الغرفة الرخيصة التي حجزها لهما في الفندق بـ جوهانسبرج لم تكن تختلف كثيراً عن تلك التي في سان دوني .. عدا أن هذه كان بها سريرين لا سرير واحد .. إن لعظامه عليه حق .. وعظامه بدأت تشكو .. الأرض الصلبة التي يبيت فوقها منذ ما يقرب من الشهرين أفقدتها مرونة يبغى استعادتها
تذمرها كان واضحاً ولكنه بقى أسير شفتيها لم يغادرها .. كانت تحاول أن تتجنب عظة جديدة من عظاته التي لا تنتهى عن ظروفهما المادية السيئة .. ألقت بحقيبتها في عصبية فوق سريرها لتخرج ملابسها .. زفرت ساخطة عندما وقع نظرها على قميص نومها الأوحد الذى أحضره لها .. أمسكت به غاضبة وصرخت بصبر نافذ :
- وكأنني لن أغسل هذا أبداً .. لماذا لم تضع في الحقيبة بديلاً له ؟
زم شفتيه قائلاً :
- عذراً .. لم أكن أفكر في هذا حينها ..!
- عليك إذاً أن تكفر عن خطأك وتشترى لي آخر
ابتسم في عصبية وأومأ موافقاً .. فأردفت :
- أين الحمام ؟
- في الممر .. ليس بعيداً عن الغرفة
تطلع إليها بتمعن وأردف في تهكم :
- وليس هناك رجال يزعجونك هذه المرة
- تعال معي
- لماذا ؟
- سوف تنتظرني أمام الباب حتى أنتهى من تبديل ملابسي
فتح فمه ليعترض ولكنه ما لبث أن أخرج ملابسه هو أيضاً وأشار لها ساخطاً كي تتقدمه .. فهتفت مستنكرة :
- هل أفهم من ذلك بأنك لن تنتظرني ؟
- كيف تريدينني أن أنتظرك أمام حمام السيدات ؟
- وما المشكلة ؟
- ندى .. لا تثيري جنوني
ما أن عادا إلى الغرفة حتى ألقى بجسده المنهك فوق سريره وأطلق تنهيدة عميقة .. فتح فمه ليتثاءب في كسل وما كاد يغلقه حتى أغمض عينيه وغرق في سبات عميق .. تطلعت إليه مستنكرة قبل أن تبتسم وتسترخى فوق سريرها في شيد من القناعة تعجبت له ..
يبدو أنه لا مفر من التأقلم مع بؤسها ولو مؤقتاً حتى تتحسن الأوضاع
اكتفى نوماً واستيقظ أخيراً .. مضى بعض الوقت قبل أن يتنبه لوضعه ومكانه الجديد .. توقفت عيناه عندها لبعض الوقت .. كانت نائمة كملاك صغير لا يمت بصلة لشيطانة ظلت تسكنها طويلاً ..
تذكر المسابقة فانتفض على عجل وغادر الفراش .. عليه أن يذهب ليرشح نفسه قبل أن ينتهى موعد التقديم .. كان حريصاً على أن لا يزعجها ولكنها استيقظت ونهضت مذعورة تحمل عينيها الاتهام ذاته الذى حملته له في المرة السابقة .. لم تثق به بعد .. ويبدو أنها لن تثق به أبداً ..
قبل أن تفتح فمها أسرع يقول معاتباً :
- متى ستتعلمين الوثوق بي ؟
- ربما عندما تخبرني بمشاريعك مقدماً
صمت في حيرة ضاعفت ريبتها فأسرع يقول :
- هناك مسابقة للمصارعة الحرة ستقام قريباً
ظلت ترمقه في فضول لم يشبع بعد فأردف في تلعثم لم ينجح في التخلص منه :
- قررت أن أتقدم لها
- لا يبدو أنك قررت ذلك خلال هذه الساعات القليلة
تأملها صامتاً فأردفت وقد زاد البريق في عينيها :
- كنت تعلم ذلك من قبل .. لهذا اخترت أن نأتي إلى هنا ..؟!
- نعم
اتسعت عيناها مستنكرة فأردف ليدافع عن نفسه :
- وما المشكلة .. ؟ أنا لم أقصر في واجبى نحوك .. فلماذا تعترضين على ....
- ومن قال بأنني أعترض ؟
- هيئتك الغاضبة خير دليل
- فقط لأنك لم تكن صريحاً معي منذ البداية
- ربما لأنك من عالم آخر .. لم أتوقع منك التفهم لطموحاتي
رفعت رأسها في تهكم قائلة :
- عالم آخر .. ها قد تشاركنا عالمك البائس .. على أية حال .. لم يكن باستطاعتي أن أمنعك سابقاً ولا الآن .. ولكنك خبيث على ما يبدو
- أنا لست خبيثاً .. فقط كنت ....
مط شفتيه فى حيرة تلميذ فاشل وهو يبحث عن كلمات مناسبة يكمل بها عبارته .. فأردفت وهى تلوح بأصبعها في وجهه كمعلمة غاضبة :
- حذار أن تكررها وتخفى شيئاً عنى
هز رأسه مبتسماً قبل أن تتوتر عضلات فكه عندما اقتربت منه لتمسك بياقة قميصه في نعومة هامسة :
- وماذا لو فزت بهذه المسابقة وأصبحت بطلاً .. هل ستتركني حينها ؟
قبض على يديها وابتلع ريقه قائلاً :
- أقسمت مراراً بأنني لن أتركك أبداً
احتوته بعينيها .. لو ظلت تنظر إليه بهذه العيون الأحلى من العسل فلن يحقق شيئاً أبداً .. بل سيذوب ويتحول لهلام يتلاشى بعد قليل .. أبعد عينيه عنها مرغماً وأزاحها في لطف قائلاً :
- ينبغي أن أذهب الآن
- وماذا عنى ؟
- لن أتأخر
- سآتي معك
- إلى متى ستتعلقين بي بهذه الطريقة ؟
- وعدت للتو بأنك لن تتركن أبداً ..!
- نعم .. ولكن هذا لا يعنى بالضرورة أن أصحبك معي كطفلة أينما ذهبت
هتفت في حماسة وهى تهم بخلع ملابسها :
- لن أعطلك
أسرع يمسك بيديها صارخاً :
- حذار أن تبدلي ملابسك أمامي مجدداً .. اذهبي للحمام
- أخشى أن لا تنتظرني
- بل سأنتظرك
أنت تقرأ
في قبضتي
Short Storyتطلع إلى نفسه فى المرآة ساخطاً : ما جدوى كل هذه العضلات المفتولة إن كانت المرأة الوحيدة التى يريدها لا ترى فيه رجلاً ..؟! نعم .. سيحيا عبداً لعام واحد .. واحد فقط .. سيعيش فيه العبودية ويستسيغها بكل مرارتها وآلامها .. سيتقبل الهزيمة بقلب رحب ما دامت...