قاطعته صرخة عائشة التي بلغ صوتها كل القصر:
" أميييي ! فاااارس ! لقد عاد نزاااار !"
سارعت منية لإستقبال إبنها و أخذته بالأحضان و الدموع تنهمر من جفونها على حاله فقد تغيير كثيرا و كبر في مدة قصيرة بلحيته و شعره الكثيفين الذي يبدوا أنه لم يحلقهما لمدة طويلة ....
منية:" بني لقد طالت غيبتك هذه المرة !...نحفت كثيرا صغيري ! لماذا تحرق قلب أمك عليك هكذا ! لماذا لم تهتم بنفسك مثلما أوصيتك ؟!"
أجابها نزار بسخريته المعتادة مقبِّلاً يدها:
" لا تقلبيها دراما الآن أمي !؟ أنا أتبع حمية للحصول على جسم رياضي لا غير، ...فلا يليق بمخرج مثلي أن يكون بدينا، أليس كذلك !"
ضحكت بخفة على جوابه فبالرغم من كمية الحزن التي تغمر عينيه إلا أنه لا زال يتمتع بطابع الفكاهة و إبتسامته لا تفارق ثغره،
هاجمته بسملة حينها بالقبل لتبتعد عنه بعدما أحست بجفائه تجهها و تشدقت بحنق مصطنع:
" ما هذا أيها الأشعث ! ألم أعلمك كيف تحلق ذقنك منذ بلوغك ؟! ....جرحت وجنتي بلحيتك الكثيفة !"
رد بشبه إبتسامة صامتة لتقفز عليه عائشة عابثة بشعره بتهكم:" لا تأنبيه أمي بسملة ! فهكذا يكون ستايل (style ) المخرجين هههه !"
فردوس:" أتركوا مخرجنا الوسيم وشأنه يا جماعة !"
إلتفت نزار لا إرادياً بمجرد سماع صوتها ليجدها تتجه نحوه و قد زادت جمالا و رقة وقف بمكانه دون حراك يتأملها بينما وصلت لتحتضنه قائلة:
"لقد إشتقت لك كثيراً نزار ! الحمد لله على سلامتك"
لم يصدق أو يستوعب أنه بين أحضانها، توقع كل شيء إلا حضورها بعد كل هذه السنين كأن كل ما حصل كان البارحة، عندما إحتضنته هكذا مودعةً قبل أربع سنوات آخذةً قلبه معها ....
_________________عانقته مودعة بعدما عانقت الجميع ببرائة طفلة ستفارق والدتها و الدموع تملئ لوزيتيها لتلتفت باحثة عن فارس، إقتربت منها عائشة حينها لتوشوش لها:
" إنه بالحديقة الخلفية ينتظرك عند شجرة الياسمين !"
ذهبت تجر خطواتها نحوه كمسجون سينفذ حكم إعدامه ليفارق الحياة، فقبله لم يكن لقلبها حياة و الآن ستفرقهما المسافات فكيف ستتحمل البعد عنه بعدما أدمنته و أصبحت رؤيته كل يوم كجرعة تبغ لمدمن و كيف لها أن تنحرم من كلماته التي تتغلغ بروحها كتغلغ النيكوتن في صدره، .....
فتح يديه لها لتركض قافزة بأحضانه فنزلت دموعها التي لم تتحمل الصمود أكثر، طاله صوت شهقاتها ليبعدها عنه بلطف ماسحا وجنتها برقة قائلاً:
" ما هذا صغيرتي كفي عن البكاء فأنا لا أتحمل دموعك ! نحن لن نفترق إلى الأبد عزيزتي ! و لن تكون المسافات عائقاً بيننا، ....أقسم لك أنني سأتصل باليوم 25 ساعة حتى تملي مني والله !....ههههه "
ضحكت بين دموعها ليلثم جبينها و يمسح وجنتيها مسترسلا:
" هكذا أريد حبيبتي أن تكون ! دائمة الإبتسامة ... هيا أغميضي عينيك الآن لديا هدية صغيرة لك !"
إبتعدت عنه عندها لتجيب بحنق طفولي:
" أووووه !...لا تقل أنك فعلتها و أحضرت لي هدية وداع !...ألم أقل لك البارحة أن...."
وضع إبهامه على شفتيها ليقطع سيل كلماتها ثم مرره بلطف ليغلق عينيها قائلاً :
" أووشششت، .....إهدئي فردوسي ....لا تفتحي عينيك قبل أن أئذن لك !"
ظلت على حالها دون حراك و كأن لمسته تعويذة نوميتها مغناطسيا، ليخرج علبة حمراء من جيبه و يأخذ منها قلادة فضية طويلة ثم إقترب ليحيط عنقها بها فلفحته رائحة عطرها الفريدة التي كبلته فأخد يستنشقها بينما أحست هي بأنفاسه تحرق عنقها فإنتفضت قائلة:
"فا..رس، ما الذي ...تفعله ؟...إبتعد أرجوك ! سأفتح عينيا اللآاان !!"
إستفاق على صوتها ليغلق القلادة ثم أخذ مرآةً ليوجهها لها قائلا:" ها قد إنتهيت الآن يمكنك فتح عينيك "
فتحت عينيها لتجده يقابلها بالمرآة فناظرته بإستغراب ثم نظرت للمرآة لتجد قلادة فضية رقيقة يتوسطها قلب قابل للفتح تحيط عنقها فتحت ذلك القلب لتجد صورتهما معا التي كان فارس قد إلتقطها بيوم النزهة، قفزت بين أحضانه بفرح لتصرخ بحماس:" يا لها من قلادة رائعة ! كيف خطرت ببالك فكرة جميلة كهذه فااارس ؟!" ثم أخذت تقبل وجنتيه مسترسلة:" شكرا لك حبيبي ...شكرا لك ! هذه أجمل هدية تلقيتها بحياتي !"
أمسك فارس يديها و نظر بعينيها لتهدئ لا إرادياً و قد تاهت بخضرة حدقتيه، قائلاً:
" هذا القلب يمكنكِ إعتباره قلبي و أنا قد منحتك إياه، ....بالوقت الذي تشعرين أنك بحاجتي ستجدنني أختبئ في صدرك، ....لهذا لا تشكريني بل إعتبيرها رمزًا لحبنا عزيزتي ! "
ناظرته فردوس بعينين عاشقتين لتجيب:
" أعدك أنني لن أنزعها من عنقي أبدا ليبقى قلبك دائما قرب قلبي، ...ولكنني لا أستطيع عدم شكرك لأنك تستحقه حقا حبيبي !"
فأمسك وجهها بين يديه و ناظرها بمكر ليتشدق:
" إذا كنت تصرين على شكري حقا فلا بأس بقبلة من شفتيكي الجميلتين فردوسي !"
إبتعدت عنه و قد فهمت مقصده ليصبح وجهها مثل حبة الطماطم من شدة الخجل لتجيبه:
" أ ..أ ..أبي ينتظرني ...يجب أن أذهب الآن !"
ضحك على منظرها الخجول بخفوت و لحق بها، رافقها إلى السيارة ليغلق بابها بعد ركوبها فعادت الدموع لتملئ لوزيتيها غمز لها حينها مشيرا إلى القلادة فأمسكت بها بشدة لتستمد القوة منها و إنطلقت سيارتهم إلى الديار لتسكب بسملة قدح من الماء خلفهم على أمل عودتهم القريبة، ظلت فردوس تلوح لهم إلى أن غاب طيفها، دخل الجميع بعدها للقصر ما عدى نزار الذي ظل واقفا بمكانه و علمات الحزن و الآسى بادية على وجهه و كأن روحه غادرته ففراقها كان أصعب عليه من الأخرين، إحتلت قلبه الذي لم يكن يعلم بوجوده إلا بقدومها و الآن أخذته و ذهبت دون أن تترك له شيئا سوى الألم و الحرقة هو يعلم أن لا ذنب لها بمشاعره و لا ذنب له أيضا لكن أكثر ما يؤلمه أنه لم يستطع التغلب على تلك المشاعر بالرغم من كل ما حدث أمامه لم يستطع، ....أحداث الليلة الماضية ضلت عالقة بذهنه لم يستطع رميها من قلبه رغم الحب الذي رآه بعينيها لأخيه و مدى سعادتها معه بل ضل صوت قهقهاتها يرن بأذنه و يؤرقه طول الليل.
......................
(بالليلة الماضية)
كانا يفترشان العشب بالحديقة الخلفية تحت شجرة الياسمين يستمتعان بمشاهدة النجوم بهدوء تعمه الرومانسية، غافلين عن ذاك الذي يشاهدهما من النافذة بالأعلى و الحسرة تقتل قلبه ....
أنت تقرأ
ثأر الزمن (بقلم أميمة )
Romanceفقدان عزيز عليه جعل منه شخصا بارد ذو قلب قاسي، و لقائه بها حوّله لعاشق مجنون، لكن صراعه بين ماضيه و حاضره، بين فقيده و حاضنه، و بين حبه و مرضه جعله ينتقم منها، و يشعرها بإحساس الفقدان مثله، فتركها جسد بلا روح، عذراء بلا شرف، وأنثى بلا عاطفة. " لك...