12

1.8K 42 0
                                    





باب غرفتها مفتوح .. كانت تنتظره على أحر من الجمر .. ما أن أبصرته حتى صاحت معنفة :
أين كنت أيها الغبي ؟ 
تطلع إلى وجهها الخالي من المساحيق وغمغم في هدوء :
كنت استحم .. ماذا حدث ؟
عضت على شفتيها في اضطراب قائلة :
تسلل أحدهم إلى غرفتي بينما كنت استحم أنا أيضاً
ومن فتح له الباب ؟
عادت تعض على شفتيها في إحساس بالذنب قائلة :
يبدو أنني نسيت إغلاق الباب بالمفتاح 
رغم أنني نبهتك لهذا سابقاً
لم أطلب منك المجيء لتعظني أيها الخرتيت عديم الجدوى .. لُم نفسك قبل أن تلمني .. أنت السبب .. أنت المسئول عن حراستى 
تجاهل ثورتها قائلاً :
هل سرق شيئاً ذو قيمة ؟
اقتربت من الحقيبة وراحت تعبث في محتوياتها بعصبية قائلة :
عبث بمحتويات هذه الحقيبة فحسب
ما الذى اختفى منها ؟
وكيف لي أن أعلم .. خورشيد هو من أعدها بنفسه
قال بسرعة حتى لا تفكر في سؤال خورشيد واطلاعه بالأمر قبل أن يتمكن هو من الهرب بكنزه ومغادرة فرنسا كلها :
أنت أخبرته سابقاً بأنك أفرغت محتوياتها .. سوف يغضب إذا علم بأنك كذبت عليه
كف عن إخباري بأشياء أعرفها وأخبرني ماذا أفعل الآن ؟
هز كتفيه في لا مبالاة قائلاً :
لا شيء .. ربما كان ما اختفى منها لا يستحق القلق بشأنه
تطلعت إليه في شك فأردف بسرعة :
قد يكون أحد عمال الفندق راقه شيئاً من ملابسك فقرر الاحتفاظ به
أتظن ذلك ؟
لا يوجد تفسير آخر .. ومن سيتجرأ ويدخل غرفتك سواهم ..؟ رواد الفندق أثرياء وليسوا في حاجة إلى ملابسك
هذا لو سلمنا بأن ما سرق كان ملابس بالفعل
وماذا سيكون غير ذلك ؟
تطلعت إليه في حيرة وراحت تذرع الغرفة ذهاباً وإياباً وهى تحدث نفسها قائلة :
قلبي يحدثني بأن هذه الحقيبة كان بها شيء أكبر من مجرد الملابس .. لماذا فتشوني في المطار إذاً ؟ 
خرجت عبارتها عفوية ولكنها لم تسقط كذلك على مسامعه .. لا شك أن خورشيد كان على علم مسبق بأن هذا حتماً سيحدث .. لذلك لم يضع المجوهرات في الحقيبة التي كانت تحملها .. بل وضعها في الحقيبة التي حملها هو لكونه بعيداً عن الشبهات .. وللسبب ذاته طلب منه التظاهر بأنه لا يعرفها حتى يصلا إلى باريس .. لو وجدوه برفقتها لكانوا فتشوه هو أيضاً
كانت مغامرة غير مضمونة من ذلك الطاغية .. لو تم تفتيشه في المطار كان سينكر معرفته به ويتركه يتلقى بمفرده المصير المظلم .. وإذا نجح في المرور بها سالماً سوف يسلمها إلى عشيقته وكأن شيئاً لم يكن .. هذا الحقير ....
باسل .. أين ذهبت ؟ 
تطلع إليها في دهشة .. ما كاد يستوعب أنها نطقت اسمه للمرة الأولى بلا إهانة حتى لكمته في فكه بشراسة وكأنها تعفيه من أي إحساس بالتعاطف معها قبل أن تصرخ فيه : 
أنا أستحق الشنق لأنني ثرثرت بوجعي مع خرتيت مثلك
تعجب لكونه لم يحقد عليها هذه المرة كعادته كلما أساءت إليه .. ربما شفقة بضعف لم يلمسه فيها من قبل .. وربما ......
رن هاتفها فأسرعت تلتقطه كطوق نجاة ..
هتفت في شبه انهيار :
خورشيد ...
ماذا بك يا حبيبتي ؟
لا شيء .. أنا فقط اشتقت إليك
مضت فترة من الصمت قبل أن تعاود الحديث وكأنها تحث الطرف الآخر على الحديث بدوره :
حبيبي .. ألا زلت على الخط معي ؟
نعم .. نعم يا حبيبتي أنا معك دائماً .. إن لم يكن بجسدي فـ بعقلي وروحي وكل كياني
أنا في انتظار بعد الغد على أحر من الجمر .. كدت أجن بغيابك عنى
عاد الصمت مجدداً فهتفت ساخطة :
خورشيد لماذا تستغرق كل هذا الوقت للرد .. هل حدث شيء ما ؟
اسمعيني جيداً يا نانا .. أنا لن أستطيع المجيء إلى فرنسا
ماذا ؟
أنت أيضاً يجب أن تغادريها على الفور
ماذا تقول ؟
يجب أيضاً أن تسحبي كل رصيدك من البنك الليلة إن أمكن .. افتحي لك حساباً جديداً .. ويفضل أن يكون باسم باسل 
وكأنك جننت .. وتقودني أنا أيضاً للجنون
حبيبتي .. رصيدك الحالي لا يستحق كل هذا الغضب لأجله .. علمت الأسبوع الماضي فقط أن الشرطة تضع اسمى ضمن قوائمها السوداء .. تأكدت من ذلك عندما تم تفتيشك في المطار
صرخت في انهيار :
أنت تعلم إذاً .. ورغم ذلك تصر على بقائك بعيداً عنى .. تتركني في الغربة وحدى
بالله يا نانا لا تصعبي الأمور .. يكفيني ما أعانيه هنا .. أنا على يقين بأن باسل سيعتنى بك .. وحتى إن لم يفعل .. المجوهرات التي بحوزتك سوف تغنيك عن كل شيء
صرخت في هيستيريا :
أنا لا أريد مجوهراتك ونقودك .. أنا أريدك أنت .. وعدتني أن نبدأ حياة جديدة .. عاهدتني على أمان لم أشعر به يوماً .. وها أنت قد خنثت عهودك من جديد .. أهديتني المزيد من الخوف والقلق .. إلى متى تظنني سأحتمل هذه الحياة ....
ألقت الهاتف أرضاً وراحت تنتحب في انهيار لم يتوقع أن يصيبها يوماً .. حول أنظاره في حيرة بينها وبين الهاتف قبل أن ينحني ليمسك به قائلاً :
أنا باسل يا خورشيد بك
أين نانا ؟
نانا هانم .. أعصابها متوترة قليلاً
اسمعني جيداً يا باسل .. لم أعتد الوثوق بأحد قط ولكنني وثقت بك .. أنا على يقين بأنك ستفي بالقسم الذى عاهدت الله قبل أن تعاهدني به .. خذ نانا واهرب إلى لندن حالاً .. أنا ......
لم يكمل جملته .. حتى باسل فقد النطق وهو يستمع في ذهول إلى صوت الرصاص الذى حل بديلاً لصوته قبل أن يغلق الخط فجأة .. ظل يتطلع كالصنم إلى الهاتف بين يديه طويلاً .. انتفض عندما عاود الرنين بعد قليل .. وضعه على أذنيه صامتاً وراح يستمع في ترقب إلى صوت محدثه .. لم يكن صوت خورشيد هذه المرة .. كان شيطاناً آخر قال في نبرة خشنة : 
اسمعني جيداً يا حلوتي .. من الخير لكِ أن تخبريني بمكان الألماس قبل أن أرسلك إليه في الجحيم 
حانت من باسل نظرة إليها .. كانت لا تزال منهارة بكاءً غير مستوعبة لما يحدث من حولها .. غادر الغرفة في هدوء قبل أن يقول مخاطباً محدثه على الهاتف :
من أنت ؟ وعن أي حلوة تتحدث ؟
صمت الآخر قليلاً وكأنه يستوعب صوته قبل أن يغمغم ساخطاً :
أنت رجل إذاً وليس امرأة كما سجلك هذا اللعين على هاتفه
صمت باسل ولم يعلق فأردف الرجل في وحشية :
لا يهمني إن كنت رجل أو امرأة .. كل ما يهمني هو الألماس فقط .. إن كنت تظن أن فرنسا بعيدة فأنـ........
أسرع باسل يغلق الخط .. لم يعد يهمه ما سيقوله ذلك المجرم .. يكفيه أنه على علم بمكانه وقد يصل إليه بين لحظة وأخرى .. أسرع يدخل غرفتها من جديد .. كانت لا تزال تبكى وإن كان انهيارها قد بدأ يقل إلى حد ما ..
قال في انفعال :
نانا هانم لابد أن نغادر فرنسا حالاً
رفعت إليه وجهها غاضبة .. هزت رأسها فى عناد صارخة :
كلا .. لن أطيعه هذه المرة .. لقد سئمت وعوده الباطلة لي بالأمان
أرجوكِ نانا هانم ليس هناك وقت .. لقد قتلوا خورشيد وهم في طريقهم إلينا الآن
اتسعت عيناها ذعراً فأردف لبث الطمأنينة فيها :
لا تقلقي .. سأبذل قصارى جهدي لحمايتك .. لقد أقسمت بـ.........
غمغمت في ذهول :
ماذا قلت
أقسمت على حمايتك
كيف علمت بأنهم قتلوا خورشيد ؟
سمعت صوت طلقات الرصاص على الهاتف قبل أن يغلق الخط .. كما أن أحدهم عاود الاتصال بي وهددني ......
سقطت فجأة مغشياً عليها قبل أن يكمل عبارته .. يبدو أن الصدمة فاقت تحملها .. تحرك في عصبية ليلتقط إحدى زجاجات العطر بجوار مرآتها في محاولة لإسعافها بأسرع وقت ممكن .. ما أن استعادت وعيها حتى راحت تنتفض في هيستيريا وما لبثت أن ألقت نفسها فوق صدره وراحت تنتحب في حرقة غسلت كل أحقاده عليها دفعة واحدة 
امتدت كفه في حركة لا إرادية لتمسح شعرها بحنان وهو يقول بنبرة هادئة تحمل إلحاحاً :
أنا أقدر أحزانك .. ولكن صدقاً .. لابد أن نغادر فرنسا حالاً كما أمر خورشيد .. فهو أدرى بهم منا
خورشيد مات ..! مستحيل ..!
كان واضحاً من نبرات صوته القلقة أنه على علم مسبق بالخطر المحدق به وبنا نحن أيضاً .. بل يبدو أنه كان يعلم بذلك حتى قبل أن يرسلنا إلى هنا ..
انخفض صوته وأردف :
كل همه كان حمايتك أنتِ ...
عادت تبكى في هيستيريا وتعض على شفتيها في ألم .. همس في مزيج من التعاطف والقلق :
بالله يا نانا هانم .. دعينا نهرب من هنا بأقصى سرعة ممكنة
ابتعدت عنه وهزت رأسها في انكسار دون أن تتوقف لحظة واحدة عن البكاء .. ربت على كتفها وهو ينهض مشيراً إلى حقيبتيها قائلاً :
أعيدي ملابسك إلى هذه الحقائب ماعدا الضروري منها
رفعت إليه وجهها المبلل بالدموع في تساؤل فأردف :
سأذهب وأشترى حقيبة صغيرة لتضعي فيها مستلزماتك الضرورية فقط .. أما هاتان فسوف نتركهما في أمانات الفندق حتى لا تعيقا حركتنا
ما كاد يصل إلى باب الغرفة حتى عاد يسألها بعض النقود .. فتحت حقيبتها وأخرجت كل ما بها من مال ووضعته بين يديه صامتة .. تطلع إليها في دهشة .. بدت كالطفلة فجأة لا حيلة لها ولا قوة .. 
وبقدر انكسارها وجد نفسه مسئولاً عن رعايتها

في قبضتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن