إستفاقت على نبرته الحانية :
" اهلا وسهلا فردوس "
صافحته ساحبة يدها بسرعة البرق بعد تكهربها بمجرد لمس يده مجيبة بصوت واثق :
"أهلا بك فارس"
تركته منبهرا بردها الواثق و جمالها الباهر، أصبحت حقا أكثر جمالا و نضجا، دلفت مع أبيها إلى حديقة القصر بينما تركته وراءها حاملا أمتعتهم مناديا لأمه معلنا قدومهما، لتأتي السيدة منية مستبشرة قائلة:
"يا أهلا و يا مرحبا بعزيزة قلبي فرودس كيف حالك يا بنيتي لما تعمدتي الغياب عنا هذه المرة ؟! أربع سنوات !! لا مكالمات و لا حتى رسائل تخبريننا فيها عن حالك !! لو لا زيارات السيد فرحات النادرة لنا لإنقطعت علاقتنا نهائيا لا قدر الله."
ثم أخذتها بالأحضان و القبل فقاطعهما فارس منبها:
"أححم أمي نحن هنا...! عمي فرحات هنااا أمييي!!!
إنتبهت لوجود السيد فرحات أخيرا فصافحته بحياء معتذرةً:"مرحبا بك سيد فرحات أعذرني فأنا من فرحتي بقدوم فردوس لم أنتبه لك"
-"لا بأس سيدة منية أنا أقدر إشتياقك لفردوس لكن لو لم أكن أنا لما أتت يجب أن تكوني ممتنة لي !"
فالتفت فارس مستفسرا: "كيف !! لولاك لما أتت !!
أكنت لا تنوين حضور الزفاف فردوس !!؟"
قاطعت حوارهم بضحكتها القوية متجاهلةً فارس:
"هههههههههههه........كفاك أبي تعرف أنني كنت آتية لامحالا فهذا زفاف عزيزاي أحمد و آسيل، كيف لا آتي و أفرح لفرحهما الذي إنترظرناه كثيرا "
و ما إن أكملت كلمتها إلى أن إحتضنتها عائشة بقوة " حبييييبتييي فردوس أهلا بقدومك إشتقت إليك كثيرا !!!"
فردوس:"أنا أيضا إشتقت لكم جميعا "
فرح فارس بقولها هذا، فرمقها بإبتسامة راضية إلا أنها لم تكن تعنيه البتة حتى أنها لم تنتبه له وواصلت الإستماع إلى عائشة:
" ما هذا الذي سمعته الآن أتيتي فقط لحضور الزفاف و ماذا عنا هاااااه !! يعني لو لم يكن هناك عرس لما أتيت !!؟ طبعا فهذا زواج أحمد كيف لا تأتين !"
ليقاطعها أحمد و هو يقبل فردوس بحفاوة:
"كفاك غيرة يا بنت ! أكلتِ رأسها بثرثرتك دعيها تأخذ قسطا من الراحة إنها متعبة من السفر"
ثم وجه كلماته بحنية لفردوس: فرحت لقدومك صغيرتي فلو لم تأتي كنت أتيت لإحضارك بنفسي"
فردوس:"ههه كيف لا آتي فهذه فرحة أخي الحبيب"
داعب خدها مبتسما ثم سلم على أبيها و جلسوا جميعا يتبادلون أطراف الحديث ما عدى فارس الذي إتخذ مجلسا مقابلا لفردوس يتفحصها بعينه و يتابع حواراتها مع عائلته ،ضحكاتها،حتى نظراتها ، كان يشعر بالغيرة أحيانا، يضحك لحركاتها الطفولية أحيانا، و يتألم أحيانا أخرى لعدم مبالاتها به؛
يتساءل بينه و بين نفسه( أتراها لم تسامحني لحد الآن أم أنها لم تعد تطيقني أو تطيق حتى النظر في وجهي و التحدث معي؟ إنها و منذ جلوسها لم تعرني إهتماما أبدا، هل تعمدت ذلك أم أني لم أعد أعني لها شيئًا....!! ) قاطعت تسائلاته المربية بسملة معانقة فردوس،
بسملة:"فردوسييي الجميلة غرفتك جاهزة تعالي لترتحي قليلا فتنتظرنا سهرة طويلة"
فردوس:"حقا ماذا هناك الليلة ! أخبرني أبي أن موعد الزفاف آخر الأسبوع و ليس الليلة !؟"
بسملة:"إنها حفلة توديع العزوبية عزيزتي"
فردوس:"آاااه حقا !رااائع جدا، إذن لأذهب للنوم فورا كي أستطيع السهر لاحقا"
دلفت الغرفة و غيرت ثيابها لتلبس جبّة (فستان تقلدي تونسي) زرقاء متوسطة الطول زادتها جمالا ثم جمعت شعرها على شكل ذيل حصان و تمددت لترتاح فإذا بالباب يطرق؛
فردوس:"تفضل".... "آه هذه أنتي خالتي بسملة تفضلي بالدخول"
بسملة:"أحضرت لك كوب من العصير الطازج و شطيرة لا بد أنك لن تستطيعي النوم و أنت جائعة "
فردوس:"شكرا لك خالة حقا أنا جائعة"
بدأت أكلها و كانت الخالة تنتظرها لتحدثها بالموضوع ......بمجرد إنتهائها قالت:
"شكرا خالة إنها ألذ شطيرة في العالم"
"بالصحة و العافية حبيبتي "
ترددت بسملة قليلا في أن تخرج أو تحدثها، أخذت الطبق مغادرة لتتركها ترتاح لكنها لم تتحمل فعادت و جلست قائلة:
"فردوس... عزيزتي... لما غبتي عنا كل هذه المدة ! هل هذا بسبب فارس ؟؟ "
توترت فردوس لكنها تمالكت نفسها لتجيب:
" لا إطلاقا أنا فقط لم أجد الفرصة لزيارتكم تعرفين أن السفر طويل و أنا لا أستطيع قيادة السيارة لكل هذه المسافة، ....وأبي تعرفين أنه مشغول بين العيادة و المشفى فلولا زفاف أحمد لما إستطاع أخذ إجازة"
"كفاك حجج يا بنيتي أنا أعرف جيدا أنكي تمضين كل عطلة صيفية هنا بالفندق، ألم تستطيعي التفرغ و لو ليوم واحدا لزيارتنا ! حدثيني بصراحة ما الذي حدث بينكما ؟ ما الذي فعله فارس حتى جعلك تقطعين علاقتك بنا كليا ألم تكن علاقتكم جيدة ؟ ألم تكونا حبيبين على وشك الخطبة ! ما الذي حدث ؟!!"................
هذا ما كان يمنعها و يخيفها من القدوم ! الرجوع إلى الماضي.... هذا السؤال الذي كان في كل مرة يفتح جرحها و يؤذي قلبها، لم تكن تنوي الاجابة بل أرادت في لحظتها لو تستقل الطائرة و تغادر هذا البلاد فارَّةً إلى بيتها،
.....................فأردفت بسملة:
" أجيبي أرجوك يا إبنتي، إبني فارس لم يقل شيئا سوى أنك لم تريدي هذه العلاقة و أمك ليست موافقة على خطبتك به، أنا أريد سماعك أنت أيضا لا أريد فراقكما هكذا ! أجيبي أرجوك !!"
لم تصدق فردوس ما سمعته أذنها ألهذه الدرجة وصلت به الوقاحة خائن و كذّاب أيضا !! لاااا لم تستطع التحمل يجب أن تدافع عن نفسها كفاها صمتا !!!
فردوس:" أنا حقا لم أكن أريد فتح هذا الموضوع لكن بعد قولك هذا علي الدفاع عن نفسي ! إبنك المصون الذي ربيته تركني دون أي سبب و ذهب لخطبة أخرى !! جعلني أغرق في حبه حد النخاع ثم خانني و جرح قلبي....لم يكن رجل و لم يفي بأي وعد البتة !!....إبنك يا خالة تركني وحيدة ضائعة، لعب بمشاعري و كسر قلبي، ....لقد مطى على كياني و أكمل طريقه ..... أيقضتها دمعة ساخنة نزلت على وجنتها جعلتها تتراجع عن قولها هذا ...... مسحتها بسرعة دون أن تراه الخالة و حدثت نفسها:
(لا فردوس تمالكي نفسكِ، يجب أن تكون أقوى، لقد قررت و إنتهى الأمر ! لن ينفعك في شيء فتح هذا الموضوع الآن سوى أنه سيفتح جرحك و يؤذي قلبك....تمالكي نفسك، كوني قوية، أنت لست فردوس الصغيرة بعد الآن، أنت فردوس الناضجة الواثقة !! )
قامت بسملة من مجلسها و حاذت فردوس ثم لمست كتفها لتوقضها من غفلتها:
" فردوووس !! عزيزتي هل أنت بخير"
"بخير ...بخير ...أنا...أنا فقط متعبة من السفر .. لو سمحت لي أريد النوم قليلا "
" آااه منك يا فردوس آااااه ! تصرين على عدم الإجابة إذن !! حسنا سأدعك ترتاحين الآن لكنني لن أترك هذا الموضوع مبهما، ستقومين بتفسير كل شيء لاحقا "
أومئت لها فردوس برأسها و إبتسمت إبتسامة مصطنعة مخفية بها حزنها الشديد، بادلتها بسملة الإبتسامة و خرجت، و بمجرد خروجها إنهارت وسقط قناعها غرست وجهها بالوسادة و بكت إلى أن وراها التعب و غرقت في نوم عميق .....
أنت تقرأ
ثأر الزمن (بقلم أميمة )
Romanceفقدان عزيز عليه جعل منه شخصا بارد ذو قلب قاسي، و لقائه بها حوّله لعاشق مجنون، لكن صراعه بين ماضيه و حاضره، بين فقيده و حاضنه، و بين حبه و مرضه جعله ينتقم منها، و يشعرها بإحساس الفقدان مثله، فتركها جسد بلا روح، عذراء بلا شرف، وأنثى بلا عاطفة. " لك...