لا أملك إلا أن أكون ضعيفاً
تراخت قبضته حولها وهو يغمغم في عدم تصديق :
- ماذا قلتِ ؟
أجهشت للبكاء مجدداً .. فتحرك كالتائه ليضعها فوق فراشها في رفق وعاد يسألها في لهفة :
- هل حقاً قلت أن خورشيد كان والدك ؟ هل هذا صحيح ؟
أخرجت الصحيفة التي احتفظت بها تحت وسادتها وقذفتها في وجهه بعنف تحمله راضياً وهو يقرأ عناوينها للمرة الأولى :
سقوط أكبر عصابات التهريب في مصر وانتحار زعيمها مصطفى أحمد ابراهيم الشهير بـ مصطفى خورشيد .. العصابة انقسمت على ذاتها فسهلت مهمة الشرطة في اصطيادها .. التحفظ على شحنة الألماس المهربة وكذلك كافة ممتلكات مصطفى خورشيد وابنته المختفية ...
وضع الصحيفة جانباً وأطلق زفرة طويلة أخرج معها هموماً عبأت صدره وجثمت فوق أنفاسه دهراً .. استمر في النظر إليها وكأنه يراها للمرة الأولى .. اقترب أخيراً ليجلس بجوارها ويهمس باسمها خجلاً .. راحت توبخه في عنف وتلكمه في شراسة حتى خمدت قواها فعادت تبكى مجدداً
حاول أن يضمها إليه فأزاحته في ثورة قائلة :
- لا تقترب منى .. اتركني أيها الأحمق
- نعم .. أنا أحمق وجاهل .. وأستحق القتل أيضاً .. ولكنك المسئولة عن جهلي وسوء ظني بك .. كم مرة رجوتك أن تطلعيني على سر علاقتك به ورفضت إجابة تساؤلاتي أيتها المستبدة ؟!
أشاحت عنه بوجهها فأردف معاتباً :
- بعد كل ما فعلته من أجلك .. كان عليكِ أن تكوني أكثر ثقة بي
انهمرت دموعها وكأنها لن تجف أبداً .. أمسك بيديها رغم اعتراضها وقبل أصابعها هامساً :
- لطالما غفرت لكِ حتى أسوأ ظنوني عنكِ .. فاغفري لي حماقة أصابتني سهواً
- تتظاهر بالتهذيب الآن .. بعد كل ما نعتنى به أيها الوقح
عض على شفتيه قائلاً :
- وكيف لي أن أتوقع بأن يكون خورشيد هو والدك ؟ ذلك الطاغية أتقن دوره حد الإبداع..!
رمقته غاضبة فأردف مبتسماً :
- كان يتعمد أن يخفى هويتك حتى عن أقرب الناس إليه ..!
- نعم .. لأنه كان يخشى أن يكون مصيري مثل أمي .. خسرت حياتها لأنها زوجته .. عذبوها أمامه لإرغامه على طاعتهم .. وفى النهاية قتلوها أيضاً رغم رضوخه لكل مطالبهم۔۔۔۔۔
- وماذا عنكِ حينها ؟
- كنت في العاشرة من عمرى .. خبأني ليلتها تحت السرير وطلب منى كتم أنفاسي حتى يذهبوا .. قاوم صراخه ولوعته على والدتي رغم عشقه لها حتى لا أصرخ أنا أيضاً فيكتشفوا وجودي ويفعلون بي مثلما فعلوا بها
- ولكن كيف لم يكتشفوا أمرك كل هذه السنين ؟
- لأن خورشيد أرسلني لأكمل دراستي بإحدى المدارس الداخلية في فرنسا مكتفياً بزيارتي خلسة كلما سنحت له فرصة .. وعندما عدت أخيراً .. أهداني صندوق كبير من مساحيق التجميل وعدداً من ألوان الشعر المستعار .. طلب منى أن أتقن دوري ضماناً لحمايتي حتى نحقق انتقامنا منهم ونهرب خارج مصر لنبدأ حياة جديدة بلا خوف من أحد
دفنت وجهها بين كفيها وهزت رأسها في ألم قائلة :
- أراد أن يعوضني عن كل القلق والخوف الذى ملأ حياتي .. لكن الموت لم يمهله 1a
تنهد فى مرارة وجذبها لتنهض قائلاً :
- أنا سأفعل .. وخورشيد كان يعلم ذلك عندما سلمك لى
تشنجت صامتة فأردف مبسماً :
- هيا اغتسلي وبدلى ملابسك حتى أجمع أغراضنا لنرحل من هنا
- هل حجزت في فندق آخر ؟
- بل منحوني منزلاً مستقلاً بالقرب من مركز التدريب .. ووعدوني أيضاً بمنحى سيارة فاخرة عما قريب
- لهذا انشغلت عنى أيها الجشع .. ماذا ستفعل عندما يزيدون حوافزهم أكثر ؟
قرص وجنتها في لطف قائلاً :
- بالكاد توسدت سريراً في غرفة لا أعلم بعد ألوان جدرانها
- لا تقل بأنهم يغيرونه من أجلك كل يوم
ضحك قائلاً :
- لو أردت لفعلوا .. يوماً بعد آخر يقوى نفوذي وترتفع مكانتي بينهم
ابتسمت في قلق قبل أن تهتف فجأة :
- ولكنني دفعت أجر شهر كامل لهذه الغرفة
- لا بأس سوف نستعيد النقود .. ولكن اخبريني أولاً .. من أين حصلت عليها ؟
تطلعت إليه في شراسة قائلة :
- خمن أيها العبقري
- كلا .. اخبريني أنتِ
- لماذا ؟ قد أثبتت التجربة بأنك تمتلك عقلاً أسمن من جسدك 2a
- وأنت تمتلكين قلباً أقسى من قلب خورشيد .. ظننت تشابهكما نتاج معاشرة لا أكثر .. والآن أدركت بأنها جينات شيطانية أورثها لكِ كاملة
رفعت رأسها في فخر قائلة :
- يشرفني بأنه فعل
- ويقلقني أنه فعل
- يمكنك أن تبتعد عنى إن شئت
- ليتني أستطيع
- ما دمت لا تستطيع أن تحكم نفسك .. فأنت ضعيف إذاً
- معك لا أملك إلا أن أكون ضعيفاً
غرقت ما بين نظراته المتيمة وكلماته الجياشة بالمشاعر فصمتت على مضض .. ساد التوتر بينهما حتى هتف في انفعال :
- والآن اخبريني .. من أين أتيت بالنقود ؟
- يا لك من لحوح حد الإزعاج ..!
نظر إليها شزراً .. فأردفت مجبرة :
- اضطررت لبيع بعض المجوهرات التي تركها لي خورشيد
- أية مجوهرات ..؟!
- عقد اللؤلؤ الذى لطالما تباهيت به
هز رأسه في تفهم وتنهد في أسى لم تستوعبه فظنته إشفاقاً على حالها البائس .. أردفت ساخطة :
- لا أدرى كيف تخيل خورشيد بأنها سوف تكفيني كل العمر .. بالكاد أنفقتها في الأيام القليلة الماضية .. هناك شيء لا أفهمه
صاح في انفعال :
- كفى مشاكسة واذهبي لتبدلي ملابسك .. وإلا أقسم أن أبدلها لكِ بنفسي
- ماذا ؟
زمجر وهو يلوح لها محذراً فأردفت في جزع :
- أنت ترهبني بحديثك هذا .. ماذا سيحدث عندما يجمعنا منزل واحد ؟
قبل كفيها وتوهجت نظراته قائلاً :
- اطمئني .. سأنتظر حتى تجمعنا غرفة واحدة .. عما قريب
- باسل ...
- أحبك يا نانا .. وأتوق كي أكمل ما تبقى من عمرى معك
تطلعت إليه فى ذهول .. مشاعره كانت تغمرها كل الوقت ولكنها لم تكن تتوقع أبداً أن يعلنها صراحة بهذه الجرأة .. والسرعة أيضاً ..!
غمغمت وهى تتصنع ابتسامة :
- هذه هي المرة الأولى التي تناديني فيها نانا .. كنت أظنك تكره هذا الاسم
- كنت أظنه ملكاً لرجل آخر
- كنت تظنني كلى ملكاً لرجل آخر .. ورغم هذا تدعى بأنك أحببتني
همس حالماً :
- حبك لم يكن باختياري
- باسل أنت مفتون بي لا أكثر .. من المحال أن تكون عشقتني بهذه السرعة .. كل ما في الأمر هو أنك لم تعرف امرأة من قبل
ابتسم في مزيج من الصدق واللامبالاة قائلاً :
- استغلى الفرصة إذاً
ضاقت عيناها وابتسمت مستنكرة .. فأمسك بكفيها ليقبل باطن يدها مردفاً :
- بعثري مشاعري وأعيدِي ترتيبها كما تشائين .. أعماقي كلها ملكاً لكِ
تأملته طويلاً قبل أن تحنى رأسها هرباً من مواجهته أكثر .. ترك يدها وأردف في ارتباك :
- بالكاد بدأت أخطو نحو مستقبل مضمون يتيح لي الارتباط .. لم أكن أرغب في تعذيبك معي .. أريدك أن تنعمي برفاهية اعتدت عليها
هتفت في لوعة :
- وما الذى أدراك بأن مستقبلك هذا مضموناً ..؟ ماذا لو ....
كانت تتمنى أن تصارحه بمخاوفها وقلقها الذى يطاردها ليل نهار .. كانت تريده أن يتحرر ويحررها من هذا الكابوس ويبحث لنفسه عن مهنة أخرى تضمن بها بقائه معها بلا خطر .. ليته يقبل رصيدها المتواضع ليبدأ به مشروعاً لهما وهى مستعدة لمساعدته حتى ....
لكنه قاطعها قائلاً :
- أوسكار أكد لي ذلك .. وليس أوسكار وحده .. بل معظم المحترفين في هذا المجال تنبأوا لي بمستقبل عظيم .. كل ما أريده منكِ هو أن تنتظريني قليلاً حتى أحقق لنا حياة أفضل
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...