17 -لو تفهم ..!
ألقى جسده بعنف فوق سريره حتى كاد أن يكسره .. زفر في ضيق متحاشياً النظر إلى عبدالله الذى أحضر أغراضه ووضعها معه في ذات الغرفة .. لم يكن مدللاً إلى الحد الذى يأبى فيه أن يشاركه آخر غرفته .. ولكن .....
الوضع لا يحتمل .....
غمغم عبدالله في حرج :
- أعلم أنك لا ترحب بوجودي في غرفتك
غمغم ساخراً دون أن يلتفت إليه :
- هل كنت تفضل الوجود في غرفتها ؟
- كلا بالطبع .. لم أكن أرغب في المجيء إلى هنا منذ البداية
- ولكنك رغم هذا أتيت .. لا تتظاهر بكرامة لا تملكها
- ندى هي من أصرت على ذلك
- وأنت استغللت حماقتها
- ندى ليست حمقاء
استدار إليه في حدة صارخاً :
- لا تدافع عنها وكأن أمرها يهمك أكثر منى
سادت فترة من الصمت المشحون .. أغمض باسل عينيه وأخذ نفساً عميقاً محاولاً الحد من عنف انفعالاته .. قال عبدالله فجأة :
- إن كنت تغار منى يمكنك أن تطمئن .. أنا ........
- أغار منك أنت ؟!
- ولمَ لا .. ألست رجلاً أنا أيضاً ؟
نهض باسل في غضب لم يستطع مقاومته هذه المرة ليقبض على عنقه صارخاً :
- حسناً .. أرنى رجولتك أيها المستفز
شعر عبدالله بالفزع عندما وجد نفسه فجأة يتأرجح في الهواء بفعل قبضته كالخرقة البالية فهتف قائلاً :
- أردت فقط أن أخبرك بأنني مرتبط بابنة خالتي منذ الصغر .. وسوف نتزوج ما أن تتحسن الظروف
قبل أن تسترخى ملامحه كانت ندى قد دخلت الغرفة مأخوذة بما تسببا به من ضوضاء إثر عراكهما .. شهقت في فزع فألقى بـ عبداالله فوق سريره في قسوة تأوه لها المسكين قبل أن يلتقط أنفاسه ويشرع في ترتيب هندامه صامتاً .. اقتربت منه ندى لتساعده هامسة في نعومة :
- هل أنت بخير ؟
حانت من عبدالله نظرة سريعة إلى وجه باسل المشتعل وما لبث أن أزاحها عنه قائلاً :
- لا تعامليني بهذه الطريقة أمامه فتزيديه جنوناً
نظرت بدورها إليه فأيقنت أنه محق .. ربما سيمتد عنفه ليطالها هي أيضاً إذا استمرت في تحديها له .. تصنعت اللامبالاة وهى تبتعد عنه قائلة :
- ظننتك أنضج عقلاً .. كيف تفعل ذلك بضيفك ؟
نظر إليها في شراسة ولم يعلق فاستدارت لتغادر الغرفة قائلة :
آ- أتمنى لكما نوماً هادئاً .. بلا عنف
في صباح اليوم التالي استيقظ واجماً .. لم يرد تحية عبدالله التي بادره بها مبتسماً .. فهتف ذاك معترضاً :
- التحية صدقة .. في ردها حسنة لا يجب أن تحرم نفسك منها
زفر في وجهه بضيق حتى كاد أن يحرقه .. ولكن عبدالله عاد يثرثر متجاهلاً غضبه :
- كان يجب أن تردها مهما.........
- أنت أكثر من قابلت تطفلاً .. احتفظ بحسناتك لنفسك واصمت
- لماذا تعاملني بهذا الجفاء .. ؟ إن كنت تريد أجرة المبيت هنا يمكنني أن أدفعها لك
- ادفعها في مكان آخر إذاً وارفع عن نفسك المهانة
- ولكن ندى لن توافق
- لا شأن لـ ندى بهذا الأمر
- كيف هذا ؟ هل من أخبرتني بأنني أفضل من الشيطان
ضاقت عينا باسل وهو يتأمله في دهشة فتابع في خبث :
- نعم .. هي فتاة شرسة وعنيفة كالرجال .. ولكنها محقة في خوفها منك
- ماذا تعنى ؟
- من حقها أن تحترس لنفسها .. ما الذى يمكنها أن تفعله حال سقوطها بين ذراعي عملاق مثلك ؟
- هي من أخبرتك بذلك ؟
- ليس مباشرة .. فهمت هذا من حديثها القلق عنك .. فأنا لست غبياً بلا مشاعر كما تتوهم أنت
تطلع إليه باسل شارداً .. هذا الأبله يبدو محقاً .. هو نفسه لاحظ مؤخراً بأنها تحاول أن تتجنبه كلما استطاعت ولكنه لم يرد أن يصدق كونها بدأت تخافه .. ورغم هذا فالخوف أنواع .. ليس مضراً في كل الأحوال .. بعضه ضروري وصحى أحياناً .. ولكن أي منهما ذاك الذى يطاردها من وجوده معها تحت سقف واحد ؟
قال عبدالله :
- في البداية ظننتها متحررة أكثر مما ينبغي .. ظننتها تعاشرك بلا زواج شرعي
رمقه باسل محذراً فتابع مبتسماً :
- لم أكن قد عرفتها جيداً بعد .. الآن تأكدت من أنها فتاة على خلق .. بغض النظر عن لسانها السليط واستبدادها الدائم
تنهد باسل في مرارة وهو يدفعه أمامه قائلاً :
- وأنت من جاءت بك لتحميها منى ؟!
- نعم
ابتسم مرغماً وهو يقول متهكماً :
- هيا أيها الملاك لتذهب إلى عملك
- ينبغي أن أنتظرها .. طريقنا واحد
- اسمعني جيداً .. مهما كانت مبرراتك ومبرراتها لوجودك هنا .. حذار أن تنفرد بها في هذه الشقة دون وجودي ..
- لا تضخم الأمور .. دقائق معدودة وسوف نغادر نحن أيضاً
- إن كنت أخشى عليها من نفسى فكيف تريدني أن أتمنك أنت عليها ؟!
- هل تحبها إلى هذا الحد ؟
- هذا ليس من شأنك
ابتسم عبدالله قائلاً :
- ألم أخبرك بأنها مستبدة ؟
دفعه باسل أمامه ساخطاً .. استقبلتهما ندى مبتسمة .. كانت تعد فطوراً .. لم تفعلها من قبل ..!
رد تحيتها في اقتضاب واستدار يتطلع إلى عبدالله في شك .. هل هو صادق بالفعل في حجته للوجود بينهما أم أنهما يخدعانه ليكونا معاً ؟
- ما رأيكما ؟
أمطرها عبدالله بوابل من المديح والثناء وهو يجلس متحمساً لتناول الطعام بينما جلس باسل في بطء دون أن يعلق .. رمقته في حنين وهو يضع في فمه بعض اللقيمات شارداً دون أن ينظر إليها .. تنبهت إلى نظرات عبدالله التي تابعها بها مبتسماً فحولت نظرها إلى طبقها وراحت تلتهمه صامتة .. ما الذى كان يمكنه أن يفعله ما لم يكن عبدالله يجلس بينهما الآن ؟
كان سيبتسم ويفوقه ثرثرة ومدحاً في الفطور الذى أعدته حتى قبل أن يتذوقه .. كان سيضمها ويقبلها أيضاً .. ورغم كل محاولاتها لصده كانت ستستسلم له في النهاية حتى يكتفى منها مؤقتاً .. نعم كان يجيد التحكم في انفعالاته نحوها في الوقت المناسب .. ولكن إلى متى سيتمكن من الصمود أمام رغبته فيها خاصة وأنها لا تملك مقاومته ؟!
ماذا لو تهور ذات مرة فتورط وورطها معه في سبيل لا مهرب منه ؟
من المحال أن تقبل بارتباط أبدى به .. حتى لو قبلت بمصير والدتها واضطرت لدفع حياتها ثمناً لعشقها له .. فهي لن تغامر أبداً بحياة طفل يكرر معاناتها مجدداً .. لن تحتمل أن يحيا صغيرها بألف وجه وأن يقاتل في كل لحظة للبقاء على قيد الحياة
زفر عبدالله في ضجر من ذلك الصمت والوجوم الذى أحاط بهما وأصابه هو الآخر رغماً عنه .. رمقته بابتسامة باهتة .. وجوده يسعدها بقدر ما يحزنها لكونه أبعد باسل عنها ...
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...