عِبق الليل

9K 311 18
                                    

تقف في شرفة الفيلا الفارهة بكل هدوء، ممسكة بفنجان قهوة يتصاعد بخارها.

شاردة في ذلك الهدوء والظلام الذي تعشق؛ ما جعلها كل مرة تفسد مصابيح الإنارة بالشارع المحيط بالحديقة الكبيرة فقط لكي لا تعكر استمتاعها بالليل على حد تعبيرها.

كانت تستمتع بتلك الليلة وذهنها شارد تفكر كيف وصلت إلى هنا ،وحصلت على ما يمكن وصفه بالعائلة بسبب ابتسامة و كيف انقلبت حياتها وشخصيتها قبل خمس سنوات ، تعيش الآن في ثراء فاحش وهي ابنة الخمسة وعشرين ربيعا ولكنها تفتقد الكثير.
رغم كل الجوائز و التصنيفات بالمجلات لطالما أحست بالنقص.

صوت من ورائها:"آنستي الهاتف! ."

ذهبت بفتور خلف الخادمة لتستقبل المكالمة لا بد أنه صحفي ما فهم لا ذوق لديهم فيما يتعلق بساعات الإتصال.

~"مرحبا أسيل تتحدث ! "
-•"ألو أسيل كيف حالك؟ "
صُدمت لسماع صوت لم تسمعه من أيام الثانوية لم تتخيل أنه سيقع بأُذنها ثانية ..
~"بخير من يتحدث؟"

-•"أعلم أنك عرفتني فلازلت أتذكر كيف لديك ذاكرة خارقة في ما يتعلق بالأصوات والروائح ."
أجابت بصوتها الهادئ الرزين:~"مر وقت طويل أليس كذلك ؟ ".

-•"لا بد أنك تتسائلين عن سبب إتصالي " سكت للحظة وأكمل" اسمعي يجب أن أراك الموضوع عاجل، سأمر لمنزلك بعد نصف ساعة ."
•"مهلا...."
           أقفل الخط ....

*"من المتصل يا آنسة ؟ ما الأمر تغير وجهك فجأة "!
~"سيصل شخص ما بعد نصف ساعة أدخلوه ونادوني سأكون بغرفتي."

          ————————

يزيد لا يمكن أن يتصل دون سبب.
وبالتأكيد ليس واحدا من الذين اتصلوا بها لعلمهم أنها أصبحت ثرية.
وحتى إن كان ذلك لم انتظر خمس سنوات ليتصل بهدف الطمع ؟.
لم تره منذ سبع سنين .....
ولم تتحدث إليه منذ ستة .

مرت تلك 30 دقيقة كأنها قرن وبالتأكيد لم تُعفى خلالها من تَذكر الماضي .
                                     ******Flashback ******
"لن أقابلها تلك الفتاة بليدة وليست من مستواك أخرجها من بيتي أو سأطردها بنفسي "
فور وقوع هذه الكلمات بأذنيها من الطابق الأول وهي جالسة فوق تلك الأريكة تركت الفنجان الذي كان بيدها وغادرت ذاك المنزل ولم تدخله مجددا.
   *** Flashback end***

صوت طرق على الباب.
-"آنسة أسيل وصل ضيفك."

نزلت بخطوات هادئة ورأسها يعج بالصخب متسائلا عن سبب هذه الزيارة المفاجئة،أبطأت خطواتها لعل شلّال أفكارها يبطئ معها.

وصلت الى صالة الضيوف لتجده هناك جالسا بنفس شموخه وهدوئه المعتاد ونظرته الواثقة المستفِزة، لم يتغير به شيء سوى أنه ازداد وسامة .

نفس بشرته الحنطية و عيونه الزرقاء الحادة، نفس فمه الوردي الممتلئ باعتدال الشيء المختلف هو ما يحيط به ؛ لحية عشوائية بنية كشعره المنسدل قليلا على كتفيه، بإنصاف هو بدا مختلفا ولكن ليس بالنسبة لها.

مرتديا سروالا ضيقا أسود يبرز عمل الرياضة المتقن ، وقميصا أسود وفوق كل هذا سترة جلدية طويلة ولا وحاجة لعبقري ليخمن لون الحذاء وشكله.

وقف عند رؤيته لها، اقتربت منه لتصافحه بكل سمو فقد اكتسبت بروتوكول الطبقة البرجوازية بشكل مخيف.

ابتسمت وأشارت له بالجلوس ، طلبت من الخدم تحضير قهوة له دون أن تسأله فهي لا تزال تتذكر كل شيء.
~قالت بعد أن أخذت مكانها في كرسي مقابل"حسنا ما سبب زيارتك بعد كل هذا الوقت لا بد أنه سبب كافٍ للقدوم بهذا الليل؟."

أجاب دون النظر إليها: "هذا المكان يغطس في الظلام ألم تستطيعي وضع مصابيح بالحديقة أو حولها؟."

~قالت بصوت شبه خافت "هذا ليس موضوعنا". واستمرت بالنظر إليه.

أشار لها بأن تصرف الخدم ،فهمت على الفور وذلك ما كان.

:"استمعي لي جيدا ولا تقاطعيني إلى حين انتهائي٠"
-حركت رأسها بمعنى حسنا-

:"تعلمين كم كنت مهووسا بالأفلام البوليسية وعالم الجريمة "وقف من مكانه وأخذ يتجول بالمكان مكملا كلامه.

"وشاء القدر أنني انضممت إلى منظمة خاصة تابعة للمنظمة الدولية للسلام " تلاقت أعينهم للمرة الأولى وهو يقول: "ولا تغتري بالإسم فهي تمارس أكثر الأعمال وحشية تخطر ببالك،فهي وكر القتلة المأجورين بالعالم يختاروننا من النخبة من الجامعات ويجندوننا على أساس المحافظة على السلام الدولي ولكن ما خفي عكس ذلك ، لا نعرف بعضنا البعض أو مهام كل واحد فللجميع ما يقوم به."

~قالت باستهزاء مُفتعل "قصة خيالية رائعة ، كُنت لتلمع في عالم تأليف الروايات."

قال بابتسامة تكاد لا تلحظ "تظنين أن فكرة موتك خيالية؟"

"ماذا تقصد ؟"

"ما أقصده أن حياتك بخطر وقد تكونين ميتة مع نهاية هذا الأسبوع ولن تحتاجي لتشغيل عقلك الجميل لتربطي بين هذا وبين ما أخبرتك به قبل قليل."

قالت بعد صمتٍ لم يدم طويلا:"لمَ قد تريد المنظمة تصفيتي ؟"

"هذا ما أنا على وشك اكتشافه "

"حسنا ، حسنا لنتفرض أن الجزء الذي يتعلق بأنك قاتل مأجور للحكومة أو لا أدري ماذا صحيح، ألم تقل أنك حتى لا تعرف زملائك العملاء ! كيف عرفت بهذا الأمر إذاً؟ "

أجاب بصوت ثقيل أجش وهو ينظر للخارج من النافذة بزاوية الغرفة موليا ظهره لها :"لأنني العميل الذي أوكلت إليه مهمة قتلك"
   ——————————

سبيل أسيل (متوقفة حاليا)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن