7

2.6K 44 0
                                    

أمام إلحاحها المستمر لم يجد خورشيد مفراً من السماح لها بنزهة قصيرة رغم قلقه الذى بلغ ذروته .. رفعت عينيها تتأمل زخارف السقف في ملل وصبر نافذ وهى تستمع إلى نصائحه وخوفه المبالغ به من وجهة نظرها .. أخيراً همس الرجل في شبه توسل :- نانا حبيبتي .. بالله لا تبتعدي كثيراًزفرت في ضيق وهى تحول نظرها إلى باسل قائلة :- لست أدرى لمَ كل هذا القلق .. ما جدوى هذا الخرتيت إذاً ؟ابتلع باسل ريقه صامتاً بينما تحول اهتمام خورشيد إليه وسأله بذات النبرة القلقة :- أواثق أنت من قدرتك على قيادة السيارة ؟- نعم .. اطمئن يا سيدى- دعني أرى رخصة القيادة التي تحملهاأخرج باسل من معطفه رخصة القيادة وقدمها له .. من الجيد كونه يحملها معه أينما ذهب .. فهي تشعره بنوع من الزهو حتى وإن كان لا يمتلك سيارة خاصة به .. تناول منه الرخصة وراح يفحصها بدقة قبل أن يلقيها إليه في عصبية ويسمح لهما بمغادرة الفيلا على مضضبينما يعد لها السيارة .. راحت تعبأ رئتيها بهواء الحديقة المحيطة بالمبنى وتزفره كأنها سجين غادر سجنه بعد حكم مؤبد بين جدرانه .. انحنى فى تهذيب ليفتح لها باب السيارة .. شيء ما في نظراته لم يرقها ..تطلعت إليه في شك مسترجعة حديث خورشيد عنه .. هل استطاعت أن تروضه بالفعل أم أنه يتملقها ويضمر لها شراً ..؟ هل يتحين حقاً الفرصة المناسبة لينتقم منها ؟كل التحذيرات بشأنه لم تزدها إلا عناداً ورغبة في تحديه لعله يسقط أقنعته .. استرخت فى مقعدها ورفعت ساقيها فوق كرسيه ليلامس حذاؤها وجهه .. عض على شفتيه حتى كاد أن يدميها قبل أن يغمغم بصوت جاهد ليبدو هادئاً :- هل أبعدت نعليك قليلاً من فضلك ؟- كلا- نانا هانم .. أخشى أن لا أتمكن من القيادة بهذه الطريقة- لماذا ؟ من الحمار الذى منحك الرخصة ما دمت متذبذباً ؟- أنا لست متذبذباً .. كل ما فى الأمر أن رأسك الجميل أغلى من أن أغامر بهضحكت طويلاً قبل أن تبعد نعليها وتعتدل في جلستها قائلة :- رائع .. كدت أظن أنك متقزز من ملامسة نعلى لوجهك .. رغم علمي بكونهما أنظف من جلدك النتنأغمض عينيه بصبر نافذ .. ما الذى يمنعه من قتلها الآن ورميها على قارعة الطريق السريع لتدهسها كل السيارات العابرة فوقه بلا استثناء حتى تتسرب ملامحها بين طبقاته .. سيعود بعدها ويخبر خورشيد بأن خصومه تكاثروا عليه وقتلوها انتقاماً منه ...حتى ولو قتله خورشيد لكونه لم يعتن بها كما يجب .. سيكون حينها قد صنع به رحمة كبرى وأنقذه من حياة مظلمة زادها بؤساً وجودها فيهاأخذته إلى حفل راقص رواده أكثر طيشاً منها .. شعر منذ البداية بأنها تنوى توريطه في قتال لا محالة .. وكأنها تختبره .. أو ربما كانت تنتقم منه وكأنه هو من أخطأ في حقها ..!يا الله .. عام كامل على هذا المنوال ما أطوله ..!فهو بالكاد قد أكمل شهره الأول فى خدمتها والأمر يبدو مستحيلاً .. حتى المبلغ الكبير الذى وضعه خورشيد بين يديه أمس الأول بات زهيداً فى عينيه .. ما عاد يجده مستحقاً ليبيع نفسه من أجله ..!أرسله إلى فتحي في خطاب مسجل حتى يدخره له .. ما الذى يضمن أن لا تنتهى حياته قبل أن تنتهى خدمته لهذه المجنونة ؟خلعت الجاكت القصير الذى ترتديه فوق بلوزة مذهبة بلا أكمام وقذقت به وجهه محذرة إياه من تلويثه قبل أن تأمره بانتظارها متشبهاً بأحد الأعمدة الخرسانية الضخمة .. شرط أن لا يبعد عينيه عنها ويتقدم لنجدتها ما أن تشير له بالتقدم .. راح يراقبها ساخطاً وهى تتحرك كالشيطانة وتستفز كل من حولها في وقاحة اقشعر لها بدنه ...اقتربت من أحدهم .. كان الرجل جالساً مع فتاة أخرى حول طاولة صغيرة يتسامران في ود على ما يبدو .. وكأنها لم تجد سواه في هذا الملهى المزدحم لتطلب منه أن يراقصها غير مبالية بنظرات الفتاة المذهولة لها .. لم تشعر بذرة خجل لنظرات الرجل المتفحصة التي راحت تلتهم جسدها في تمعن قبل أن يعاود النظر إلى فتاته وكأنه يفاضل بينهما .. ابتسمت في عجرفة عندما قرر أخيراً الذهاب معها إلى حلبة الرقص ..لم يمض وقت يذكر حتى بدلته بآخر خطفته كالحرباء من بين ذراعي عاهرة لا تختلف عنها فساداً .. راحت تكرر فعلتها حتى جن جنون معظمهم وتحولت حلبة الرقص إلى حلبة للمصارعة الحرة بلا حكمتأفف في تشفى عندما تجمعت الفتيات حولها رغبة في الثأر منها .. أشارت له بالتقدم لإنقاذها فتجاهلها عمداً .. رغبته في الانتقام منها كانت أقوى من رغباتهن مجتمعة .. أدهشه صمودها لفترة لا بأس بها قبل أن تسقط ويهزم عددهن شجاعتها .. أخيراً تعالت صرخاتها وتيقن من صوتها الذى يحفظه عن ظهر قلبتحرك نحوها متصنعاً الجزع .. مدعياً تخليصها منهن بينما هو في الوقت ذاته كان يضعها في مرمى خصومها ليفعلن بها ما أراد أن يفعله هو بها منذ زمن ..يا له من حلم اشتهاه طويلاً ..!حملها أخيراً فوق كتفه وأسرع يغادر بها الملهى قبل أن يفترسنها كاملة .. وضعها في المقعد الخلفي للسيارة وراح يتأملها في شماتة .. لملمت شعرها المنكوش وعدلت فكها وكأنها تعيده لموضعه .. أمسكت بذراعها وتأوهت ألماً ..جاهد ليخفى ابتسامته قائلاً :- نانا هانم .. هل أنت بخير ؟- أيها المعتوه الأبله .. خذني إلى أقرب مشفى حالاً أحتاج إلى حقنة ضد التيتانوس .. هذه المسعورة التهمت ذراعي .. ماذا كنت تنتظر لنجدتي أيها المتخلف ؟- كن كثيرات جداً يا سيدتي- لم يكن أكثر من عضلاتك عديمة الجدوى أيها الخرتيت- كن نساءً وخشـ..........- نساء ..! قل وحوشاً مفترسة .. اللعنة عليك وعليهن في آن واحدما أجمل تلك السيمفونية التي عزفتها ألماً بينما كان الطبيب ينظف جروحها ويطهرها .. كم كان في شوق لسماعها منذ أكثر من شهر مضى .. سوف يبيت ليلته سعيداً للمرة الأولى منذ عرفهارن هاتفها المحمول بغتة فأشارت للطبيب بالتوقف .. اتسعت عيناه ذهولاً عندما تبدلت نبرة الألم في صوتها إلى هدوء لا يدرى كيف أتقنته قائلة :- حبيبي .. أنا بخير اطمئن .. سأكون عندك بعد قليل .. نصف ساعة على الأكثر .. نعم هذا الخرتيت بجواري .. حسناً .. إلى اللقاءأغلقت الخط وعاد صوتها للنبرة المتألمة في مرونة تستحق جائزة كبرى .. لاحظ للتو بأنها .. رغم كل العذاب والألم الذى تجسد فوق ملامحها .. لم تذرف دمعة واحدة .. أية امرأة أخرى فى مصابها لجفت مدامعها بكاءً .. أما هذه اللعينة فكانت أقوى من كل ظنونه .. ربما لهذا يعشقها خورشيد..!انتهى الطبيب من تضميد جراحها وحقنها بالمصل الواقي فأخرجت مرآتها ورتبت هيئتها وكأن شيئاً لم يكن .. ساعدها في ارتداء الجاكت لتخفى الضمادة فوق ذراعها المتورم وما لبثت أن استدارت إليه وأمسكت ياقة معطفه في شراسة قائلة :- حذار أن يعلم خورشيد بما حدث- اطمئني يا سيدتي- لا تدعى اللطف وكأنك تصنع معس معروفاً .. أعلم أن الأمر لصالحك قبل أن يكون لصالحي أناتطلع إليها صامتاً فأردفت :- غاية ما سيفعله معي هو عدم السماح لي بالخروج وحبسي بين جدران منزله الكريه .. أما أنت فسوف يسلمك لرجاله ويوسعونك ضرباً لأنك أهملت في واجبك نحوى أيها الثور عديم الجدوىوصلا إلى المنزل وأكملت تمثيلها بجدارة تحسد عليها أمام خورشيد الذى تنفس الصعداء ما أن رآها سالمة .. من الجيد أن وجهها لم يمسه سوء ..أخبرته بأنها تناولت عشاءها في الخارج لتهرب من مواجهته ولكنه أصر رغم ذلك على وجوب مشاركتها له المائدة حتى لا ينام جائعاً .. مطت شفتيها امتعاضاً قبل أن تستسلم لرغبته مجبرة .. لم تمانع عندما راح يطعمها بشوكته في صبيانية لا تليق به مركزاً ولا سناً .. انحنى أيضاً وقبلها في هيام- اذهب من هناانتفض باسل اضطراباً لسماع صوت خورشيد الآمر .. يبدو أنه قد لاحظ وجوده أخيراً فانتابه الغضب لا الخجل .. تسمر لحظات لا يدرى أين يذهب حتى صاح خورشيد ساخطاً :- كف عن الدوران حول نفسك كثور هائج .. إلى المطبخ أيها الغبي*****من حسن الحظ أن خورشيد انشغل تماماً في عمله المشبوه طيلة الأيام التالية .. سوف يمنعه ذلك من ملاحظة إصابتها .. فوزية التي تولت رعايتها في اهتمام وحب أدهشه لن تخبره .. ربما تكون قد تعافت تماماً قبل أن يكتشف الأمرولكن أين يختفى مع رجاله كل هذا الوقت خارج المنزل ؟ كان واضحاً كونهم يخططون لعملية كبيرة تستحوذ على اهتمامهم كاملاً .. همساتهم المرتجفة ونظراتهم المضطربة المذعورة رغم إجرامهم وصلابتهم .. ضاعفت من حيرته وقلقه فبات ليلته ساهداً ..سيكون غبياً لو فكر للحظة واحدة في بقائه بعيداً عن مرمى الخطر .. وجوده مع خورشيد سيجعله مسئولاً مثله مهما ادعى كونه لا يعلم شيئاً عن أعماله المشبوهة .. سيضعه في موضع الاتهام كفرد من عصابته .. القانون لن يبرأه على سذاجته أبداً .. ولكن ماذا عليه أن يفعل الآن ؟ هل يمكنه الهرب دون أن يثير هروبه حفيظة خورشيد ضده .. قد يعتقد بأنه يتعمد الوشاية به ؟ وشك خورشيد سيقوده إلى قتله لا محالة 2 aزفر في هيستيريا .. نهايته السجن أو القتل .. ويا له من اختيار ..!انقضى الأسبوع وأقبل غيره والأمر يزداد سوءًا يوماً تلو الآخر .. بل لحظة تلو الأخرى .. خورشيد الذى أصبح يتحرك كالوحش المذعور راح يبث وباءه في كل من حوله .. حتى فوزية بدأت تتملل وتصرخ هي أيضاً بلا مبرر .. أصبحت الفيلا الجميلة مصحة للأمراض العقلية ..رجال خورشيد يرعون فيها كقطيع للوحوش البرية كل الوقت .. يظهرون ويختفون كالأشباح متى راق لهم ..المكان الذى شبهه يوماً بالجنة بات جحيماً لا يطاق ..!أجمل ما في الأمر كونها ظلت حبيسة غرفتها تحديداً وليست الفيلا فقط .. حتى وجباتها حملتها فوزية إليها هناك .. قضبانها أضيق الآن .. ليتها تطبق على أنفاسها فيستريح منها للأبد ..لا يدرى إن كان خورشيد أخفاها عن رجاله غيرة عليها أم خوفاً منهم ؟!انحصرت مهمته في مراقبة الفيلا والطرق المحيطة بها .. خرج خورشيد منها ذلك الصباح مكشراً كعادته .. توقع أن يعبره ويكمل مسيرته ولكنه لم يفعل .. بل توقف أمامه واقترب من وجهه قائلاً في نبرة تحمل تحذيراً :- لا أريدك أن تتحدث مع أحد على الإطلاق- أنا لا أغادر الفيلا مطلقاً يا سيدى- أنا أقصد داخل االفيلاتطلع إليه باسل في تساؤل فأردف :- حذار أن يعرف أحدهم عنك شيئاً حتى اسمك .. نبرات صوتك لا أريدهم أن يتعرفوا عليها .. تكفيك لغة الإشارة للتعامل معهم .. إذا لزم الأمر وفى حدود أرجو أن تضيق قدر استطاعتكهز باسل رأسه ولم يعلق فتابع خورشيد في شراسة :- أريد أن أسمع صوتك .. أنا فقط .. ونانا هانم بالطبعقال باسل بسرعة :- وفوزية أيضاًلكم خورشيد كتفه في مزحة لم يصدقها وما لبث أن ابتسم ليضاعف دهشته قائلاً :- أعلم أنك تخفى خلف هدوئك عناداً يفوقك وزناًاتسعت عينا باسل وهو يتطلع إليه مرتبكاً فعاد يلكمه مازحاً للمرة الثانية قبل أن يتركه وينطلق بسيارته .. هل قرر خورشيد أن يضمه رسمياً إلى عصابته .. وإن كان سيفعل .. لماذا يحذره من مجرد التحدث مع رجاله ؟!رغم خوفه من المجهول فالوضع أصبح أفضل كثيراً من حراسة هذه المجنونة ومراقبة أفعالها التي لا يقرها عقل ...

في قبضتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن