" دماء على قميص بيكي "

104 11 0
                                    




مثلت بيكي أمام قاضٍ في محكمة المدينة العليا ، حيث وجهت اليها جدتها التهم بشأن مقتل الأخت الشقيقة لبيكي خنقاً .. لم تكن تملك بيكي المال الكافي لتستأجر محامياً يُدافع عن برائتها ، و في هذه الأوقات تضع المحكمة محامٍ متطوع لمن لا يستطيعون الدفع .

أشارت محامية الجدة ذات البشرة الداكنة الى بيكي و ووجهت اليها سؤالاً ليكون القشة التي قصمت ظهر البعير ( التقارير تُفيد بأنكِ شُخصتِ بالقلق المرضي ، و قد تعاطيتي الليثوم لمدة لا تتجاوز اليومين .. )
قاطعها محامي الدفاع ( اعترض ! لا علاقة للسؤال بجريمة القتل .. )
يضرب القاضي بالمطرقة ( اعتراض مرفوض )
و تتابع محامية الجدة ( لكن عدم مواصلتك على الدواء جعل العامل النفسي لديكِ مرتفع للقيام بجريمة قتل .. )

كانت بيكي بلا ادراك أو في عالمٍ آخر ، كالكرة تُدار بأقدام الآخرين و لا تملك قراراً او استقرار .


حُكم على بيكي بالسجن حتى سن تصل الى ٢٥ سنة .. و من بعد هذا الحكم اسودّت الدنيا في عينيها و اغلقت الحياة أبوابها وماهي الا لحظات حتى نهضت بيكي من النوم و ملابسها ملطخة بالدماء و سارا تصرخ ..
نظرت بيكي باتجاه الآخرين حيث قاموا بفزع جراء صراخ سارا و نظرت الى تلك المنطقة التي كان يستلقي بها ساولو غارقاً بدمائه .. و المجرفة التي اٌستخدمت للحفر تخترق اضلاعه ، وجهه لا يمكن نسيانه ، عينيه تنظران الى الأعلى و يديه تحيط بالمجرفة و كأنه حاول جاهداً أن يُخرجها من صدره ، فمه مفتوح و كأنه استنجد بالحياة لتهبه القليل من الاكسجين .. قدماه منفرجتان و كأنه ركل الأرض هرباً من الموت بلا جدوى .

المنظر بشع .. و لكنه ساولو ذلك ماجعل المنظر أبشع و أبشع ، تراجعت بيكي الى الخلف و كأن المياة السامة تلحق بها و احتضنت نفسها في قلق و هي تكرر ( أنا قاتلة ).

فوراً توجهت العيون نحوها ، فالدماء تُغطي أجزاءاً منها .. نهضت كريستيل بخوف و هي تمسك بمعصم جاد الذي تسمر ينظر الى جثة ساولو ، أما سارا فأخذت تبكي و هي تحاول ان لا تنظر الى الجثة ..اما أنيتا فقد نهضت مرعوبة دون أن تنبس بحرف و كذلك بوزنوكوف الذي نهض يمسح نظارته بطرف قميصه .

بصعوبة أخرج بوزنوكوف المجرفة من بين أضلاعه مُكرهاً بمساعدة جاد الذي لا زال لم يستطع استيعاب الأمر .

كان الهدوء هو سيد الموقف ، لا حديث ولا مزاح و لا حتى اسئلة مع انها كانت الشيء الوحيد الذي يتردد في عقولهم .. و أخيراً و بعد أن وضعوا جثة ساولو و أغلقوا عليها في الصندوق ، تحدثت أنيتا بصوتها العميق ( لستُ جيدة كفاية في حديث الجنازة ولكن جميعنا نعلم أنه كان جزءاً من حل اللغز ... )
قاطعتها سارا بعينين حمراوين ( ماذا ؟ جزءاً من حل اللغز ؟ هل قتلته ؟؟ )
صمتت أنيتا و نظرت الى سارا نظرةً تخلو من المشاعر و نطق جاد ( يجب أن نجد الفاعل ؟ )
نظرت اليه أنيتا ذات النظرة ثم قالت ( تريد أن تجده لتقتله ؟ ) ثم نظرت الى سارا ( لم أقتل ساولو )

قالت كريستيل بأسىً و يأس شديدين ( ماذا فعلتما لبيكي ؟ )
نظرت أنيتا الى بوزنوكوف بقلق و تابعت كريستيل ( لقد رأيتكما تقتربان منها عندما كنت نائمة .. )
صمتت سارا و نظرت الى أنيتا بحقدٍ دفين ، ثم قال بوزنوكوف ( بعد جلسات استدعاء الذكريات التي فقدتها ، أصبحت لديك حالة في عدم التميز بين ماهو حلم و ماهو حقيقة )
احمرت أذنا كريستيل غضباً (  كلامك ليس الحقيقة المطلقة .. )
قال بوزنوكوف بعد أن نظر اليها ببرود ( المرض يبقى مرضاً و المعتل يبقى معتلاً مالم يتلقى العلاج المناسب )
وقفت بيكي بذات اليأس بجانب بوزنوكوف ( لا حاجة الى لوم أحد أو البحث عن القاتلة ، انها تقف أمامكم )

نظر اليها جاد بدهشة ( لمَ عساك تفعلين هذا ؟ )
تبدلت ملامح بيكي الى الحزن ( أظن انه حاولَ قتلي )
قالت سارا بصوتٍ مرتجف ( لذلك غرستي هذه المجرفة في صدره ؟ )
التفت أنيتا نحو المجرفة ( لماذا لم نفكر بهذا ؟ )
حملت المجرفة و فتحت صندوق ساولو و وضعت المجرفة بقربه ( لنقوم بدفنه و نخرج من هذا المكان النتن )

تم حل اللغز لكن ليس بالطريقة التي يعتقدها الجميع ، ليس بالسعادة التي تجعلهم يتوقون للتوغل خلال لغز آخر يجعلهم يرون قدراتهم الحقيقة للتحليل و التذكر .

بيكي في غرفتها مغلقةً الباب و نائمة على سريرها كطفلٍ بريء ، بوزنوكوف يأخذ حماماً دافيء و يسترخي في المياة .. أما أنيتا فقد خلعت ملابسها و أخذت تُدخن السجائر و تُطفئها على فخذها الممتليء بندوب مشابهة ، كريستيل و جاد و سارا في ردهة الجلوس يتبادلون أطراف الحديث و كأنه عزائهم الوحيد .

( ليس كأننا امضينا مدةً طويلة سوية لكن لقد عايشنا الكثير معاً ) قالت سارا ذلك بحزن .
هز جاد رأسه بملامح حزينة ، اضافت كريستيل ( رؤيته بذلك الشكل .. .. لا أعلم انه مؤذي ، أشعر أن الآخرون يراقبوننا كنتاج لما تصنع أيدي اولئك الذي يعتلون رؤوسنا )
قال جاد و كأن فكرة خطرت له للتو ( كان ساولو يحمل سلاحاً ، و بنيته الجسديةقوية ، كيف يمكن لبيكي أن ترديه ارضاً و تخترق اضلاعه بالمجرفة ؟ )
نظرت اليه سارا ( بوزنوكوف و أنيتا ساعداها ؟ )
هز جاد رأسه ايجاباً ( لا أعلم لكن بطريقةٍ ما استطاعوا جعل الأمر كله على عاتق بيكي  ؟ )

بينما هما يتبادلان النظريات حول الفاعل كانت تغرق كريستيل في ذكرياتها ، لماذا طلبت منها بيكي النجدة ؟ تعلم أنه حلم لكنها تعتقد أن اللاوعي التقط صوتاً لبيكي جعلها تعتقد أنها تطلب النجدة ( لحظة ؟ )
نظرا اليها ثم قالت كريستيل ( الدماء التي على بيكي .. لم تكن دماء ساولو )
قال جاد بتعجب ( مالذي يعنيه هذا ؟ )
نظرت اليهما كريستيل ( بيكي اُصيبت ايضاً )
قالت سارا محاولة فهم الأمر ( تقصدين اُصيبت في محاولة الدفاع عن نفسها ؟ )
هزت كريستيل رأسها نفياً ( من قتل ساولو و اصاب بيكي هو شخص واحد .. أراد أن نعتقد أن بيكي القاتلة دفاعاً عن نفسها ، لكنه في الحقيقة شخص ممتلء بالشر و لطالما كان كذلك .. شخص مستعد للتضحية بأي شيء ليفوز بالجائزة )

Brainحيث تعيش القصص. اكتشف الآن