هيرومي وأكيهيرو ضائعان

913 85 26
                                    


تهامس جميع الباحثين وهيرومي يسير، حدّث نفسه بصوتٍ رتيب: "الأخبار تسير بسرعة"

تهامسوا وابتعدوا عن طريقه. سار هيرومي بوقارٍ هادئ، ووجهه يقول بهدوء: لا أكترث بنظراتك واعتقاداتكم.

التفت حوله في ذلك المختبر، كان مشهده يسبّب له الغثيان في كلّ مرّة. كانت نوعيّة التّجارب التي تجري هنا غير قانونيّة. رغم القوانين الجائرة التي تترك العبيد طوع أمر أسيادهم في هذه البلاد، إلّا أنّ هناك ضوابط عند أقصى درجات الوحشيّة، من المسموح حقنهم بالسموم وقتلهم، ومن المسموح تشريحهم، وكلّ أنواع الضرب والإيذاء مباحة باسم التأديب. إلّا أنّ القائمين تنازلوا ووضعوا عدّة ممنوعات -أكرمهم الله!-، فالتجارب الكيميائيّة، وقطع الأطراف، وتقييد الحركة ١٠٠٪ لأكثر من سنةٍ بشكلٍ متواصل، والتجارب التي تعطّل أحد أعضاء العيّنة بشكلٍ مستديم، كلّ ذلك ممنوع. ولكن لو وُجد من يكتب تلك اللّائحة ويعلّقها مباهيًا، فلا شخص واحد يتابع ذلك القانون أو يحترمه...

توقف هيرومي أمام الباب الحديديّ ونظر للحارس، الذي بادله نظراتٍ مستهجنةً ووقحة من الأعلى للأسفل، ثمّ قال: لم يبدأ وقت الزيارة بعد

تأمله هيرومي لبرهة، ثمّ أدخل يده في -وعين الحارس تتابعها- في رداءه، وأخرج ساعةً حديديّة قديمة، وضغطها ففتحت، وقال كالآلة: التاسعة ودقيقة، وخمسٌ وعشرون ثانية، وثلاثة أرباع الثانية. يبدأ وقت الزيارة عن التاسعة، ولكنّ العامل يتأخّر دائمًا ليلاحظ، وغالبًا ما يضيء علامة الدخول باللّون الأخضر في حوالي التاسعة وخمسٍ وثلاثين ثانية، وربع ثانية. أيّ أنّ وقت الزيارة بدأ منذ خمسين ثانيةً ونصف

أغلق هيرومي ساعته وأهدابه الطويلة تظلّل عينيه الفاحمتين، ويده في جيبه ليبدو كشارلوك هولمز في تلك اللّحظة. تأفّف الحارس، وسار مبتعدًا بتثاقل، ليفسح الطريق. لم يتكدّر محيا هيرومي الفارغ، وتقدّم، ودفع الباب بيده دفعةً لطيفة، أذعن لها الباب الثقيل وفُتح قليلًا. وكانت تلك الفتحة كافيةً له، فانسلّ بخفّةٍ للدّاخل، وأعاد الحارس إغلاق الباب خلفه.

شعر هيرومي بالتشتت، ولكنّه شعر أنّه سيشعر بتحسنٍ حين يرى وجه كوكورو المضيء.. لا يعلم لماذا تذكر ذلك في تلك اللّحظة خصوصًا، ولكنٌه لم يخبر كوكورو بأيّ شيء، أيعلم كوكورو يا ترى؟ من يكون هو ولماذا هو هنا؟ إنّه لا يسأل، لذا هو يعلم، هذا ما افترضه عقله بشكلٍ تلقائيّ في السّابق، ولكنّه الآن لا يشعر كذلك.. ربّما فهم كوكورو أكثر، وربّما مجرّد وساوسٍ لا تختلف عن بقيّة الوساوس التي تهاجمه مؤخرًا. رفع هيرومي عينيه اللّامعتين بلهفةٍ خجولة تحاول كبح نفسها...

كان كوكورو مستلقيًا على السرير بتعبيرٍ حزين جعل هيرومي يشعر بانقباضٍ في صدره. مستلقيًا على جنبه وقد مدّ يديه أمامه وشابكهما، وفرّج بين قدميه وألقى كلّ واحدةٍ في جهة. كان اللّحاف مجعّدًا في خطٍّ طويل فوق ظهره، وقد ظهرت قدماه ويداه من فوقه وتحته، وقد قطٌب حاجبيه بتعبيرٍ معذّب، وفرّج بين شفتيه قليلًا، بتلك البشرة البيضاء للغاية شبه الشفافة، وتلك الخصلات الشقراء التي انعكست عليها أشعّة الشٌمس، تلك الخصلات الأثيلة التي تبعثرت على وجهه، وأهدابه الطويلة، والنّمش على وجهه. يداه الصغيرتان النّاعمتان. كان كلّ جسده يزدان براءةً وطهرًا كملاكٍ صغير، وأشعّة الشّمس المتسلّلة من النٌافذة لو صحّت تسميتها كذلك، إذ كانت شقًّا يشبه ندبًا سُوِّج وقُضِّب بالمعدن. تلك الأشعّة الدافئة تسللت عبر تلك الأسوار الباردة لتداعب ذلك الوجه الصّغير النّضر. رغم عدم فهمه الكامل، شعر هيرومي بجلالٍ غريبٍ بقلبه لا بعقله حول ما رأى

سر الإكسفيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن