر في أزاله دموعها قائلاً بحنان
- اششششش خلاص أنا أسف، مكنش قصدي أزعلك وصدقيني مش هلمسك تاني أبداً بس خليكي هنا
- بس أنا عايزة أمشي
- طيب علشان خاطري خليكي هنا لحد ما أختك ترجع ووعد مني مش هقرب منك تاني، وخليكي هنا
قالها فارس وهو يضع يدها على قلبه فجحظت عينيها وتوردت وجنتيها خجلاً فابتسم لها وأردف قائلاً
- هتفضلي هنا ماشي؟
شرعت الجميلة أن تجيبه، لكن قاطعها صوت طرق على باب الغرفة، فزفر فارس بضيق وتحدث بحدة
- مين؟
- أنا يا باشا
- عايز ايه؟
- مدام صوفيا وصلت
ما أن قال رفعت كلماته وجه فارس نظراته إلى جميلته فرأى شرار يتطاير من عينيها
- بتبصيلي كده ليه؟
- مش هتنزل ترحب بالضيف قصدي الضيفة
- لو مش عايزاني أنزل هخليهم يمشوها
لا أنزل طبعاً وأنا هنزل معاك
قالتها ميسون بطريقة ساخرة ثم تخطت فارس وغادرت الغرفة فركض خلفها ليلحق العرض الأول من مشهد جنون الغيرة
***************
هبطت ميسون الدرج وتفاجأت بتلك الشقراء التي ترتدي ثياب تظهر من جسدها أكثر مما تستر فاشتعل البركان بقلب الجميلة
- روحي ناديلي فارس وقوليله أني هون
- وأنا أروح اندهله ليه أن شاء الله؟؟
- مو أنتي الخادمة لچديدة
شرعت ميسون أن تفتك به، لكن قاطعها فارس حينما هتف
- ميسون ضيفة عندي
- والله فكرتا خادمة
- لا يا حبيبتي أنا أنتاج بلدي، الخدامات بنجيبهم من بره زيك كده
قالتها ميسون ببرود تام فكتم فارس ضحكته بصعوبة بينما تبادلت الجميلة مع صوفيا نظرات نارية تحرق كل ما يقابلها
- ميسون عايزك في كلمتين فوق
شرعت ميسون أن تجيبه لكن قاطعها صوت صوفيا حينما هتفت
- شو فارس ما رح تسلم علي، شو ما أشتقتلي؟!
لم يجيبها فارس لكنه انتقل بنظراته إلى ميسون فرأى نيران الغيرة تشتعل داخل عينيها
- شو فارس ما أشتقتلها؟
قالتها ميسون بطريقة تمثلية فانفجر فارس ضاحكاً، فاقتربت منه الشقراء وأخذت تلامس جسده بوقاحة لتثبت ملكيتها له فضربت ميسون قدمها بالأرض كالأطفال وصعدت الدرج فابتسمت صوفيا وهتفت
- شو بها هاي؟
- ميسون ضيفة عندي فياريت ملكيش دعوة بيها
- والله؟!
- أستني هنا ثواني وهرجعلك
هم فارس أن يذهب إلى جميلته الغاضبة، لكن منعته صوفيا حينما طبعت قبلة على شفتيه فرأتهم ميسون من أعلى الدرج
- قلة أدب
قالتها الغاضبة بأعلى طبقات صوتها فابتعد فارس عن الشقراء وصعد الدرج مُسرعاً ثم دلف إلى غرفة طفلته
- ميسون أنا
قاطعته قائلة بحدة : اطلع بره
- أنتي يا مجنونة اسمعيني
- استغفر الله العظيم بص أنا على أخري سيبني أروح أتوضى وأصلي قبل ما تشوف الجنان اللي على حق ربنا
قالت ميسون كلماتها بحدة ثم دلفت إلى الحمام صافعة الباب خلفها بعنف فقهقه فارس ثم استرد أنفاسه وتوجه صوب الحمام وطرق بابه عدة مرات فلم تجيبه، لكنه لم يستسلم واستمر في مشاكسته لها حتى خرجت فهتف بجدية مصطنعة
- و بعدين؟
- لا بعدين و لا قابلين أنا هصلي وراجعة بيتي وأبقى اقعد مع الكتكوتة براحتك
- بس أنا مش عايز اقعد معاها
- ما هو واضح علشان كده
توقفت ميسون عن إكمال كلماتها وعضت على شفاها السفلى من شدة خجلها
- ممكن تبصيلي؟
- لا مش ممكن
- طيب علشان خاطري بصيلي
وجهت ميسون نظراتها إلى عينيه فرأت داخلهما دفء لم تشعر به من قبل.... فاتسعت ابتسامتها وبادلها فارس بابتسامة عاشق
- أنا هخليها تمشي موافقة؟
- موافقة
- يعني خلاص مش زعلانة؟
- مش زعلانة وهنزل معاك كمان
أنت تقرأ
استسلام فارس - منى سليمان (الجزء الثالث لسلسلة نهاية وعد)
Romantikيقولون لكل شيطان قلب لا ينبض، لكن أيعقل أن يأتي ملاك ليحيي قلب شيطان؟ رواية استسلام فارس - الجزء الثالث لسلسلة نهاية وعد بقلمي منى سليمان ممنوع النقل أو الاقتباس، الرواية مسجلة بالملكية الفكرية التابعة لوزارة الثقافة المصرية دائرة حقوق المؤلف...