فتحت عينيها بمجرد أن تسلل صوت أذان الفجر إلى أذنيها نهضت و توضئت للصلاة و دعت ربها أن يصلوا إلى الديار سالمين ثم أغلقت حقيبتها بعدما إرتدت ثيابها و حملتها لتنزل بهدوء متجهة نحو سيارة أبيها لتضعها داخل الصندوق و ركبت لينطلقوا قبل بزوغ الشمس.
فرحات:" ذهابنا هكذا دون توديع عائلة عمك عيب يا إبنتي ! لما لم ننتظر صحوتهم على الأقل !! لم أفهم لما أصريتي على الرحيل باكرًا هكذا فردوس !؟"
فردوس:"أردت الوصول قبل الظهيرة لأنني إشتقت لطعام أمي كثيرًا ! فقد أوصيتها البارحة أن تحضّر لي جميع أطباقي المفضلة للغداء لذلك فضلت الرحيل باكرًا لنصل عند موعد الغداء تماما كما أنني أرسلت رسالة إعتذار لعائشة على الهاتف ستقرأها لهم بمجرد صحوتها لا تقلق أبي !"
فرحات:"ههه لقد خططت لكل شيء إذن أيتها الشقية ! حسنًا بما أنك تركتي رسالة لا بأس يمكنني الرحيل مرتاح البال الآن"
إكتفت بالرد عليه بإبتسامة و أسندت رأسها على الكرسي لتضع سماعاتها و إندمجت مع أغنية هادئة تتأمل الطريق فارةً من كل الأحداث التي عايشتها بهذه العطلة القصيرة بذلك القصر الذي أصبح بمثابة سجن لها جعلها تفر منه قبل بزوغ الشمس معاهدةً نفسها أن لا تعود إليه من جديد علاها تستطيع نسيان ما تعرضت له من آلام و جروح كان جميع أهله السبب فيها، فارس وحده كان كفيلا أن يجعلها تغيب أربع سنوات كاملة فكيف إن كانوا جميعًا مذنبين الآن بنظرها، لقد تناسوا كل ما فعله إبنهم بكل بساطة ليكرروا خطبتها له و كأن شيئًا لم يكن و كأن قلبها لم ينفطر و كأن كبريائها لم ينكسر،كل ما بنته لسنوات هُدِم بسببهم جميعًا و هذا ما جعلها ترحل دون أن تنظر بوجه أي أحد منهم أو تودعه....
غيرت تلك الأغنية الهادئة بأخرى صاخبة محاولة تشتيت أفكارها علّها تستطيع قمع ذاكرتها و تناسي آلامها لكن رغم كل ذلك الصخب لم يبرح صوت نزار يفارق أذنها، كلماته لم تستطع مفارقة ذهنها، تحسست صدق مشاعره و صفاء حبه تجاهها و ضعفه أمامها الذي طالما أحست به تجاه فارس، إكتشفت أنه ضحية مثلها فهو الوحيد الذي لم يسبب لها أي ضرر عكس الآخرين، بل عرّض نفسه لجميع الأضرار من أجل سعادتها، أحست للحظة أنه يستحق فرصة لكنها سرعان ما طردت ذلك الإحتمال من مخيلتها و غطت في نوم عميق.
إسفاقت على صوت أبيها معلنا وصولهم فحمدت الله على عودتهم سالمين و نزلت مسرعة للباب لتحتضن والدتها التي كانت تنتظر وصولهم بالخارج و دلفتا للبيت سعيدتين، توجهت لغرفتها و غيرت ملابسها ثم إغتسلت و إلتحقت بمائدة الطعام لتبدأ الأكل بشراهة و كأنها لم تأكل منذ أسبوع، و بمجرد إنتهائها عادت لغرفتها لتأخذ قيلولة طويلة مما أثار قلق والدتها عليها فسألت والدها بينما كانا يحتسيان الشاي بشرفة المنزل:" ما بال فردوس فرحات ! تبدوا لي تصرفاتها غريبة منذ عودتكم، كأنها تتهرب من شيء ما ! هل حدث شيء أزعجها بالقصر و لم تخبرني به ؟"
أنت تقرأ
ثأر الزمن (بقلم أميمة )
Storie d'amoreفقدان عزيز عليه جعل منه شخصا بارد ذو قلب قاسي، و لقائه بها حوّله لعاشق مجنون، لكن صراعه بين ماضيه و حاضره، بين فقيده و حاضنه، و بين حبه و مرضه جعله ينتقم منها، و يشعرها بإحساس الفقدان مثله، فتركها جسد بلا روح، عذراء بلا شرف، وأنثى بلا عاطفة. " لك...