في مدينةٍ من الظلام.

1.2K 81 38
                                    


ترتجف يداه.. حلقه جاف، وهو يبتلعه ببطء، ولكن كما لو كان حلقه يرتجف أيضًا، الإبتلاع بحدّ ذاته مؤلم. السعادة، الإرتجاف، كما لو نسي وجود كين في المكان، كما لو كان غير آبهٍ بشيء، أطلق ساقيه للرّيح.. كان يرى الجنّة بعد أن ظنّ الخلود في النّار، أمّاه! إنّها هنا! الحياة المتدفّقة، ذلك الأمان، الحياة، طعم الحياة وهدفها، قيمتها، حارسته، ملاذه وملجأه، كانت هناك. كانت مقيدةً وقد ربط فمها بالجدار، ركض، ركض بل قفز كالمسعور، لقد اختفى العالم، ولقد ظهر العالم في آنٍ واحد. قفز نحوها ومزّق رباط عينيها وفمها بيديه، مزّق رباط يديها وقدميها بأسنانه، ورمى نفسه في حضنها.

كان كين يتقدّم ببطء، والإبتسامة الخبيثة تتوسّع.

إبدت الدهشة، ثمّ همّت بالقيام نحو كين الذي أمامها بوجه وحشٍ مفترس، عندما لاحظت المتعلّق بثيابها... بدى على وجهها أنّها صُعقت، وما إن رأت ذلك الطّفل، حتى انفجرت عيناها بالدّموع، وحضنته دون أن تقلّ عنه لهفةً ان لم تزد. لسببٍ ما، شعر كوكورو باطمئنانٍ عجيب حين سمع نواحها... كين حقير كاذب، أمّه لم تنسه، لم تنسه أبدًا وعادت لإجله كما وعدت. اشتدّ بكاءه وتمتم: ماما.. ماما!

كوكورو..

قالت بصوتٍ مرتجفٍ غريبٍ عن كوكورو قليلًا وهي تمسح على رأسه، إنّها منهكةٌ تمامًا، وتبدو أكبر، ولكنّها ماما، وماما هي ماما.

طبعت القبل على جبينه، ليقاطع سعادتهما السماويّة صوتٌ باردٌ فيه بعض المرح الخبيث: أليس هذا رائعًا؟ لقد اجتمعت عائلتنا.

ارتجف كوكورو عندما سمع "عائلتنا"، وتوقدت عينا والدته بلون النّار. تقدّم كين ضاحكًا كالأفعى، لقد كان جزءً لا يُنكر، ولا يُبعد، ولكنّهما لا يكنّان له إلّا الكره. اقترب كين مبتسمًا وهو يكمل: ما بالكما؟ لم يكن ابنك ليكون موجودًا لولاي، لا، لم تكوني أنتِ لتستطيعي النّجاة لولاي.

ضغطت والدة كوكورو على شفهاهها بقوّة، وتمتمت بقوّةٍ التمع بريقها في عينيها المتعبتين: بئس النّجاة إن كانت منك! اتركنا وشأننا فقد أضنيتنا بما يكفي معك!

ضحك كين بصوتٍ عالٍ لم يضحك به من قبل، ثمّ قال بسخرية: أترككما؟ يكفي؟

ألقى ذراعيه وأكمل: لم يبدأ أيّ شيءٍ بَعد!

دفع كوكورو نفسه داخل حضن أمّه، وقد بات في معفًى من المقاومة وحيدًا الآن، فيما شدّت عليه ذراعيها بقوة، وتمتمت: ابني.

يا لها من كلمةٍ قويّة..

تقدّم كين ببطء، حتى بات واقفًا قبالتهما مباشرة، ينظر من فوق، بابتسامةٍ بشعة، وبادلته والدة كوكورو التحديق دون رمشةٍ واحدة..

"أيُّها الحرسس!"

وإذا بكين يصرخ بذلك دون سابق إنذار مفاجئًا كوكورو ووالدته على حدٍّ سواء. تدفّق الحرس فجأةً من كلّ جهة، خارجين من الغرف والمصاعد، ليحيطوا بكين في لحظات..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 30, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

سر الإكسفيرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن