الرَّجل الذي فَقَد نفسه- الجزء الأوّل

675 76 28
                                    


ولم يزل هيرومي محملقًا بالشارع منذ ما يزيد خمسة دقائق، لقد رحلَتْ. ولكنّ وقع كلماتها لم يرحل، ولم يكن ليرحل أبدًا، كان يتابع التردّد في أذن هيرومي بلا توقف..

("أنت لن تستطيع إنقاذه."

نظر هيرومي إلى العجوز بصدمة، كانت تقولها بكلّ بساطة، وبابتسامةٍ دافئة. خبت حماس عينيه، وهبطتا إلى الأرض وبدت عليه الخيبة.. بالطبع، كان هذا بديهيًّا. لا يستطيع معارضة والده..."

رفع عينيه نحوها ببرود، "هل جاءت لقول هذا فقط؟"

أكملت باسمة: "بشخصك الحاليّ.. طبعًا"

عادت بارقة اهتمامٍ لتشعّ في عينيه، وقال: "هناك طريقة..؟"

فأومأت إيجابًا...

اندفع بقول: "ما هي؟"

"أيُّها الشّاب.. أحيانًا تلهينا المحطّات الكثيرة عن هدفنا الأخير فننساه، تستطيع نسيان كلّ شيء، ولكن عندما تنسى نفسك فأنت تفقد كلَّ شيء، لا بأس بالعقبات، لا بأس بهبّات الريّاح التي توشك أن تتركك خاوياً من بعدها، لا بأس بالنّزع عنك، ولكنّها مشكلةٌ لا حلّ لها تقريبًا؛ حين تُنزع رغبةٌ في قلبك لن تملك شيئًا من نفسك بعد رحيلها عنك، حين تفقد نفسك. هيرومي، لق دنسيت ما هو مهمٌّ حقًّا..."

عبس هيرومي وقال مستاءً: "لا وجود لهذا الشّيء، وما أدرى ظلًّا بي؟"

"الناسون يقولون ذلك دومًا، من الطبيعيّ أن تحسب ما نسيته غير موجود، لأنّك نسيته"

ابتسمت، وببطء... مدّت يدها نحو جيب بنطاله مشيرةً إليه، وعلى ثغرها ابتسامة...)

اختفت بعدها.. تلمس هيرومي جيبه، ليجد انتفاخًا غريبًا فيه. فمتأخّرًا جدًّا، يتذكّر شيئًا.... عندما ودّع كوكورو قبل عدّة أيّام... عندما صافحه كوكورو، وضع قصاصة ورقٍ في يده خلسة... كان يريد قراءتها بعد ابتعاده عن كاميرات مراقبة المختبر، كان قلقًا للغرية حيال ما سيجده بها، ولكن كيف..؟ لقد انشغل في الأعمال لتي ألقاها والده على عاتقه، انغمر فيها، واستطاع نسيان تلك الورقة.

لم يكن الإثبات الذي تخيّله، ولكنّ كلمات الظلّ أثبتت نفسها بسرعةٍ كبيرة.

وكان ذلك أسوء إفحامٍ سَبَق له أن أُفحمه.

تمتم هيرومي: لقد كان قادرًا بعد غمري بالقليل من الأعمال... جعلي أنسى كوكورو...

عبس هيرومي، ودفع الورقة إلى جيبه قائلًا: إنّها مرّة، لقد نسيت وكنت سأتذكر...

وأكمل سيره...

لساعاتٍ طوال، واصل هيرومي السّير على غير هدى في شوارع مهجورة ضائعًا، ولو أراد لاستدلّ على الطريق الصحيح للعودة، ولكنّه لم يُرد، لقد أراد تسليم نفسه للضياع، ليخرج بحلٍّ ما كالعادة، ليشعر بالرّاحة. ولكنّ ذلك لم يحدث، كان مزاجه ممغّصًا، وبغيضًا، وكان يستاء من كلّ شيءٍ وشخص. صرّ على أسنانه أكثر وهو يحثّ الخطى، فلمح مرأةً تسير عابرةً الشارع، رأته، وبدأت بالابتسام له ، ولكنّه سارع بالاستدارة على عقبيه هاربًا منها في الاتجاه الآخر. مجدّدًا، ظنّ أنّه سمع صوت شخصٍ يعرفه يناديه محيّيًا، فانعطف واتخذ طريقًا فرعيًّا، وهكذا كلّما أوشك على رؤية ما يبغضه -وقد كان يبغض كلّ شيءٍ وقتها- هرب، فبقي يدور في دائرةٍ موصدة. ككلبٍ ضال، بعد أن التفّ هيرومي حول نفسه كثيرًا، سمع رنينًا مزعجًا من الأسفل، فنظر غاضبًا لما سيزعجه تاليًا، وإذا به.. يرى ساعته ترنّ... استيقظ جزئيًّا من استياءه، ونظر إليها، اعتاد وضع المنبهات في توقيت كلّ عمل، ولكنّ اليوم إجازته... حين تذكر... موعد الاطمئنان على كوكورو في شقّته...

سر الإكسفيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن