في منتصف البحر على بعد ما يقارب 400كم من الشواطئ الإسبانية الشرقية تستقر جزيرة متوسطة الحجم يمكن وصفها بكلمات بسيطة أنها جنة الأرض، فهي تحتوي على غطاء نباتي منوع بمختلف أنواع الفواكه والأزهار فيما تتنوع تضاريسها من الجبال المرتفعة مرورا بالهضاب وصولا للسهول الممتدة على مد البصر ولكن الحقيقة هي ان تلك الجنة لم تكن جنة الله بل كانت جنة الشيطان نفسه، فعلى هذه الجزيرة والمدعوة بفرومنتيرا يمتد طريق من ميناء متوسط الحجم على شاطئها الشمالي طريق عبد بالحجارة يقطع الغطاء النباتي للجزيرة لينتهي إلى تلك القلعة التي استقرت على هضبة متوسطة الارتفاع، بنيت هذه القلعة في أواخر القرن السادس عشر وهي ما تزال محافظة للآن على قوتها ومنظرها المبهر والذي يثير الرعب في قلب كل من دخل إلى جدرانها أو من كان يعرف ماذا يوجد خلف هذه الجدران، فخلف سورها الحجري الذي يرتفع لعشرة أمتار من الكتل الحجرية الضخمة تنتشر حدائق فاخرة غاصة بكل أنواع الأزهار من مختلف أرجاء المعمورة لتزين هذا المكان وتحيي هواءه.
وفي الجهة اليمنى من الحديقة الأمامية استقرت تلك الطاولة الخشبية المزخرفة على طراز القرن السادس عشر وحولها ثلاث مقاعد جلست على إحداها باميلا وهي تشرب فنجانا من الشاي فيما وضع الإبريق وطبق الحلوى على الطاولة أمامها، أما عند قدميها فقد اضطجع ذلك النمر الكبير التي خطط جسده بالاسود بخطوط ضخمة تدل على شراسة وقوة صاحبه وهو نائم فيما كان ذيله يتحرك يمينا ويسارا، رشفت السيدة من فنجان الشاي بهدوء وهي تفكر في اجتماع المجلس المصغر الذي انتهى البارحة والذي تلاه مغادرة أفراده جميعا للقلعة رغم أنها كانت ترغب بأن يبقى أوشوهانتا معها فهي تستمتع فعلا برفقة هذا الرجل حتى أنه قد أقنعها بتعلم الصينية، ابتسمت بهدوء وهي ترشف من الفنجان حين اقتربت آندريا منها لتقول
-سيدتي
رفعت باميلا نظرها نحو مساعدتها لتقول
-ما الأخبار آندريا؟
-لقد وصل بيير وكينزي
-يسرني هذا أين هما؟
وهنا سمعت ذلك الشاب يقول بمرح
-مرحبا بام
التفتت المرأتين لتنظرا للمتكلم حيث شاهدتا شابين لم يتجاوزا بعد الثلاثين عاما يتقدمان نحوهما، الأول وهو بيير لوش يعتبر من أهم أسلحة باميلا فهو قاتل محترف ومصوب ماهر وإصابته لم يسبق لها أن أخطأت هدفها مهما كان هذا الهدف صغيرا ومخفيا عن الأنظار، ولكن أكثر ما كنت تكرهه فيه هو مرحه وسخريته اللذان لا ينتهيان، أما رفيقته فهي كينزي إيندا وهي العكس تماما عنه، فهي فتاة هادئة وجذابة والحديث معك يشعرك بأنك تحادث خبيرا في مجاله فهي منطقية في كلامها ولا تحب أن تفعل شيئا دون أن تضع له خطة كاملة من الألف للياء، لذا اصبحت واحدة من القلائل الذين حصلوا على احترام باميلا وثقتهم، ولكن ما كان دائما يثير ذهول باميلا ودهشتها وهي التي لم تصب يوما بالذهول هو أنهما على الرغم من عدم امتلاكهما لشيء واحد مشترك بينهما إلا أنهما مخطوبان منذ خمسة سنين وهما متفقان أكثر مما يمكن أن تتفق هي مع مستنسخها، تقدم الشابان نحو باميلا ليعاود بيير القول بمرح
-ما أخبارك بام؟
فيما جلست كينزي أمام النمر لتربت على رأسه مداعبة وقالت بابتسامة
-وأنت جاكيه ما أخبارك يا عزيزي؟
فنظر النمر إليه ليداعب يديها بوجهه مجيبا فيما رمقها خطيبها باستنكار وهو جالس على الناحية الأخرى من النمر ليقول
-هل لي أن أعرف فقط كيف يمكنك لمس هذا الشيء؟
فنظرت الفتاة إليه ببرود لتقول
-لأنني لست حمقاء ولا مغفلة
حدجها بيير بحدة فيما نهضت هي لتجلس على المقعد في مقابل رئيستها متجاهلة نظراته إليها وقالت
-إذن بام ما الذي دفعك لتذكرنا الآن؟
فأجاب خطيبها نيابة عن باميلا
-وهل تتذكرنا إلا في حال حدوث مصيبة من نوع ما؟
وأمسك قطعة من الحلوى من الطبق أمامه ليتناولها فيما نظرت كينزي إلى باميلا مصغية إليها حيث بدأت السيدة حديثها بهدوئها المعتاد
-لقد أقر المجمع في اجتماعه خلال اليومين الماضيين إيقاع العقوبة المناسبة على رايسل، وبما أننا لا نزال بحاجة لذلك الرجل ولشركاته في أداء أعمالنا فإننا مضطرون لإجباره على الرضوخ لنا بالقوة بعد أن يئسنا من إقناعه بالطرق السلمية
عند هذا قاطعها بيير بسخرية
-الطرق السلمية!
ولكن باميلا تجاهلت هذه المداخلة وتابعت الكلام بكل وقار وهدوء
-الطريقة الوحيدة التي ستؤمن لنا انصياع هذا الرجل ووضع شركاته تحت قبضتنا هي ابنه، لذلك أريد منكما أن تتوليا مهمة إحضار ذلك الشاب إلى هنا، اقبضا عليه حيا وأحضراه دون أن يمس بخدش واحد لأنني أريده سالما، هل سمعتما سالما؟
تبادل الشابان النظر لدقيقة ثم التفتا إليها ليقول بيير باستفهام
-أمن الضروري إحضاره حيا؟
-أجل يا بيير
-ولكن هذا ليس من ضمن مسؤولياتنا يا بام، أنت تعرفين أن عملنا ينحصر في إخفاء الناس من على وجه الأرض لا أن نحضرهم هنا في نزهة
فنظرت السيدة إليه لتقول دون أن يرف لها جفن واحد
-كلمة تذمر إضافية وسأخفيك أنت من على وجه الأرض
ومع هذا التهديد صمت الشاب مجبرا فيما قالت كينزي ببساطة
-حسنا كما تريدين سنحضره لك حيا سالما
-جيد
-ومتى تريدينه بالضبط؟
-لست مستعجلة ولكنني أيضا لا أريد أن تتم هذه العملية السنة القادمة
هذه الجملة دفعت بالارتباك للارتفاع إلى وجهيهما فقالت باميلا
-بالضبط
فنهضت كينزي عن المقعد لتقول
-لك ما تريدين أيتها الرئيسة سنحضره لك في أسرع وقت ممكن
ونظرت لخطيبها مردفة
-هيا يا بيير
فتنهد الشاب باستسلام وقال
-كما تريدين
ونهض هو الآخر ليتبع الفتاة فيما شيعتهما باميلا بنظرها إلى بوابة القلعة فيما كانت يدها تداعب رأس جاكيه وتفكيرها منصب على تحضير جناح الضيافة لضيفها الجديد.
أنت تقرأ
سلسلة الأسياد- الجزء الأول-الأسياد
Actionعندما تكتشف أن كل ما عشته حتى الآن في عالمك الوديع ليس سوى مجرد كذبة ملونة والأسرار التي تختبئ خلف ظهرك قادرة على أن تقلب حياتك مئة وثمانين درجة والأفكار التي كنت تعتنقها قادرة على أن تدفعك لتقود أكبر ثورة في تاريخك وليس تاريخك وحدك بل هو تاريخ ا...