همزته بسملة لتوقضه من تأمله و كأنها تقرأ أفكاره هامستا:" و الله قد وقعت يا فارس........ و لا مهرب !"
نهض فارس مسرعا بعد قولها لتلحقه بسملة:
" بني ..! إلى أين !!؟"
فارس:" لدي عمل مستعجل في المصنع علي الذهاب"
عائشة:" ها قد عاد فارس غفار الى جديته المعتادة !"
لحقته بسملة إلى الغرفة بعدما وجدته قد إرتدى طقمه الرسمي لتساعده في وضع ربطة العنق،..
بسملة:" إيييم ...ظننتك هربت بمجرد ذكري لفردوس لكن على ما يبدو أن لديك عملا مهما حقا !"
فارس:"نعم لدي إجتماع مع شريكنا السيد حسن عبد الله، سينقل منصبه لإبنته سارة "
منية:" إيييم تلك الفتاة ستصبح شريكتك إذن ! إنها لا تريحني ...ليست بسهلة أبدا !! أرجوك خذ حذرك منها بني "
فارس:"لا تقلقي أمي بسملة، هل عندك شك بتربيتك لي !"
بسملة:" بالطبع لا شك عندي ! خاصة بعد نظراتك العاشقة لفردوس، لا أظن أنك ستنظر بها لغيرها !"
فارس:" لقد تأخرت، إلى اللقاء"
ثم خرج مسرعا مستقلا سيارته بعدما ألقى نظرة على فردوس من نافذتها السوداء و إنطلق كالبرق.
عائشة:" الله الله ما بال أخي هذا !...قبل قليل كان يشاركنا جلستنا لأول مرة و يضحك معنا، ثم يخرج مسرعا كأن كارثة حصلت !!"
فردوس:"لا أقصد الاهانة ... لكن أخاك هذا غريب الأطوار حقا !"
عائشة:"ليست بإهانة، فمعك حق إنه غريب الأطوار فعلا، بل و أحيانا أشعر أنه يعاني من إنفصام في الشخصية ...أعرف أنه أخي الأكبر و لا يجب أن أتحدث عنه بهذه الطريقة، لكنه منذ صغرنا هكذا أو بالأحرى منذ وفاة أبي كما حكت لي أمي فأنا لم أبلغ الثالثة بعد عند وفاته ...رحمه الله، حسب ما أذكر لم يكن يشاركنا اللعب أبدا أنا و نزار بل كان يجلس بمكتب أبي فور وصوله من المدرسة و يدرس إلى أن يغلبه النعاس، أمي كانت تقول دائما أنه كان شديد التعلق بأبي فقد كان يلازمه في كل مكان حتى أنه يمضي عطلة نهاية الأسبوع معه بالمصنع، رغم أن أخي أحمد هو الأكبر إلا أن أبي رحمه الله كان شديد التعلق بفارس فقد كان يشبهه كثيرا ووفاته أثرت فيه بشكل كبير فهو عندها لا يزال طفلا بالعاشرة إلا أنه قرر منذ ذلك الوقت أن ينعزل و يكبر بسرعة ليستلم مصنع أبي و يصبح مديرا مثله و هكذا لم يعش طفولته و تحول شيئا فشيئاً إلى هذا الشخص الممل غريب الاطوار .....لكنني متيقنة أنه جيد من الداخل و متأكدة أن الشخص الذي كان يسرد علينا النكت و يضحك من قلبه قبل قليل هو فارس الحقيقي و ليس ذاك المنعزل الجدي"
ربتت فردوس على كتف عائشة لشدة تأثرها بما حكته لها ثم نهضتا إلى الداخل بعدما قاربت الشمس المغيب، و رن بعدها آذان المغرب في جميع أرجاء المدينة، فذهبت فردوس للوضوء و الصلاة ثم نادت عائشة لتُوَجِهها إلى القِبلة
فردوس:" عــــائشـــة !! تعالي لو سمحتي !"
ذهبت عائشة إلى غرفة فردوس بعد سماعها النداء و كانت هي الاخرى ترتدي خمارًا و جُبَّةً طويلة للصلاة
عائشة :" تريدين الصلاة أنت أيضا ....! هيا الجميع ينتظرنا في غرفة أبي فنحن نصلي كل صلواتنا جماعة هناك"فردوس" أااه حقا رائع ! سيتضاعف أجرنا هكذا !"
ثم رافقتها إلى الغرفة لتجد الجميع مصتفا ما عدى فارس الذي لم يكمل عمله بعد.
كان أباها إمام الصلاة ثم أحمد و نزار في الصف الثاني و السيدة منية و بسملة و البنتين في الصف الثالث، صلوا جماعة و قامو بالدعاء للسيد مفيد بالرحمة، و أن يتقبل الله صلاتهم جميعا، فرغم أن فردوس و عائشة لا ترتديان الحجاب و متحررتين بعض الشيء، إلا أنهما لا يتجهلان فروضهن كمسلمتين أبدا فهذا ما تربتا عليه منذ الصغر،و هذا بفضل عائلتِهِما اللتان رسّخت فيهن هذه القيم منذ الصغر:"الإسلام و الحياة بحرية مرتطبتين بحبل صُرِّي لا مجال للتفرقة بينهما"
...........................................
جلس الجميع على طاولة العشاء و إنتظر أحمد قدوم فارس لإطلاق الخبر السار ، و بمجرد قدوم فارس إنضم إليهم بسرعة ؛ حمحم أحمد للفت إنتباه الجلوس و التخفيف من توتره ثم إنطلق بقوله:
"بما أن جميع عائلتي هنا، أود إخبركم بخبر سيفرحكم مثلما أفرحني ...سأخطب آسيل أخيرا، وافق والدها اليوم على خطبتنا بعد عناء طويل !"
قامت الزغاريت و فرح الجميع بهذا الخبر السار ثم إسترسل أحمد:" لكني لم أكمل كلامي بعد ....هناك خبر سيء، والد آسيل لن يقبل بزواجنا إلا بعد تخرجها من الجامعة بلندن"
عائشة:" يا إلاهي ! أي ستنتظران أربع سنوات كاملة لتتزواجا !!"
أجاب أحمد و علامات الحزن تبدو على محياه:
" نعم، ...مع الأسف"
منية:" لا بأس بني لا تبتأس الآن ! دعنا فرحين بخبر خطبتك ! الحمد لله أنني شهدت هذا اليوم ! أشكرك يا الله"
ثم نزلت على وجنتيها دموع الفرح فنهض أحمد مسرعا ليحتضنها و يمسح دموعها ثم إحتضن أمه الثانية بسملة التي بكت هي الأخرى من شدة فرحها و تأثرها.
بسملة:" ألف مبروك بني فرحت كثيرا لفرحك، و كما قالت والدتك لا تعكر فرحتك و إتركها على الله،... متى سنذهب لخطبة آسيل إذن ؟!"
أحمد:" لو كان بيدي من الغد ....لكن أباها أعطني موعدا للأسبوع المقبل"
نزرا:" هههه كان يجب أن تشكره لأنه لم يجعلها العام القادم !!"
فارس:" كفاك ضحك يا ولد، عوض أن تبارك لأخيك تتمسخر عليه !"
ثم نهض فارس و عانق أخاه مباركا له على الخطبة،
محمد:" العقبة لك أخي !"
سكت فارس لتجيب بسملة عوضا عنه و هي تنظر لفردوس :
"قريبا إن شاء الله"
ثم أكمل الجميع عشائهم و ذهبو لصلاة العشاء، إعتزمت بعدها فردوس النوم إلى أن طُرِقَ الباب و دخل نزار و بيده تذاكر قائلا:
" فردوس هل ستناميييين !!؟
إنها العاشرة مساء يا بنت ! و نحن في الصيف !! هيا إنهضي بسرعة و غيري ثيابك و دعينا نذهب لمشاهدة العرض الأول من الجزء الثالث لفيلمي المفضل، لقد حجزت لك تذكرة قبل قليل هيــــا !!!"
فردوس:" شكرا لك، لكنني لن أستطيع قبول دعوتك، أنا متأسفة ...فأنا متعبة جدا و أريد النوم !"
نزار:" لا إعتراااااض ! ستذهبين يعني ستذهبين و كفاك حجج كالعجائز " أنا متعبة نانانانا ...و أريد النوم نانانانا ..." قالها و هو يقلدها فأطلقت ضحكتها القوية على تصرفاته الصبيانية؛ سمع فارس صوت ضحكتها الذي أصبح مصدر فرحه فخرج مسرعا من مكتبه بإتجاه الصوت، و إذا به يجد باب غرفة فردوس شبه مفتوح و هي ترتدي قميص نوم ورديا تزينه دمية باربي و وجنتها أصبحت بلون القميص من شدة الضحك .....تاه في جمالها الطفولي و إرستمت إبتسامة على ثغره سرعان ما تحولت بعد سماع صوت نزار:" هيا كفاك ضحك و غيري ثيابك ! لديك خمس دقائق فقط لتجهزي "
فارس:" ماذا تفعل بغرفة الفتاة سيد نزااار !!؟ و إلى أين تنوي أخذها في هذا الليل هااااه !!" قالها صارخا و علامات الغيرة تبدو عليه.
نزار:" ما شأنك أنت ! و فيما الصراخ الآن ؟" تجاهله و توجه بنظره لفردوس:" أنا بانتظارك بالسيارة لا تتأخري "
و أنهى حديثه بغمزة ثم همّ بالخروج إلا أن فارس وقف بطريقه و قد ذاق ذرعا منه، كور قبضته من شدة الغضب و إحمر وجهه و برزت عروقه، لكنه تمالك نفسه و كرر قوله بهدوء:
" قلت أين ستأخذ الفتاة !! أجبني الآن !!!"
نزار:" و أنا قلت لا شأن لك !.... تريد لعب دور المدير في كل مكان أم ماذا ؟!! هذا ليس مصنعك لتأمر و تصرخ فيه !! و الآن دعني أمر !"
كان كل هذا تحت نظرات فردوس الخائفة و المستغربة إلى أن جاء صوت عائشة لينقذ الموقف:
" نزااار ... لقد أصبحت جاهزة و قد أخبرت عمي فرحات أيضا و هو موافق على ذهاب فردوس معنا .. .!"
وصلت عندها للغرفة لتجد فارس يقابل نزار بنظرات غاضبة و فردوس تقابلهما فوق السرير بنظرات خائفة؛ فإسترسلت:
" ماذا هناك فارس لما أنت غاضب هكذا !؟ و أنت يا فردوس لما لم تغيري ثيابك بعد ؟ هيا سيفوتنا الفيلم ماذا تنتظرين ؟!"
نزار:" ننتظر موافقة السيد فارس غفّار"
خرج فارس مسرعا و توجه لمكتبه تحت نظرات نزار المستفزة و إستغراب الفتاتين، و توجه بعده نزار إلى السيارة،
عائشة:" الله الله ما باله فارس ؟؟! هل تشاجرا مرة أخرى ؟"
فردوس:" لا أدري ما بال أخاك فارس هذا، كان نزار يقنعني بالذهاب للسنيما إلى أن جاء صارخا به ...
الحقيقة لم أفهم شيئا مما حدث ! هل طباعه حادة هكذا دائما ؟؟"
عائشة و هي تختار لفردوس فستان من خزانتها "....إييم لا أدري ماذا دهاه !... في الحقيقة هو و نزار لا يتفقان في الطباع لكن شجارتهم قلت بكبرهما ...دعينا منهم ...لديك فساتين رائعة !! لم أستطع الاختيار، أيهم تفضلين الأحمر أم الأزرق !؟"
فردوس:" ماذا تفعلين !؟ لن أرتدي فستان ! هذا مجرد فيلم و ليست حفلة ...."
ثم إتجهت لخزانتها و إخترات سروال جنز و قميص وردي تزينه بعض الفرشات ( الوردي لونها المفضل)
عائشة:" هل أنتي جادة !!؟ تضنين أننا ذاهبتان للسوق لترتدي الجينز !؟ إنه ليس مجرد فيلم ! إنه العرض الأول من فيلم مشهور جدا، يعني سيكون هناك شخصيات و مشاهير يحضرونه بالتأكيد ! إنه أشبه بحفلة ...! لهذا سترتدين هذا الفستان !"
وضعت الفستان الأزرق على جسد فردوس لتراه عليها ثم إسترسلت:
"واااو ما شاء الله ....لاق بلون بشرتك كثيرا !! هيا إرتديه !"
أنت تقرأ
ثأر الزمن (بقلم أميمة )
Romanceفقدان عزيز عليه جعل منه شخصا بارد ذو قلب قاسي، و لقائه بها حوّله لعاشق مجنون، لكن صراعه بين ماضيه و حاضره، بين فقيده و حاضنه، و بين حبه و مرضه جعله ينتقم منها، و يشعرها بإحساس الفقدان مثله، فتركها جسد بلا روح، عذراء بلا شرف، وأنثى بلا عاطفة. " لك...