إن مدينة كبرلين التي تعتبر واحدة من أعرق المدن في العالم تعمل على جذب الكثير من الشركات لا سيما الكبرى منها ورجال الأعمال والمستثمرين حيث تعتبر سوقا حيويا يستفاد منه بكل ثقة، ولكن فإن هؤلاء الأشخاص أنفسهم ليسوا متشابهين في مدى عشقهم لبرلين واستعدادهم للاستقرار في مدينة مثلها، ولعل كولد رايسل هو أحد هؤلاء الأشخاص، فصحيح أن هذا الرجل البالغ من العمر ثمانين عاما والذي يبدو من الوهلة الأولى أن حياته قد انتهت وأن الأوان قد آن كي يعتزل ويجلس في منزله يطالع صحيفة الصباح ويشغل بالعناية بحديقة منزله كما يفعل أي رجل قد أنهي كل ما كان يرغب به في حياته، إلا أنه لم يكن من هذا النوع مطلقا كما لم تكن برلين تستهويه مطلقا.
فقد ورث كولد رايسل شركات كوريانتا البيولوجية عن والده والذي ورثها قبله خمسة أجيال من العائلة وهو بعمر الثلاثين وكانت وقتها في ذروة مجدها بعد ما يقارب الـ150عاما من الجهد والعمل الذي لم ينقطع ولا لساعة واحدة، ولكن ما فعله رايسل للشركة لم يكن فقط مجرد الصعود بها للإعلى بل إنه سار على خطا والده بشكل كبير جدا إن صح التعبير، فمنذ صغره كان متعلقا بوالده كونه كان الطفل الأصغر بين إخوته الأكبرين والذين لسوء الحظ لم تسعفهما الحياة بالحظوظ التي منت بها عليه هو، لذا كان الأمل الذي رسمه والده لكوريانتا وهو ما حققه بالفعل فهو قد اتبع خطا والده وصعد بالشركة لمجالات أكبر مما كان يمكن أن يتوقع لشركة أبحاث بيولوجية أن تصل إليها، وخلال السنوات الخمسين التي أمضاها في أروقة هذه الشركة أصبحت من أرقى الأسماء في عالم الأبحاث البيولوجية.
ولعل أول ما فعله بعد أن استلم إدارة الشركة كان نقل مقرها الرئيسي من وسط برلين إلى ضواحيها الجنوبية في مكان هادئ بعيد عن الضجة، ورغم ذلك فقد أبقى ثلاث فروع لها في العاصمة أهمها الفرع الرئيسي والذي كان يقع ضمن أسوار مجمع الشاريتيه الطبي، أما سبب كره الرجل لبرلين فلضجتها وفظاظتها وازدحامها، فقد كان في بعض الأحيان يستغرق ساعة للوصول من منزله لمقر الشركة الرئيسي، وعلى الرغم من أهمية الصبر لصاحب شركة بحجم كوريانتا فإن هذه الخصلة لم تكن متواجدة في كولد رايسل، لذا قرر أن يرحم نفسه من الإصابة بسكتة قلبية والموت المبكر والانتقال بمقر الشركة الرئيسي للضواحي وتحديدا لضاحية شفولسيا الواقعة في أقصى جنوب العاصمة وهي عكس النظرة التي كان يتبناها والده تماما، حيث أن هذا يعتبر الاختلاف الوحيد بين الأب وابنه.
صحيح أن كوريانتا على وشك أن تتجاوز القرن والنصف من عمرها وأن مكانتها قد بلغت عنان السماء حتى باتت رمزا وأيقونة لا يمكن تجاهلها إن أراد أحد البحث في تاريخ تطور الأبحاث في مختلف مجالاتها من الاستسناخ لأطفال الأنابيب لمعالجة العقم والأدوية لمختلف الأمراض، إلا أنها لم تجد لها طوال حياتها سوى منافس واحدا يكاد يصيب رئيسها الحالي بالجنون من شدة كرهه له، فقبل خمسين سنة حين أعلنت ولادة رشار في هذا المجال لم يعرها الرجل أي اهتمام لأنه كان مشغولا بالارتقاء بكوريانتا للسماء، ولكن الشركة ظهرت بقوة كبيرة لم يسبق له أن شاهد مثلها من قبل، فخلال ثلاثين سنة ارتفع اسم رشار للأعلى وأصبح يسمعه في كل مكان يذهب إليه ومع كل موكل يتعامل معه، وهو ما دفعه للتحري عن هذه الشركة وهذا كان السبب في التقائه بالسيد والسيدة روماريو الذين شكلا هذه الشركة عام 1960 وقد نشأت بينهما علاقة عمل طيبة تعاونا خلالها عدة مرات وتساعدا كثيرا وقد رأى الرجل فيهما ثروة نادرة، فإن إعلاء اسم شركة بيولوجية بهذه السرعة هو أمر صعب جدا، ولكن تلك الحادثة التي وقعت عام 1996 والتي قضت عليهما جعلت الشركة في رهن وصي ابنتهما آشلي التي يرجو الله من قلبه أن يخلصه منها.
أنت تقرأ
سلسلة الأسياد- الجزء الأول-الأسياد
Actionعندما تكتشف أن كل ما عشته حتى الآن في عالمك الوديع ليس سوى مجرد كذبة ملونة والأسرار التي تختبئ خلف ظهرك قادرة على أن تقلب حياتك مئة وثمانين درجة والأفكار التي كنت تعتنقها قادرة على أن تدفعك لتقود أكبر ثورة في تاريخك وليس تاريخك وحدك بل هو تاريخ ا...