فريدة:" قلبي ليس مطمئناً لهذه الخطبة السريعة فرحات ! و لن أستطيع القبول هكذا ..." ثم إلتفتت لفردوس و مسحت على يدها لتسترسل:" إبنتي الجميلة دعي هذه الأمور جانبا و إهتمي بدراستك مثلما قال شقيقك !"
جذبت يدها بلطف و نهضت بهدوء عكس العاصفة التي كانت داخلها لتجيب:" سأذهب للنوم لقد شبعت، ...صحة و عافية ...تصبحون على خير ..!"
فريدة:" لكنك لم تكملي صحنكِ بعد فردوس !"
دلفت غرفتها دون أن ترد عليها و الدموع تملئ لوزيتيها، جلست على سريرها و أخرجت القلادة من صدرها فنزلت دموعها بمجرد أن فتحت ذلك القلب الفضي تتأمل صورته و تحدثها
(أنا أحبك فارس ....و سأقنع أمي بذلك لا تقلق ....
فلا يمكنني التخلي عنك أبدًا حبيبي ...لا يمكن ..!) غافلة عن والدتها التي لحقت بها لتجدها على تلك الحال، إقتربت منها و الصدمة تعلوا محياها لتهمس:
"لم أكن أتوقع أنكِ واقعة بحبه فردوس !" ثم إشتدت نبرتها لتهتف بها:" كيف حدث كل هذا بمجرد عطلة كيف ؟...كيف سمحوا لأنفسهم أن يلعبوا بعقلك الصغير و يدخلوا هذا الحب إلى قلبك !؟"
تحجرت الدموع بمقلتيها و لم تجد نفسها إلا تخبئ القلادة تحت قميصها و قد نال منها الإرتباك نصيبا فإقتربت منها بعدما تحسست توترها لتمسح وجنتيها مسترسلة بهدوء:" الأمر لا يستحق كل هذا البكاء يا إبنتي ...أنت لا تحبينه صدقيني، إنه مجرد إعجاب فقط ....حسنا أنا أفهمك، لقد كنت مراهقة مثلكِ و أعرف جيدا تفكير المراهقات، ربما أعجبتك هيبته أو وسامته أو طريقة تفكيره و تحمله للمسؤولية ...لكنه ليس حبا صديقيني ! الحب لا يتكون بظرف شهرين، و الحب الحقيقي لن يدق باب قلبك بهذا العمر الصغير !... لا زلت شابة صغيرة و ستأتيك عروض مغرية أكثر للزواج بالسنوات القليلة القادمة، خاصة إن أصبحت طبيبة ناجحة إن شاء الله ...فلما تريدين حرق المراحل بهذه الطريقة فردوس !؟ لما تريدين تشتيت أفكارك الآن عندما وصلتي للمنعطف الحاسم بحياتك الدراسية لما !؟"
نهضت فردوس من حذوها بعدما إستجمعت قوتها لترد عليها بغضب:" أنت لا تفهمنني أبدًا أمي ! ترينني دائما صغيرة في نظرك !...لكنني لم أعد كذلك فلم يتبقى إلا شهر و أصبح بالثامنة عشرة من عمري لذا يمكنكِ إعتباري بالغة راشدة من الآن ! لذلك أنا مسؤولة عن إختياراتي و أعرف جيدا ما يناسبني و قد وجدت فارس أحلامي و لن أئبه لكل العروض المستقبلية ما دمت إخترته ! فهو حاضري و مستقبلي و لن ألتفت لغيره لأن حبنا حقيقي أمي ! فالحب يأتي دون إستأذان و لا يقاس لا بالمدة و لا بالسن !"
مسحت فريدة على كتفيها لتهدئتها وأجابتها بحنان:
" لكنني لن أقبل بعدك عني حبيبتي لما لا تفهمين ! كيف سأترك فلذة كبدي تتجوز ببلد آخر بعد التخرج مباشرة !...حسنا أعرف أنها مسقط رأسنا و أنك لن تعيشي مع غرباء بل مع عائلة عمك رحمه الله، لكنني أم و هذا صعب علي ...لا زلت أذكر كيف كنتي تمسكين يدي عندما أوصلك للمدرسة و الآن تقولين لي خطبة و زواج و تردينني أن أتفهم !"
قبّلت فردوس يدها بعدما تأثرت بكلامها لتجيبها بنبرة هادئة:" لكن هذا اليوم سيأتي عاجلا أم آجلا أمي و سأبتعد عنك بكل الأحوال عندما أتزوج و هذا أمر طبيعي، ....ثم ألم تلاحظي أنك تستبقين الأحداث أمي !؟ أنا لن أتزوج الآن و حتى الخطبة لن تحدث إلا بعد تحصلي على شهادة البكالوريا ! لذا لا داعي لكل هذا القلق السابق لأوانه !"
فريدة:" هذا ما يخيفني ! 'شهادة البكالوريا'!! إنه إمتحان حاسم بحياتك و أخاف أن يؤثر الحب على دراستك، خاصة و أنت بعيدة عن فارس فهذا سيزيد الطين بلة لأنك ستسمرين بالتفكير به و لن تستطعي التركيز بدروسك كما يجب !"
فردوس:" أعدك أنني سأفصل بين دراستي و علاقتي بفارس، لا تقلقي أمي !... فمنذ متى فردوس العابد لا يتصدر إسمها قائمة الأوائل هاااه !؟"
فريدة:"حسنا سأقبل بالوقت الحالي و لكن أريد المرتبة الأولى بالفصل الأول بالمقابل و إلا علاقتك بفارس لن تستمر !... إتفقنا ؟"
كأن إبرة وخزت قلبها بمجرد سماعها للجملة الأخيرة لكنها سرعان ما إستجمعت نفسها لتهتف بثقة:
" إتفقنا أمي ! ..." ثم قبّلت وجنتها لتردف:" و الآن أريد النوم لو سمحتي، تصبحين على خير .."
و إتجهت لسريرها لتستلقي متزعمةً النوم، فإقتربت منها ومسحت على شعرها لتلثم جبينها هامسةً:
"و أنت بألف خير صغيرتي !" ثم أطفئت النور و خرجت غالقة الباب خلفها، عدّلت فردوس جلستها بمجرد خروجها لتنير المصباح الصغير حذوها و أخذت هاتفها للإتصال بفارس صوتاً و صورة، ....بقيا يتسمران لساعات دون أن تخبره عن ما دار بينها و بين والدتها لأنها لم ترد إزعاجه و بث القلق في قلبه، بل تناست الموضوع تماماً و ضلت تحدثه بمواضيع أخرى إلى أن غلبها النعاس و نامت دون أن تقطع الإتصال ظل يتأملها و هي تغط في نوم عميق كطفلة صغيرة، رن هاتفه فجأة لتختفي صورة فردوس و ينقطع الإتصال، لعن لينظر من المتصل هادم اللذات هذا فوجده رقم سارة إستغرب لإتصالها بهذا الوقت فقد كانت الساعة تقارب الواحدة بعد منتصف الليل لم يشأ الرد لكنها عاودت الإتصال مرة أخرى ليرد أخيراً:" آنسة سارة ! هل حدث مكروه ما ؟"
أجابته بدلع:"أليس هناك مساء الخير أولا فارس !... ثم نعم لقد أصابني مكروه، ...إنه الأرق و كله من التفكير بك عزيزي !...فلم أجد سبيلا إلا أن أتصل بك علّني أستطيع النوم بعد سماع صوتك الحنون !"
فارس:" ....أااه أهذا كل ما في الأمر، مجرد أرق ! و الله أقلقتني عليك بإتصالك بهذا الوقت ظننت أن مكروه قد أصابك، خذي أقراصً للنوم و سترتاحين بالتأكيد .....تصبحين على خير !"
سارة:" لن أصبح بخير إلا إذا إلتقينا غدًا عزيزي فارس !"
فارس:" لكننا إلتقينا البارحة بالاجتماع آنسة سارة !"
سارة:" ذلك لقاء عمل، أما أنا فأريده لقاء خاص سأدعوك للغذاء بمطعم جميل جدا و لن أقبل أي إعتراض ..'سيد ..فارس ..غفّار' .." قالت إسمه بنبرة مغرية جعلته يبتلع ريقه من شدة تأثره بها، ...لم يتمالك نفسه إلا بصعوبة ليجبها:" ...حسنا آنسة سارة سأحاول تنظيم جدول أعمالي غدا لألبي دعوتك !"
سارة:" 'سارة' ! وحدها تكفي، لا داعي للرسميات عزيزي فارس ....أو لو أردت أضف عليها 'عزيزتي' ..لتصبح أجمل"
أبعد الهاتف قليلا ليخرج زفيرا حارًا ثم حمحم ليجيب:" نلتقي غدا إذن 'سارة'...تصبحين على خير"
سارة:" و أنت بألف خير عزيزي ..أحلام سعيييدة " أنهت كلامها بقبلة، لتحدث رجفة برجولته أفقدته القدرة على الكلام، مسح صفحة وجهه لينتهد بعمق (ما هذا !!... كتلة من الإغراء !...يبدوا أن هذه الشراكة ستكون صعبة ...يجب أن تتحكم بنفسك يا رجل لا تدع شهوتك تغلب حبك و تنسيك فردوس !... لكن لا بأس بالقليل من المتعة مع الآنسة سارة ...ستكون مجرد تسلية لن تأثر على علاقتي بفردوس ...)
............................
مرت الأيام و الشهور و علاقة فارس بسارة تتطور بالخفاء بينما كان يزيد حبه بقلب فردوس يوم عن يوم، إحتل تفكيرها و أصبحت مكلاماته إدمانها أو بالأحرى أوكسجينها التي تختنق بدونه، كان يتصل بها كل يوم مثل ما وعدها لكن مشاعره كانت تبرد تجهاها شيئا فشيء ....
حان يوم إستلام نتائج الفصل الأول، كانت فردوس جالسة بالقسم تمسك يد زيد و ترتعش من التوتر بينما كانت المُدَرِّسَةُ تسلِّم للطلاب كشوف النقاط، ...
زيد:" إهدئي فيفي لا داعي لكل هذا التوتر ! ستكون نقاطك جيدة و ستحتلين المرتبة الأولى كالمعتاد لا تقلقي !"
فردوس:" لا أظن ذلك زيدون، فأنا لم أبلي بلاء حسنا بالإمتحنات، و لا أظن أن المرتبة الأولى من نصيبي ! لو أخذت الثلاثة سأعتبر نفسي قمت بإنجاز ..."
زيد:" تفائلي خيرا تجيديه فيفي ..." قاطعه صوت المُدَرِّسَة تنادي :"فردوس العابد ...فردوس العابد !"
فردوس:" أنا آتية معلمتي ! .." ذهبت لتستلمه مرتعشة و ما زادها خوفا نظرة المُدَرِّسَة المؤنبة لها و قولها:" نتائجك لم تكن مشرفة فردوس، ...لم أتوقع منك كل هذا التراجع "
أخذت الكشف دون أن تتجرأ على فتحه لتعود لمكانها و قد إمتلئت عيونها دموعا،
زيد:" ما الذي حدث فردوس ! كأنكِ على وشك البكاء ؟ ما الذي قالته لكي المعلمة !"
جلست تمسك الكشف بيدين مرتعشتين و أجابته بنبرة باكية:" قالت أنني تراجعت كثيرا ...أنا لن أستطيع فتحه زيد ! ...خذ أنت ألقي نظرة مكاني و أخبرني "
أخذه من يدها للتغير ملامحه بعدما صدم بنقاطها التي تراجعت كثيراً و ما زاده صدمة معدلها الذي لم يكن يتدنى تحت 15/20 ليجده 11/20 وضع الكشف جانبا و إلتفت إليها ليحدثها ببشاشة مخفيا بها صدمته ليخفف عنها: "لا تقلقي أبدا فيفي لا زال هناك فصلان ستتداركين بهما مرتبتك، الفصل الأول دائما ما يكون صعبا و خاصة أنها السنة الأخيرة فهذا طبيعي، ...المهم أنك نجحت بالفصل، المعدل مجرد رقم لا أهمية له، ...!"
نزلت دموعها بمجرد سماع كلماته لتجيبه بنبرة مهتزة:" توقف عن رفع معنوياتي زيد ...أرجووك ...أخبرني فقط على كم تحصلت و بأي رتبة أضحيت !"
زيد:" حسنا..تحصلتي على 11 من 20 و إحتليتي المرتبة العاشرة، .. لا داعي للبكاء، فكما قلت لكِ لا زالت السنة الدراسية طويلة و...."
أنت تقرأ
ثأر الزمن (بقلم أميمة )
Romantizmفقدان عزيز عليه جعل منه شخصا بارد ذو قلب قاسي، و لقائه بها حوّله لعاشق مجنون، لكن صراعه بين ماضيه و حاضره، بين فقيده و حاضنه، و بين حبه و مرضه جعله ينتقم منها، و يشعرها بإحساس الفقدان مثله، فتركها جسد بلا روح، عذراء بلا شرف، وأنثى بلا عاطفة. " لك...