استسلام فارس - الفصل الثامن - بقلمي منى سليمان

18K 361 10
                                    

استسلام فارس

الفصل الثامن - بقلمي منى سليمان

* راحة قلب *

في صباح اليوم التالي استيقظ فارس و هو يشعر بالسعادة تسري في قلبه فها هي طفلته لازالت تغفو بين أحضانه... تأمل ملامح وجهها الطفولي بعشق و تمني أن تبقي إلى جواره لأخر العمر... أخذ يداعب خصلات شعرها بيده علها تفيق و تفتح عينيها فقد اشتاق لانعكاس صورته داخلهما لكنها لم تستجيب لمحاولاته .. اقترب منها وطبع قبلة حانية على وجنتها ثم تركها و دلف إلى الحمام ليتوضأ ويصلي فرضه وما أن سمعت الجميلة صوت إغلاق باب الحمام فتحت عينيها وتنهدت بعشق

- بحبه أوي

قالتها ثم رقدت على ظهرها ونظرت إلى أعلى ... شردت في الشيطان التائب وهي تداعب خصلات شعرها بيدها، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى انتبهت لصوت باب الحمام يُفتح فأغمضت عينيها واصطنعت النوم علها تشاكسه قليلاً.. صلى فارس فرضه ثم ترك الغرفة وتوجه إلى المطبخ للمرة الأولى في حياته ليعد طعام الإفطار لطفلته فقد أراد أن يدللها، أحضر بيض ثم وضع المقلاة على الشعلة وأخذ يجوب المكان بحثا عن الزبد لكنه لم يجده... لم يستسلم وبحث في كل مكان إلى أن وجدها وبالفعل صنع بيض في اعتقاده أنه لا مثيل له... أحضر حبات الفراولة ليصنع العصير الذي تعشقه طفلته ..... وضع الفراولة داخل الخلاط ثم وضع قليل من المياه وأضاف السكر .. ضغط زر التشغيل وبعد دقيقة واحدة ضغط مرة أخرى ليوقفه وما أن فتح الغطاء  ليتذوق نكهته، تعثرت قدمه في شيء وكاد يسقط لكنه تمسك في المنضدة وضغط دون قصد على زر التشغيل فانفجر العصير في وجهه... كانت الجميلة تراقبه دون أن يشعر لكنها ما أن رأت زوجها العزيز ملطخ بالعصير انفجرت ضاحكة فانتبه لوجودها...

- اضحكي اضحكي، الحق عليا كنت عايز أعملك العصير اللي بتحبيه
- ههههههههه مش قادره شكلك مسخرة

ما أن تفوهت الجميلة بكلماتها، قرر العاشق مشاكستها.. اقترب منها حاملاً ما تبقى من العصير وسكبه فوق خصلات شعرها فتعالت شهقاتها

- لاااااااا
- ههههههههه مش قادر شكلك مسخرة

اصطنعت ميسون الغضب وهمت أن تبتعد، لكن العاشق أسرع وقبض يده على معصمها ثم أدراها إليه ... قربها إلى صدره فتلاقت أعينهم في نظرة طويلة سحرت روحيهما ... أخذ العاشق يقترب منها عله يقتطف قبلته الصباحية لكنها ارتبكت بشدة وحاولت تحرير جسدها

- فارس ممكن تبعد شوية وتبطل قلة أدب

قالتها بصوت نرتعش يحمل الخجل والارتباك بين طياته فابتسم وقرر مشاكستها قائلاً

- أنا قليل الأدب؟!!
- اه
- طيب أنا هسيبك بس علشان أثبتلك أني مش قليل الأدب

حرر جسدها فركضت مبتعدة فابتسم مرة أخرى على فعلتها
***************
صعدت ميسون إلى الغرفة ودلفت مُسرعة إلى الحمام ثم وضعت يدها على قلبها لتستشعر دقاته..... وابتسمت كلما تذكرت اقترابه ورغبته في تقبيلها، وبعد مرور عدة دقائق عادت وجلست برفقته لتتناول طعام الإفطار

- دي أول مرة في حياتي أدخل المطبخ بس لعيونك أعمل المستحيل

قالها فارس ثم غمز لها بمشاكسة فرفعت ميسون أحد حاجبيها وقررت مشاكسته هي الأخرى

- طيب هدوق و أبقى أقولك رأيي مع أن الشكل غريب وعجيب
- ها ها ها ظريفة

اتسعت ابتسامة ميسون فبادلها العاشق بابتسامته الساحرة

- ابتسامتك دي هتخليني أكل حاجة تانية غير البيض

ما أن وصلت كلماته الوقحة إلى مسامعها، خبأت عينيها عنه وتذوقت البيض لكنها اندهشت لجودة الطعم

- ها إيه رأيك؟
- بصراحة طعمه حلو
- علشان عملته بحب مفيش مكافأة لجوزك الغلبان
- لا

قالتها بحدة وصوت عال فجاهد فارس أن يكتم ضحكته، لكنه لم يستطع فأنفجر ضاحكاً وشاركته الضحك... وما أن استردت أنفاسها هتفت متسائلة

- هو أنت ليه أديت لكل اللي في الفيلا أجازة  ؟!!
- النهاردة عايزك معايا أنا و بس، مش عايز حد يشوف عيونك غيري، أمبارح كنت غيران عليكي من كل عين شافتك في الفرح
- بس أمبارح عيوني ما شافوش غيرك أنت

ترك فارس مقعده وثنى ركبيته ثم جلس أمام طفلته وأمسك يديها بين كفيه وطبع على كل يد قبلة فخجلت بشدة
-  أنا أنا انا

قاطعها فارس قائلاً : أنتي إيه يا عمري؟!

-  أنا هروح أشوف رعد

ابتعدت عنه وذهبت إلى منقذها الوحيد وظلت برفقته ساعة كاملة فاشتعل فارس غيظاً

- إيه يا عم رعد هي عروستي ولا عروستك، شايفك واخد راحتك على الأخر وأنا أولع عادي
- ههههههه بعد الشر عليك

- طيب ممكن تعتبريني رعد و تدلعيني شوية
-  أنت

قاطعها المشاكس قائلاً : عارف قليل الأدب بس بحبك

- وأنا كمان بحبك

حملها فارس ووضعها برفق على الأرجوحة وقضى معاها ساعتين من السعادة و الثرثرة
- إيه رأيك نتغدى بره؟
- موافقة طبعا
-  طيب يلا نغير هدومنا

صعدت ميسون برفقة فارس إلى غرفتهم الخاصة، وما أن شعر فارس بارتباكها، اقترب منها وتحدث بحنان

-هدخل أغير في الحمام



طبع قبلة على مقدمة رأسها ثم ابتعد عنها ودلف إلى الحمام، فهتفت ميسون برقة

- يارب يفضل طيب كده على طول
*****************
أبدلت ميسون ثيابها و استعدت لمغادرة الغرفة قبل أن يعود المشاكس، لكنها توقفت حينما سمعت صوت رنين هاتفه فأخذها الفضول لتعرف اسم المتصل واشتعلت غضباً حينما وجدت اسم "صوفيا"

- مين يا عمري؟
قالها فارس بهدوء فبادلته الجميلة بحدة قائلة: لا اركن أنت شوية وما أسمعش صوتك

ضغطت ميسون زر الهاتف لتتلقى المكالمة فتحدثت صوفيا اعتقاداً منها أنه فارس

- صباحية مباركة يا عريس، مو هيك بتقولوها

جزت ميسون على أسنانها ولم تجيبها ولو بكلمة فأردفت صوفيا قائلة
- شو ما رح ترد؟؟ غنچتك متل ما كنت غنچك ولا لا أستاذ فارس؟؟

انتظرت صوفيا أن يجيبها فارس ولكن ذلك لم يحدث فأكملت حديثها

- طالما ما عم ترد يبقي هالحرباية حدك

ما أن تفوهت صوفيا بكلمتها الأخيرة، اشتعلت النيران بقلب ميسون فاجابتها بحدة وصوت عال
- أنا حرباية يا أم أربعة وأربعين، والله لو قدامي لكنت قطعتك بسناني ولعلمك أنا دلعته على الأخر ما هو جوزي وحبيبي، أطلعي أنتي منها وروحي شوفيلك واحد فاضي أتسلي عليه علشان فارس ده ملكي ولو قربتي منه هقتلك، وقحة

أنهت ميسون المكالمة ثم رمقت فارس بنظرة نارية فكتم ضحكته بصعوبة حتى لا يغضبها

- يلا بينا يا قمر

مضت الجميلة دون أن تنتظر فارس، فتنهد بضجر ثم لحق بها وحاول الإمساك بيدها، لكنها نفضت يده وابتعدت، فلحق بها مرة أخرى وقبض يده على معصمها ثم أدارها لتصطدم بصدره

- زعلانه ليه؟
- مش زعلانه

قالتها بحدة محملة بالغضب فابتسم لها ثم هبط بشفتيه لتتقابل بشفتيها ليشعرها بالعشق الذي سكن جدار قلبه، فخجلت بشدة وابتعدت عنه قائلة بارتباك

- يلا يلا بينا

ركضت الجميلة من أمامه، فابتسم على فعلتها ثم مرر يده بين خصلات شعره ولحق بها وهو يشعر بالسعادة تسري داخل أوردته
**********************
في ذات اللحظة كانت صوفيا تجوب غرفتها ذهاباً وإياباً وهي في قمة غضبها

- والله لرچعك إلي ولو شو ما صار

قالتها ثم أحضرت هاتفها، وأجرت اتصالاً هاتفياً، فأجابها فادي قائلاً

- صوفيا خانم، شو جابنا عابالك؟

- اسمعني فادي، مو وقت مزح هاللا، بدي إياك تسمعني منيح

قصت صوفيا على فادي ما يدور برأسها، فأتسع فاه من هول ما سمع، وتحدث قائلاً

- أنتِ چنيتي عالأخير، هاي فارس الكافي وما حدان بيقدر يوقف بوچه
- رح تساعدني ولا لا؟

قالتها بحدة فتنهد فادي ثم لوى شفتيه بضجر وأجابها بالموافقة، فاتسعت ابتسامتها واستطردت قائلة

- تقبر قلبي أنشالله، لكان رح ننفذ بأقرب وقت، باي فادي

أنهت صوفيا المكالمة وهي في قمة سعادتها، ثم أراحت جسدها ولمعت انتصار تظهر داخل عينيها

- رح ساوي اللي برأسي
***************
في ذات اللحظة عاد جاسر إلى المنزل حاملاً باقة من الزهور التي تعشقها طفلته، لكنه تفاجأ برؤيتها تغفو على الفراش، فاقترب منها وجلس إلى جوارها

- سلمي حبيبي أنتي تعبانه

تململت الجميلة في فراشها وآخذت تفرك عينتيها بظاهر يدها كالأطفال فابتسم جاسر على فعلتها ثم ابتسم لها قائلاً

- نايمه لحد دلوقتي ليه؟

لم تجيبه لكنها اعتدلت في جلستها واقتربت منه طابعة قبلتها المعتادة على وجنته فابتسم مرة أخرى ثم هتف مشاكسا

- ما تزود الرشوة شوية يا سيادة اللواء
- بطل قلة أدب
- تعبانه يا قلبي؟
- لا ابداً بس زي متقول بعد اللي حصل إمبارح أطمنت

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامع جاسر، ضيق بين حاجبيه وعبس بشدة فأردفت قائلة

- أنت زعلت؟!!
- طبعاً
- ليه بس؟!!
- علشان مش حاسة بالأمان معايا يا سلمى

قالها جاسر بنبرة صوت تحمل الغضب فاقتربت منه وخبأت جسدها في صدره فحاوطها بكلتا يديه ليشعرها بالدفء والحنان

- طول ما أنتي في حضني ما تخافيش، وبعدين فارس كابوس وانتهى ومش بعيد نبقى أصحاب

ابتعدت سلمى عنه ثم رفعت أحد حاجبيها قائلة بحدة

- عايز تصاحبه علشان تستعيد أمجادك يا سي جاسر


ابتسم جاسر حينما استشعر غيرة طفلته، لكنه سرعان ما خبأ تلك الابتسامة وهتف بصوت رجولي

- بت أنتي لسانك طويل النهارده وشكلك كده عايزه تتعاقبي

لم تعيره أي اهتمام وأدارت وجهها عنه، فوضع يده أسفل ذقنها وأداره إليه مرة أخرى ثم هتف بحنان وصوت دافئ مغلف بالعشق

- أنا بحبك أنتي والنونو اللي جاي وبس
- بجد يا جاسر؟
- بجد يا عيون جاسر
كان حوار جاسر وسلمى خليط من العشق والجنون وقليل من الغيرة، بينما كان حوار فارس وميسون ضرب من الجنون الذي أشعلته الغيرة.. صف فارس سيارته أمام مطعمه الخاص ثم ترجل منها ثم توجه صوب الجميلة ليفتح بابها، لكنها سبقته ونزلت من السيارة ودلفت إلى الداخل دون أن تعيره أي اهتمام فضرب أحد كفيه بالأخر
- ابن الكافي بيتربى

قالها ثم لحق بها وجلس على المقعد المقابل لها ثم ضيق بين حاجبيه واصطنع الغضب

- وبعدين هتفضلي كده كتير، من ساعة ما خرجنا من الفيلا ما أتكلمتيش ولا كلمة
- ومش هتكلم معاك يا بتاع صوفيا

كتم فارس ابتسامته بصعوبة حتى لا يزيد غضبها، لكنه قرر مشاكستها قائلاً

- مين صوفيا دي؟

ما أن وصلت حروف أسم تلك الشقراء إلى مسامع الجميلة، اشتعلت نيران الغيرة داخل قلبها وتطاير الشرار من عينيها، وكادت تتحدث لكن سبقها فارس واستطرد قائلاً

- أنا بحبك أنتي واختارتك أنتي وأتجوزتك أنتي وعايز أطفال منك أنتي

تبدل حال ميسون من العبس إلى السعادة فغمز لها وهتف

- تحبي تاكلي إيه؟
********************
في مساء ذلك اليوم استعد فارس للسفر إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة، ولكن قبل أن يغادر دلف إلى حجرة مكتبه وأجرى اتصالاً هاتفياً فأجابه جاسر قائلاً

- إيه فكرك بيا يا عريس؟!!

ارتسمت ابتسامة على جانب ثغر فارس ثم استرد أنفاسه وهتف بهدوء لم يعتاد عليه
- أنا مسافر أعمل عمرة وكنت عايز أتاكد إنك سامحتني
- أنا مسامحك، تروح وترجع بالسلامة واعمل حسابك ليك عزومة عندي لما ترجع
- أنا متشكر أوي واتمنى نبقى أصدقاء
- أكيد ولما ترجع هعرفك على عمرو ومحمود وتبقى أخونا الرابع

شعر فارس براحة قلب لم يختبرها من قبل... وبعد عدة دقائق أنهى المكالمة ثم غادر الفيلا برفقة طفلته التي ساعدته على التغير
*******************
في صباح اليوم التالي ذهب فارس برفقة زوجته إلى الحرم وشعر بنقاء يسري داخل أوردته وشعر أيضا أنه وُلد من جديد... وبعد مرور عدة ساعات نظر إلى طفلته وهتف بحنان

- يلا يا عمري علشان أروحك
- وأنت هتروح فين؟

- أنا هرجع هنا علشان عايز  أختم المصحف كله النهارده، يلا يا قمري

ارتسمت ابتسامة ساحرة على ثغر الجميلة ثم هزت رأسها بالإيجاب ومضت معه
****************
بعد مرور عدة أيام غادر العاشقان الأراضي المقدسة لقضاء شهر عسل... وما أن هبطت الطائرة، توجه فارس مُباشرةً إلى قصر الكافي فأتسع فاه ميسون من فخامة التصميم بينما ابتسم فارس وهتف

- كل ما تشوفي حاجة من تصميمي تبهري ههههه
- كداب مش أنت

ما أن وصلت كلماتها إلى مسامعه، رفع أحد حاجبيه ثم أخذ يقترب منها فخجلت بشدة وتراجعت بدورها إلى الخلف قائلة بارتباك

- آ آسفة مكنش قصدي

لم يعيرها أي اهتمام وأكمل اقترابه حتى اصطدم ظهرها بالحائط

- أنا كداب؟
- لا خالص ده أنت حتى لسه راجع من السعودية يا عم الحاج

انفجر فارس ضاحكاً فشاركته الضحك، وبمجرد أن استرد أنفاسه جذبها إلى صدره محاوطاً إياها بكلتا يديه ثم طبع قبلة عميقة على خصلات شعرها

- ربنا يخليكي ليا يا فرحة عمري

*****************
في ذات الوقت كانت صوفيا تجلس في غرفتها وتفكر في تفاصيل خطتها، ولكن قاطعها صوت رنين هاتفها فأجابت بالألمانية قائلة

- مرحبا
- كيف حالك صوفيا؟

- بخير عزيزي، كيف حالك أنتِ؟
- بخير ولكن رأيت أضواء منزل فارس مُشعلة فهاتفتك لأخبرك بعودته
ما أن وصلت كلماتها إلى مسامع صوفيا تراقصت نبضات قلبها فرحاً، ولم تمض سوى دقائق قليلة حتى أنهت المكالمة وهتفت بسعادة

- لازم روح بارك للعرسان

مواعيد نشر الرواية يومياً الساعة ٥ ما عدا الجمعة والاقتباس اليومي الساعة ١٠ مساءاً بيدج روايات منى سليمان











استسلام فارس - منى سليمان (الجزء الثالث لسلسلة نهاية وعد)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن