الجزء -10-

2.7K 74 35
                                    

عادت بها ذاكرتها إلى تلك الأيام الحلوة التي عاشها قلبها بهذا القصر، إلى سهراتها الفتية ....إلى أول سهرة لهما تحت هذه الشجرة و الفرحة التي كانت نابعةً من عينيهما، تصرفاتها الطفولية و تصرفاته الرومنسية ....إلى أربع سنوات مضت .......

كانت تركض حافية القادمين تمسك أطراف فستانها بيديها و تضحك من كل قلبها بينما كان يلاحقها ليمسك بها أخيراً و يحملها بين يديه لاهثا:" ها قد أمسكت بكِ أيتها الشقية ...! ألا تملين اللعب صغيرتي !!"
أخذت فردوس تتخبط بين يديه و تركل بسقيها صارخةً بمرح:
"هههه، لا لا أتركني !..إنه يقوم بإختطَــــافي يا نـــاس !!... أنقذوووووني .....هههههه "
إحتضنها فارس بقوة قائلا:" ههههه ....لا مهرب لكي مني مجنونتي !"
ثم وضعها على السجادة الحريرية المفروشة على العشب بينما لازالت تضحك لتتمرد خصلات من شعرها و تغطي وجهها فأبعدها بلطف لتبرز له وجنتاها الوردتان و تهدأ بلمسة سحرية من أنامله، ثم إقترب من أذنها هامسًا بحنان:
" ماذا فعلتي بي حتى أسرتي قلبي بهذه السرعة !...هل أنت ساحرة ؟!"
زاد خجلها و كادت وجنتاها تنفجر من الإحمرار ليطبع عليهما قبلة لطيفة علها تطفئ لهيب عشقه، لتغمض عينيها و تذهب بها لعالم العشق و الهيام، إستفاقت على صوت عائشة التي كانت تربت على كتفها لتوقظها بدأت بفتح عينيها تدريجيا و العودة للواقع فهاجمتها عائشة بمجرد صحوتها قائلةً:
"أخيراً إستيقظت أميرتنا النائمة !! منذ ريع ساعة و أنا أحاول إيقاظك !....لولا إبتسامتك التي ملئت شفتيك بنومك لظننت أنك إنتقلت إلى الرفيق الأعلى"
تململت فردوس و عدَّلت وسادتها خلف ظهرها لتجيبها بكل حماس:" صباح الخير !"
عائشة:" إهييه أرى أن نزهة البارحة مع فارس أثرت بك بشكل جيد !"
توردت وجنتا فردوس لتجيبها بخجل:" ههه ... صحيح ...لقد كان يوم رائع "
عائشة:" رائع فقط ! ما هذا يا بنت هل ستخفين عني ! هل تخجلين مني لأنني سأصبح أخت زوجك ؟ هل تظنين أنني سأحيك لك المكائد و أفسد العلاقة بينكما مثلما ما يحدث عادةً بين الكِنَّةِ و شقيقة زوجها !!؟"
إتسعت حدقتا فردوس من كلامها و لم تجد ما تقوله لتنفجر عائشة ضاحكةً على منظرها و تنقذها من صدمتها:" هههه، لقد كنت أمزح معك !...هههه لو تري وجهك كيف أصبح محمرًا و عينيك كيف إتسعتا ...ههههه "
تنفست فردوس الصعداء لتجيبها مؤنبةً:" عيب عليك عائشة !! ما هذا المزاح الثقيل عند الصباح !"
ثم رفعت الغطاء و نهضت متجهةً للحمام لتتركها  ضاحكةً على منظرها، عادت بعدها لتغير ثيابها فوجدتها لا زالت تنتظرها بغرفتها،
عائشة:" هيا هيا تعالي و أحكي لي كيف مرت نزهتكم البارحة أنا أتحرق شوقاً"
زفرت فردوس نفسها و ذهبت لتجلس جذوها راضخة لأمرها:" آااه منك و من فضولك عائشة !
...حسنا لقد ذهبنا إلى مكان و لا في الأحلام كان عبارة عن حقل تملئه الأزهار و الأشجار من كل ناحية فرشنا بساطً حريرياً تحت ظلال شجرة كبيرة هناك ثم فاجئني فارس بإحضار سلة مليئة بالأطعمة الشهيَّة كانت قد أعدتها لنا الخالة بسملة، جلسنا و بدأنا بتأمل الطبيعة و شرب عصير الفرولة الذي أعده لي بنفسه، تخيلي حتى عصيري المفضل لم ينساه، ....إلى أن خطرت برأسي فكرة مجنونة كالعادة، نزعت حذائي و بدأت بالركض و الصياح كالمجنونة:" أمسك بي إن إستطعت فارس !"
تفاجأ المسكين من جنوني و نهض مسرعاً:" إلى أين أيتها المجنونة !؟؟"
لم أجبه وواصلت ركضي دون أن ألتفت خلفي فلحق بي و أخذنا نركض كطفلين على العشب إلى أن أمسك بي و أعادني لكنني بمجرد أن إسترجعت أنفاسي أعدت الكرة هههه ..... و هكذا مر يومنا بين كرٍّ و فَرٍ، إلى أن أُنْهكت أجسادنا و بدأنا نتظور جوعا، أكلنا غذائنا ثم غفوت على كتفه دون أن أشعر، أخذنت قيلولة و نهضت لأجده يتأملني، حتى أنه لم يتحرك طول نومي كي لا يزعجني، .... ثم شاهدنا الغروب مع بعضنا ،و لملمنا المكان و عدنا و هذا كل ما حدث ...هل إرتاح فضولك الآن آنسة عائشة !"
عائشة:" آااه يا قلبي ! كيف للحب أن يغير الإنسان كل هذا التغيير ..! و الله لو آتاني شخص بالعام الماضي و قال لي أن أخي فارس سيقوم بكل هذه الأفعال الرومنسية هذه السنة لنعته بالمجنون"
فردوس:" هههه هذا سحري الخاص عزيزتي !"
عائشة:" هههه كيف لم يخطر ببالي هكذا شيء !! نعم !... حتماً قمت بعمل سحر لأخي !!"
ثم أحذت الوسادة و سددتها نحوها لتردها عليها فردوس حتى أصبح الريش يملئ الغرفة فوصل صوت قهقهاتهم أسماع فارس الذي كان ماراً من هناك ليجدها و أخته تترشقان الوسائد و صوت ضحكتاهم يعم المكان، فتح باب الغرفة بهدوء و أخذ يمتع نظره بتأمل فردوس بفستان نومها الوردي و قد إختطلت خصلات شعرها ببعض الريشات لتصبح شعلة من الفتنة تتحرك أمامه فلولا قدوم السيدة بسملة صارخةً بهما لأخذها بين أحضانه و قبَّلها،
بسملة:" ما هذه الفوضى يا فتيات !!... و أنت فارس تشاهدهن هكذا عوض أن تقوم بإقافهن !!؟"
صعقت فردوس لسماع إسم فارس لتسقط الوسادة من يدها بينما إرتمت عائشة على السرير ضاحكةً على منظرها، لاحظ فارس خجلها فذهب إلى عمله دون أن ينبس بكلمة.
وضعت بسملة كلتا يديها على خصرها قائلةً:" هيا قمن بلملمة هذه الفوضى الآن و حالاً !"
دخل نزار عندها حاملا قطعة كعك دون أن ينتبه لحالة الغرفة قائلاً بفم ممتلئ:
"هل إنتهت هذه الكعكة أمي بسملة ! إنها لذيذة جداً"
لتنقض عليه عائشة آخذةً القطعة من يده صارخة:
" أيها الأكووول ! أكلتها كلها ؟!! إنها كعكتي المفضلة !!"
ناظرته بسملة بيأس و خرجت غالقةً الباب خلفها قائلةً:" لا يوجد كعكة أو فطور قبل أن ترتبا الغرفة !!"
نزار:" أهووه ما حرب الدجاج التي حدثت هنا !" ثم إقترب من فردوس التي كانت مطئطةً رأسها ليزيل عن شعرها الريشات العالقة به ليسترسل:" يبدو أنك الضحية بهذه الحرب !"
فردوس:" عائشة من هاجمتني أولاً ....لا ذنب لي !"
عائشة:" ماذا !! هل وقع كل الذنب عليا الآن !!"
نزار:" ههه حسنا حسنا لا تتخاصمان سأقوم بمساعدتكم لننتهي بسرعة و نذهب للبحر كما إتفقنا البارحة فردوس !"
إرتمت فردوس بين أحضانها قافزةً بكل برائة و حماس صارخةً:" يعيييييش نزار !!"
بينما كان نزار مستمتعا و قد إحمر وجهه خجلاً عكسها، فحضنها له تأثير كبير عليه بإعتبار المشاعر التي يكنها لها، إبتعدت عنه بسرعة تراكة إياه هائم في بحر أحضانها، و بدأت تلملم الريش بكل حماس بينما إنتبهت عائشة لحال أخيها الذي ضل شارد يتأمل فردوس دون حراك فهمت ما حل به فصرخت لتوقضه من هيامه:" نزاار ! إذهب و أحضر لنا أكياساً لنضع بها هذا الريش ! هيا بسرعة !!"
زفر نفسه و ذهب و أحضرها بسرعة البرق و إنضم لمساعدتهم بينما كان يسترق النظر إلى فردوس و يحاول في كل فرصة أن يجذب إنتباهها بطرفة ليرى إبتسامتها التي تأخذه إلى عالم آخر، بينما كانت عائشة في كل مرة تحاول إبعاده عنها لأنها تعرف جيدا ما يرمي إليه، إنتهوا من عملهم بسرعة بعدما وضعوا كل الريش بالأكياس و نظفوا الغرفة بالمكنسة الكهربائية لتعود أنظف من ذي قبل، أنزل نزار أكمام قميصه و قال: إنتهينا أخييرًا و الآن هيا غيرن ثيابكن و خذنا فطوركن لنذهب للبحر !"
عائشة:"و من قال لك أنني أريد الذهاب للبحر بهذا الحر،أتريد أن تُحْرَقَ بشرتي بأشعة الشمس القوية !"
فردرس:" لكنني أريد الذهاب !! هيا عائشة فهذا هو الوقت المناسب للسباحة كما أننا سنضع واقً للشمس فلا تخافي على بشرتك الرقيقة عزيزتي !"
نزار:" دعيها فردوس إذا كانت لا تريد الذهاب سنذهب أنا و أنت وحدنا لسنا بحاجة إليها !"
هنا صرخت عائشة دون أن تشعر:" لا لن أدعها تذهب معك وحدكما مستحييل ! فارس لن يعجبه ذلك !!...." إنتبهت حينها لصدمة فردوس من كلامها فأردفت:" أقصد ...لقد غيرت رأيي سآتي، إذهب أنت الآن نزار و نحن سنغير ثيابنا و نلحق بك"
تغيرت ملامح نزار من الحماسة إلى الخيبة بمجرد سماع إسم فارس الذي في كل مرة يذكره بعلاقة الحب التي تربط محبوبته بأخيه، و في كل مرة يتلاشى أمله أكثر، ذهب لغرفته دون أن ينبس بكلمة حتى أنه لم يسمع نداء السيدة بسملة التي كانت تنوي إعطائه قطعة كعك من الذي أعجبه قبل قليل، فإتجهت لغرفة فردوس بالطبق لتسمع حوار الفتاتين عن غير قصد بمأن باب الغرفة كان مفتوحًا بعض الشيء؛
فردوس:" لما صرخت بنزار هكذا ! و ما علاقة فارس بالأمر ألا يثق بأخيه أم بي !؟"
عائشة:" لا أنا لم أقصد شيء من هذا القبيل ...أنا فقط غيرت رأيي لا غير ..."
فردوس:" أصبحت أعرفك جيدًا عائشة أنت تخفين شيء ! أجيبيني بصراحة لما لم تريدي أن أذهب أنا و نزار وحدنا ما العيب في ذلك !؟؟"
همت عندها عائشة بمصراحة فردوس عن مشاعر نزار :
" في الحقيقة فردوس ...نزار ...! " ليقاطع حديثها دخول السيدة بسملة المفاجئ التي ما إن أحست أن عائشة ستفصح لفردوس عن كل شيء دخلت مسرعة لتوقف وقوع الكارثة صارخةً:
" عــــائشة !!...ها قد أحضرت لك من الكعك الذي تحبينه، ...و لم أنسى عصير الفراولة خاصتك أيضاً فردوس، هيا تفضلوا !"
و وضعت الطبق على الطاولة الصغيرة لفردوس و أخذت تنظر لعائشة بنظرات مؤنبة، ثم أردفت:" هذه مكافئتكما على التنظيف المتقن للغرفة أحسنتما !"
فردوس:" أوووه ! أنت رائعة خالة شكرا لك !"
و أخذت قطعة كعك و كأس العصير لتبدأ أكلها بينما أشارت السيدة بسملة لعائشة بعينيها للحاق بها عند خروجها، أخذت عائشة قطعة كعك و أخبرت فردوس أنها ذاهبة لغرفتها لتغيِّير ملابسها، إتجهت هناك لتجد السيدة بسملة تنتظرها و علامات الغضب بادية على وجهها، و ما إن دلفت الغرفة و أقفلت الباب حتى صرخت بها:" ما هذا الذي كنت تنوين فعله عائشة هاااه !؟ أكنت تنوين تشويش أفكار فردوس بفضح مشاعر نزار هكذا بسهولة لتخريب العلاقة بين أخويك !! ألا تستطعين السيطرة على لسانك الطويل هذا أم ماذا !!؟"
عائشة:" أنا آسفة حقا أمي بسملة، لم أكن أنوي القول لفردوس صدقيني لكنها حاصرتني و لم أستطع الكذب أكثر !! أقسم لك أنني لم أخبرها بشيء بعد، فقد لحقتي بي في الوقت المناسب "
بسملة:" حسنا، عديني أنك لن تعيدي فتح هذا الموضوع أبدًا و خاصة أمام فردوس !"
عائشة:" حسنا أعدك أمي "
إقتربت منها و مسحت على شعرها بحنان و خرجت، لتلبس الأخرى ثياب السباحة و فستاناً فوقها واضعة قبعةً على رأسها دون أن تنسى نظَّارتها الشمسية و مرت على فردوس التي تجهزت بنفس الطريقة لتتجهان إلى سيارة نزار نحو البحر.

ثأر الزمن (بقلم أميمة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن